الجمعة، 29 يونيو 2007

الجزيرة تبث الخبر.. ولا تعتذر

الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة2/12/2005
لا تحتاج قناة الجزيرة إلي إعلان عنها، منذ تأسيسها، وعن موقعها في فضاء الاعلام العربي، والعالمي، ولكنها تنتظره كأية وسيلة إعلامية، أن تكون هي أيضا متصدرة نشرات الأخبار مثلما هي أخبارها العاجلة والمثيرة للانتباه. وقد جاءها الآن وأصبحت خبرا بارزا في وسائل الاعلام، حتي المختلفة معها أو التي أريد أن تكون بديلا عنها أو ردا عليها، ومصدر الخبر هو ما سرب إلي صحيفة ديلي ميرور البريطانية، وتناقلته وسائل الاعلام الاخري، عن وثيقة خطيرة تضمنت حديثا بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الحكومة البريطاني توني بلير في نيسان/ أبريل 2004 حول قصف مكتبها الرئيسي بقطر، بعد أن تم فعليا مع مكتبيها بكابول وبغداد. ولم يكن الخبر مجرد تسريب إعلامي له علاقة بالفضائية العربية الموجودة في بلد يعد من حلفاء أمريكا حاليا، وحسب وإنما له علاقة بفهم أصحاب القرار، لاسيما بوش وبلير، للاعلام ومهمته ودوره عموما وقناة الجزيرة الفضائية خصوصا، وبتداعيات ما كشف من المجازر الوحشية التي اقترفتها قواتهما خاصة في عدوانها وحروبها المتعددة منذ استلامهما هما بالذات السلطات في بلديهما، علي ضفتي الأطلسي.
ما قامت به فضائية الجزيرة من دور إعلامي متميز مهنيا وعمليا وضعها هدفا مباشرا لمخططي الحروب علي المنطقة العربية والإسلامية، وأصحاب القرار السياسي الرئيسي وتابعيهم من المشاركين سرا مع مضمون تلك الحروب أو المزودين لها بما تحتاجه، دعما سياسيا وماليا وتغطية ميدانية وعملية. هل تتذكرون الجنرال تومي فرانكس، قائد عمليات العدوان علي العراق وجولاته في عواصم المنطقة واستقباله الرسمي والاحتفاء به ، وهل نسي الجنرال أبو زيد الآن الذي يكمل مهمته في تغيير خارطة المنطقة ورسم مشروع إمبراطوري لن يخدم كل من ساعده ويعينه علي غيره ويتجاهل قصة الثور الأبيض المعروفة والمشهورة والمكررة برتابة . تذكروا معتقلات أبو غريب والمطار وبوكا ومدن الفلوجة والانبار والنجف الاشرف والصدر وديالي وسامراء والموصل بالعراق مثلا . فلو لم تقم الجزيرة بعملها، من عرف ورأي ما حل وما حصل بالعراق والعالم العربي والإسلامي وما سيحدث بعده، وما يحاك يوما بعد آخر أم نحتاج بعدئذ إلي الأستاذ محمد حسنين هيكل ليستقرئ تاريخ كل من ساهم بقرار إقامة كيان صهيوني في قلب الوطن العربي ويعمل الآن للتطبيع معه ركوعا وخضوعا باسم الواقعية والتفاخر بعناوين مشاريع القمم العربية !.
يذّكر خبر الصحيفة بأحداث قصف مكاتب الجزيرة ووسائل الاعلام الاخري في اكثر من منطقة ساخنة، شنت عليها قوات العدوان الغربي حربها وغزوها واحتلالها، وسعت بكل ما لديها من قوي محلية واستخبارية أن تغزو هذه الوسائل أيضا بما يخدم أهدافها ومشاريعها واستراتيجياتها، ومنها منع نشر الحقيقة وإيهام الرأي العام وكبت المعلومات وناشريها وكتم الأنفاس عنها وعدم بثها وتسريبها وتوجيه الأنظار لغيرها مما يتركها حرة بمفهومها، دون رقيب بما تمارسه وتخطط له وتتبناه فعلا وعملا وتعتبره إنجازا وهدفا. وكل قصص الفضائح والفظائع التي كشفتها وسائل الاعلام جعلت التفكير بهذه المؤسسات موضوعا رئيسيا في جلسات مجلس الحرب الإمبراطوري وممثليه في الإدارتين الأمريكية والبريطانية خصوصا، وهو ما أعلنه كل منهم في اكثر من خطاب ومؤتمر إعلاني.
ومحاولات الاحتواء والهيمنة علي هذه المؤسسة وغيرها لم تتوقف عند التهديد والوعيد والتفكير بقصف مقر إعلامي أو قتل إعلامي مخلص لمهنته وصادق بعمله ومشروعه الشخصي الإعلامي، بل وفي استغلالها لأهدافها، وهو ما استفاد منه أصحاب حديث قصف قناة الجزيرة أيضا من إيصال ما أرادوا إلي أوسع عدد من المشاهدين والمراقبين عبرها، أو الدفع أو ترويج أسماء فرسان الكيان والعدو داخل البيوت العربية والتي صارت، بفضلها، معروفة اكثر من أسماء أقرانها العرب، وحتي أن أحدهم اعترف بذلك حين قال إن دقيقة بث بالجزيرة أهم كثيرا من آلاف البيانات والخطب والإعلانات الداخلية!.
هذا الخبر المسرب يسجل لقناة الجزيرة الفضائية، ما لها وما عليها، ويدعوها إلي ضرورة مراجعة نقدية لما قامت به وتخطط له والاعتبار من دروس التفكير بمصيرها ودورها، وأهمية وجود مؤسسة إعلامية عربية دولية تثبت قدرات الإعلاميين العرب علي أداء مهمتهم بمهنية حرة ومستقلة واحترام الرأي والرأي الآخر حقا، بما لا يترك مجالا لاستخدامها لتمرير ما يريده العدو وكتائبه وأجهزته التي لم تعد مخفية الأسماء والعناوين، وقد تكون أخبار اضطهاد وإغراء مصورها في غوانتانامو سامي الحاج، واعتقال تيسير علوني عبرة سبقت الوثيقة وما سيأتي.
مطالبة فضائية الجزيرة بكشف نص الوثيقة المختومة التي انتشر أوارها الآن حق لابد منه، فاحترام حياة مئات الأرواح من العاملين فيها، التي كاد الكثير منهم أن يكون في عداد شهداء الكلمة الحرة، لو نفذت تلك الخطة السوداء والفضيحة الاخري للرئيس المؤمن، معقود بها. والتشديد علي الحكومة البريطانية ورئيسها للتعاون علي كشف نظرية المؤامرة ، حسب محاولته التنصل من فضيحتها، وهو الشريك الأول لبوش، والمحاصر هو الآخر في مصداقيته وجرائم الحروب التي اشترك فيها طواعية، ولا يعطيه ثنيه لبوش، كما في الوثيقة، إعفاء من شراكته في مخطط الجريمة الكبري وتنفيذها بالعراق، وتفاصيلها الاخري والتي من بينها ما احتوته الوثيقة المسربة والتي قد تنشر كلها يوما ما، قريبا أو بعيدا. والعمل علي رفعها إلي القضاء والعدالة الدولية وتعرية ما وراء مضمونها المباشر، ليس للجزيرة وحدها فقط، وإنما لحرية الاعلام وحياة الإعلاميين جميعا. صحيح أن الخبر وحده واضح ولكن نشر تفاصيل النص يبين اكثر جدية القرار ومسئولية الحكام الذين يتبجحون أمام العالم بالديمقراطية والحريات ويخططون ضدها أو بما يشين من تصرفات تعكس حقيقتهم وأبعاد تفكيرهم عن الشعارات التي يطلقونها والممارسات التي يؤدونها.
ماذا سيقول دعاة الحرية الأمريكية من المحافظين الجدد، العرب والمتفوهين باسمهم من مقاتلي الحرب الإعلامية، من جنود وولفويتز وبيرل ورامسفيلد وخليل زاد، بعد الفضيحة الجديدة، التي تتناقض مع أول مادة من دستور الولايات المتحدة الأمريكية !! وهذه الفضيحة تؤكد جريمة مجزرة الفلوجة التي فضحها الفيلم الإيطالي الوثائقي، والتي كانت، كما يبدو، وبعد دفع مبالغ كبيرة، مبررا مغلفا لغلق مكتب الجزيرة ببغداد رسميا. ومن جانب آخر تلزم بما يتوجب الاستمرار فيه وتحمل تبعاته، والإصرار عليه من موقف إنساني عام ومهني خاص، بحثا وتوثيقا لمسارات الحقيقة التي لا يريد بلير أن يعترف بها، ويسعي بوش إلي طمسها، ويتبرع آخرون لإسكاتها.
مهما كانت محتويات الوثيقة وغيرها فان مهمة قناة الجزيرة وأخواتها والتي يهرع لها المواطن العربي أن تواصل نهج البحث عن الحقيقة وكشف الوقائع بالصورة والكلمة الصادقة والاضطلاع بالمسئولية الملقاة عليها لتظل دائما مرجعا للخبر الصحيح والرأي السديد. حينها تبث
الخبر ولا تعتذر عنه، ولا تلتفت إلي الوراء
.

مواقع سوداء في خارطة البيت الأبيض

الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة25/11/2005

تتزايد فضائح فرسان الإدارة الأمريكية، من المحافظين الجدد ومواليهم، منذ اعتلاء بوش العرش وتنفيذ مخططاتهم التي قال الكثيرون عنها بأنها كارثية. فمن جرائم العدوان إلي الغزو إلي الاحتلال، ومن عمليات الغش والخداع إلي قصف مؤسسات إعلامية وسفارات أمريكية وحليفة وصديقة لأهداف لم تعد سرية، إلي فظائع المعتقلات والتعذيب البشري والإبادة الجماعية والتجريب المنظم لمختلف الأسلحة والوسائل الفاشية علي الشعوب والأفراد.
من بين الفضائح الجديدة استخدام طائرات وبلدان كمعتقلات متنقلة لسجن وتعذيب آلاف البشر الذين لم توجه لهم تهم واضحة وقانونية ولم يحاكموا بمحاكم معروفة، وحسب الأصول القانونية التي يتبجح بها المشرعون ودعاة الامركة والعولمة الأمريكية. وتتوالي التسريبات والأنباء عن هذه الجرائم الجديدة بحق البشرية، وعن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي والإنساني وكل الاتفاقيات وملاحقها المتعلقة بالأسري والمعتقلين وسكان البلدان المحتلة ومناطق الحروب وغيرها. فقد كشفت صحيفة أمريكية سربت لها الأخبار وفاحت الرائحة النتنة لمجازر أخري تقترفها أجهزة الإدارة الأمريكية ضد الإنسانية أساسا، وتتنافي مع كل التعاليم والشعارات التي تتشدق بها وتكررها، صباح مساء، ويتغني بها التابعون لها في أرجاء المعمورة كببغاوات مخدرة، مسلوبة الإرادة والاختيار.
إضافة إلي المعتقلين داخل السجون الأمريكية بالعراق، أشير إلي وجود اكثر من ثمانين ألف سجين لدي أجهزة الإرهاب الأمريكية منذ 11 أيلول/ سبتمبر ،2001 موزعين في سجون تمتد من أفغانستان شرقا حتي غوانتانامو غربا، ذكرت بينها دول أوروبية وعربية استخدمت معتقلات سرية لسلخ البشر، أخذت علما بذلك وتقوم بإجراء تحقيقات، وسميت بالمواقع السوداء في خارطة البيت الأبيض. فهل هذه بشائر الديمقراطية التي أراد بوش واتباعه نشرها في العالم، وهل هي المقدمات أم المحفزات والنماذج المقترحة لمخطط الشرق الأوسط الكبير .
ماذا يمكن تسمية هذه الأعمال المشينة والقذرة وكيف تصدق ادعاءات واتهامات الإدارة الأمريكية حولها . وما يدور في أوساط المؤسسات الأوروبية والصليب الأحمر حولها قليل جدا، رغم شهادتها الموثقة عنها وإدانتها الواضحة لها ولكنها غير كافية مما يتطلب توسيعها وتفعيل جهود المنظمات العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الشعوب إلي فضحها ومحاسبة المسئولين عنها، ومحاكمة أصحاب القرارات فيها، وإنقاذ ما يمكن من ضحاياها، وإطلاق سراحهم فورا وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار شخصية وعامة جراء استمرار حجزهم ونقلهم وتعذيبهم في أماكن سرية لا يعرفون عنها شيئا، في بلدان ومطارات وطائرات سرية أمريكية ومسجلة لحساب أجهزتها الاستخبارية وسفاراتها المتحكمة بقرارات العديد من الدول التابعة والصديقة كما تسمي.
تأكيدات وسائل الاعلام الأمريكية ودوائر أوروبية مهمة جدا لكشف وفضح المجازر البشرية الجديدة. وتحميل الدول المشاركة فيها والمتسترة عليها المسئولية عنها وعدم قبول التنصل مما يتم علي أراضيها وفي مطاراتها، واذا كانت وسائل الاعلام الغربية عموما قد تمكنت من الإعلان عن هذه الجرائم ونشرت ما سرب لها عن أسماء الدول خصوصا، ومن بينها دول عربية فيتطلب الآن عربيا أيضا ودون تردد القيام بذات الدور في الكشف وإعلاء سطوع الحقيقة، لاسيما وان عدد المعتقلين العرب فيها ليس قليلا، وثبت من اعترافات بعض من أطلق سراحه منهم الكثير مما أعلن وفضح.
نددت صحيفة الواشنطن بوست التي كانت المبادرة الأولي في نشر ما سرب لها من الأخبار بالستار الحديدي الذي تفرضه الإدارة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية حول هذا الموضوع، واعتبرت أن البيت الأبيض لا يبالي باحترام الاعلام والرأي العام الأمريكي، ويبادر إلي التكتيكات الخفية والقذرة من اجل منع بزوغ الحقيقة وكبت أي نقاش علني حول أكاذيب الإدارة. وسخرت صحيفة نيويورك تايمز مما وصفته بتصدير الديمقراطية والسجون السرية. وتتواصل اهتمامات وسائل الاعلام العالمية بما يرشح من تلك الجرائم الأمريكية الرسمية التي تتعارض مع كل القيم والمواثيق الإنسانية والأخلاقية العالمية. مطالبة بعدم تصديق أكاذيب الإدارة الأمريكية ومؤسساتها، وفضح تذرعها، ودأبها علي نفي أية أنباء تسربت من انتهاكات سجن أبو غريب، وقاعدة باغرام، وغولاغ غوانتانامو، واصرارها علي خداعها والادعاء بالتصريح بما يخالف الوقائع الصارخة. وبات معروفا أن البنتاغون ونائب الرئيس والسي آي ايه وراء الكثير من قرارات استخدام وسائل التعذيب البشعة الانتزاع اعترافات ملفقة تريدها الإدارة وترغب بها وليست لها علاقة بالأحداث نفسها، كما ظهر باتهامات العراق بأسلحة الدمار الشامل وصلاته بالقاعدة. وعقبت صحيفة الغارديان البريطانية بمواراة إنجليزية مواصلة علي ما نشر في الصحف الأمريكية عما تردد من أن الاستخبارات الأمريكية قد تكون أغلقت بعض السجون، وشحنت نزلاءها المجهولين إلي دول صديقة مثل مصر والأردن والمغرب، بأنه لا يمثل حلا. مشيرة إلي ''إن وسائل الاعلام في تلك الدول تخضع للرقابة، كما أن هناك مزاعم بأن التعذيب يمارس في سجونها، وبالتالي فان مثل هذا الإجراء غير مشروع ولا يخدم قضية بوش في نشر الديموقراطية في منطقة ''الشرق الأوسط'' إذ يجب الحفاظ علي معايير التحضر، ومهما كانت (الحرب مختلفة) فان العدالة العالمية والقيم الأمريكية يجب الالتزام بها، حسب الصحيفة البريطانية.
تعمل الإدارة وبعض مؤسساتها علي تخفيف وقع وإخراج ما حصل ضمن أحداث يومية، وفردية، إلا أن رصده ومتابعة تداخله بأعمال وتورط شبكة واسعة من الأجهزة والمؤسسات الاستخبارية والعسكرية، واقتراف ابشع الوسائل فيه ضد الإنسان وحقوقه الطبيعية يلقي مسئولية عامة، كي لا يجعل تصور تكراره أمرا طبيعيا وانتهاكا مسكوتا عنه، ويحوّل حقوق الإنسان وكرامته موضوعا مستلبا في هذا العصر الإمبراطوري الأمريكي خلاف الزعم بوصفه عصرا لخدمة الإنسانية واحترام حياتها علي المعمورة ونبذ الإرهاب بكل أشكاله وخاصة الفاشي الأمريكي والحكومي عموما. ولعل ما نشر عن مطالبات حكومات دول كالدانمارك والسويد وأيسلندا بتوضيحات عن استخدام مطارات بلدانها مواقع لنقل وتصدير البشر المعتقلين من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية وحلفائها يوضح مدي سعة تلك الشبكة وتطوراتها والأعداد البشرية المنتهكة حقوقها فيها.
ما قاله الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، في مقابلة مع شبكة ''أن.بي.سي'' من إن إدارة الرئيس بوش تسببت في انحطاط المعايير الأخلاقية التي ميزت السياسة الأمريكية الخارجية علي مدي عقود، وانه خلال السنوات الخمس الماضية حدث تغيير كبير وهائل في السياسات الأساسية والقيم الأخلاقية في بلادنا، وإن هذا مجرد مؤشر واحد إلي ما قامت به هذه الإدارة لتغيير السياسات التي حافظت عليها البلاد طوال تاريخها، أمر غير كاف، حيث أن ما حصل خطير جدا ولابد من جهود عالمية لمسح كل المواقع السوداء في خارطة البيت
الأبيض
.

احتلال وطني ديمقراطي

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت19/11/2005
لم يعد اسم الاحتلال وما يقوم به عملا وقولا مثيرا لبعض من ارتهنوا به اسما وفعلا، ولم يكن الاحتلال القائم مدلولا سياسيا وتاريخيا وحسب ويعني الكثير في مدلولات السيادة والاستقلال الوطني والقانون الدولي، بل انه اصبح عند البعض المرتبط به مصيريا اسما مرادفا، أو بديلا للتحرر الوطني الديمقراطي الحقيقي، حتي بات التماهي به وبتغيير اسمه شيئا طبيعيا وقناعات متولدة من طبيعة التورط والرهانات السياسية والحزبية. ولم يعتبر هذا البعض من الراكضين في مسافات الاحتلال تعاملا أو تعاونا من دروس تاريخه وتداعياته المباشرة وغير المباشرة وعواقبه ونتائجه المعلنة والمستورة منه وحسب وإنما التناغم معه واعتباره تاريخا جديدا ما دام يمنحه ما لم يكن في يوم من الأيام من أحلامه أو من برامجه، الشخصية والحزبية. وما فتئ كذلك فدفاعه عنه أساس من أسس وجوده الشخصي والسياسي، علي الأقل، ويصبح توصيفه بما يريده ويكنه له من أسماء ليست من معانيه أمرا شائعا، مرتهنا بقوته العسكرية والاحتماء به ركنا من أركان العمل السياسي، والتهجم علي نقاده وعلي من يضعه في موقعه الصحيح مفهوما ومدلولا ويعتبره احتلالا غير شرعي ولا قانوني أو إنساني، ويؤكد علي أن جوهر أي احتلال لم يتغير في نهب الخيرات والثروات وفرض الهيمنة والاستعمار علي البلدان والشعوب واستغلالها بكل ما لديه من قوي ومخططات وامتصاص طاقاتها وقدراتها لمصالحه ومشاريع مخططاته البعيدة كل البعد عن مصالح الشعوب والأوطان ومستقبل أجيالها وثرواتها. والعمل علي اعتبارهم من حملة مفاهيم وتعبيرات المراحل السابقة له وغير المتحولة والمتجددة مع متغيرات الواقع ووجوهه الجديدة والبديلة عما كان في الماضي القريب، بل وصل الأمر حد الهجوم والقتل لكل من يناهض أو يمانع إشاعة فوضي الاحتلال ونشر برامجه المتعددة الأخطار والتحولات الكارثية.
ويبذل هذا البعض جهدا في تبرير الاحتلال رسميا وواقعيا ونظريا وقانونيا، وكأن الغزو والعدوان الواقعي والعملي والقائم الآن صار مجرد قرارات أو بيانات علي الورق أو في قلوب مريديه فقط، دون الانتباه إلي أخطاره الفعلية وآثاره وجريمته الأساسية في تدمير دولة وخراب وطن وتفتيت شعب وتفصيل خريطة وتغيير حاضر ومستقبل. فيجري النقاش علي أساس قرارات مجلس الأمن التي أنهت تسميته احتلالا وقدمت السيادة في اجتماع سري هرب بعده المسؤول عنه قبل موعده المبرمج بشكل ساخر ومسرحية هزلية. ولهذا يجري الالتزام بالاتفاقات المبرمة معه ومواعيدها المنظمة مع احتياجات الإدارة الأمريكية، السلطة المحتلة والمشرعة للاحتلال وقواعده وأساليب تكريسه وتركيزه وإحلاله وتغيير تسميته. ولهذا فان اسمه الآن احتلال وطني ديمقراطي وأي حديث عنه بغير هذه الصفات هو حديث إرهابي معاد للحرية والديمقراطية وحتي الوطنية العراقية المفتتة والمرسومة بمشاريع عصابات المحافظين الجدد منذ إعلان تسميتهم بهذا العنوان المبهم.
لقد غزت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها العراق وأدخلت قواتها العسكرية والمدنية بمئات الآلاف أراضيه وقامت بكل ما يقوم به المحتلون من أعمال وصمها التاريخ بأبشع السمات الوحشية واللاأخلاقية، وليس آخرها ما صوره الفيلم الإيطالي عن استخدام الفسفور الأبيض في الفلوجة وحرق بعض سكانها الأبرياء به وتجريبه مع غيره من أنواع أخري من الأسلحة المحرمة، التي لا تختلف عن غيرها من اتهامات من سبقها من أعمال مشابهة. كما أنها بعد اكثر من عامين ونصف تعيد الكرة إلي أولها وتضع نفسها أمام محكمة التاريخ، التي استهانت بها، حينما أدارت ظهرها إلي الأمم المتحدة وتظاهرات الملايين والرأي العام الدولي المناهض للحرب والعدوان وقدمت نموذجها في أبو غريب وبوكا والنجف والصدر والفلوجة وتلعفر وغيرها من مدن الرفض والصمود التاريخي لكل قوي العدوان والاحتلال. لقد أصدرت الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية ومن تعاون معهما قرارات من مجلس الأمن تسمي وجودهم العسكري وعدوانهم احتلالا وقواتهم العسكرية بقوات احتلال ومن ثم أنهته وغيرت الاسم من قوات احتلال إلي قوات متعددة الجنسية بموافقة حكومة عراقية، تقوم هي بانتخابها شعبيا ، عبر صناديق الاقتراع وقوائم انتخابية تؤمنها قوات الاحتلال ويشرف عليها السفير الأمريكي، كما تبثه فضائيات مرحلة التحرر الوطني الاحتلالية، دون ان تعلنه الرئيس الفعلي لشئون الاحتلال الوطني الديمقراطي، والمرجعية الرئيسية مع قواته العسكرية والمدنية المتنفذة بكل زاوية عراقية لكل ما يدور علي ارض الرافدين اليوم حتي إطلاق ما تسمي به أية مرحلة من مراحل العبثبالشعب والوطن، وما علي الآخرين سوي التنفيذ والإذعان وتقديم الشكر والامتنان. وأصبحت هذه العملية سياسية !، ويتوجب القبول بها وتزكيتها شرعيا وشعبيا ورسميا ودوليا، كما شاهد العالم الزيارات السرية والمفاجئة لوزراء قوات الاحتلال وغيرهم من الموظفين في دوائر الشرعية الدولية في احترام هذه القرارات وتنفيذها وسماع رأي الحكومة المستقلة والشرعية والمتمتعة بالسيادة الوطنية وقواعد العمل السياسي والدبلوماسي والقانون الدولي والتباهي بالمؤتمرات الصحفية في زاوية سرية غير معروفة حتي للحاضرين فيها!. فكيف يصح مثل هذا التناقض، سيادة وحكومة منتخبة، ويفرض الزائرون السريون عليها جداول زياراتهم ومواعيد جولاتهم ولقاءاتهم وبرامج أعمالهم ونشاطاتهم، وحتي تصريحاتهم .
فضائح البيت الأبيض بخصوص العدوان علي العراق المشتعلة الآن، وحرج الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية أوصلهما إلي منع نشر مذكرات ممثليهم في خطط العدوان والحرب علي العراق، والتستر علي الأسرار التي جعلت بلير ووزراءه أقزاما أمام المسؤولين الأمريكان، كما وصفهم كريستوفر ماير، السفير البريطاني لدي واشنطن فترة الإعداد لمجلس الحرب وغزو العراق، وجعلت الكثير من المتعاونين مع المجلس الإفصاح عن تحذيرات ونصائح كانوا قد قدموها إلي هذا المجلس من عواقب ما يحصل اليوم بالعراق مثلا. شكك السفير البريطاني جيرمي غرينستوك، نائب بول بريمر، وممثل بلاده السابق في الأمم المتحدة في مذكراته الممنوعة بشرعية الحرب. وكذلك فعل السفير البريطاني لدي الإدارة الأمريكية فيما نشره أيضا، كما هو وضع العديد من المسؤولين في حكومة بلير، قبل استقالتهم أو إقالتهم. وأمثالهم في الإدارة الأمريكية، وحتي في أجهزة المخابرات الأمريكية، ووسائل إعلامها. فأية مصداقية تبقي بعد لأولئك الذين مازالوا يعتبرون ما جري ويجري بالعراق شرعيا ويبررون له ما فضح من دجل أصحابه وخداعهم في عقر دارهم، ومن مسئوليهم مباشرة، ويصرون علي تمديد فترات بقائهم عبر الشرعية الدولية ! وهم يرون كيف يتصرفون بها بالعراق وأشقائه . ألم يسمعوا بتصريحات مستشار الأمن القومي الحالي لبوش ستيفن هادلي، بان أي انسحاب أمريكي من العراق يضر بأمن كيانهم الصهيوني بالمنطقة، وألم يقرأوا ما يكتب اليوم في صحف أمريكية وبريطانية عن فضائح وفظائع قوات الاحتلال . ألم يعرفوا بما كشف لورانس ويلكيرسون، كبير موظفي الخارجية الأمريكية، في عهد وزير الخارجية السابق كولن باول، عن قيام مكتب تخطيط السياسات بالخارجية الأمريكية بعقد مناقشات حول القيام بعمل عسكري للاستيلاء علي حقول النفط في المنطقة، ووضعها تحت نوع من الوصاية الدولية عن طريق الأمم المتحدة ليتولي الإشراف علي إنتاج وبيع وتوزيع دخل النفط. وهو ما يتضمنه قرار 1637 لتمديد بقاء قوات الاحتلال بالعراق ! هل كل هذه الحصيلة غير كافية، أم صار الاحتلال فعلا وطنيا ديمقراطيا

ثياب إمبراطور الظلام الجديدة

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت12/11/2005
رغم حملات التعتيم والتشويه والخداع والتضليل الضخمة التي مارستها الإدارة الأمريكية وتابعوها الادلاء والأذلاء لها، وآلتها الاعلامية، وكل ما صرفته من مليارات الدولارات في خدمة الحرب والاحتلال، وفي تلوين ثياب الإمبراطور الأمريكي الجديدة، فان الأخبار المتزايدة عن الفضائح في أمريكا حول الملف العراقي تعيده إلي المربع الأول وتطالب بكشف الأهداف الحقيقية وراء كل ما حصل بالعراق وقبله أفغانستان، وضرورة المراجعة النقدية أمريكيا والمحاكمة العلنية وتحمل المسؤولية فيها بشجاعة وجرأة تاريخية.
فكل ما قامت به وقدمته الإدارة وتوابعها لم يكن مقنعا، ولا كافيا، وقد رفعت الوقائع وتقارير لجان التحقيق ما غطي به أو تستر عليه. ولعل ما تم داخل الولايات المتحدة نفسها، وبتسريب من أجهزتها المؤتمنة عليها في إطار الصراعات الداخلية بين مؤسسات الإدارة والقرار السياسي ودوائر الضغط والهيمنة علي السياسات الخارجية والاقتصادية أحال الانظار إلي بدايات الغزو والمشاركات الواسعة من أطراف عديدة، التي صاحبتها وروجت لها وأغرت بها أعدادا أو أوساطا معينة من الرأي العام الأمريكي ودوائر عربية وغربية تدعي وصلا بالإدارة الأمريكية ومشاريعها الصهيو أمريكية في المنطقة العربية والإسلامية أساسا.
كانت ابرز الذرائع والمبررات المعلنة لشن الحرب هي اتهام النظام العراقي في امتلاك أسلحة دمار شامل وتهديده الدول الأوروبية وقاعدتها الاستراتيجية في المنطقة أساسا، وصلاته بتنظيم القاعدة، وربطه بأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وترويج أخبار استعداد النظام لتطوير أسلحة نووية وتشكيل خطر مباشر علي جيرانه. فماذا تبين الآن من هذه المبررات الخادعة، وهل هي فعلا الدافع لتحريك آلاف الجنود والمعدات والقوات العسكرية من وراء المحيطات لغزو واحتلال العراق بعد أفغانستان، وصرف مليارات الدولارات والتضحية بحياة الآلاف من أفراد القوات العسكرية وتشويه سمعة الإمبراطورية في جرائم الغزو والحرب والسجون والإبادة الجماعية للبشر من العراقيين والأفغانيين وغيرهم-.
استقالة لويس ليبي وهو بطل من فرسان الظلام الأمريكي من وظيفته واستمرار ملاحقته قضائيا تسلط بعض الضوء علي حجم الجريمة وتداعياتها. فلم يكن موظفا عاديا بل مدير مكتب نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني، وحامل أسراره، إضافة إلي انه عضو فاعل في شبكة من يسمون بالمحافظين الجدد، المشكلين عمليا لفرع الليكود الصهيوني بأمريكا، وأحد المتحمسين كأستاذه بول وولفويتز لما حصل ويحصل، ومنفذ لما يتفق عليه داخل تلك الشبكة التي تدير دفة السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية رغم كل ما يقال عن تنوع مؤسساتها وتعدد أجنحتها. ما هي التهم التي أجبرته علي الخروج من الساحة حاليا لامتصاص زوبعتها وإبعاد التهم عن واجهاتها الأخري-. ولماذا الاستقالة له فقط، كما حصل ببريطانيا قبل ذلك أيضا-.
قضية لويس ليبي ودوره ومسؤولياته توسع بطبيعتها حدودها إلي ما قبل غزو العراق وكيفية إخفاء أسباب الحرب والاحتلال. فلم تكن قضية كشف هوية فاليري بلايم موظفة وكالة الاستخبارات المركزية، وتداعياتها، وهي قضية ممنوعة قانونيا ومخالفة صريحة، هي كل التهمة، ولابد ان تكون جزءا أوليا أو صفحة واحدة من ملفات ما يتحمله المتهم وما يقوم به. فلماذا فضح عمل بلايم وما علاقتها بالعراق-.
هذه السيدة هي زوجة السفير الأمريكي جوزيف ويلسون الذي كلف من الإدارة الأمريكية للتحقيق حول شراء العراق ليورانيوم من دولة النيجر وتوصل إلي عدم توفر مثل هذا الأمر، وكذّب الادعاء به كما ورد في خطاب الرئيس الأمريكي عنه، وانتقد تلك السياسة غير الشرعية، مما صنع له عداء ليبي وجماعته التي يديرها نائب الرئيس تشيني، وانتقاما منه سرب ليبي اسم زوجته وخدمتها في الوكالة، مستهينا بالقانون الأمريكي أولا وساعيا إلي الضغط علي موقف السفير وتقريره ثانيا والتأكيد علي ادعاءاته وأكاذيبه التي مررها عبر وزير الخارجية الأمريكي السابق كولن باول أيضا في وصمة عاره في فبراير 2002 في الأمم المتحدة، ومن ثم عبر خطب الرئيس الأمريكي وتصريحات نائب الرئيس ووزير الحرب الأمريكي وغيره من المسؤولين عن شن الحرب والعدوان علي العراق. كاشفا بذلك مدي الحقد داخل هذه المجموعة علي أي مواقف مخالفة لمخططاتها وناقدة لممارساتها وعدوانها ورافضة لسلوكها الوحشي، والذي تجسد في تجاوز القانون الأمريكي، وتوجيه اتهامات ومناورات متعددة ضد كل من يعارض تحالفاتها ومخططاتها الاستعمارية. وليس مستغربا، بعد كل ما ذكر، من وضع نفسه كبش فداء لارتكاب الجريمة ومحاولة اختصارها بتصرفات فردية لشخص موظف، وليس عنصرا رئيسا في الإدارة والاستشارة لصاحب القرار الرئيس في الإدارة الأمريكية، لاسيما غزو العراق واحتلاله.
أعادت قضية ليبي وجها من وجوه الإدارة الأمريكية التي تعمل علي إخفائها حاليا، والالتفاف عليها كما فعلت عبر تمرير وتمويه أهمية ومصداقية تقارير اللجان المختصة من مئات المختصين بالأسلحة العراقية وإجماعهم علي خلو العراق منها، وعدم تمكنهم من إثبات كذب الإدارة فيها، حتي ولو بطريقة هوليوودية، والادعاء بوجودها في أي شكل إعلاني أمريكي بريطاني. بالرغم من استمرار رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلي فترة قريبة بالتصريح في امتلاك العراق لها وأيده بذلك تابع عراقي له، مخالفين بذلك نتائج تقارير اللجان المختصة التي مسحت ارض العراق لأشهر متواصلة مع كل التقنية التي تمتلكها في هذا الشأن واختبرت عدم وجودها.
ومثل هذه الفضيحة أكد تقريراً استخبارياً سرب أيضا عدم توفر أدلة تؤكد وجود أية صلة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة وأحداث سبتمبر الأمريكية التي اتخذت ذريعة أخري للتوحش الإمبراطوري الأمريكي وتنفيذ سياسة العدوان والتوسع الخارجي الذي أبتدأ باحتلال أفغانستان والعراق حتي الآن، والقائمة متواصلة، ومؤشراتها اشرأبت من أسوار البنتاغون.
فلم تعد إذاً الذرائع الرسمية المعلنة قائمة، ولم تستطع الإدارة الاستمرار بها والتخفي وراءها، حتي بات الأمر مقلقا داخل الكونغرس والإدارة نفسها، وتصاعدت حدته داخل الديمقراطيين وحتي أوساط من الجمهوريين. وهذا ما أوصل الأمور إلي استخدام المادة 21 من لوائح مجلس الشيوخ التي تنص علي جلسات مغلقة استثنائية لمناقشة قضايا الأمن الوطني أو احتمال إقالة الرئيس، بعيدا عن أجهزة الاعلام والضيوف والتنصت الحكومي للوصول إلي الأسباب المخفية وراء شن الحرب وخداع المشرعين الأمريكيين بهذا الشكل الصارخ.
تأتي هذه الفضائح مع غيرها من البقع السوداء والمعتقلات والممارسات الإجرامية خارج الولايات المتحدة الأمريكية وويلات الأعاصير الطبيعية والسياسية داخل الولايات المتحدة، والتي مست أعلي قمة الهرم السياسي لتكشف ثوب إمبراطور الظلام الذي نسجته المخططات الصهيو أمريكية الإمبراطورية. وكل هذه ما زالت أصغر من حجم رأس جبل الجليد العائم في مشاريع أمراء الظلام واتباعهم المتنفذين
باسمهم في عالمنا العربي والإسلامي، فكيف ستكون عليه الحياة علي الكرة الأرضية إذا تمكنت هذه الإدارة من تنفيذها-

من يعرف عدد الجنود البريطانيين بالعراق

الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة4/11/2005
اشترك رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مع الرئيس الأمريكي بوش الابن في شن العدوان والحرب وغزو العراق، وقدم قوات عسكرية، ومعدات وأجهزة وحصة في (الدم والمال) كما يقول المسئولون الأمريكان، واستلمت قواته المنطقة الجنوبية من العراق، وساهمت بعمليات خاصة مع المارينز في حصار الفلوجة، وغيرها من مدن المقاومة والرفض الشعبي للاحتلال. وبالتأكيد هناك كثير من الأسئلة عن هذه المشاركة ودورها وتداعياتها وأسبابها وأهدافها ونتائجها، ولكن السؤال هنا: كم من القوات البريطانية شاركت بالحرب واحتلال العراق- ومن يعرف عددها الآن-.
في وسائل الاعلام البريطانية إشارات للعدد والعدة، وتنشر أو تذيع أحيانا تقارير عنها وعن عملياتها ونشاطاتها المسموح للإعلان عنها، خاصة من جهة الوفود الإعلامية العديدة التي نقلتها وزارة الحرب البريطانية علي نفقتها لزيارة وحداتها بالعراق والإعلان عنها في وسائلها المعروفة، إضافة للمصاحبين لها من كتبة موضوعات مطلوبة رسميا. ولكن الأرقام تتفاوت بين وسيلة وأخري، وتصريح رسمي وآخر، وتتباين الاختلافات بينها بالآلاف من الجنود، حتي في القتلي والجرحي والمرضي منهم، فليس ثمة إحصائيات موثقة من مصادر رسمية، أو مصادر محايدة مسموح لها، وهذه كلها من أساليب السياسة البريطانية التي تتعاون مع حليفتها الأمريكية في الغش والاحتيال والدجل والخداع، في كل هذه الأمور وصولا إلي، أو انطلاقا من رفض كشف الأهداف والخطط الحقيقية والدوافع الفعلية لكل ما حصل وجري بالعراق، وقبله بفلسطين وأفغانستان ورواندا والبلقان واسيا الوسطي، وباقي القائمة المعلنة حاليا.
تشير تقارير صحفية إلي أن عدد الجنود البريطانيين يتراوح بين الثمانية والعشرة آلاف، والمقصود بذلك عدد الذين يرتدون الزي العسكري، أما غيرهم فلا إحصائيات أو تقارير موضوعية إطلاقا عنهم، وهم قد يفوقون هذه الأرقام بمضاعفاتها، وموجودون تحت مختلف التسميات أو العناوين، معظمهم من حملة جنسيتها من غير البريطانيين ولادة، الذين يقدمون لها خدمات متنوعة، ليست نشاطات مجانية لوجه الله تعالي بالتأكيد، وإنما لمسميات معنونة بالشعارات البراقة التي حملتها قوات الغزو معها ووزعتها حسب اختصاصات وإمكانات وطاقات مجنديها غير العسكريين، ومن بينهم أيضا حراس الشركات الخاصة، والمشاريع الخاصة أو المختصة، خاصة من المولودين ببريطانيا، من العسكريين السابقين، والمتدربين علي مختلف أنواع العمل العسكري والحربي والاستخباري، كما بات معروفا ومشهورا. وفي كل الأحوال فان الأعداد قد لا تكون مهمة جدا بقدر الأفعال التي تقوم بها هذه الأعداد والمهمات الموكولة لها، منذ الغزو والي الآن. أما الجنود العسكريون، فقد أشارت تقارير إعلامية جديدة عنهم بأنهم في نقص متزايد، ليس في العدد وحده، وإنما في المعنويات والقدرات الشخصية. لاسيما بعد تضارب مواعيد انسحابهم أو إكمالهم (المهمة)! بين من أرسلهم رسميا كجهة عسكرية أو من يقودهم سياسيا، فكل مصدر يبلغهم بموعد يتغير مثل الأنواء الجوية نحو استمرار لا يعرف مداه ولا تحسب آثاره عليهم وعلي أهالي البلد المحتل.
حيث تتناقض القرارات بين انسحاب جزئي أو زيادة في الأعداد واستمرار للاحتلال، وبين تسليم بعض المهمات إلي قوات عراقية وبقائها إلي جانبها فترة غير معلومة، تطول إلي عشر سنوات علي الأقل، كما صرح وزير الخارجية البريطانية جاك سترو. وتسرب بعض الأخبار إلي بعض وسائل الاعلام عن خطط انسحاب كامل من داخل المدن أولا والتجمع في قواعد عسكرية مخطط لها ومبنية خارج المدن ثانيا، ويتم سحب بعضها وبقاء الآخر احتياطا ودعما سريعا لقوات عراقية محلية ثالثا. وتبث أخبار مسربة طبعا بقصد من أن القوات البريطانية حينما تكمل مهمتها تنسحب بالكامل، وتدرس مع قياداتها الأمريكية مثل هذه الخطوات، وقد بلغّت ذلك حلفاءها اليابانيين والأستراليين والإيطاليين الذين يتقاسمون معها المال والدم في جنوب العراق. بينما تبث أخبار أخري عن تدريب أعداد جديدة من الجنود، قدرت بخمسة آلاف، في مدن بنيت علي غرار مدن العراق الجنوبية للبقاء هناك أطول فترة وهي تتعلم اللغة العربية واللهجات والتقاليد والثقافات المحلية، ونشر عن طلب أمريكي بزيادة إضافية بما لا يقل عن 25% من العدد الحالي، مثلما هو حاصل مع عدد القوات الأمريكية الفعلية، لتوسيع السيطرة وتعويض الخسائر اليومية في الأعداد والعدد، فأي الأخبار المسربة منها صحيحة وأي منها للاستهلاك الإعلامي والمحلي، ببريطانيا والعراق وغيره من الدول المبتلية بأحلام الإمبراطورية الجديدة-. ورغم كل ذلك فان ما نشر عن هبوط معنويات الجنود لم يكن أبدا لصالح كل الإشارات السابقة والمسربة منها خصوصا، فقد تواترت الأنباء عنها، حتي بلغت أرقاما كبيرة، تدق أجراس إنذار فعلية في دوائر الحرب ومجالس العدوان. حيث ذكر أن حوالي 6000 عسكري من وحدات الجيش المدربة والمجهزة للعمليات العسكرية الخارجية تركوا الخدمة منذ غزو العراق، وان نسبة التجنيد الجديد، مثلها في أمريكا تعاني من نقص حاد لم يحصل بتاريخ الجيش منذ عشرات السنين، وحتي منذ الحرب علي كوريا في مطلع الخمسينات، ولم تنفع 3 ملايين جنيه إسترليني إعلانات تشجيع الشباب للانخراط في الخدمة العسكرية شيئا كبيرا، بسبب عواقب العدوان علي العراق واحتلاله، وما يصل من صور عن المشهد الحقيقي بالعراق يوميا. ولأول مرة لا تخدع مؤسسات حكومية في ذكر الأرقام والأعداد في مثل هذه الحالات، وكذلك إزاء ما نقل عن استطلاع قامت به مصلحة الحرب البريطانية أعطي لها الجواب الواقعي عن مشاعر العراقيين الحقيقية في رفض الاحتلال وشرعية المقاومة الوطنية وضرورة الانسحاب الفوري قبل فوات الأوان، تلك التي لا يريد الرئيس الأمريكي بوش ولا بلير تصديقها أبدا، كما يظهران في خطبهما ومؤتمراتهما الإعلامية.
أرقام الاستطلاع ترد بوضوح علي كل أرقام ما تعلنه السفارة الأمريكية بلسان عراقيين وظفوا لأداء هذه المهمة. وكانت قد نشرتها صحيفة الصنداي تلغراف البريطانية (23/10/2005) في تقريرها الذي قالت فيه عن الاستطلاع بأنه اجري بطلب من وزارة الحرب البريطانية وكانت نتيجته أن أكثرية العراقيين يؤيدون الهجمات ضد الجنود البريطانيين. وأفادت بأن الاستطلاع أنجزه فريق من الباحثين في جامعة عراقية لم يكن علي علم بأنه لصالح قوات الاحتلال !. وكشف فيه أن 45 في المائة من العراقيين يؤيدون العمليات ضد قوات الاحتلال، وترتفع النسبة إلي 65 في المائة في مدينة العمارة من جنوب العراق التي تتواجد فيها القوات البريطانية. وان 82 في المائة من العراقيين يعارضون بشدة وجود قوات الاحتلال في العراق، بينما يري 67 في المائة أن وجود الجيوش الأجنبية بالعراق خطر علي أمنهم.
رغم كل ادعاءات الشفافية وحرية المعلومات وتطور التقنية الإلكترونية، ليس من اليسر معرفة الأعداد الحقيقية للجنود البريطانيين بالعراق الآن!، سواء بالزي العسكري أو المدني أو بغيره. ولكن ماذا ستغير من مشاعر العراقيين تجاههم- وهل ينسي العراقيون وعود أسلافهم-.
وأين تمثال الجنرال مود-. تلك هي المسألة!.

استقالة أو إقالة دونالد رامسفيلد

الراية- د. كاظم الموسوي
22/10/2005
قد لا تثير استقالة وزير البنتاغون دونالد رامسفيلد أو إقالته كثيرا، بالرغم من مشاركته في قرارات الادارة الأمريكية
وتحمله مسؤولية ما خُطط له وما أراد هو أن يقوم به في الحروب الإمبراطورية، ولم يشارك زميله وزير الخارجية الجنرال كولن باول بالاستقالة. وقد طالبه بها عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي، من الجمهوريين والديمقراطيين علي السواء، وعدد من كتاب الرأي في أعمدة الصحف الأمريكية وغيرها من وسائل الاعلام. ولكن بعد جلسة المساءلة الأخيرة أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي، برزت مسألة استقالة رامسفيلد أو إقالته اكثر وضوحا أو إلحاحا، وقد تكون عبرة بعد كل تلك الخدمات، إذ أشارت الأسئلة والأجوبة فيها إلي مسؤوليته المباشرة عما حصل للسياسات العسكرية والأمنية الأمريكية الخارجية وما تبعها داخليا من عجز كبير في أداء الواجبات المطلوبة، وخارجيا في إنجاز الأمن والطمأنينة لكل مواطن أمريكي. وكانت ردود رامسفيلد نفسه وأجوبة جنرالين آخرين، هما جون أبي زيد قائد القيادة المركزية وجورج كيسي قائد القوات البرية، علي أسئلة أعضاء اللجنة بشأن خطط البنتاغون ومنها دورات الإعداد الأمريكية لتدريب قوات عراقية وتقديرات الانسحاب من العراق، وكذلك خبر وتوقيت استبدال رئيس الأركان العامة وغيرها من تغييرات داخل البنتاغون، ناطقة بما هو جلي عن تدهور الخطط الأمريكية التي قادها رامسفيلد في حروبه علي أفغانستان والعراق وعلي ما ادعوه باسم الإرهاب. وتبين أن كل استعدادات الخطط الأمريكية لم تنجز مهماتها طيلة الأعوام الماضية، وتوضحت اكثر بما حملته أرقام الخسائر البشرية والاقتصادية الأمريكية وتداعياتها العامة علي المواطنين الأمريكان بشكل لا لبس فيه. وانعكست كلها في مستويات الإدانة والرفض في استطلاعات الرأي العام الأمريكي عموما، وفي نقد إدارة الرئيس جورج بوش خصوصا، التي تراجعت إلي اقل نسبة حصل عليها رئيس أمريكي، خاصة منذ تسليمه الرئاسة ودخوله البيت الأبيض، حيث هبطت إلي نسب متدنية جدا، فضلا عن التحولات الكبيرة في المجالات الاخري، الاقتصادية الداخلية والأمنية والثقافية والاجتماعية، وطبيعة الإجراءات الرسمية التي تعلن عنها وتعبر بها أو تمارسها الإدارة الأمريكية وخططها الاستراتيجية المعلنة وغيرها، التي تؤشر إلي متغيرات جديدة في آليات النظام العام في الولايات المتحدة الأمريكية، وانعكاساتها الدولية، لاسيما لدي حلفائها المباشرين في الضفة الاخري من الأطلسي.
وانعكست أيضا فيما نقلته وسائل الاعلام العالمية (13/9/2005) عن فشل الجيش الأمريكي للسنة الأولي منذ عام 1999 في تحقيق هدفه باجتذاب أكبر عدد من المجندين الجدد إلي صفوفه، الأمر الذي قد يرجح العودة إلي نظام التجنيد الإجباري الذي ألغي عام 1973 خلال الحرب علي فيتنام في حال استمرار العجز في انضمام العدد الكافي. كما طلب البنتاغون من الكونغرس رفع سقف العمر المسموح به للتطوع العسكري إلي 42 عاما، بدلا من 35 للخدمة الفعلية و39 عاماً للاحتياط والحرس الوطني، وتقديم حوافز مادية ونشر إعلانات تشجيعية للشباب ولحماسهم الوطني. إضافة إلي تزايد أعداد الهاربين من الخدمة العسكرية، لاسيما العائدين من العدوان وغزو العراق، والمصابين بأمراض نفسية أو بآثار الأسلحة المحرمة التي استخدمت ضد الشعوب في العراق وأفغانستان وغيرها من البلدان.
هذه التطورات وغيرها أثارت انتقادات قيادات أمريكية سياسية مختلفة، مثل الرئيس الأمريكي بيل كلنتون الذي خرج عن الأعراف التي تقضي بعدم توجيه الرؤساء السابقين انتقادات علنية ضد الإدارات التي تحكم البلاد. قال كلينتون إن إدارة بوش قررت غزو العراق بمفردها تقريبا وقبل اكتمال عمليات التفتيش الدولية من دون حاجة ملحة حقيقية ومن دون دليل علي وجود أسلحة دمار شامل بالعراق. وأشار إلي إن الحرب علي العراق حولت انتباه الولايات المتحدة عن الحرب علي الإرهاب وقوضت فرص أي دعم كان من الممكن إن نحصل عليه . وأكد إن افضل استراتيجية تتبعها الولايات المتحدة هي محاولة إنشاء قوات جيش وشرطة عراقية قادرة علي تولي المسؤوليات في البلاد دون دعم أمريكي، إلا انه قال اعتقد إن المشكلة ربما لن تتوافر قوات علي المدي القصير للقيام بذلك . وهذا ما تحدث فيه جنرالات البنتاغون في تلك الجلسة وفي زياراتهم الميدانية للعراق، كما أثارها أعضاء كونغرس زاروا العراق وأفغانستان ولخصوا رؤيتهم المشابهة للنتائج التي تحدث يوميا بالعراق، وتثبت استنتاجات وتوصيات تقارير اللجان المستقلة والبحثية عن تطورات الأوضاع الدموية وقسوة الاحتلال.
من بين الانتقادات الاخري تحذير وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مادلين أولبرايت من استمرار الوجود الأمريكي في العراق قائلة إنه لا توجد خيارات جيدة في هذا الاتجاه، وإن الأسوأ ربما ينتظرنا . وقالت أولبرايت إن اجتياح العراق عام 2003 قاد لسلسة من المحن كان يمكن تداركها. وأبلغت الوزيرة الأمريكية السابقة مؤتمرا صحفيا يوم 23/9/2005 أن حرب العراق أفسدت علاقاتنا مع عدد من الدول في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بدلا من كسب أصدقاء جدد لأمريكا . وهي تري من منطلقاتها الأمريكية إذا وضع الأمر في استفتاء فإن العراقيين ربما يريدون من القوات الأمريكية أن تبقي لفترة من الزمن، ولكن الذي لا يرغبون فيه هو الشعور بأننا سنبقي هناك إلي الأبد .
تصريحات قيادات سياسية وعسكرية وتوصيات العديد من اللجان والمؤسسات داخل الولايات المتحدة وخارجها تتجه ضد الوجود الأمريكي العسكري المستمر في العراق وتصب في الجدل الدائر داخل دوائر القرار السياسي الأمريكية، ومن بينها البنتاغون حول سحب القوات العسكرية الأمريكية، وإدخال تعديلات علي الاستراتيجية الأمريكية بالعراق.
لاشك إن ما طرح علنا داخل جلسة المساءلة في لجنة الكونغرس عن تدهور الوجود العسكري الأمريكي وخطط البنتاغون ووزيره رامسفيلد، وفشله في إدارتها وتعنته في الاستمرار فيها دون النظر لكل المتغيرات والتطورات، من جهة، وعدم الاعتراف بها، وهي مقارنة بالحال الذي كانت عليه الحرب علي فيتنام وظروفها تشهد تصاعدا ومضاعفة لأرقام الخسائر الأمريكية، وما تلحقه علي المواطن الأمريكي، من جهة أخري، يؤشر إلي إن عمر رامسفيلد الوظيفي في عد تنازلي وان الإشاعات بدأت تنتشر.
ليست استقالة رامسفيلد أو إقالته هي القضية المهمة للشعوب ومحكمة التاريخ، رغم ما تعنيه سياسيا وعسكريا عن التوقعات في مصير الاستراتيجية الإمبراطورية، إلا إن السؤال الأهم: ماذا سيقول هو شخصيا عن حروبه الوحشية ومعاهداته وقراراته وممارسات قواته في السجون والتعذيب والإبادة الجماعية وتدمير المدن، مقارنة باعترافات زميله باول، الذي اعتبر ما قام به أمام الأمم المتحدة بخصوص العراق وصمة عار في تاريخه- وهل ستذاع قريبا
-

تذكروا الفلوجة

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت29/10/2005
يوم الثامن من شهر نوفمبر من العام الماضي اجتاحت القوات الأمريكية مدينة الفلوجة العراقية، بعد حصار متعدد الأوجه لأكثر من شهرين بالتعاون مع قوات بريطانية خاصة، وقصف يكاد يكون يوميا بمختلف الوسائل الحربية، طيران ومدفعية وغيرها، للمرة الثانية بعد الاجتياح الأول الذي اقترف قبل خمسة اشهر منه، في شهر أبريل، والذي سبقه، كما صار معروفا، ولحقه عدد من الغارات العسكرية والاجتياحات السريعة، وقتل وأُعتقل واُختطف عدد من سكان المدينة وقصف بعض المساجد والمستشفيات والدوائر الحكومية بما فيها مراكز للشرطة أو نقاط حراسة وحواجز مشتركة وغيرها. وهذه العمليات العسكرية لم تتوقف طيلة فترة احتلال العراق في هذه المناطق بشكل متعمد ولأهداف معروفة في تاريخ كل استعمار أجنبي واحتلال عدواني، ودون تردد أو توقف أو خشية من حساب أو نقد أو إدانة دولية أو عربية، أو من المتعاونين معها من أبناء البلاد، الذين يتناغمون مع دمار بلادهم وقتل أهاليهم إذا اعتبروا أنفسهم من أهل العراق. كم عدد الشهداء في هذه المدينة فقط؟، كم عدد العوائل التي أجبرت علي ترك المدينة والعيش في العراء، أو في مخيمات لاجئين؟، كم عدد البيوت التي هدمت وخربت؟، كم عدد الأرواح التي قتلت أو دمرت؟.
الآن هل هناك من يتذكر، أو يتحدث، أو يطالب بمحاكمة المسؤول أو من يتحمل المسئولية عنها؟ والي أين تستمر هذه الجرائم الواضحة العناوين والمرامي ولماذا؟، هل يكفي القول إنها توصف حسب القانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربعة وميثاق الأمم المتحدة بجرائم حرب وإبادة بشرية وعقاب جماعي؟. أين المنظمات الإنسانية وحقوق الإنسان ومجلس الأمن والأمم المتحدة؟. لقد سجل بعض المنظمات الدولية تقارير عامة عما حصل وحدث، ونطق بعض الأصوات الشريفة من الإعلاميين والكتاب عاليا بما شاهدوه بأعينهم وثبتوا ذلك كوثائق وشهادات إنسانية للتاريخ والحقيقة المغيبة والمخفية من ملفات المجازر الأمريكية في العراق وغيره، رغم أن قوات الاحتلال والإدارة الأمريكية منعت حتي المصاحبين معها من الإعلاميين من تصوير ونقل الصورة كاملة من هناك، وحتي ما تسرب منها بالصوت والصورة تمت لفلفته وتغطيته بغيره من الجرائم المستمرة، وصورة الجرحي الذين قتلوا في المسجد الكبير والتي بثتها كل وسائل الاعلام حينها كصورة إعلانية مسربة من مسلسل الإرهاب الجماعي الأمريكي لسكان المدينة وخارجها، ما زالت شاخصة في الذاكرة، رغم التناسخ وكثرة الصور المشابهة والأخبار اليومية المتواصلة معها. وفي إطار تسجيل الأحداث ومتابعتها تنشط القوي والتيارات والحركات المناهضة للحرب والاحتلال في استخدام كل الوسائل الإعلامية المتاحة ومنها موقع إلكتروني حمل اسم: تذكروا الفلوجة
www.rememberfallujah.org يريد أن يعيد إلي الذاكرة قصة هذه المدينة وأهاليها وما تعرضوا له خلال تلك الأيام القاسية والصعبة، كمحاولة إلكترونية لإعادة تركيب الصورة وإحياء قدرات الذاكرة الإنسانية علي المراجعة والموقف منها.
فقد نشرت بعض وسائل الاعلام حينها أن وحدات المارينز الأمريكية والقوات البريطانية التي نقلت جوا وخصيصا من البصرة إلي محيط مدينة الفلوجة قامت بحصار كامل المدينة واستخدام كل الأسلحة ومنها المحرمة في ضرب المدينة، مثل الأسلحة العنقودية أو الفسفورية وغيرها، وقتل الآلاف من السكان، أكثريتهم من الأطفال والنساء والشيوخ، فضلا عن إجبار أعداد كبيرة من المدنيين علي ترك بيوتهم والخروج من المدينة إلي القري والمدن الاخري خارج الحصار العسكري. وقدر عددهم بأكثر من 100 ألف مواطن مدني، مازالوا يعانون من صعوبات حياتية ومعيشية مخجلة لحقوق الإنسان وادعاءات الحرية والديمقراطية البراقة!. ولاشك أن الكثيرين يتذكرون ما حملت الأخبار والرسائل من أصداء تلك الأحداث، من أيام مأساوية وصمت دولي مريب واستهانة بالحياة البشرية وإعادة قصص المدن والبلدات الفيتنامية التي تعرضت كما سجل التاريخ لأبشع الجرائم الأمريكية التي اقترفت وسجلها إعلاميون أمريكان بعد فوات الأوان، ولكنها ظلت شاهدة للوحشية والإجرام والدموية التي تمارسها قوات الاحتلال الأمريكية هناك، وخلفها قوات الاحتلال الأمريكية والبريطانية وغيرها هنا. وهي قصة مستمرة لحد الآن حسب ما تنشره وسائل الاعلام يوميا. ونقلت بعض تلك الوسائل عبر أساليبها بعض الصور أو الرسائل من أهالي المدينة وما عاشوه من مشاهدات صارخة عن المجازر التي قامت بها قوات الاحتلال وممارساتها التي أصابت بعض جنودها بعقد نفسية وأمراض لم يشفوا منها، فكيف هي القصة الحقيقية؟. ولماذا يتوجب ذكر مدن المجازر والإشارة إليها دائما؟. أين قصة الفلوجة في كارثة الاحتلال المتواصل للبلد كله؟ والأخطار التي تتوالد من بعده، ليس علي العراق وحده وحسب؟. ليست الفلوجة إلا مثال صارخ وواضح لسياسات الاحتلال ومجازره اليومية ضد الشعب العراقي. وشهدت مدن كثيرة نماذج تطبيقية لها، ولم تكن صورة الفلوجة متفردة بما حصل لها، رغم أنها تفردت بتكرار المجازر والتدمير والخراب، الذي لا يستطيع أي أمريكي أو متعاون معه الدجل والادعاء بعكسه، فالوقائع علي الأرض، والقصة مستمرة ولابد هنا من العودة إلي تلك الأيام كل مرة لاستعادة الذاكرة والتقريب مما يحيط بها من قصص أخري في مدن أخري. تذكروا الفلوجة كمشهد واحد من مشاهد العراق المحتل، هذه قصة من الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق الجديد. وتذكروا ما يقوله الجنرالات الأمريكان عنها وعن عملياتهم العسكرية الإجرامية ضد المدن الاخري، انهم يحاربون ويقاتلون (الأعداء) في هذه المدن، وان كل مدينة تحمل اسم الشيطان حين تبدأ عمليات محاصرتها وقتل أبنائها، واعتقال الآلاف من شبابها، وتدمير معالمها وحيواتها وتحويلها إلي خرائب وأشباح مدن تسجل للاحتلال كسبه للعقول والقلوب العراقية!!، وتنعت المدن وسكانها بكل الأسماء التي تروج إعلاميا وتسقط عليها مسمياتها التي تتفنن بها مثل الإرهاب الرسمي وعصاباته وفرق الموت المعروفة به تلك البلدان وحلفائها خاصة. وكل مرة تدعي أنها انتهت من(تحرير) تلك المدينة تعود إليها بعد اشهر بشراسة اكثر واكبر وتدمر ما بقي سالما منها، وكأنها بلا ذاكرة أو تجربة ماضية معها.
في المجزرة الأولي في الفلوجة نشرت وسائل الاعلام مقتل 731 مواطنا مدنيا. وفي المجزرة الثانية نقلت وسائل الاعلام أيضا عن مدير المستشفي المركزي في المدينة مقتل 700 مواطن مدني، من بينهم 555 من النساء والأطفال، كما ذكر عن اعتقال الآلاف من الشباب من سكان المدينة. ومثل هذه الأرقام أو الأحداث تكررت في معظم المدن الاخري، وهي بكل الأحوال ليست الأرقام الحقيقية أو تعبيرا عن وقائع ما حصل فعلا، ولكنها حتي بمقاربتها لما حدث، أين توضع مثل هذه الوقائع في سجلات الاحتلال وتاريخ العراق السياسي المعاصر؟. تذكروا الفلوجة شاهدا ونموذجا عن قيم الاحتلال واخلاق المحتلين وتابعيهم!؟
.

ديمقراطية بوش في التطبيق

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت15/10/2005
وعد الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، منذ دخل البيت الأبيض عبر الوسائل المفضوحة، بنشر الديمقراطية والحرية في العالم كله، ولاسيما في العالمين العربي والإسلامي، وإعلان مذهبه في الحرب الاستباقية لوأد الدكتاتورية والإرهاب والقمع في أي بلد في إمبراطوريته التي وهبها له الرب في خيالاته المزعومة، حتي ولو بحرب صليبية، كما قال وتراجع من زلة لسانه. وجاءت أحداث 11 من سبتمبر 2001 مدخلا كافيا لتلك الرسالة الجديدة، وحصل ما حصل بعدها، من عدوان واحتلال أفغانستان ومن ثم العراق وما زالت التهديدات في رسم ملامح مشروعه الإمبراطوري قائمة، ورأي كل من له عيون مبصرة الوقائع الحية، المنقولة والمسموح بها تلفزيونيا، من تطبيقات الحرية والديمقراطية للإدارة الأمريكية التي يرأسها جورج بوش الابن. أما عما يجري داخل أمريكا، دولته التي كان رمز مدخلها تمثال الحرية الشهير، فالصورة عنه أشبه بخيال أسطوري ومثال للأحلام والآمال المنتظرة، حتي جاءت الكوارث والأعاصير لتعطي مساحة واسعة لتناقضات السياسة والدعاية الإعلانية وتطبيقاتها، ومعها ومن بينها احتجاجات وتظاهرات المنظمات المناهضة للحرب والعدوان، وليس آخرها مسيرة ونشاطات السيدة الأمريكية الثكلي سيندي شيهان وما تعرضت له أيضا من مضايقات وحجز وممارسات ديمقراطية !، كشفت بها قوانين بوش وإدارته الوطنية وأعمالهم التبشيرية داخل بيتهم، فكيف ستحسن صورة خارجه-.
خبران جديدان مرا عبر وسائل الاعلام بسرعة خلال الأيام الماضية، برهنا، من بين الكثير، ديمقراطية إدارة بوش واحترامه لوعوده وبرامجه المستقبلية داخل حدود اتحاد ولايات أمريكا العظمي. هما منع الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك من الدخول إلي جمهورية الديمقراطية البوشية، ورفض نشر كتاب لعسكري مارينز سابق يتحدث فيه عن أزمة ضميره الإنساني وأيام بوش الديمقراطية في العراق المسلح بالدمار الشامل وتهديد حرية وديمقراطية بوش الإمبراطورية في عقر دارها، وفي الغرب عموما!.
هذان الخبران مؤشران بليغان، وبما يرمزان له، يفضحان حالة التطبيق لأفكار رسول الديمقراطية الجديد. وكلاهما مرتبطان بعلاقة مباشرة بالعراق، مسرح التطبيق الأخير ونموذجه المرتجي!.
روبرت فيسك صحافي بريطاني شهير وخبير بشئون العالمين العربي والإسلامي، يراسل صحيفة الاندبندنت البريطانية من ابرز عواصم العالمين ومن مواقع الأحداث الساخنة فيهما، خاصة من أفغانستان والعراق. ويكتب من رؤيته المستقلة عما يشاهده ويعرفه بدقة مهنية وبموضوعية إعلامية مشهود له بها، وقد أُبعد اكثر من مرة عن الوصول إلي أماكن معينة داخل العراق من قبل سلطات الاحتلال خشية فضحها والتعريف بها، خاصة عن الضحايا البشرية التي لا تعبأ بها إدارة الاحتلال وأتباعها ولا تسجل أرقامها وأسماءها وتُكذّب بنفاق واضح إحصاءات الجهات الحريصة علي رفع التستر عنها وإشهارها وثائق إدانة لممارسات الاحتلال وعدوانيته وجريمته المتواصلة. ولعل فيما كتبه ونشره عن أفغانستان والعراق كافيا وحده براهين إدانة ووثائق مثبتة وشهادات حية لمحاكمة المجرمين الذين سببوا كل الدمار والخراب والضحايا في هذين البلدين فقط أمام المحكمة الجنائية الدولية أو العدل الدولية أو أمام أية محكمة خاصة أخري. منع هذا الصحافي من الدخول إلي الولايات المتحدة رسميا، ولكن لم تنفع الإدارة إجراءاتها، فوسائل التقنية الحديثة التي تفتخر بها الإمبراطورية سهلت حضوره وأداء مهمته التي منع من المشاركة الشخصية فيها، ونقلت الأقمار الاصطناعية مساهمته حية من حيث كان بكندا، وخاب أمل الديمقراطية البوشية في هذا الإجراء التعسفي المعبر عن ضيق أفق وغباء الجهات المنفذة وتسلطها الذي يشي بتحولات الهيمنة الإمبراطورية الطبقية والسياسية والأيديولوجية نحو تشديد اكثر ورقابة أوسع، وإصدار قوانين تضييق الحريات العامة، أو نحو إعادة إنتاج المكارثية الأمريكية بأشكال بوشية جديدة.
وبعد منع الصحفي جاء رفض نشر كتاب العسكري الأمريكي السابق جيمي ماسي بأمريكا الديمقراطية، وتمكن مختارا أو مضطرا من نشره بفرنسا وفي اللغة الفرنسية أولا بالتعاون مع الصحافية الفرنسية ناتاشا سولنييه. صحيح أن عنوان الكتاب مثير فعلا ولكنه خلاصة تجربة فترة اشهر بالعراق فقط، خاضها هذا الجندي، الذي خدم جيش الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 12 عاما، في وحدته الأمريكية في عملية تحرير العراق، كما سموها. العنوان هو: اقتل!، اقتل!، اقتل!. ولهذا السبب حرم من الصدور بلغته الأصلية. اجل.. العنوان صارخ، ومؤلم، وقاس، وهو بلا أدني شك ملخص واضح لما قام به هذا الجندي وتسجيل صورة عن حقيقة ما حصل في احتلال العراق. أو تقديم موجز معبر عن ممارسة القتل بدم بارد وشهادة صحوة ضمير وبراءة من دم الضحايا الذي سال أمامه وتساءل عن سبب جريانه بهذه الدموية المفرطة والحرية المسفوحة. قال هذا الجندي في حديث صحافي إن الهمجية التي عومل بها الشعب العراقي في بداية الغزو كانت السبب في الهجمات اليومية التي تستهدف القوات الأميركية. وأكد ماسي أن المارينز قتلوا عشرات من المدنيين العراقيين نتيجة المبالغة في الشعور بالأخطار التي تواجههم، مبينا انه نشر كتابه بفرنسا وباللغة الفرنسية لأني لم أجد أي ناشر أميركي لكتابي و أني متفهم إدراك الأمريكيين . ومن بين ما أورده في كتابه انه كان في مهمة مع فصيلة من المارينز في معسكر الرشيد جنوب شرق بغداد وقد واجهتهم مجموعة صغيرة من العراقيين يرددون هتافات معادية للولايات المتحدة ويرفعون لافتة تقول: ارجعوا إلي بلادكم. وعند سماع صوت طلق ناري، أطلقوا النار علي المجموعة وقتلوا غالبية أفرادها واكتشفوا بعدها أنهم مدنيون ولا يحملون أي سلاح!. وذكر أيضا أن فصيله وحده قتل اكثر من ثلاثين مدنيا عراقيا، خلال وجوده معه في خدمته بالعراق، قبل إصابته وإعادته إلي وطنه!.
هذان الخبران من داخل الإمبراطورية الديمقراطية يعريان الأزمة الأخلاقية لها والتحولات الجديدة التي تحرج المدافعين عنها، يوما بعد آخر، وستكشف من جديد مدي التوحش والفظاعات المقترفة من قبل دعاتها أساسا، ولعل في نموذجية الخبرين، وما لهما من علاقة مباشرة بالعراق وبالإعلام والوعي العام وتوجهات الإدارة نفسها في التغطية والتمويه والتسويف وحجب الحقيقة وإبعاد الأنظار والرأي العام عن إدراك ما يحصل حوله شواهد أخري لما يجري داخل الإمبراطورية من تحولات بنيوية لابد من استقرائها بترو، ولابد من وقفة جادة قبل فوات الأوان، وعدم التفرج عليها مثلما حصل في ما جري ويجري خارجها. فديمقراطية بوش في التطبيق فضيحة كبري. لقد أعلن الخبران، كشاهدين بسيطين وأوليين من بين الكثير من أمثالهما، عن ثياب الإمبراطور وما بقي من أفعاله وقائع يومية صارخة، علي أرضنا وشعوبنا
ومستقبلنا، وما خفي أو بقي اعظم
!.

العراق.. أزمة الدستور وجدولة الاحتلال

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت8/10/2005
يفسر إقدام الإدارة الأمريكية وحلفائها الراغبين معها علي احتلال العراق بتلك الطريقة التي انتهكت بها القوانين والأعراف والمواثيق الدولية، وجود أهداف استراتيجية لها، لا تذيع أو تعترف بأي منها حاليا، رغم انكشاف بعضها، بل أنها تنشر ما تريده من ذرائع وحجج والدعاية لها بشعارات براقة فشلت عمليا في التطبيق حتي باتت نماذج صارخة للإساءات لكل ما ادعته وتغنت به. ورغم محاولتها تغليف العدوان والاحتلال بإصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي، 1483 و1511 و،1546 وتعيين بول بريمر حاكما أمريكيا مطلق الصلاحيات، يعاونه بريطاني مع تواجد اكثر من ربع مليون عسكري ومدني أجنبي في خدمة حمايتهم ومشروع الاحتلال، إلا أن تصاعد المقاومة الوطنية بكل وسائلها وأشكالها المدنية السلمية والعسكرية العنفية، حول الاحتلال إلي ورطة متصاعدة تشابه فيتنام في مأساتها علي الشعب العراقي والقوات المحتلة، مضيفة أعباء جديدة في مخططات اشغال الشعب العراقي والالتفاف علي مشروعه التحرري الوطني، بعد أن أجبرت الإدارة علي تنفيذ مشروعها بمراحل متسلسلة، ابتدأت بتصنيع مجلس حكم معين ومن ثم حكومة انتقالية وبعدها انتخابات صورية وحكومة مؤقتة ومن ثم موضوع الدستور وانتخابات أخري لمجموعة ثالثة من سياسيين عراقيين من قوائم التعاون مع المشروع الإمبراطوري والتوقيع مع ''الحكومة الدستورية'' علي اتفاقيات أمنية وعسكرية واقتصادية تضمن بها ما فشلت به من خيالات الاحتلال وراسميه.
حددت هذه المراحل وتم تسجيلها صوريا في اتفاق ابرم بين الحاكم الأمريكي ومندوب عراقي يوم 15 نوفمبر ،2003 وثبتت فيما سمي بقانون إدارة الدولة المؤقت، الذي وضعه كما صار معروفا الحقوقي الأمريكي، اليهودي الديانة، المستعرب نوح فيلدمان وبصياغة مجموعة من الأسماء العراقية التي دخلت العراق خلف الدبابات وطائرات الاباتشي ودورات التحضير الخاصة في الأجهزة الأمريكية والغربية الأخري.
عكست هذه المراحل التي فرضتها خطط الولايات المتحدة الأمريكية وأهدافها وبرنامجها السياسي وصور الواقع اليومية بالعراق أزمة داخل مشروعها ولاسيما مرحلته الراهنة، صياغة دستور، ومرحلته القادمة التي لابد منها، وهي جدولة الاحتلال رسميا، وبناء القواعد والتوقيع علي اتفاقيات متبادلة. فماذا تعني هذه المرحلة في استراتيجية المشروع الأمريكي ومخططاته للعراق والمنطقة-. وأي المشروعين هو الذي سيفوز بنهاية الصراع والمطاف، المشروع الصهيو أمريكي الاحتلالي أم المشروع التحرري الوطني-.
مسودة الدستور، من الديباجة إلي مختلف أبوابه ومواده، تدفع كما أشارت إليه افتتاحيات عدد من الصحف الغربية أواسط سبتمبر 2005 إلي تقسيم العراق ونذر حرب أهلية، اثنية وطائفية. وتلتها تحذيرات المجموعة الدولية للأزمات وآخرها ما سرب من تقرير داخلي للأمم المتحدة. فكيف تحل هذه المعضلة-. وهل يستمر الاحتلال في ظل حرب أهلية وتقسيم العراق إلي دول متناحرة ترسم الحرب حدودها-. ومن جهة أخري أين الخلل- في الصياغات أم في التوجهات-. ولماذا الاقتناع أو التصور بأن الأمور تتجه إلي غلبة الهواجس الخطيرة والإرهاصات التي تمور في الشارع والتي تدفع بها ممارسات الاحتلال ومؤيديه. أليس المشهد السياسي العام دليلا صارخا-. هذا المشهد المحتقن، من تدمير المدن وتهجير سكانها ومسميات العمليات العسكرية وصولا لخطط أحداث البصرة الأخيرة، وإلقاء القبض علي (جنديين بريطانيين)، كما سمتهما وسائل الاعلام حينها، والتستر عليهما، وعلي الكثير من أمثالهما الذين ألقت قوات شرطة وأمن كربلاء وبغداد والنجف وكركوك وغيرها القبض عليهم دون أن تصرح عنهم وهم من حملة (جنسيات أجنبية)، أشير لهم في رسائل مراسلين إعلاميين أو نشرات أخبارية عراقية أو عبر مداخلات المواطنين الشهود علي الأحداث التي اجتاحت العراق منذ غزوه، والتي تتصاعد باستمرار في مناسبات أصبحت معروفة لكل متابع لأخبار العراق اليومية.
ديباجة الدستور الإنشائية البكائية تدل علي محتواه ومراميه، وتكشف خباياه بين السطور، محاولة دغدغة المشاعر وإبعاد النظر عن تاريخ العراق الواقعي الحاضر أمام المواطنين الذين اكتووا بسلطات ديكتاتورية متعاقبة، منذ قيام الدولة العراقية والي اليوم، مستبدلة أسماء ورموزا متداخلة بين المحلية والأجنبية دون أن تحقق لهم ما ضحي شهداءالعراق من أجله، لعراق حر وديمقراطي وشعب سعيد مالك لثرواته ومستقبله.
أما المواد الأساسية فتفتح أبواب الخلافات علي مفهوم الدستور أساسا، حيث يفترض أن يكون كما هو معروف عقدا اجتماعيا سياسيا جامعا برضاء تام بين كل التيارات والفئات العراقية وموحدا لها في بناء دولة قانونية مستقبلية لا تكرر ما سبقها من غياب مثل تلك المفاهيم. بينما تعلن تورط كتبته بتغييب أهم مقوماته العراقية، من خلال التعمد في لفلفة المفاهيم والمصطلحات والقواعد القانونية المتعارف عليها في صياغة دستور عصري لبلد مثل العراق، يحترم هويته الحضارية والواقعية ويقدر مكوناته وألوانه وأطيافه، تاريخيا وموضوعيا، أغلبية واقليات، قوميات واديان وطوائف، حاضرا ومستقبلا.
ومن عنوان التناقضات والثغرات يقرأ المضمون، سواء ما ورد فيه من تصورات وأفكار حول الفدرالية أو الاتحادية في ترجمتها العراقية، الخاصة بهذه المسودة، أو في صلاحيات السلطات ومسمياتها الملتبسة والمتناقضة، أو في تفسيراتها المفتوحة التي تزرع الغاما مؤقتة وجاهزة لتنفيذ اهداف خارجية لا مصلحة للشعب العراقي فيها. وحتي فيما يتعلق بالحريات العامة وحقوق الانسان، فقد ذكرت مثل غيرها خالية من مضمونها الحقيقي حين مقارنتها في ممارسات الحكومة وأحزابها وأساليب عملها وتعاونها مع جرائم قوات الاحتلال.
وإذا كانت كل المواد التي من الممكن أن يقوم السفير الأمريكي الحالي المشرف عليها بتغييرها أو تعديلها كما صرح بذلك لإقناع أطراف معترضة أو محتجة عليها، مستهدفا إقرار المسودة والعمل عليها، فانه وعمله والآلاف من موظفيه في سفارته سيظلون مصرين علي المواد البارزة في المسودة والمتعلقة في الثروات واحتياطاتها وكنوز العراقيين والموقف منها، وما يتصل بها من مشاريع سمتها صحف بريطانية بمشاريع بيع العراق بالمزاد العلني مسبقا. وهي التي تهم السفير الأمريكي اكثر من غيرها من الأبواب والمواد التي يمكنه التفاهم عليها مع المستعدين القبول بمقترحاته عليها والتوافق بالتالي علي كتابة دستور تحت حراب الاحتلال والاستمرار معه في تنفيذ خطواته التي بني مشروعه عليها، وهي المواد الأخطر بالدستور وبالأهداف المنشودة منه أمريكيا.
استمرار الاختلاف علي مسودة الدستور وضع مرحلته في أزمة حادة بين مكونات الشعب العراقي والإدارة الأمريكية أولا وبين خيارات المشروعين ومستقبلهما بالعراق ثانيا وبين صراع الارادات تاليا واخيرا. وفي كل التجارب التي دخلت بها القوات الأمريكية بلدانا غيرت بها دولها وأنظمتها وواجهت مقاومة شعبية رسمت لها مراحل مشابهة ولكنها انتهت بالهزيمة وخراب تلك البلدان، ولا يختلف المصير هنا ولهذا بدأت صيحات الإنذار تتسع مدياتها، داخل العراق ومحيطه وداخل الكونغرس ومؤسسات الإدارة الاخري، رغم كل الإعلانات الدعائية وردود الفعل المخادعة التي يصرح بها الرئيس الأمريكي أو صقور الإدارة الأمريكية وحلفاؤهم ببريطانيا واستراليا.
وبانتهاء تمرير الدستور واستحقاقاته العراقية تبدأ الاستحقاقات الأمريكية، وهنا الارتباكات والارتكابات، كما طرحت في جلسات استجواب وزير الحرب وأركان القيادة العسكرية في لجنة القوات المسلحة بالكونغرس، وتزايد التكاليف المالية والبشرية، والتي توضح أبعادا مطردة في حسابات الحقل العراقي وبيدر الاحتلال، ودروس التاريخ القريبة، في لبنان والصومال مثلا. حتي أن آراء كثيرة بدأت تجهر بضرورة الانسحاب الفوري والكامل قبل فوات الأوان.
طبيعة هذه الأزمة وتداعياتها تفرض جدولة الاحتلال وتؤشر نهاية مشروع الادارة، مهما حققت من مكاسب واقعية ومستقبلية علي صعيد أهدافها الاستراتيجية، ووقعت اتفاقيات وبنت قواعد عسكرية، ورفضت الاعتراف بالفشل الكبير الذي تحتم عليها، والمرتبط بحجم الخسائر علي جميع الأصعدة، والتي تضطرها اليوم قبل الغد إلي إعادة النظر استراتيجيا، في إطار توازن الاستحقاقات والرضوخ لمصالح وإرادة
الشعب العراقي في نهاية المطاف.

لتقاطع كيانات التمييز العنصري

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت1/10/2005
كان يوم 24 من سبتمبر 2005 الماضي يوما مشهودا في اكثر من عاصمة أوروبية ومدينة أمريكية، حيث نزلت جماهير شعبية كبيرة إلي الشوارع متظاهرة بصوت عال مُدينة الحروب والاحتلال والتمييز العنصري ومطالبة بإعادة الجنود إلي ثكناتها الأصلية في بلدانها واحترام حرية الشعوب واختياراتها الوطنية والقومية، وإنهاء السياسات الإمبراطورية والهيمنة والعدوان. وكانت أعدادها كما بثتها وسائل الاعلام العالمية والفضائية ليست قليلة مقارنة بظروف وقوانين (الطوارئ) المغلفة بالسيلفون الغربي وادعاءات ما يسمونه بالحرب علي الإرهاب، الإشارة الأبرز لتحولات في البنية الاقتصادية والسياسية والفكرية في اغلب النظم المتحكمة بالغرب حاليا بعد تطور نموها إلي مرحلة جديدة - قديمة، تعيد بها إنتاج سمات مرحلة معروفة بأوروبا بعد الحرب العالمية الأولي وصولا إلي الحرب العالمية الثانية. هذه الأعداد الغفيرة من الرأي العام المحتج والغاضب كافية في إعطاء صورة عن موقف الشعوب في تلك البلدان من تلك السياسات والأحداث والوقائع القاسية. وهي بمعني ديمقراطي تعكس رفضا أيضا لما وصلت إليه هذه التحولات المؤثرة علي مصائر تقدم البشرية وتطورها. ففي نفس الوقت الذي يعبر به هذا الكم البشري عن موقفه بوضوح تنطق الحكومات وأصحاب القرار السياسي في بلدانها بموقف صريح أيضا مناقض لها ومتعارض مع توجهاتها وتصوراتها الإنسانية العامة واهتماماتها الحضارية ودعواتها العالمية.
من بين فعاليات ذلك اليوم عرض أوساط من هذه الجموع لنشاطاتها وتوزيع نسخ من ادبياتها بأشكال مناشير وكراريس ملونة، وفي لندن مثلا، قامت مجموعات من الشباب والشابات، وبعضهن من المحجبات، بكل ذلك، وقد حصلت علي عدد منها، قرأت عناوينها وتأملت وضعنا العربي وما تبثه وسائل الاعلام العربية أولا عنه، والأخبار المتكررة عن الصفقات والعمولات وعن الاتفاقات والمفاوضات وعن الدعوات والاستقبالات وغيرها من الأمور التي تخجل من يطلع عليها أو يسمعها، فكيف سيرد علي هؤلاء الفتية المتحمسين لتوزيع هذه الأوراق المطبوعة؟. إنها مفارقات زمن عربي وتناقضات عهوده وفرص لإعادة التأمل فيما يجري ويحصل علي الأرض والتحرك الفعال قبل فوات الأوان، اليوم قبل الغد.
بعض الأوراق والكراريس تحمل عناوين بارزة، ومهمة وضرورية، تسجل من منطلقاتها: قاطعوا البضائع الإسرائيلية، أوقفوا جدار التمييز العنصري، فلسطين حرة وانهوا الاحتلال الإسرائيلي، ساندوا هذه الحملات حتي إنهاء الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني منه. وتنشط هذه الحملات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني أمام المؤسسات البريطانية التجارية والتعليمية والسياسية. ولديها موقع إلكتروني هو:www.bigcampaign.org . وتعرف الحملة بما حصل بفلسطين المحتلة، حيث تذكر أن الكيان الإسرائيلي لم يحترم أيا من قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف حول حقوق الإنسان بالعلاقة مع الشعب الفلسطيني، منذ قيامه واحتلاله أرض فلسطين. وهذا الاحتلال العسكري الوحشي يهيمن علي حياة الشعب الفلسطيني اليومية، ويستعمل اكثر الأسلحة تطورا، من الطائرات إلي المدافع، في ضرب كل مقاومة مشروعة للفلسطينيين، حيث قام: بقتل الآلاف من المدنيين غير المسلحين، وجرح وعذب آلافا أخري، وخرب وجرف المئات من حقول الزيتون والمحاصيل الأخري، وحاصر المدن والبلدات ومنع التنقل والتعليم والمستشفيات من العمل فيها، واغتال القيادات الفلسطينية، ودمر البني التحية للكثير من المؤسسات المدنية، واستمر ببناء جدار الفصل العنصري بالضد من قرار محكمة العدل الدولية. وبالتالي شل الحياة الاقتصادية وأعد فوضاها وانعكاساتها علي مختلف المجالات الاخري التي تؤثر علي الشعب الفلسطيني حاليا. وتناشد الحملة بقولها: إذا الحكومات ترفض المقاطعة، فيجب علي الشعوب أن تعمل وتفرض رأيها وتمارس دورها في مقاطعة البضائع والمؤسسات والشركات. وللتذكير فقط هنا الإشادة بأقوال لوزيرة الخارجية السويدية الشهيدة آنا لينده، التي اغتيلت علنا، وكانت مواقفها صريحة مع الشعوب واختياراتها وضد الاحتلال والحروب، ومنها أنها بعد مجازر شارون أعلنت ردها بمقاطعة شراء النبيذ الإسرائيلي ودعت حكومتها كذلك، وقامت فعلا بذلك أمام الرأي العام ببلدها والعالم، أخذا بنظر الاعتبار وضعها الرسمي والحزبي ورمزية فعلها السياسي والاقتصادي وموقفها الإنساني بالتالي.
بالتأكيد إن المقاطعة عمل وطني وقومي وإنساني، بالنسبة للشعوب والأفراد أيضا، لها معناها ومدلولاتها المشتركة ويعكس قوتها وإرادتها وضغوطها علي أصحاب القرار والشأن السياسي، مهما كانت مفاعيلها الزمنية وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة. فهي بكل الأحوال مبادرات وممارسات إنسانية عامة وقانونية وأخلاقية وتضامنية بشتي المعاني والمدلولات، ولابد منها لحك الجلد بالأظافر وذلك اضعف الأيمان في زمن تتباهي به الحكومات وأصحاب القرار بما يقومون به من تعاقدات ومعاهدات وشراء أسلحة وتكديسها بمخازن تصدأ بها ولا تخرج منها إلا في حالات معروفة لم تعد من أسرار الدولة العليا!. وأمام هذه الأوضاع تنهض هذه المجموعات الشابة بهذه المهمات لتحرك ضميرا وتهز شعورا عاما في عاصمة الإمبراطورية التي أصدرت وعد بلفور وزودت العدو بكل أسلحته النووية والقتالية والمعنوية والدعم بكل قوتها الرسمية. كما تذكر الحملة بأن المشاركة فيها تبعث برسالة إلي الشعب الفلسطيني للتضامن معه ولإشعاره بأنه ليس وحيدا، وان هناك من يشاركه معاناته ويتحسس الاضطهاد الواقع عليه. ولأن القائمين بهذه العملية النضالية والشعبية والإنسانية لا يملكون أسلحة نووية أو أسلحة قتالية ولا صفقات عسكرية، فلا يستطيعون إلا أن يساهموا معه بسلاح التكافل معه والمقاطعة لكل البضائع الصهيونية التي تحمل رمز الكيان الإسرائيلي المعروف 729 في بداية ترقيم السلع المنتجة فيه، من جهة الشمال، ومستعينين بتاريخ المقاطعة التي فرضت علي نظام جنوب أفريقيا العنصري، حتي انتهي وفككت مرتكزاته العنصرية.
إضافة إلي هذه الأوساط هناك مجموعة أخري تحمل اسم أصدقاء الأقصي، ولديها أيضا موقع إلكتروني هو:
www.aqsa.org.uk. توزع هي الاخري كراريس تطالب بمقاطعة البضائع والشركات البريطانية والأمريكية التي تتعامل مع الكيان، وتنشر أسماءها وصورها، مع المطالبة بتوسيع أشكال المقاطعة، ليس للبضائع وحدها، وإنما لشركات السياحة ومؤسسات التبادل التجاري أو الاستثماري والإعلاني والتقني العالي. كما تناشد بكراس لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية وأي تبادل أكاديمي أو علمي أو زيارات أو علاقات دراسية ورفض عرض تسهيلات لها وتقديمها إلي المعاهد والجامعات الفلسطينية المحاصرة.
هذه الدعوات العامة وهذه الكراريس الموزعة في تظاهرات عامة ضد الحروب والاحتلال والغزو والهيمنة الإمبراطورية، وفي هذه الظروف الملتبسة والتحولات الصعبة، تتشابك في أهدافها وكفاحها العام، وهي لكل من له ضمير حي ومشاعر إنسانية تدفعه إلي المشاركة فيها والمساهمة بكلما يستطيع من قدرات وإمكانات وفعاليات تعطي اكثر من رسالة واقدر من تعبير وأوسع من معني أخلاقي أو قانوني. ولعل نتائج تجربة المقاطعة لنظام جنوب أفريقيا العنصري افضل
مثال واحسن تشبيه، وبلا شك محك أساسي.

أول الرقص... حنجلة

الراية- د. كاظم الموسوي
23/09/2005
هل باكستان التي تمتلك السلاح النووي مضطرة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، قبل أن تري أي تقدم في الصراع العربي الصهيوني؟، وهل هناك ضرورة لكسر أسوار الجدران الإسلامية أمام الزحف الصهيوني، قبل أن تسقط كل الجدران العربية؟. ولماذا تمت هذه الخطوة في عاصمة إسلامية وبإشراف مباشر من العراب الإمبراطوري الذي يشرع بمخططات الهيمنة والتفتيت ورسم خرائط جديدة، سياسية وجغرافية واقتصادية، حسب ما تتحدث عنه مؤسسات الظلام الأمريكية؟.
ما الذي دفع باكستان علي السير وراء "الصفقة" وإخراج مسرحيات المصافحات والمفاوضات المباشرة علي موائد الليكوديين، في تل ابيب وواشنطن وغيرها من العواصم النائمة؟. وهل يفيد التصريح بالتبريرات القديمة المعروفة، بعدم تبادل السفارات أو رفرفة الاعلام في العواصم المعنية قبل قبول الفلسطينيين، وما علاقة عواصم عربية في الضغوط السرية علي إقامة واستمرار مثل هذه الحفلات الراقصة؟. ولماذا لا تبدأ هي بنفسها وتكشف المستور عنها؟. وماذا تبقي من كل الاتفاقيات وقرارات القمم العربية والإسلامية السابقة والتي سميت في الكثير من الأحيان بأسماء أصحابها وقادت إلي هذه الحنجلات الخجولة؟. هي طويت القضية المركزية والقدس الشريف؟. أسئلة كثيرة وقد لا تنتهي، والأجوبة عنها مثلها تثير أسئلة أخري، لان الوقائع لم تعد مقنعة لكل ما يجري، ولان الأحداث تبين أن الحنجلة السائرة الآن أسرع من توقعات الكثير من المراقبين لها، من جهة، وأفضح لكثير من الخبايا والأسرار التي أرادها أصحابها أن تظل مخفية أو وراء الكواليس العلنية، من جهة أخري. ولم يعد الحديث عن السلام وخارطة الطريق والأمن في المنطقة هو الشائع والمعروف حتي داخل أوساط الرأي العام أو القوي المؤيدة للقضايا الشعبية العادلة.
أكد وزير خارجية الكيان الإسرائيلي بوجود مفاوضات واتصالات مع عدد من حكام بلدان عربية واسلامية، وطالب بالإعلان عنها قبل زلة لسانه وكشفها. وقد قالها في اكثر من ملتقي أو مناسبة له، ونشرتها كل وسائل الاعلام العربية، حتي بات اسمه علما اكثر شهرة من كثير من أسماء "زملائه" وزراء خارجية بلدان عربية وإسلامية، فضلا عن زياراته العلنية والسرية لعدد من العواصم العربية والإسلامية. كما أن أي منتدي رسمي إقليمي أو عالمي، سياسي أو اقتصادي، وحتي في مناسبات عزاء أو فرح، يكشف عن قصص متعددة عن لقاءات مباشرة أو مصافحات أو تبادل (ابتسامات) بين ممثلين حكوميين عرب وإسلاميين وممثلي الكيان الإسرائيلي، الذين مجرد حضورهم فيها، ترفع الغطاء عن طبيعة الكثير من هذه (الحفلات شبه التنكرية) وأهدافها البعيدة.
ويبدو أن قمة الأمم المتحدة العالمية قد وفرت فرصة مؤاتية لإعلان صريح لعدد من تلك الحنجلات، متوجة بالتبريك الواسع لخطوة باكستان، وطاووسية رئيسها الانقلابي في أروقة الأمم المتحدة وفي اللقاءات الأخري، التي أعطت صورة عن سيرة تاريخية لحكومته في الاتصالات بتلك المنظمات الصهيونية في الولايات المتحدة الأمريكية، ونشاطها المشترك لرفع الأغطية عن تلك الحكومات وتلك البلدان وتلك العلاقات. ليس سرا إذا ثمة اتصالات رسمية سرية أولا حول تطبيع العلاقات بين باكستان والكيان الصهيوني، في تلك المؤسسات الصهيونية، التي اعتبرت نفسها سفارات متقدمة تحت مسميات أخري لخدمة تلك الأهداف والعمل كلوبي ضاغط داخل مؤسسات التشريع والقرار الأمريكي أيضا. وليست مصادفة غريبة ثانيا أن تكشف علنا في عاصمة إسلامية وسيطة، تضيف لتلك السلسلة حلقة أخري. وهي هنا تقدم خدمة ليست قليلة لأهداف لا يمكن أن تكون بمصلحة القضايا العربية والإسلامية مهما كانت التبريرات والتفسيرات، حيث الحقائق علي الأرض تشير إلي ما يخالفها اسما ومعني.
تحت قوة صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته للمشروع الصهيوني وتقديمه التضحيات الجسيمة، علي طريق حقوقه الوطنية المشروعة، وانتظار دعم ومناصرة أشقائه وإخوانه في الدين والقومية والإنسانية، انسحب شارون من غزة منفردا، بقراره السياسي وحساباته المتفق عليها مع الإدارة الأمريكية، مهددا ومعيدا صورته المعروفة عنه من أيام صبرا وشاتيلا مرورا بجنين ورفح والخليل وبيت لحم وغيرها من البلدات الفلسطينية. وهو لما يزل محتلا حدود غزة وسماءها ومياهها، ولم يترك فرحة عودة بعض الأرض لأهلها كاملة، فكل يوم يعمدها بالدم الفلسطيني الزكي بقصف أو اغتيال. وما كان الانسحاب من غزة تحريرا لأرض فلسطين وتلبية لحقوق شعبها كاملة، بل خطوة أولي علي طريق طويل، أعاد الكيان الإسرائيلي انتشار قواته المحتلة في منطقة غزة والتفرغ لغيرها وتنفيذ مشاريعه الصهيونية فيها. وعلي تلك الخلفية تسارعت أخبار الصفقات السياسية علي مكافأته لما قام به دون تحميله مسئولية ما اقترفه من جرائم حرب واحتلال..، وللأسف اعتبرت بعض الحكومات العربية والإسلامية تلك العملية فرصة للركض قبل غيرها، وكأنها علي موعد سباقات رياضية علي ملعب احتفالية الأمم المتحدة، تلك المنظمة الدولية المسئولة الأولي عن قرار التقسيم وتشريد الشعب الفلسطيني وقراراتها اللاحقة التي لم تنفذها وتركتها منتظرة كل تلك السنوات تحت رحمة الإدارات المتعاقبة وحكومات عصابات الحروب والقتل الجماعي.
في هذه الصفحات التاريخية يبدو العرب والمسلمون مقارنة باستراتيجيات العدو مشبعين بالمفارقات والتناقضات الحادة. لقد عمل الكيان منذ تأسيسه بقرار الأمم المتحدة علي تفريق الدول العربية ومحاربتها وإضعافها وتدمير تقدمها وبنائها الداخلي والخارجي، كما هو معروف تاريخيا وواقعيا، وانتهز كل الفرص لعزل العالم العربي وتكريس تفتيته بمختلف السبل والإمكانيات. ومن ثم العمل علي إخراج كل دولة منه بمفردها من محيطها والتوقيع معه أو تكبيلها بمعاهدات وألتزامات واتفاقات مذلة ومشئومة. مبتدءا من دول الطوق والتصدي له، ومتحركا بالتدريج علي دول الجوار العربي ومن ثم الدخول منها إلي ما يجاورها أو يبعدها جغرافية واتصالا، ومنتهيا أو متوصلا إلي ابعد من العالم العربي وجواره إلي العالم الإسلامي ومن تبقي من داخل العالمين. محققا بكل ذلك خططه الاستراتيجية واختراقات جدية علي صعيد العلاقات الرسمية مع الحكومات والحكام في كل تلك البلدان وراسما له دوائر تؤيده وتجعله قادرا علي المناورة معها وعلي حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة.
كشفت العلاقات الباكستانية الإسرائيلية فجوة كبيرة في فهم وإدراك طبيعة العلاقات العربية والإسلامية والقضايا العادلة للشعوب، وتحقيق مخططات الأعداء علي حساب الأصدقاء والأشقاء، كما قدمت وقائع تكرس الاتجاهات المضادة لتطلعات الشعوب في رفض الحروب والهيمنة الإمبراطورية الأمريكية، بل وتسهل لها مشاريعها العدوانية، إذا لم تساهم بها وتعبد لها طرقها وتحرج الشعوب والقوي والفعاليات المؤيدة لقضاياها.
الأخطر في كل ما يقال أن الراقصين قبل باكستان وبعدها لم يعرفوا بادراك حقيقي خطورة خطواتهم اللاحقة ولم يتحسبوا لما يأتي بعدها، وكل ما يحصل اليوم من تجاوزات واضحة علي أسس الصراع والمستقبل تعرقل عمليا وتضر واقعيا بعمليات السلام والأمن والحرية
والديمقراطية وغيرها، وليس العكس كما يدعي المحنجلون والراقصون والدافعون لهم في السباق.

وصمة كولن باول وكارثة كين كلارك

الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة16/9/2005
أهمية اعتراف وزير الخارجية الأمريكية السابق الجنرال كولن باول وندمه علي أعماله المشجعة والمبررة لغزو العراق واحتلاله ليست في توقيتها وحسب وإنما من موقعه السياسي ودوره في صنع القرارات التي اقترفت انتهاكات خطيرة بحق القانون الدولي والإنساني وميثاق الأمم المتحدة والاتفاقيات الدولية. ولا ينفعه كثيرا الإقرار بأن ما اقترفه وصمة في سيرته وان الأجهزة الاستخبارية غشته، مثلما لا يجدي تأكيده ببطلانها كمبررات للغزو وعدم وجود صلة بين تنظيم القاعدة والنظام العراقي قبل الغزو، وان ما قدمه أمام العالم من وثائق كانت مزورة وكاذبة، وكل تلك الصور والمعلومات لفقت داخل مؤسسات الاستخبارات الأمريكية. ولكن بلا شك أن هذا الاعتراف هو شهادة أولية له كمتهم أمام القانون الدولي بجريمة المشاركة بالحرب والعدوان علي بلدان آمنة وعضو بهيئات الأمم المتحدة والإقليمية وتشملها كل القوانين الضامنة لها من أي عدوان، حيث يعتبر أي عدوان جريمة حرب، وهذا ما أراد باول قوله محاولا تبرئة نفسه من عواقب الجريمة القانونية، والمثول أمام العدالة الدولية، عاجلا أم آجلا، هو وكل من اشترك بجرائم الحرب، في أي مكان من العالم، وخصوصا في منطقتنا العربية.
لقد كان باول كغيره من موظفي الإدارة الأمريكية يدافع بشراسة عن سياسة بلاده العدوانية، وتثبت سيرته الشخصية إخلاصه الوظيفي للإدارة التي عمل فيها عسكريا ودبلوماسيا، دون أن تتأثر مصداقيته الفردية من الأعمال التي مارسها. واكتشف مؤخرا أن المبادئ التي كان يدافع عنها كما كان يصرح في اكثر من مؤتمر صحفي هي جملة أكاذيب وخدع مرتبة في دوائر أمراء الظلام الأمريكي، وأستخدم هو وأمثاله لترويجها دون اختبار صدقية أو اهتمام فعلي باحترامها لكلمة المبادئ أو القيم أو الأعراف التي تخدم الإنسانية وتبني علاقات بين الأمم والشعوب عادلة ومنصفة وصادقة.
تصريحات باول الأخيرة كشفت تجاهله لكل الأصوات الأخري التي فندت واقعيا وعلميا عبر وسائل الاعلام العالمية كل ما قام به في ذلك اليوم المشئوم في الأمم المتحدة، وقبل الغزو وبعده، إذ أن ما قدمه من (براهين) و(إثباتات) علي وجود مصانع لأسلحة الدمار الشامل في شمال العراق، ومساع لتطويرها، وخطط لاستخدامها، لم تصمد أمام وقائعها، وقبل أن تفضحه تقارير اللجان الأمريكية التي قدمت بعد احتلال العراق وكذبت كل براهينه، كان هناك من كذبه عيانيا، حيث قام صحافي بريطاني بزيارة ميدانية لمناطق عرضها باول أمام الأمم المتحدة بأنها أماكن صنع أسلحة كيمياوية، ونشر تقريرا مصورا في صحيفته البريطانية بعد أسبوع واحد فقط من إعلانات باول في الخامس من فبراير 2003، وضح فيه خداع الادعاءات، وعدم وجود أي اثر لمصانع أو مواد كيمياوية بالمنطقة، وان سكانها طلبوا منه حبوب أسبرين لشفاء مرضاهم، وقصفت الطائرات الأمريكية تلك المناطق بكل أنواع الأسلحة المحرمة وقتلت العديد من سكانها بسبب ما قدمه باول من أكاذيب. كما أن عالما وفنيا عراقيا عمل في مؤسسات علمية عراقية يقيم خارج العراق حاليا رد علي تلك التصريحات في وسائل إعلام أمريكية مفندا بأسلوب علمي ومن خبرته الفنية ومعرفته بالتفاصيل وما حصل لتلك المؤسسات، كل تلك المعلومات والبراهين الاستخبارية التي قادت إلي الحرب والغزو والاحتلال، مؤكدا علي أنها حجج واهية لا تصمد أمام الواقع والضمير والأخلاق العلمية والسياسية والمهنية في كل الأحوال.
بالتأكيد لا يعني كثيرا اعتراف كولن باول وندمه لما حصل بالعراق منه، ومن غيره من أسلحة الخداع الشامل التي مارستها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها ضد الشعب العراقي وضد العراق والمنطقة حاليا. ولكن أن يعترف أحد رموز حزب الرئيس الحاكم وأحد رجال اليمين الأمريكي له دلالاته ومعناه، بأن ثمة انتباهة جديدة تدور في أجواء الإدارة الأمريكية ورموزها وتصارعها بين أجنحتها ومؤسساتها التي تقرر سياستها العدوانية. وبلا شك لولا صمود الشعب العراقي ومقاومة الوجود العسكري الأمريكي ورفضه الاحتلال وسياساته العدوانية وتكبد قوات الاحتلال خسائر بالغة، لما اعترف باول ولا غيره من المشرعين الأمريكان والدبلوماسيين وغيرهم ومطالباتهم في إعادة النظر في سياسات الإدارة والبحث عن مخارج جديدة، بما فيها الانسحاب العسكري السريع وكسب ماء الوجه بدلا من الهروب والهزيمة المدوية المنتظرة.
ومثلما يجري في أروقة الولايات الأمريكية، يحصل مثله في بريطانيا، الحليف الرئيسي لعدوان الإدارة الأمريكية وسياساتها الخارجية، لاسيما داخل حزب المعارضة، اليمين البريطاني، حزب المحافظين، بشكل ملفت للنظر. حيث صرح المرشح لرئاسة الحزب كين كلارك في حملته الانتخابية أن قرار المشاركة البريطانية في الحرب علي العراق كان كارثيا. وان المبررات التي قدمت إلي البرلمان لغزو العراق كانت ملفقة. هذا الاعتراف من زعيم محافظ يأتي أيضا ضمن هذه الأجواء، وليس هو الأول من حزبه من عارض الحرب، ولكنه الأول من أعلن في حملته الانتخابية لرئاسة حزب المحافظين مثل هذا الاعتراف والموقف من الحرب علي العراق واحتلاله الآن. وبلا شك الخسائر الكبيرة التي تدفعها بريطانيا عسكريا وبشريا واقتصاديا هي من العوامل الرئيسية في كل ذلك. فأعداد القتلي من الجنود الأمريكان والبريطانيين حسب إحصاءات وزارات الحرب بلغ الألفين وعدد الجرحي تجاوز العشرين ألفاً، والخسائر المادية المباشرة لإدامة الاحتلال تجاوزت الستة بلايين دولار شهريا، يضاف لها بلايين أخري تدفع بشكل غير مباشر، لعقود مدنية ومساعدات خارجية ونفقات إضافية لأبواب مختلفة من صفحات الحرب والاحتلال. وكل هذه الأرقام تؤثر مباشرة علي حياة المواطنين في البلدين مباشرة ويوميا، من أخبار القتلي والجرحي إلي دفع الضرائب وارتفاع الأسعار. وبالتأكيد جاءت عواقب إعصار كاترينا فضيحة اكبر لجبروت الإدارة الأمريكية وحلفائها وعماها السياسي وعجزها عن حماية سكان بلادها من كوارث طبيعية معروفة ومحسوبة مسبقا. وفي تعليقات مختلفة علي تصريحات كلارك من أعضاء حزبه أشير فيها إلي صحة ما استمر عليه من مواقف مناهضة للحرب وتصعيدها إلي تسميتها باسمها الصحيح، الكارثة، وما حصل بعدها من إرهاب عام داخل العراق وخارجه، ومنها بريطانيا، جعل كلامه اكثر أهمية من السابق للمحافظين خاصة، الذين يتحالفون مع الإدارة الأمريكية اليمينية دون اعتراض، وذكر أحدهم بقول للمستشار السابق لشئون الأمن القومي الأمريكي بريجنسكي: ليس دائما الرئيس الأمريكي علي صواب. وطالبوا بأخذ ما قاله كلارك علي محمل الجد، والانتباه لما يحصل داخل الإدارة الأمريكية ولاسيما من أولئك المعروفين بمواقفهم المؤيدة للإدارة والذين بدأوا يدقون أجراس الإنذار لها قبل فوات الأوان.
صحوة المعتدلين في اليمين الأمريكي والبريطاني والانتباه إلي عواقب الكارثة التي وصلوا إليها، هل تقنع أصحاب القرار من المتطرفين اليمينين في إدراك خطورة ما يرتكبون بحق الشعوب، ويقرون بوصمة العار التي جلبوها لشعوبهم؟
.

العالم كله يتظاهر في هذا اليوم

الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة9/9/2005
يوم آخر يسجل في التاريخ، يوم 24 من شهر أيلول/ سبتمبر هذا العام، حيث سيشهد العالم كله، تظاهرات شعبية واسعة، في عواصم دول العدوان، وقريبا من دوائر مخططي الغزو والاحتلال، أولا، وفي أنحاء كثيرة من بلدان أخري عرفت بالوقائع والفواجع ثانيا، تعلن موقف الشعوب ضد استمرار الحرب والعدوان والاحتلال الأمريكي وتوابعه وتدعو إلي ضرورة إعادة القوات الغازية إلي مواقعها ومعسكراتها الأصلية للقيام بواجباتها المنصوص عليها في دساتير بلدانها وحماية شعوبها مما يحصل لها من كوارث الطبيعة والسياسات الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة، وبناء جسور إنسانية للتعاون والتعامل الدولي في شؤون عالمية مشتركة ومهمة كحماية البيئة ومكافحة الأمراض والفقر والمجاعات وغيرها التي تستشري في اكثر من منطقة من المعمورة.
في هذا اليوم من هذا العام تستعيد القوي العالمية المناهضة للحرب والعدوان والغزو الوحشي والاحتلال العسكري والاستيطاني ونهب الخيرات واضطهاد الشعوب، والمتضامنة من اجل السلام والأمن والخير في العالم حراكها السياسي ونشاطها التضامني وفعلها الكفاحي وتبرز إمكاناتها العملية في الضغط علي الإدارات المتسلطة والمؤسسات الليكودية المتحكمة في القرار السياسي الدولي ودفعها إلي التفكير بمصيرها والعالم وبحياة البشرية علي هذا الكوكب، وتسجل فيه يوما آخر مشهودا وشهادة عالمية بصوت عال وبإعلان جماعي مشترك عن رفض الحرب والعدوان ومخططات الإمبراطورية الإمبريالية العدوانية وجرائم الرأسمالية المتعولمة، والدفاع عن مصالح الشعوب وحقوقها الطبيعية في الحياة الكريمة والسعيدة في بلدانها وثرواتها ومستقبل أجيالها. وقد تكون صدفة، ولكنها مهمة جدا، وقائع ما يحصل بالولايات الأمريكية الآن من نتائج تلك السياسات العدوانية الإمبراطورية ضد الشعوب الأخري وعجزها عن حماية أبناء شعبها من كوارث الطبيعة ومآسيها التي فضحت جوهرها العنصري اللاإنساني أمام شعبها أولا وفي أركان الكرة الأرضية ثانيا وللتاريخ أخيرا، وبينت مفارقات ادعاءاتها وحروبها العدوانية من جهة وبين هروبها وتلكؤها الرسمي من جهة أخري.
حيث عجز الرئيس الأمريكي وإدارته عن درء مخاطر ما يحصل علي ارض بلاده وتباطأ في حماية سكانها، الذين فقدوا اكثر من عشرين ألف ضحية، كان بالإمكان انقاد آلاف منهم، وليكشف عمق التمييز والاستهانة بحياة البشر وحقوقهم الطبيعية وجل أبنائهم من يدفعون ضريبة الدم في حروب عدوانية جائرة واحتلال غاشم لأراضي الغير في أصقاع بعيدة عن أمريكا. هذه الحقائق فضحت كل ادعاءات الإدارة الأمريكية وحلفائها عن حرية الشعوب التي غزوها وديمقراطية الاباتشي والمارينز والتوماهوك التي وعدوا بها أو تغنوا بنماذجها، حيث ردت عليها الوقائع المصورة والأحداث الكارثية بشكل صريح وصارخ لا مجال للمراوغة واللف والدوران فيه.
من جهة أخري تتكشف كل يوم فداحة الحرب علي أفغانستان والعراق وكلفتها لحد الآن بآلاف الأرواح وآلاف الجرحي والمعاقين والمرضي النفسيين وغيرهم أمريكيا، وكذلك البلايين من الدولارات، الأمر الذي يدفع بكل القوي التقدمية بأمريكا للتظاهر ورفض تلك السياسات العدوانية، لاسيما وان تلك التكاليف تمس كل مواطن بالولايات المتحدة الأمريكية. حيث سجلت مساعدة وزير الخزانة الأمريكي السابقة، ليندا بليمس، في مقالة لها في نيويورك تايمز يوم 20 آب/ أغسطس 2005 بعنوان: حرب التريليون دولار، إحصائيات رسمية عن الخسائر البشرية والمالية، من بينها ما ذكرته بأن الحرب كلفت اكثر من 250 بليون دولار لحد الآن، بمعدل شهري حوالي 6 بلايين دولار، ولكنها تشير إلي أن هذا الرقم هو ما يعلنه البنتاغون ويخفي ما يصرفه علي عقوده الخاصة، وعلي النفقات الأخري والمساعدات التي تقدمها الإدارة بسبب حربها، ومن بينها مصروفات لتطوير الجيش حسب مكتب ميزانية الكونغرس اكثر من عشرين بليون دولار سنويا. وتضيف إلي الخسائر الأخري جراء الحرب وعواقبها وما تجبر الإدارة علي صرفه، من خلال ما يتم الآن دفعه بما يقدر اكثر من بليونين سنويا لإعادة تأهيل وطبابة اكثر من 159 ألف عسكري من العائدين من حرب الخليج الثانية، حيث تقدر بأن تكاليف ما تتوقعه من نفس العملية للعدد الجديد من القوات المتواجدة في العراق وأفغانستان ب 7 بلايين دولار سنويا ولمدة 45 عاما قادمة، وتذكر العدد ب 525 ألف عسكري، إضافة إلي نفقات أخري ومصاعب متولدة منها، كارتفاع أسعار النفط، فتذكر أن الحرب ستكلف، إذا بقيت القوات الأمريكية لخمس سنوات أخري اكثر من 1,300 تريليون دولار، أي بمعدل 11,300 دولار لكل دافع ضريبة في أمريكا، حسب مقالتها. هذا يعني أن هذه الحرب التي خطط لها لقيادة العالم من ورائها ستدفع بكل أمريكي أن يدفع ثمنها يوميا من قوته ومستقبله وكذلك من حقوقه الطبيعية، دون أن يري منها ما ينفعه ويسعده، بل العكس من كل ذلك، وما حصل في الولايات الجنوبية أبرز شاهد.
ولا يختلف الحال ببريطانيا، حليفة الإدارة الأمريكية الرئيسية في حروبها، فالتظاهرات فيها التي تنظمها تحالفات أوقفوا الحرب، وضد الأسلحة النووية وممثلو الجاليات الإسلامية والعربية، تطالب بوقف الغزو والحرب وقصف الشعوب، والتسبب بالتفجيرات العشوائية التي تقتل الأبرياء، تحت مسميات الحرب علي الإرهاب، تلك السياسات التي عرضت العالم إلي خطورة اكثر مما كان عليه قبلها، والتي رفضها 85 بالمائة من الشعب البريطاني، وعبر عن رفضه بشتي الوسائل والاستطلاعات. كما تدعو تظاهرات 24 أيلول/ سبتمبر القادم حماية الجاليات الإسلامية من أية دعوات أو قرارات أو قوانين تعسفية أو اتهامات بالإرهاب الذي تنشط منظمات معادية إلي توجيهها إليها، والعمل علي تحميلها مسؤولية ما حصل ويحدث من عمليات وتفجيرات محلية لها أسبابها ونتائجها وأعراضها، وليست لها علاقة بالدين الإسلامي أو الجاليات المسلمة والعربية فيها. كما تطالب الحملة الجماهيرية إلي حماية الحقوق المدنية للشعب البريطاني، وعدم المساس بها وتقييدها بحجج مردودة عليها، ومرفوض الإصرار عليها دون تقديم تبريرات واقعية وعملية لها، وكل ما حصل من تفجيرات مكشوفة أسبابهاوعلي أصحاب القرار فيها الاعتراف بحقيقتها ودوافعها والعمل علي إنقاذ البلاد والعباد، ليس ببريطانيا وحسب، وإنما بكل المعمورة، من استمرار الحروب والغزو الاستعماري والنهب الإمبراطوري والإرهاب الحكومي.
وأخيرا وليس آخرا المطالبة بإعادة القوات البريطانية إلي معسكراتها في بلادها قبل رأس السنة الميلادية لتحتفل مع أهلها بأعياد الميلاد. وتري اللجنة المنظمة للحملة ضرورة الإعادة ليس بسبب أحداث السابع من تموز/ يوليو الماضي بلندن، بل بسبب الأعداد الكبيرة من الضحايا العراقيين أولا، والفوضي وصور التعذيب والجريمة المنظمة والإبادة التي تمارس ضد الشعب العراقي ثانيا، وانكشاف تزوير أسباب الغزو وبطلان التبريرات ثالثا، إضافة إلي مقتل اكثر من 90 عسكريا بريطانيا وجرح وإصابة المئات، فضلا عما تقوم به المحاكم العسكرية البريطانية من توجيه اتهامات لعدد منهم بارتكاب جرائم قتل عمد ضد مدنيين عراقيين. كل ذلك يتطلب الوقوف ضد الحرب والاحتلال والعدوان والضغط لردع كل من يريد الاستمرار بخرق القانون الدولي والاتفاقيات والمواثيق المعترف بها، والدعوة إلي احترام ارادات الشعوب باختياراتها الوطنية.
يوم 24 أيلول/ سبتمبر القادم صفحة في سجل نضالات الشعوب الأممية، من اجل سعادة الإنسان وكرامته وإنهاء الغزو والعدوان والاحتلال
الغاشم وبناء عالم جديد. هل سيشارك العرب فيه؟.

حالة الديمقراطية وحراك الشارع العربي في أوكسفورد

الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة2/9/2005
في مبني دراسي داخل جامعة اوكسفورد البريطانية اجتمعت نخب من المثقفين العرب لمناقشة حالة الديمقراطية وتحركات الشارع العربي الراهنة في عدد من البلدان العربية يوم 27 من شهر أغسطس 2005، في إطار اللقاء السنوي الخامس عشر لمشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية، الذي ينسقه الدكتوران علي خليفة الكواري ورغيد الصلح، ويسجل المشروع بأنه برنامج دراسي غرضه تنمية رؤية مستقبلية لتعزيز المساعي الديمقراطية في البلاد العربية من خلال البحث والحوار، والسعي إلي توفير بيئة للحوار حول الديمقراطية تساعد علي التفاعل الإيجابي بين مختلف التيارات الفكرية الفاعلة علي الساحة العربية، والعمل علي الوصول إلي فهم مشترك افضل حول إشكاليات الديمقراطية في البلدان العربية ومشكلات التحول الديمقراطي، والبحث عن قواسم مشتركة تعزز المساعي الديمقراطية، وبالتالي نشر ما يتم استكماله في كتاب عن مركز دراسات الوحدة العربية ووسائل الاعلام المتاحة.
ما يضعه المشروع من خطط وتوجهات له يتضمنه عمليا كل لقاء ويسعي لتحويله هدفا عاما ووسيلة للتخاطب بين مختلف النخب والتيارات علي الساحة العربية وبين ما ينتهي إليه سنويا، ويجمع عليه بينها، وبلا شك جاء اللقاء الخامس عشر للمشروع وعنوانه الرئيسي به، أي انه في كل عام يتجدد السؤال والبحث عن معان ومدلولات وإشكاليات الديمقراطية وثقافتها وقواها والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وغيرها في البلدان العربية، ويتدارس مختصون/ باحثون ومفكرون وناشطون سياسيون/، فيما يقدمونه من أبحاث ومداخلات أكثرها معدة وجاهزة للقاء وللطبع والنشر وللحوار بين الحضور ومن ثم القراء وأصحاب القرار، إذا كان منهم من يقرأ أو يرغب بذلك للفائدة منها أو للعبرة والخبرة، ويتكرر السؤال التقليدي بعد كل لقاء أو مشروع مستقبلي عربي، متي يتحقق ما هو مطلوب من الأهداف المنشودة؟، وهل أنجزت اللقاءات ما تقدمه أوراقها؟ ومتي يمكن أن تري مثل هذه المشاريع المهمة والضرورية، بلا ريب، تطبيقاتها العملية أو استشاراتها في الواقع اليومي للشارع العربي، أو للرأي العام، أو حتي بين النخب المتنوعة فيه؟ أين المراجعة النقدية فيها وضرورة تجديد الخطاب ووسائله وجدواه؟.
طموحات المشروع الرئيس كبيرة يحاول بحث بعضها سنويا، وهذه المرة أراد التفكير بصوت عال عنها، في مشروع رصد حالة الديمقراطية في البلدان العربية وإمكانيات إصدار تقرير سنوي ونشره في كتاب، يمول من وقفية وتبرعات من مؤسسات حرة غير مرتبطة أو ملزمة بنتائج الرصد والأبحاث، لتعريف الشعوب العربية ونخبها بمدي تطور العملية السياسية والإصلاحات والتغييرات الديمقراطية ولدراسة أسباب تحركات الشارع العربي وعواملها وتحولاتها وتأثيراتها المباشرة وغيرها، الآنية والفاعلة باستمرارية وفي جوهر المؤثرات وقدراتها وإمكانياتها علي فرض التغيير والتبديل في الواقع وبالملموس علي الأرض. كما أن كل ذلك، كما حاول المشروع أن يقوم به في برنامجه، لا يمكن أن يتم عمليا، وفي ظل وقائع وأحداث المشهد السياسي العربي والنظام الرسمي والحراك الشعبي، بدون دستور ديمقراطي يقوم علي أسس ومبادئ ديمقراطية وممارسات فعلية وإيمان بنتائج العمل المشترك والتطور القائم في منظومات العلاقات السياسية والفكرية بين النخب الحاكمة والمثقفة والنشطة سياسيا والمهتمة بعملية التغيير الديمقراطي وتعزيزها وبين حركاتها العامة والخاصة، الأهلية والنخبوية، في كل البلدان العربية، والدعوة إلي إصلاح دستوري شامل. وتجري دراسة كل ذلك في مدينة اوكسفورد البريطانية، بعيدا عن العالم العربي الذي هو موضوع التشريح والدراسة والعمل علي إصلاحه وتغييره وتجديده.
تم هذا في الجلستين الأوليين من اللقاء، أما الجلسات الثلاث الأخري منه فاهتمت بدراسة وتحليل تجارب التحركات الشعبية في خمسة بلدان عربية هي مصر والبحرين ولبنان وسورية والجزائر، وفي حوار مفتوح ونظرة للمستقبل ومناقشة ختامية تحت السؤال الدائم: ما العمل لتعزيز التحركات السلمية من اجل الإصلاح والديمقراطية؟.
أين تحركات الشارع ولماذا؟. كل شروط الواقع العربي في معظم البلدان العربية قاسية وصعبة علي الشعوب العربية والضغوط الداخلية والخارجية علي الشارع العربي ودافعة إلي اكثر من التحركات الشعبية السلمية وحسب. كيف تقرأ تحركات الشارع العربي ومحاولات الإصلاح ومسميات التحولات الديمقراطية والمساعي لتعزيز أساليبها وتطوراتها في البلدان العربية؟. وفي جلها أنظمة بالية ونخب حكومية فاسدة ومعادية لكل مظاهر الإصلاح والتغيير، وتحكم بقوانين استثنائية وحالات طوارئ ودوائر أمن وسجون لا تعد ولا تحصي في كل المدن والقري العربية وتنخرها أزمات متعددة ومختلفة ومتواصلة تمس حياة الشعوب اليومية وكرامتها الجماعية والفردية. ما هي الأساليب الممكنة والجديدة التي يمكن نهجها لتحقيق التغييرات الوطنية وإنجاز التحولات المطلوبة؟. هل تكفي العرائض والبيانات والمنشورات والتظاهرات والإضرابات عن الطعام في السجون العربية؟. كيف يمكن استمرار التحركات الشعبية وسط الظروف المعقدة والمركبة في العالم العربي؟. ومن هي الفئات والشرائح الاجتماعية التي يمكن التعويل عليها في قيادة الشارع وما هو دور النخب الثقافية والسياسية والمؤسسات المدنية والعسكرية في إدامة الحراك السياسي وتحركات الشارع العربي وتقديم البدائل الواقعية التي تخدم المصالح الوطنية والقومية والتخلص من كل أشكال الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية والمتخلفة عن كل مجريات التغيير العالمية ورياح الديمقراطية العاصفة؟.
أثارت الجلسات كثيرا من الأسئلة والقليل من الأجوبة عليها رغم فسحة الحرية والفضاء المفتوح للحوار والنقاش وتعدد التيارات الفكرية والمنطلقات الثقافية المشتركة فيها، وتعمق البحث في الأوراق المقدمة والمداخلات المتنوعة في إثرائها والاشتراك في قلق البحث عن أساليب جديدة أخري لاستمرار التحرك الشعبي ومواصلة مشاريع التغيير ومظاهر الإصلاح واستثمار التطورات التقنية والتدافع في ممارستها في مجالاتها نحو تعزيز الديمقراطية وبناء استراتيجيات التغيير والتحول الإيجابي في كل البلدان العربية بما يحقق المصالح والأهداف المطلوبة، والتغلب علي كل معوقات النهوض الحضاري والتطور الاجتماعي والاقتصادي وإيجاد افضل السبل للإصلاح والتنمية واحترام الحقوق والمؤسسات والمنظمات ذات الأبعاد المستقبلية.
في حرص المشاركين والمنسقين في إدارة حوار مسئول وفعال يطور المشروع وخططه المرسومة له، ويطالبه بالتجديد والتواصل مع تحركات الشارع أيضا، واعتماد قضايا الهم العام والمشترك والمثيرة في كل البلدان العربية، سواء التي شملتها البحوث أو التي سيقوم التقرير برصد متغيراتها المستجدة يوميا. ولعل في طبيعة الحضور العام وأساليب المشاركة الطوعية وتنظيمها إمكانية قادرة فعلا علي العطاء من جهة وتعكس الجدية والاهتمام الفعلي نحو تعزيز المساعي الديمقراطية، والإصلاحات المنشودة، ليس للنخب المساهمة أو المسئولة في بلدانها عنها فقط، وإنما في تقديم بدائل وخيارات مهمة وواقعية وعملية، من جهة أخري.
يوم عمل كامل من اجل تعزيز الديمقراطية والحراك الشعبي في الشارع العربي في مدينة اوكسفورد البريطانية وللسنة الخامسة عشرة علي التوالي، هل سيشعل شمعة ويغير في الواقع العربي؟
.

تحية عربية إلي أم أمريكية

الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة26/8/2005
تختلف السيدة سيندي شيهان كأمريكية قتل ابنها بالعراق عن غيرها، في ادراكها مأساة ما حصل لها وبذلت جهودها كيلا تتكرر لغيرها من الأمهات، وطالبت بالرد العملي علي فضائح مبررات الحرب التي ساقت مصير ابنها، أو بحثها عن توضيحات لأسباب مجهولة عندها ومبهمة لغيرها وملتبسة عند أمثالها أو من يعيشون أحوالها قادت بلادها وأبناءها لخوض تلك الحرب. فقامت بما استطاعت من نشاطات عامة علنية ومشروعة ضد الحرب التي التهمت ابنها، وضد الرئيس الذي لم يصدق يوما في ردوده علي الأسئلة التي تقلقها وتقلقه في خطاباته العلنية، وحتي في إجازاته واحتفالاته المتلفزة. ولم تكتف بإعلان الاحتجاج العلني والسلمي فرديا بل أسست منظمة خاصة تضم أفراداً من العائلات التي فقدت قريبا لها في الحرب علي العراق، وتتعاون مع منظمات مثيلة لها أو تحمل شعاراتها وتدعو للانسحاب الفوري للقوات الأمريكية من العراق، كخطوة أولي.
قضية الأم الأمريكية سيندي شيهان تحولت إلي قضية الأمهات الأمريكيات اللواتي فقدن أبناءهن في حروب الإدارات الأمريكية واستراتيجيتها الإمبراطورية التي خدعتهن بمبررات كاذبة، ودوافع غير نبيلة أخلاقيا وإنسانيا وقانونيا. ولهذا أصبحت هذه السيدة علامة من العلامات البارزة في تغيير الرأي العام الأمريكي، وموضع تقدير عند كل إنسان سوي لديه مشاعر طبيعية، وحظيت بتضامن عام وسع حملتها وواصل مطالبها الواقعية والحقيقية، والتي تصب في الضغط علي الإدارة الحربية لإعادة التفكير في الأهداف التي لن يفصح عنها هذا الرئيس الأمريكي ولا غيره، وفي وقف الجرائم التي ترتكبها قواتها وحلفاؤها يوميا. والتاريخ سيسطر لهذه السيدة صفحات منيرة في رسم بداية النهاية لعصر الإمبراطورية الوحشية التي أدارها بوش ورجاله من أنذال البنتاغون والمحافظين والليكوديين الجدد، من منطق أن كل عمل أو نشاط إنساني يبدأ بسيطا ويتراكم يوميا، أثرا وفعلا، فيتعزز موقعه في الواقع والضمير والمشاعر الإنسانية والتحولات التاريخية القريبة او البعيدة
مصرع ابن السيدة الأمريكية علي ارض العراق فتح عينيها وتحول إلي موضوع اهتمام لها ولغيرها ودافعا لكشف ما لم يكشفه الرئيس الأمريكي، ومحفزا لها للدعوة لحل ينقذ من تبقي ممن افتخرت هي وغيرها به وبأمثاله في خدمة العلم الأمريكي وفي الدفاع عن الأمن والمصالح الأمريكية. قبل ان تثبت لها وقائع الحدث العراقي وتصاعد المقاومة الوطنية بالرغم من كل مفارقات ظروفها وأوضاعها بطلان الحجج والذرائع التي سمعتها وأيدتها في ارسال ابنها وغيره. وكانت فاجعتها في شهر نيسان/ أبريل الماضي، حين اضاف مقتله رقما جديدا اخر لعدد القتلي الأمريكيين الذي تخفيه الإدارة الأمريكية ولا تتجرأ في إعلانه، وتعلم تصاعده يوميا، مثلما تتكاثر خسائر المليارات من الدولارات، الأمر المؤثر في تغيير نسب استطلاعات الرأي العام الأمريكي ضد الحرب والاحتلال وتأييد الإدارة ورئيسها.
من جهة أخري تفضح قضية السيدة الأمريكية في حملتها مع أمهات القتلي وغيرهن أيضا دجل الإدارة الأمريكية في موقفها من المرأة وحقوقها في ما تمارسه ضد حقوق المرأة العراقية، التي يدعي بوش وغيره قضية تحررها من مبررات شن غزوه وحربه علي العراق. كما أن خروج هذه السيدة الأمريكية بهذا الشكل والمسيرات التي تتضامن معها تؤشر إلي توسع دوائر المياه الراكدة في الوعي والعقل الأمريكي الشعبي، التي أخذت تمتد داخل أمريكا وخارجها، وتشجع في رفع وتعدد الأصوات، ليس من المناهضين للحرب ودعاة السلام وحسب، بل من منظمات أخري ومن شخصيات سياسية وأكاديمية ومشرعين ديمقراطيين وجمهوريين أيضا. لاسيما وقد دقت قضية سيندي شيهان أسوار مزرعة الرئيس الأمريكي ودوائر حكمه ووسائل إعلامه وأبواقه الدعائية، وتوجهاتها الإعلامية وبرامجها الإعلانية.
بقضية السيدة الأمريكية ونشاطات التضامن في معظم المدن الأمريكية معها اصبح المد واسعا لا تستطيع أية إدارة مهما امتلكت من وسائل ترهيب وترغيب السيطرة الكاملة عليها. ولعل في صرخات الأم وخيمتها علي أبواب استراحة الرئيس ابرز رمز معنوي هز الضمائر الحية، إزاءها وتجاه ما يجري في العراق. وهذا ما يقلق الإدارة وفرسانها كثيرا ويدفعهم إلي الرد عليه بأساليبهم الإجرامية وأكاذيبهم المعروفة. ولم تكن هي الوحيدة التي واجهت مثل هذه الحالة من الزيف والخذلان والتضليل بعد اطلاعها علي التقارير الرسمية. حيث اكتشفت حسب قولها إن تلك التقارير تثبت أن كل سبب قدمه لنا جورج بوش كي يبرر إقدامه علي شن تلك الحرب كان خاطئا... وأنها تثبت أيضا أن ابني قد مات دون مبرر حقيقي .. ووقفت وأعلنتها صريحة لقد قتل ابني من أجل لا شيء، وقد قتله جورج بوش وعصبته الشريرة وسياساتهم الطائشة. لقد أرسلوا ابني ليقاتل في حرب لا أساس منطقياً لها وقد قتل فيها .
إدارة بوش وأعوانه مترددة بين ورطتها وخططها وحقائق الأيام العراقية، وبين رفض مثل هذا الاحتجاج ومطالبه والمماطلة بها، وبين تصريحات إعلامية وأفكار ورؤي سياسية وبرامج استراتيجية ترسم لوحة جديدة للعالم والمنطقة. ولكن هذا لم يثن من عرف بعض ما يحصل بالعراق من الاستمرار في المطالبة بمخرج ما لنهاية الإمبراطورية الوحشية ومنهم السيدة شيهان التي تلاحق رئيس هذه الإدارة الحالم حتي وهو يستريح في مزرعته في كراوفورد كي تلتقيه وتحثه علي إصدار قرار الانسحاب فورا، حلا وانقاذا.
قصة ونشاط السيدة شيهان تحولت إلي خبر إعلامي يومي في وسائل الاعلام بعد رفض بوش الالتقاء بها، ونصبها خيمة بالقرب من مزرعة إجازته، وضمت كثيرين من أماكن مختلفة في أمريكا إليها هناك. فأصبحت قوية بهم رغم كل ما يعترضها من عقبات مرتبة ضدها ومدفوعة اكثر من قبل لملاحقة رئيس كاذب، وقاتل لابنها وغيره، ولم تثنها محاولات اسكاتها والضغط عليها، بل ستنتقل، هي أو منظمتها، من تكساس إلي واشنطن وتعتصم أمام البيت الأبيض وتواصل مطالبها التي توافقت معها عليها منظمات اخري وشخصيات سياسية لها مكانتها في الرأي العام والشأن السياسي.
هذه السيدة الأمريكية الثكلي تستحق لما تقوم به حتي الآن ولما تطالب به اكثر من تحية عربية دفاعا عن حقوقها المشروعة أمريكيا ومصالح العرب أيضا، حين يضمون أصواتهم إليها ولمجموعتها وباقي المنظمات والأصوات المطالبة بسحب قوات الاحتلال فورا من ارض العرب، وبناء علاقات ومصالح متبادلة، عادلة وإنسانية، تجنب أصدقاء ابنها وأحباءها من مصيره المأساوي وتخلص العراقيين من الاحتلال، والعرب من سطوة الهيمنة الامبريالية الجديدة.

شبح فيتنام عراقي

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت20/8/2005
اتساع الحرب الأمريكية علي الشعوب العربية والإسلامية وكثرة ضحاياها وتفنن وزارة الحرب الأمريكية وقادتها العسكريين في انتهاك القوانين والمعاهدات واستخدام أنواع الأسلحة والوسائل المحرمة دوليا وأخلاقيا في إبادة البشر والحجر والشجر في اكثر من مدينة، مباشرة أو بالواسطة والدعم الكامل، العلني أو السري، يحمل الإدارة الأمريكية المسئولية كاملة ويرد علي الرئيس الأمريكي بوش، والمسئول الأول في البنتاغون، دونالد رامسفيلد، ويفضح ادعاء الانتصارات المحققة علي العدو المتربص بالولايات المتحدة الأمريكية، وبمشروعها الإمبراطوري العدواني، وحجم جرائم الحرب والإبادة البشرية والعقوبات الجماعية المرتكبة كما تبثها وسائل الاعلام وتنشرها أجهزتها الدعائية، ويثير الغضب والاحتجاج عالميا.
ولا تسلم الإدارة نفسها او ما حولها من حالة الغضب والتذمر، ومن بين ما تناقلته وسائل الإعلام مؤخرا بعض من الانتقادات إلي العواقب الوخيمة التي تحصدها تلك السياسات الهمجية والعدوان الواسع والحروب التي لا تلد إلا هزائم حقيقية في العمق الإنساني وان اختلفت الأهداف والاتجاهات والنتائج فيها. وليس آخرها طبعا تشكيك اثنين من كبار أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، هما الديموقراطي في لجنة الشؤون الخارجية جوزيف بيدين والجمهوري جون ماكين، في الطريقة التي يعالج بها البنتاغون الوضع في العراق، حيث أكدا انهما فقدا الثقة في دونالد رامسفيلد، وطالبا بتقديم استقالته في لقاءات تلفزيونية، معربين عن قلقهما من تصريحات المسئولين العسكريين وغياب الوقائع وتهميش الحقائق، رغم تناقضها واختلاف وجهات النظر وتباين مواقعها وتعبيراتها الأمريكية أساسا، خاصة بعد تزايد وصول جثث قتلي الجنود الأمريكيين وتوقع تصاعد وتائر أعدادها خلال الأيام المقبلة وفشل تطمينات الإدارة الأمريكية ودجلها في ادعاءات تقدم أو انتصارات جديدة علي (العدو العراقي)!!.
ولم يخف ماكين، المرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة لعام 2008، غضبه حيال التصريحات التي أدلي بها مؤخرا الجنرال جورج كيسي، القائد الأعلي للجيش الأمريكي في العراق، وغيره من مسئولي البنتاغون عن احتمالات سحب أعداد كبيرة من الجنود العام القادم. ورد بأسلوب أمريكي ساخر في تصريح لشبكة فوكس التلفزيونية لدي فكرة لمخططي البنتاغون في بلادنا: اليوم الذي أستطيع فيه الهبوط في مطار بغداد وركوب سيارة غير مدرعة علي الطريق السريع باتجاه المنطقة الخضراء هو اليوم الذي ابدأ التفكير فيه بسحب القوات من العراق . وحمل بيدين رامسفيلد شخصيا الإخفاق الأمريكي في تحالفاته العسكرية.
بعد هذين الموقفين المشابهين لعدد آخر من اضرابهما وبقدر الكيل الأمريكي لما يهم المصالح الأمريكية أولا، تحتل تصريحات هنري كيسنجر إلي شبكة سي إن إن الأمريكية مؤخراً، أهمية بارزة، خاصة وهو مهندس حرب أمريكا علي فيتنام قبل أكثر من 30 عاماً. حيث عبّر عن ظهور بعض عوامل التشابه مع الحرب الفيتنامية وتآكل الدعم للحرب الأمريكية في العراق. وطالب بسحب القوات الأمريكية غير الضرورية لتحقيق ما أسماه الهدف الأمريكي المتعلق باستقرار العراق، بعد تحديد الهدف أولاً.
وأضاف كيسنجر: بالنسبة لي، كانت مأساة فيتنام تتمثل في الانقسامات التي حدثت في الولايات المتحدة، بحيث أصبح من المستحيل، في نهاية الأمر، تحقيق النتائج التي تنسجم والتضحيات التي تم تقديمها . وكشف كيسنجر عن أهداف إضافية لما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وادعاء خوضها حرباً تستهدف وقف المد الإسلامي الذي وصفه بالمتطرف في العراق. في قوله: إذ ما قامت حكومة متطرفة في بغداد، أو إذا ما تحول أي جزء من العراق إلي ما كانت عليه أفغانستان سابقاً، فإن الأمر سيتحول إلي كارثة للعالم .
تصريحات المسئولين الأمريكيين هذه قد تكون بدايات أو إشارات لما يختلج داخل المطبخ الأمريكي وأصداء خارجية لما يحصل علي الأرض العراقية خصوصا وغيرها عموما، وتشابهها رغم كل الفوارق بما كانت عليه الحالة بفيتنام. لاسيما إذا تتبعنا تدني الدعم الشعبي وصراعات الرأي العام الأمريكي المتصاعدة حول الورطة التي وقعت بها إدارة بوش ورامسفيلد.
أظهر آخر استطلاع مشترك لعينة من الامريكيين قامت به شبكة سي إن إن وصحيفة يو أس توداي ومعهد غالوب، أن 54 في المائة منهم يعتقدون أن الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003 كان خطأ.
كما أكدت نتائج استطلاع جديد علي تصاعد القلق إزاء الوجود والتدخل الأمريكيين في العراق، وتراجع الرضا عن أسلوب بوش في أداء عمله بصفة عامة، حسبما نشرتها وكالات الأنباء. وذكرت أن الاستطلاع سينشر في عدد شهر سبتمبر من مجلة الشؤون الخارجية الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية وأن ستة من كل عشرة أمريكيين يشعرون بالقلق إزاء نتائج الحرب في العراق. وإن الاتجاه العام للتفكير حتي الآن مزيج مثير للانزعاج من القلق البالغ والشك المتزايد في السياسة الحالية وعدم إجماع علي البديل الذي يتعين علي البلاد أن تفعله . والاستطلاع هو الأول في سلسلة جديدة من الاستطلاعات ستجري كل ستة اشهر تحت اسم مؤشر السياسة الخارجية، رد فيه 56 في المائة ممن شملهم الاستطلاع بالنفي علي سؤال عما إذا كانت الولايات المتحدة تحقق أهدافها في العراق، بينما رد 39 في المائة بالإيجاب. وكتبت دانييل يانكيلوفيتش رئيسة مجموعة بابليك أجندا للأبحاث والتي أجرت الاستطلاع لحساب مجلس العلاقات الخارجية: ربما يصبح التذمر قريبا اكثر مما يمكن لإدارة بوش أن تتجاهله .
تصدر موضوع العراق وقضية الإرهاب إجابات من شملهم الاستطلاع عن أهم المشاكل العالمية التي تواجه الولايات المتحدة. كما أن قضية الهجرة ومسألة العلاقات الأمريكية بالعالم الإسلامي في طريقها لتصبح من أهم الموضوعات لدي الرأي العام الأمريكي. وأبدي 75 في المائة ممن شملهم الاستطلاع قلقهم من احتمال أن تفقد الولايات المتحدة ثقة وصداقة دول أخري، ومن احتمال تزايد الكراهية للولايات المتحدة في الدول الإسلامية. وتضمن الاستطلاع سؤالا مفتوحا عن نظرة العالم للولايات المتحدة، أجاب عنه ما يقرب من ثلثي العينة العشوائية سلبيا.
ما سبق يؤكد أن سياسات الإدارة والبنتاغون لم تجن ما خططت له وأخذت عواقبها الكارثية تدق أجراس الإنذار داخل حدود الولايات المتحدة، لاسيما إذا استمرت بعنجهيتها واستفرادها الجنوني وانجرارها وراء مشاريع وخطط تدميرية للعالم من اجل فوضي بناءة يراد منها استثمارا اكبر للمجمعين الصناعيين العسكري والنفطي والشركات التي كان يديرها أو سيحصل علي وظائف فيها المسئولون الآن عن الحرب والخراب.
الوقائع اليومية بالعراق المحتل امريكيا تعكس تخوفات كيسنجر وغضب المشرعين الأمريكيين وترد علي تمنياتهم وخطاباتهم، وترسم بقوة شبح فيتنام عراقي سيجول خارج العراق وداخل البيت الأمريكي أساسا
.

رسالة أصفهان وتهديدات تشيني

الراية- د. كاظم الموسوي
الأحد14/8/2005

من جديد عادت قضية الملف النووي الايراني الي الواجهة. خاصة بعد تسلم الرئيس الايراني الجديد محمود احمدي نجاد مهامه بعد انتخابه ديمقراطيا بأغلبية واضحة، وموقفه الحاسم من كل الملفات التي لم تحسم مع الولايات المتحدة الامريكية خصوصا وقاعدتها الاستراتيجية بالمنطقة. ومن بينها طبعا الملف النووي. وقضية الملف لم تعد خاصة بايران، بل تشغل بال الكثيرين في العالم، لما لتداعياتها السياسية والعسكرية من اخطار وآثار علي العلاقات الدولية والامن والسلم العالمي وفي المنطقة.
اصبحت قضية فتح اقفال المفاعل النووي باصفهان بعد اعلان رسمي وتوافقات متفاهم عليها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية وتحت اشرافها واطلاعها واقرارها بحق ايران استخدام مفاعلاتها لاستخداماتها السلمية، فجأة تحت الضوء العالمي لأسباب بعيدة عنها، وتتقاسمها التصريحات والمحاولات والنداءات والجهود النزيهة وغيرها بين الامين العام للامم المتحدة والدول الاوروبية عبر وفد الترويكا من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، وتهديدات واشنطن وتل أبيب، ومن بينها تهديدات نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني والطلب من البنتاغون تهيئة خطط لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية والتلويح بضغوط أمريكية وبريطانية جديدة لطرح القضية علي مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات أولا ومن ثم المخططات المبيتة ثانيا.
رغم كل ذلك فالجهود السياسية للاتحاد الأوروبي مستمرة في طريق استمرار المفاوضات الدبلوماسية مع إيران حول برنامجها النووي، والتأكيد علي انه لم يجد وسيلة أفضل من الحوار مع دولة تعتبر من أهم دول المنطقة، وصولا إلي ضمانات موضوعية بشأن عدم قيامها ببناء أية أسلحة للدمار الشامل لأن أية زيادة في هذه الأسلحة ستكون لها نتائج وخيمة للغاية علي العالمين العربي والاسلامي والمنطقة بأسرها، بحسب تفكير الاتحاد بمصالحه وبأهمية بذل الجهود من أجل تجنب وصول الامور الي نهاياتها المرسومة لها تحت الضغوط الصهيونية المكشوفة، وعواقبها المؤثرة علي الجميع، لاسيما توازنات القوي الدولية.
اعادة التهديدات والتصريحات واثارتها الان تعيد إلي الأذهان أهدافا وخططا كان المحافظون المتشددون في إدارة بوش وعلي رأسهم ديك تشيني يريدونها ويسعون اليها، عبر وسائل مختلفة من بينها رفض اعتماد مبدأ الدبلوماسية وحده مع إيران والتأكيد بين حين وآخر علي القوة العسكرية كأسلوب وحيد لتخلي إيران عن طموحاتها النووية، حسب اهدافهم ومراميهم.
تشير التطورات الاخيرة الي استمرار تلك المخططات وتزايد المخاطر من نوايا وتوجهات الادارة الامريكية واصحاب القرار فيها مما يجعل المنطقة تعيش من جديد أزمة أخري تحاول الادارة الامريكية بها اشغالها وابعاد الانظار عما تقترفه خاصة بالعراق من عمليات عسكرية وابادة جماعية وعقوبات جماعية وجرائم حرب بكل الاعراف والقوانين، وما تحاول عبره من البحث عن حلول من الورطة الكبيرة التي وقعت بها مع غطرستها من جهة وتنفيذ خطط الضغوط الصهيونية من جهة اخري ايضا.
تأتي هذه التطورات والعالم يحيي ذكري دمار مدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين والاثار المدمرة التي مازالت شاهدة علي فظاعة الجريمة الامريكية بحق هاتين المدينتين المسالمتين واعداد الضحايا والخسائر فيهما، التي مازالت تشهد للفظاعة النووية واخطارها الكبيرة علي البشرية والطبيعة ، وكما يتبين ذلك من حجم الاحتجاجات الدولية ونداءات الرأي العام العالمي ضدها والدعوة للتخلص من تكرارها او التهديدات باستخدامها وإعادة انتاجها مرة اخري، ومن بينها تصريحات الفني المعروف مردخاي فعنونو وتحذيراته المستمرة من اخطار المفاعلات النووية في الكيان واثارها الخطيرة التي من الممكن ان تحصل في المنطقة بسببها اولا ورعونة حكومتها الصهيونية المتطرفة وزعيمها الارهابي المعروف، الذي يخطط هو الاخر مع صقور الادارة الامريكية الي تأجيج الصراعات وصناعة الفوضي البناءة التي يدعونها ثانيا .
لاشك ان تهديدات تشيني والضغوط الصهيونية المعروفة ليست كلاما فقط وان المخاطر المحدقة كبيرة والقضية مطروحة بجدية هذه المرة
ولابد من معالجات سلمية وسريعة تضعها في مسارها الطبيعي والقانوني وتحمي الشعوب من مغامرات امبراطورية وحشية جديدة