الجمعة، 29 يونيو 2007

الجزيرة تبث الخبر.. ولا تعتذر

الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة2/12/2005
لا تحتاج قناة الجزيرة إلي إعلان عنها، منذ تأسيسها، وعن موقعها في فضاء الاعلام العربي، والعالمي، ولكنها تنتظره كأية وسيلة إعلامية، أن تكون هي أيضا متصدرة نشرات الأخبار مثلما هي أخبارها العاجلة والمثيرة للانتباه. وقد جاءها الآن وأصبحت خبرا بارزا في وسائل الاعلام، حتي المختلفة معها أو التي أريد أن تكون بديلا عنها أو ردا عليها، ومصدر الخبر هو ما سرب إلي صحيفة ديلي ميرور البريطانية، وتناقلته وسائل الاعلام الاخري، عن وثيقة خطيرة تضمنت حديثا بين الرئيس الأمريكي جورج بوش ورئيس الحكومة البريطاني توني بلير في نيسان/ أبريل 2004 حول قصف مكتبها الرئيسي بقطر، بعد أن تم فعليا مع مكتبيها بكابول وبغداد. ولم يكن الخبر مجرد تسريب إعلامي له علاقة بالفضائية العربية الموجودة في بلد يعد من حلفاء أمريكا حاليا، وحسب وإنما له علاقة بفهم أصحاب القرار، لاسيما بوش وبلير، للاعلام ومهمته ودوره عموما وقناة الجزيرة الفضائية خصوصا، وبتداعيات ما كشف من المجازر الوحشية التي اقترفتها قواتهما خاصة في عدوانها وحروبها المتعددة منذ استلامهما هما بالذات السلطات في بلديهما، علي ضفتي الأطلسي.
ما قامت به فضائية الجزيرة من دور إعلامي متميز مهنيا وعمليا وضعها هدفا مباشرا لمخططي الحروب علي المنطقة العربية والإسلامية، وأصحاب القرار السياسي الرئيسي وتابعيهم من المشاركين سرا مع مضمون تلك الحروب أو المزودين لها بما تحتاجه، دعما سياسيا وماليا وتغطية ميدانية وعملية. هل تتذكرون الجنرال تومي فرانكس، قائد عمليات العدوان علي العراق وجولاته في عواصم المنطقة واستقباله الرسمي والاحتفاء به ، وهل نسي الجنرال أبو زيد الآن الذي يكمل مهمته في تغيير خارطة المنطقة ورسم مشروع إمبراطوري لن يخدم كل من ساعده ويعينه علي غيره ويتجاهل قصة الثور الأبيض المعروفة والمشهورة والمكررة برتابة . تذكروا معتقلات أبو غريب والمطار وبوكا ومدن الفلوجة والانبار والنجف الاشرف والصدر وديالي وسامراء والموصل بالعراق مثلا . فلو لم تقم الجزيرة بعملها، من عرف ورأي ما حل وما حصل بالعراق والعالم العربي والإسلامي وما سيحدث بعده، وما يحاك يوما بعد آخر أم نحتاج بعدئذ إلي الأستاذ محمد حسنين هيكل ليستقرئ تاريخ كل من ساهم بقرار إقامة كيان صهيوني في قلب الوطن العربي ويعمل الآن للتطبيع معه ركوعا وخضوعا باسم الواقعية والتفاخر بعناوين مشاريع القمم العربية !.
يذّكر خبر الصحيفة بأحداث قصف مكاتب الجزيرة ووسائل الاعلام الاخري في اكثر من منطقة ساخنة، شنت عليها قوات العدوان الغربي حربها وغزوها واحتلالها، وسعت بكل ما لديها من قوي محلية واستخبارية أن تغزو هذه الوسائل أيضا بما يخدم أهدافها ومشاريعها واستراتيجياتها، ومنها منع نشر الحقيقة وإيهام الرأي العام وكبت المعلومات وناشريها وكتم الأنفاس عنها وعدم بثها وتسريبها وتوجيه الأنظار لغيرها مما يتركها حرة بمفهومها، دون رقيب بما تمارسه وتخطط له وتتبناه فعلا وعملا وتعتبره إنجازا وهدفا. وكل قصص الفضائح والفظائع التي كشفتها وسائل الاعلام جعلت التفكير بهذه المؤسسات موضوعا رئيسيا في جلسات مجلس الحرب الإمبراطوري وممثليه في الإدارتين الأمريكية والبريطانية خصوصا، وهو ما أعلنه كل منهم في اكثر من خطاب ومؤتمر إعلاني.
ومحاولات الاحتواء والهيمنة علي هذه المؤسسة وغيرها لم تتوقف عند التهديد والوعيد والتفكير بقصف مقر إعلامي أو قتل إعلامي مخلص لمهنته وصادق بعمله ومشروعه الشخصي الإعلامي، بل وفي استغلالها لأهدافها، وهو ما استفاد منه أصحاب حديث قصف قناة الجزيرة أيضا من إيصال ما أرادوا إلي أوسع عدد من المشاهدين والمراقبين عبرها، أو الدفع أو ترويج أسماء فرسان الكيان والعدو داخل البيوت العربية والتي صارت، بفضلها، معروفة اكثر من أسماء أقرانها العرب، وحتي أن أحدهم اعترف بذلك حين قال إن دقيقة بث بالجزيرة أهم كثيرا من آلاف البيانات والخطب والإعلانات الداخلية!.
هذا الخبر المسرب يسجل لقناة الجزيرة الفضائية، ما لها وما عليها، ويدعوها إلي ضرورة مراجعة نقدية لما قامت به وتخطط له والاعتبار من دروس التفكير بمصيرها ودورها، وأهمية وجود مؤسسة إعلامية عربية دولية تثبت قدرات الإعلاميين العرب علي أداء مهمتهم بمهنية حرة ومستقلة واحترام الرأي والرأي الآخر حقا، بما لا يترك مجالا لاستخدامها لتمرير ما يريده العدو وكتائبه وأجهزته التي لم تعد مخفية الأسماء والعناوين، وقد تكون أخبار اضطهاد وإغراء مصورها في غوانتانامو سامي الحاج، واعتقال تيسير علوني عبرة سبقت الوثيقة وما سيأتي.
مطالبة فضائية الجزيرة بكشف نص الوثيقة المختومة التي انتشر أوارها الآن حق لابد منه، فاحترام حياة مئات الأرواح من العاملين فيها، التي كاد الكثير منهم أن يكون في عداد شهداء الكلمة الحرة، لو نفذت تلك الخطة السوداء والفضيحة الاخري للرئيس المؤمن، معقود بها. والتشديد علي الحكومة البريطانية ورئيسها للتعاون علي كشف نظرية المؤامرة ، حسب محاولته التنصل من فضيحتها، وهو الشريك الأول لبوش، والمحاصر هو الآخر في مصداقيته وجرائم الحروب التي اشترك فيها طواعية، ولا يعطيه ثنيه لبوش، كما في الوثيقة، إعفاء من شراكته في مخطط الجريمة الكبري وتنفيذها بالعراق، وتفاصيلها الاخري والتي من بينها ما احتوته الوثيقة المسربة والتي قد تنشر كلها يوما ما، قريبا أو بعيدا. والعمل علي رفعها إلي القضاء والعدالة الدولية وتعرية ما وراء مضمونها المباشر، ليس للجزيرة وحدها فقط، وإنما لحرية الاعلام وحياة الإعلاميين جميعا. صحيح أن الخبر وحده واضح ولكن نشر تفاصيل النص يبين اكثر جدية القرار ومسئولية الحكام الذين يتبجحون أمام العالم بالديمقراطية والحريات ويخططون ضدها أو بما يشين من تصرفات تعكس حقيقتهم وأبعاد تفكيرهم عن الشعارات التي يطلقونها والممارسات التي يؤدونها.
ماذا سيقول دعاة الحرية الأمريكية من المحافظين الجدد، العرب والمتفوهين باسمهم من مقاتلي الحرب الإعلامية، من جنود وولفويتز وبيرل ورامسفيلد وخليل زاد، بعد الفضيحة الجديدة، التي تتناقض مع أول مادة من دستور الولايات المتحدة الأمريكية !! وهذه الفضيحة تؤكد جريمة مجزرة الفلوجة التي فضحها الفيلم الإيطالي الوثائقي، والتي كانت، كما يبدو، وبعد دفع مبالغ كبيرة، مبررا مغلفا لغلق مكتب الجزيرة ببغداد رسميا. ومن جانب آخر تلزم بما يتوجب الاستمرار فيه وتحمل تبعاته، والإصرار عليه من موقف إنساني عام ومهني خاص، بحثا وتوثيقا لمسارات الحقيقة التي لا يريد بلير أن يعترف بها، ويسعي بوش إلي طمسها، ويتبرع آخرون لإسكاتها.
مهما كانت محتويات الوثيقة وغيرها فان مهمة قناة الجزيرة وأخواتها والتي يهرع لها المواطن العربي أن تواصل نهج البحث عن الحقيقة وكشف الوقائع بالصورة والكلمة الصادقة والاضطلاع بالمسئولية الملقاة عليها لتظل دائما مرجعا للخبر الصحيح والرأي السديد. حينها تبث
الخبر ولا تعتذر عنه، ولا تلتفت إلي الوراء
.