الجمعة، 29 يونيو 2007

لتقاطع كيانات التمييز العنصري

الراية- د. كاظم الموسوي
السبت1/10/2005
كان يوم 24 من سبتمبر 2005 الماضي يوما مشهودا في اكثر من عاصمة أوروبية ومدينة أمريكية، حيث نزلت جماهير شعبية كبيرة إلي الشوارع متظاهرة بصوت عال مُدينة الحروب والاحتلال والتمييز العنصري ومطالبة بإعادة الجنود إلي ثكناتها الأصلية في بلدانها واحترام حرية الشعوب واختياراتها الوطنية والقومية، وإنهاء السياسات الإمبراطورية والهيمنة والعدوان. وكانت أعدادها كما بثتها وسائل الاعلام العالمية والفضائية ليست قليلة مقارنة بظروف وقوانين (الطوارئ) المغلفة بالسيلفون الغربي وادعاءات ما يسمونه بالحرب علي الإرهاب، الإشارة الأبرز لتحولات في البنية الاقتصادية والسياسية والفكرية في اغلب النظم المتحكمة بالغرب حاليا بعد تطور نموها إلي مرحلة جديدة - قديمة، تعيد بها إنتاج سمات مرحلة معروفة بأوروبا بعد الحرب العالمية الأولي وصولا إلي الحرب العالمية الثانية. هذه الأعداد الغفيرة من الرأي العام المحتج والغاضب كافية في إعطاء صورة عن موقف الشعوب في تلك البلدان من تلك السياسات والأحداث والوقائع القاسية. وهي بمعني ديمقراطي تعكس رفضا أيضا لما وصلت إليه هذه التحولات المؤثرة علي مصائر تقدم البشرية وتطورها. ففي نفس الوقت الذي يعبر به هذا الكم البشري عن موقفه بوضوح تنطق الحكومات وأصحاب القرار السياسي في بلدانها بموقف صريح أيضا مناقض لها ومتعارض مع توجهاتها وتصوراتها الإنسانية العامة واهتماماتها الحضارية ودعواتها العالمية.
من بين فعاليات ذلك اليوم عرض أوساط من هذه الجموع لنشاطاتها وتوزيع نسخ من ادبياتها بأشكال مناشير وكراريس ملونة، وفي لندن مثلا، قامت مجموعات من الشباب والشابات، وبعضهن من المحجبات، بكل ذلك، وقد حصلت علي عدد منها، قرأت عناوينها وتأملت وضعنا العربي وما تبثه وسائل الاعلام العربية أولا عنه، والأخبار المتكررة عن الصفقات والعمولات وعن الاتفاقات والمفاوضات وعن الدعوات والاستقبالات وغيرها من الأمور التي تخجل من يطلع عليها أو يسمعها، فكيف سيرد علي هؤلاء الفتية المتحمسين لتوزيع هذه الأوراق المطبوعة؟. إنها مفارقات زمن عربي وتناقضات عهوده وفرص لإعادة التأمل فيما يجري ويحصل علي الأرض والتحرك الفعال قبل فوات الأوان، اليوم قبل الغد.
بعض الأوراق والكراريس تحمل عناوين بارزة، ومهمة وضرورية، تسجل من منطلقاتها: قاطعوا البضائع الإسرائيلية، أوقفوا جدار التمييز العنصري، فلسطين حرة وانهوا الاحتلال الإسرائيلي، ساندوا هذه الحملات حتي إنهاء الاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني منه. وتنشط هذه الحملات المتضامنة مع الشعب الفلسطيني أمام المؤسسات البريطانية التجارية والتعليمية والسياسية. ولديها موقع إلكتروني هو:www.bigcampaign.org . وتعرف الحملة بما حصل بفلسطين المحتلة، حيث تذكر أن الكيان الإسرائيلي لم يحترم أيا من قرارات الأمم المتحدة واتفاقيات جنيف حول حقوق الإنسان بالعلاقة مع الشعب الفلسطيني، منذ قيامه واحتلاله أرض فلسطين. وهذا الاحتلال العسكري الوحشي يهيمن علي حياة الشعب الفلسطيني اليومية، ويستعمل اكثر الأسلحة تطورا، من الطائرات إلي المدافع، في ضرب كل مقاومة مشروعة للفلسطينيين، حيث قام: بقتل الآلاف من المدنيين غير المسلحين، وجرح وعذب آلافا أخري، وخرب وجرف المئات من حقول الزيتون والمحاصيل الأخري، وحاصر المدن والبلدات ومنع التنقل والتعليم والمستشفيات من العمل فيها، واغتال القيادات الفلسطينية، ودمر البني التحية للكثير من المؤسسات المدنية، واستمر ببناء جدار الفصل العنصري بالضد من قرار محكمة العدل الدولية. وبالتالي شل الحياة الاقتصادية وأعد فوضاها وانعكاساتها علي مختلف المجالات الاخري التي تؤثر علي الشعب الفلسطيني حاليا. وتناشد الحملة بقولها: إذا الحكومات ترفض المقاطعة، فيجب علي الشعوب أن تعمل وتفرض رأيها وتمارس دورها في مقاطعة البضائع والمؤسسات والشركات. وللتذكير فقط هنا الإشادة بأقوال لوزيرة الخارجية السويدية الشهيدة آنا لينده، التي اغتيلت علنا، وكانت مواقفها صريحة مع الشعوب واختياراتها وضد الاحتلال والحروب، ومنها أنها بعد مجازر شارون أعلنت ردها بمقاطعة شراء النبيذ الإسرائيلي ودعت حكومتها كذلك، وقامت فعلا بذلك أمام الرأي العام ببلدها والعالم، أخذا بنظر الاعتبار وضعها الرسمي والحزبي ورمزية فعلها السياسي والاقتصادي وموقفها الإنساني بالتالي.
بالتأكيد إن المقاطعة عمل وطني وقومي وإنساني، بالنسبة للشعوب والأفراد أيضا، لها معناها ومدلولاتها المشتركة ويعكس قوتها وإرادتها وضغوطها علي أصحاب القرار والشأن السياسي، مهما كانت مفاعيلها الزمنية وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة. فهي بكل الأحوال مبادرات وممارسات إنسانية عامة وقانونية وأخلاقية وتضامنية بشتي المعاني والمدلولات، ولابد منها لحك الجلد بالأظافر وذلك اضعف الأيمان في زمن تتباهي به الحكومات وأصحاب القرار بما يقومون به من تعاقدات ومعاهدات وشراء أسلحة وتكديسها بمخازن تصدأ بها ولا تخرج منها إلا في حالات معروفة لم تعد من أسرار الدولة العليا!. وأمام هذه الأوضاع تنهض هذه المجموعات الشابة بهذه المهمات لتحرك ضميرا وتهز شعورا عاما في عاصمة الإمبراطورية التي أصدرت وعد بلفور وزودت العدو بكل أسلحته النووية والقتالية والمعنوية والدعم بكل قوتها الرسمية. كما تذكر الحملة بأن المشاركة فيها تبعث برسالة إلي الشعب الفلسطيني للتضامن معه ولإشعاره بأنه ليس وحيدا، وان هناك من يشاركه معاناته ويتحسس الاضطهاد الواقع عليه. ولأن القائمين بهذه العملية النضالية والشعبية والإنسانية لا يملكون أسلحة نووية أو أسلحة قتالية ولا صفقات عسكرية، فلا يستطيعون إلا أن يساهموا معه بسلاح التكافل معه والمقاطعة لكل البضائع الصهيونية التي تحمل رمز الكيان الإسرائيلي المعروف 729 في بداية ترقيم السلع المنتجة فيه، من جهة الشمال، ومستعينين بتاريخ المقاطعة التي فرضت علي نظام جنوب أفريقيا العنصري، حتي انتهي وفككت مرتكزاته العنصرية.
إضافة إلي هذه الأوساط هناك مجموعة أخري تحمل اسم أصدقاء الأقصي، ولديها أيضا موقع إلكتروني هو:
www.aqsa.org.uk. توزع هي الاخري كراريس تطالب بمقاطعة البضائع والشركات البريطانية والأمريكية التي تتعامل مع الكيان، وتنشر أسماءها وصورها، مع المطالبة بتوسيع أشكال المقاطعة، ليس للبضائع وحدها، وإنما لشركات السياحة ومؤسسات التبادل التجاري أو الاستثماري والإعلاني والتقني العالي. كما تناشد بكراس لمقاطعة المؤسسات الأكاديمية وأي تبادل أكاديمي أو علمي أو زيارات أو علاقات دراسية ورفض عرض تسهيلات لها وتقديمها إلي المعاهد والجامعات الفلسطينية المحاصرة.
هذه الدعوات العامة وهذه الكراريس الموزعة في تظاهرات عامة ضد الحروب والاحتلال والغزو والهيمنة الإمبراطورية، وفي هذه الظروف الملتبسة والتحولات الصعبة، تتشابك في أهدافها وكفاحها العام، وهي لكل من له ضمير حي ومشاعر إنسانية تدفعه إلي المشاركة فيها والمساهمة بكلما يستطيع من قدرات وإمكانات وفعاليات تعطي اكثر من رسالة واقدر من تعبير وأوسع من معني أخلاقي أو قانوني. ولعل نتائج تجربة المقاطعة لنظام جنوب أفريقيا العنصري افضل
مثال واحسن تشبيه، وبلا شك محك أساسي.