الراية- د. كاظم الموسوي
الجمعة25/11/2005
تتزايد فضائح فرسان الإدارة الأمريكية، من المحافظين الجدد ومواليهم، منذ اعتلاء بوش العرش وتنفيذ مخططاتهم التي قال الكثيرون عنها بأنها كارثية. فمن جرائم العدوان إلي الغزو إلي الاحتلال، ومن عمليات الغش والخداع إلي قصف مؤسسات إعلامية وسفارات أمريكية وحليفة وصديقة لأهداف لم تعد سرية، إلي فظائع المعتقلات والتعذيب البشري والإبادة الجماعية والتجريب المنظم لمختلف الأسلحة والوسائل الفاشية علي الشعوب والأفراد.
من بين الفضائح الجديدة استخدام طائرات وبلدان كمعتقلات متنقلة لسجن وتعذيب آلاف البشر الذين لم توجه لهم تهم واضحة وقانونية ولم يحاكموا بمحاكم معروفة، وحسب الأصول القانونية التي يتبجح بها المشرعون ودعاة الامركة والعولمة الأمريكية. وتتوالي التسريبات والأنباء عن هذه الجرائم الجديدة بحق البشرية، وعن الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والقانون الدولي والإنساني وكل الاتفاقيات وملاحقها المتعلقة بالأسري والمعتقلين وسكان البلدان المحتلة ومناطق الحروب وغيرها. فقد كشفت صحيفة أمريكية سربت لها الأخبار وفاحت الرائحة النتنة لمجازر أخري تقترفها أجهزة الإدارة الأمريكية ضد الإنسانية أساسا، وتتنافي مع كل التعاليم والشعارات التي تتشدق بها وتكررها، صباح مساء، ويتغني بها التابعون لها في أرجاء المعمورة كببغاوات مخدرة، مسلوبة الإرادة والاختيار.
إضافة إلي المعتقلين داخل السجون الأمريكية بالعراق، أشير إلي وجود اكثر من ثمانين ألف سجين لدي أجهزة الإرهاب الأمريكية منذ 11 أيلول/ سبتمبر ،2001 موزعين في سجون تمتد من أفغانستان شرقا حتي غوانتانامو غربا، ذكرت بينها دول أوروبية وعربية استخدمت معتقلات سرية لسلخ البشر، أخذت علما بذلك وتقوم بإجراء تحقيقات، وسميت بالمواقع السوداء في خارطة البيت الأبيض. فهل هذه بشائر الديمقراطية التي أراد بوش واتباعه نشرها في العالم، وهل هي المقدمات أم المحفزات والنماذج المقترحة لمخطط الشرق الأوسط الكبير .
ماذا يمكن تسمية هذه الأعمال المشينة والقذرة وكيف تصدق ادعاءات واتهامات الإدارة الأمريكية حولها . وما يدور في أوساط المؤسسات الأوروبية والصليب الأحمر حولها قليل جدا، رغم شهادتها الموثقة عنها وإدانتها الواضحة لها ولكنها غير كافية مما يتطلب توسيعها وتفعيل جهود المنظمات العالمية المدافعة عن حقوق الإنسان والديمقراطية وحرية الشعوب إلي فضحها ومحاسبة المسئولين عنها، ومحاكمة أصحاب القرارات فيها، وإنقاذ ما يمكن من ضحاياها، وإطلاق سراحهم فورا وتعويضهم عما لحق بهم من أضرار شخصية وعامة جراء استمرار حجزهم ونقلهم وتعذيبهم في أماكن سرية لا يعرفون عنها شيئا، في بلدان ومطارات وطائرات سرية أمريكية ومسجلة لحساب أجهزتها الاستخبارية وسفاراتها المتحكمة بقرارات العديد من الدول التابعة والصديقة كما تسمي.
تأكيدات وسائل الاعلام الأمريكية ودوائر أوروبية مهمة جدا لكشف وفضح المجازر البشرية الجديدة. وتحميل الدول المشاركة فيها والمتسترة عليها المسئولية عنها وعدم قبول التنصل مما يتم علي أراضيها وفي مطاراتها، واذا كانت وسائل الاعلام الغربية عموما قد تمكنت من الإعلان عن هذه الجرائم ونشرت ما سرب لها عن أسماء الدول خصوصا، ومن بينها دول عربية فيتطلب الآن عربيا أيضا ودون تردد القيام بذات الدور في الكشف وإعلاء سطوع الحقيقة، لاسيما وان عدد المعتقلين العرب فيها ليس قليلا، وثبت من اعترافات بعض من أطلق سراحه منهم الكثير مما أعلن وفضح.
نددت صحيفة الواشنطن بوست التي كانت المبادرة الأولي في نشر ما سرب لها من الأخبار بالستار الحديدي الذي تفرضه الإدارة الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية حول هذا الموضوع، واعتبرت أن البيت الأبيض لا يبالي باحترام الاعلام والرأي العام الأمريكي، ويبادر إلي التكتيكات الخفية والقذرة من اجل منع بزوغ الحقيقة وكبت أي نقاش علني حول أكاذيب الإدارة. وسخرت صحيفة نيويورك تايمز مما وصفته بتصدير الديمقراطية والسجون السرية. وتتواصل اهتمامات وسائل الاعلام العالمية بما يرشح من تلك الجرائم الأمريكية الرسمية التي تتعارض مع كل القيم والمواثيق الإنسانية والأخلاقية العالمية. مطالبة بعدم تصديق أكاذيب الإدارة الأمريكية ومؤسساتها، وفضح تذرعها، ودأبها علي نفي أية أنباء تسربت من انتهاكات سجن أبو غريب، وقاعدة باغرام، وغولاغ غوانتانامو، واصرارها علي خداعها والادعاء بالتصريح بما يخالف الوقائع الصارخة. وبات معروفا أن البنتاغون ونائب الرئيس والسي آي ايه وراء الكثير من قرارات استخدام وسائل التعذيب البشعة الانتزاع اعترافات ملفقة تريدها الإدارة وترغب بها وليست لها علاقة بالأحداث نفسها، كما ظهر باتهامات العراق بأسلحة الدمار الشامل وصلاته بالقاعدة. وعقبت صحيفة الغارديان البريطانية بمواراة إنجليزية مواصلة علي ما نشر في الصحف الأمريكية عما تردد من أن الاستخبارات الأمريكية قد تكون أغلقت بعض السجون، وشحنت نزلاءها المجهولين إلي دول صديقة مثل مصر والأردن والمغرب، بأنه لا يمثل حلا. مشيرة إلي ''إن وسائل الاعلام في تلك الدول تخضع للرقابة، كما أن هناك مزاعم بأن التعذيب يمارس في سجونها، وبالتالي فان مثل هذا الإجراء غير مشروع ولا يخدم قضية بوش في نشر الديموقراطية في منطقة ''الشرق الأوسط'' إذ يجب الحفاظ علي معايير التحضر، ومهما كانت (الحرب مختلفة) فان العدالة العالمية والقيم الأمريكية يجب الالتزام بها، حسب الصحيفة البريطانية.
تعمل الإدارة وبعض مؤسساتها علي تخفيف وقع وإخراج ما حصل ضمن أحداث يومية، وفردية، إلا أن رصده ومتابعة تداخله بأعمال وتورط شبكة واسعة من الأجهزة والمؤسسات الاستخبارية والعسكرية، واقتراف ابشع الوسائل فيه ضد الإنسان وحقوقه الطبيعية يلقي مسئولية عامة، كي لا يجعل تصور تكراره أمرا طبيعيا وانتهاكا مسكوتا عنه، ويحوّل حقوق الإنسان وكرامته موضوعا مستلبا في هذا العصر الإمبراطوري الأمريكي خلاف الزعم بوصفه عصرا لخدمة الإنسانية واحترام حياتها علي المعمورة ونبذ الإرهاب بكل أشكاله وخاصة الفاشي الأمريكي والحكومي عموما. ولعل ما نشر عن مطالبات حكومات دول كالدانمارك والسويد وأيسلندا بتوضيحات عن استخدام مطارات بلدانها مواقع لنقل وتصدير البشر المعتقلين من قبل أجهزة المخابرات الأمريكية وحلفائها يوضح مدي سعة تلك الشبكة وتطوراتها والأعداد البشرية المنتهكة حقوقها فيها.
ما قاله الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، في مقابلة مع شبكة ''أن.بي.سي'' من إن إدارة الرئيس بوش تسببت في انحطاط المعايير الأخلاقية التي ميزت السياسة الأمريكية الخارجية علي مدي عقود، وانه خلال السنوات الخمس الماضية حدث تغيير كبير وهائل في السياسات الأساسية والقيم الأخلاقية في بلادنا، وإن هذا مجرد مؤشر واحد إلي ما قامت به هذه الإدارة لتغيير السياسات التي حافظت عليها البلاد طوال تاريخها، أمر غير كاف، حيث أن ما حصل خطير جدا ولابد من جهود عالمية لمسح كل المواقع السوداء في خارطة البيت الأبيض.