تحصل متغيرات كثيرة في العالم وتسهم بقوتها العملية في طبيعة بناء النظام السياسي والاقتصادي الدولي، ويحاول الاعلام العربي تغافلها والانكار لمفاعيلها اللاحقة رغم اهميتها وتأثيرها وقدراتها التي يمكن ان تعكس او تعبر عن تحولات متدرجة في النظام العالمي او على مختلف الصعد الدولية... منها مثلا مجموعة دول بريكس الخمسة (البرازيل، روسيا، الهند، الصين وجنوب افريقيا) حاليا وأساليب عملها وانتقالها الى التجمع بشكلها وتعبيرها الجغراسياسي والاقتصادي. وهي مجموعة لها أكثر من بعد سياسي واقتصادي استراتيجي. فقد عقدت مؤتمرها الرابع يومي 28 و29 آذار/ مارس في العاصمة الهندية نيودلهي، وهي ممثلة، بحكم موقعها الجغرافي، او معبرة رمزيا وواقعيا عن تواصل انساني وسياسي واقتصادي عابر لقارات العالم الاوسع سكانا واقتصادا وتأثيرا دوليا متصاعدا. ومجموعة البريكس منذ تأسيسها وانتقال فكرتها من عاصمة الى اخرى وأخيرا قمتها الرابعة جامعة رؤساء الدول الخمس المشاركة فيها، ووضع جداول عمل لها، سواء في القمم والقرارات الدولية والمشتركة او في تنمية بلدانها وتطويرها، تعكس طبيعة عملها وتمثيلها ومن ثم موقعها وتأثيرها الواعد في المجالات التي تواجهها وتسعى الى التغيير فيها، لاسيما وان دولتين منها عضوان في مجلس الامن الدولي والأخرى تتطور اقتصادياتها عالميا وتفرض نفسها كقوى صاعدة استراتيجيا في اقاليمها ودوليا ايضا.
من بين اهمية هذه المجموعة النسب المئوية التي تشكلها عالميا. فهي تمثل أكثر من 40 في المائة من سكان العالم ونصيبها من إجمالي الناتج المحلي للعالم ارتفع من 16 فى المائة عام 2000 إلى حوالى 25 فى المائة عام 2010، وتحتفظ مصارفها وخزائنها بما يزيد على 50 في المائة من مجمل احتياطي العالم من الذهب والعملات الأجنبية. وكذلك الاهداف والسياسات التي تزمع العمل عليها. فهي حسب الرئيس الصيني خو تسيانتاو "المدافعة عن مصالح الدول النامية وأنها قوة من أجل السلام العالمي". وبالرغم من التنوع الثقافي والجغرافي، من المتوقع ان تنهض الدول الخمس بدور رئيسى لدفع نمو الاقتصاد العالمي، حسبما ذكر التقرير الذي صدر عن القمة الرابعة، ونشرته وكالات انبائها، مضيفا أنه "سيكون هناك تركيز على أفضل الممارسات ومجالات التعاون وتعزيز العلاقات الاقتصادية حتى تتمكن البريكس من القيام بدور محوري أكبر فى الوضع الطبيعى الجديد بعد أزمة الاقتصاد العالمي". كما أشار التقرير إلى أن الوقت بات مناسبا للدول الخمس لصوغ علاقات أوثق، حيث ان الاقتصاد العالمى فى حالة تقلب والاقتصادات الصاعدة فى حاجة لإعادة توازن. و"إن وضعهم المحوري فى الانتعاش الاقتصادي العالمي وضع البريكس بالفعل فى دور قيادي يحتاج لزيادة تعزيزه من خلال تواصل أكبر بين هذه الاقتصادات".
وتنوي روسيا التنسيق بين مواقف الأطراف المشاركة في القمة حول قضايا الاقتصاد العالمي قبيل قمة مجموعة الـ20 التي ستقام في المكسيك. وقد أشار الرئيس الروسي ديمتري ميدفيدف في حديثه عن قمة البريكس أن هذه المنظمة مازالت فتية، ومن الضروري أن يتم تبادل المعلومات بين اقتصادات الدول المتنامية حول آفاق تطور الاقتصاد لهذه الدول.
يعتقد الرئيس الروسي أن دول منظمة البريكس بإمكانها التنسيق فيما بينها فيما يخص المواضيع الاقتصادية. وعقد لقاءات ثنائية، اضافة الى القمة لتوثيق الجوانب الاساسية التي تعمل عليها المجموعة، لاسيما في تطبيق عنوان القمة الاخيرة الأساسي: من أجل الاستقرار والأمن والازدهار العالمي. كما عملت المجموعة في قمتها الواعدة على مناقشة المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية محل الاهتمام المتبادل، بما في ذلك الحكومة العالمية، والتنمية المستدامة، والتعاون بين أعضاء البريكس وتقديم الدعم الى الدول النامية. ولاسيما ما نتج عن اجتماع وزراء اقتصاد المجموعة وإعلانهم عن تشكيل بنك مشترك، حيث صرّحت وزيرة الاقتصاد الروسية ايلفيرا نابيولينا للصحفيين أنها أبلغت نظرائها في المنظمة عن آفاق التطور بسبب انضمام روسيا الى منظمة التجارة العالمية، كما أعلمت الصحفيين أن دول المنظمة أيدت فكرة تأسيس بنك التنمية "يوغ- يوغ" الذي سيساعد في تطوير الاستثمار والتجارة المتبادلة بين بلدان المنظمة. كما من المتوقع أن يوقع أعضاء المنظمة، في إطار قمة بنوك دول البريكس، على اتفاقية حول امكانية تقديم القروض المالية بالعملة المحلية للدول النامية.
بيان القمة الختامي وتقريرها عبّرا عن مواقف سياسية واقتصادية واضحة ومتطابقة مع قناعات الدول الاعضاء في القمة في القضايا التي تهمها او القضايا الدولية الاخرى، وخاصة ما يمس منطقتنا العربية ومحيطها الجغرافي. معلنة عن تضامنها مع القضايا العادلة للشعوب والحلول السلمية للازمات التي تعصف فيها، سواء الداخلية منها او المفروضة عليها من الخارج، وخاصة من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية ولوبياتها المحرضة لها. هذه المواقف الموضوعية قدمت ترجمة عملية لسياسة البريكس في تعاملها مع القضايا والازمات الدولية، لاسيما ما توضح من تعاملها مع الملف النووي الإيراني مثلاً أو من القضية الفلسطينية او الازمة السورية، وغيرها.
خلاصة القول ان مثل هذه المجموعات الدولية ومؤتمرات قممها تعكس تنوعا مطلوبا في القرار السياسي والاقتصادي الدولي وتمنح امالا في منع الاستفراد الغربي خصوصا الامريكي فيه، رغم التباينات في المواقف والمعالجات الداخلية في كل بلد منها وفي الاهتمامات المحلية والاقليمية والدولية لها. وهي في ما قامت به وقدمته من مواقف دولية ومساعدات واضحة في درء ذرائع الحرب والعدوان وفضح المتاجرة في الشعارات البراقة وغيرها تعطي فرصا اخرى لتطلعات الشعوب وإراداتها الوطنية. وبالتالي تشكل المجموعة بسياستها المعلنة والقائمة على احترام سيادة الدول وخيارات الشعوب والمحافظة على تطبيق القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة، تشكل ضمانة لوقف انتهاكات سيادة الدول وفي تجريم خطط الحروب والعدوان الامبريالي وأعمال الهيمنة التي يحاول ممارستها كثير من حكومات الغرب تحت لافتات الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب..