الثلاثاء، 27 مارس 2012

كرد تركيا

يتعرض الشعب الكردي في تركيا الى سياسات تركية متنوعة يسمها العنف الرسمي والرفض المتدرج للمطالب الشعبية وحقوق الانسان المشروعة. رغم ان الحكومات التركية تتعامل مع القضية الكردية بتميز وحسب تصور كل حكومة تركية وسياستها الاستراتيجية، خاصة الحكومة الأخيرة حكومة حزب العدالة والتنمية وبرئاسة رئيس الحكومة الحالي رجب طيب اردوغان، إلا انها على العموم تتفق على حرمان الشعب الكردي من التمتع بكامل حقوقه القانونية، كما هو حال شقيقه مثلا في العراق.
لقد تمتع الشعب الكردي في العراق بحقوق كاملة وحظي بتوافق رسمي وقانوني ودستوري منذ زمن طويل. اذ اعترف الدستور العراقي المؤقت بعد ثورة الرابع عشر من تموز/ يوليو عام 1958 بالشعب الكردي كشريك كامل في الوطن وبالحكم الذاتي وصولا الى اشكال متطورة من الفيدرالية الإدارية كما هو حاصل الان. مع ان القيادات السياسية الكردية في العراق مارست ادورا سياسية في الحكم العراقي وشكلت في ظروف معينة منابع خطر على الامن والاستقرار الوطني وتعاونت مع قوى ودول تشبثا بأوهام او لمصالح بعيدة او بالضد من مصالح الشعب الكردي أساسا وهي تعرف ان اغلب هذه الصفقات تصب في خدمة المصالح الاستراتيجية لتلك القوى والدول في العراق والمنطقة ولم تخدم بها اهداف الشعب العراقي عموما ومكوناته ومنها الشعب الكردي فيه. ورغم ذلك فالمشهد السياسي في العراق اليوم يشهد بذلك.  
في تركيا تشكل حزب العمال الكردستاني معبرا عن طموحات الشعب الكردي في تركيا مثله مثل الاحزاب الكردستانية في باقي البلدان الأخرى لاسيما في العراق. وتعاونت كل هذه الاحزاب فيما بينها ورفعت شعارات العمل الوطني في كل بلد، مشاركة منها في حركات التحرر الوطني فيها وعاملة ضمن اطاراتها التحررية الوطنية والقومية ولأهداف مشتركة في التحرر والتقدم والتنمية والعدالة والمساهمة في تجسيد خيارات الشعب وإرادته الوطنية. وبعد ما تعرض الحزب الى اعتقال قائده عبد الله اوجلان وسجنه في جزيرة ايمرالي التركية تشكلت مجموعات سياسية اخرى علنية ورسمية قامت بمهمات الحزب الاساسية وبأسماء اخرى منطلقة من متغيرات السياسيات العامة في الدولة التركية. كما هو الحال مع حزب السلام والديمقراطية، الذي يشارك في البرلمان التركي بـ 36 نائبا، والذي انتصر على حزب العدالة والتنمية الحاكم في المناطق الكردية في انتخابات 12 حزيران/ يونيو عام 2011.
على العموم يشكل العمل السياسي والعسكري لقوى الحركة الكردستانية في تركيا عاملا مؤثرا في سياسات الحكومات المتعاقبة في تركيا. ولعل اعتراف الحكومة التركية في القضية الكردية ومحاولات ايجاد حلول لها اول السبيل الى الاقرار بعدالة القضية ومطالبها وضرورة الاتجاه الى العمل المشترك من اجل الحقوق المشروعة والمصالح المشتركة. إلا ان سياسات الحكومة الحالية وتراجعات رئيسها اردوغان قد يثير من جديد غبار الحروب الاهلية وضياع الفرص الوطنية وتعقيد المشاعر والحساسيات السياسية والإقليمية. فبعد تراجع اردوغان في الربيع الماضي عن اعترافه في العام 2005 بوجود قضية كردية في تركيا وبعد محاولات الاتصالات السرية بقيادات كردية من حزب العمال الكردستاني في النرويج، يشاع الان في الاوساط الرسمية التركية سياسة استراتيجية جديدة في التعامل مع القضية الكردية في تركيا، تعمل على ابعاد حزب العمال الكردستاني من المشاركة في الحل، والإصرار على ابقاء رئيسه في السجن وشن حرب عسكرية وضغوط سياسية على قياداته وبعض مقراته في منطقة جبال قنديل على الحدود العراقية التركية.
حسب ما نشرته وكالات الانباء نقلا عن كلام مسؤول رفيع المستوى إلى صحيفة "ميللييت" التركية فإن استراتيجية الحكومة الجديدة تقوم على أساس التواصل مع المجتمع المدني الكردي، وأن يكون الحل تحت سقف البرلمان. وهذه الاستراتيجية الجديدة، التي حظيت باهتمام ونقاشات واسعة، ليست جديدة تماما فهي تذكر بالسياسات التركية، التي كانت قائمة في التسعينيات، أيام حكومات طانسو تشيللر وسليمان ديميريل ومسعود يلماز والقيادات العسكرية التي حكمت سابقا، والتي تنبئ بالمزيد من سفك الدماء والعمل على تفتيت الصف الكردي، الذي يشكله جناحا الحركة الكردية، حزب العمال الكردستاني (في جانبه العسكري) وحزب السلام والديمقراطية (في جانبه السياسي) .
ترسم الخطة الجديدة مكانا لدور غير مباشر لحزب السلام والديمقراطية، كونه مدنيا وممثلا في البرلمان. لكن اردوغان نفسه كان يكيل الاتهامات لهذا الحزب ومنها دعم الارهاب، وبأنه قناع لحزب العمال الكردستاني. وتزعم الحكومات التركية المتعاقبة، بما فيها حكومة اردوغان، ألا حوار مع من يدعمون الإرهاب، فكيف سيتم العمل مع حزب السلام والديمقراطية او غيره من ممثلي المجتمع المدني الكردي او التركي المتعاطف مع القضية الكردية؟.
ويرى مراقبون أن اردوغان يعرف جيدا أن مطالب الصف الكردي واحدة، فما يريده حزب العمال الكردستاني يريده حزب السلام والديمقراطية. وهذا معلن ومعروف سلفا، مما يعني بالنهاية ان استبعاد اردوغان لحزب العمال الكردستاني او تهميشه من العملية السياسية لا يغير من المعادلة شيئا فعليا اذ سيجد أمامه حزب السلام والديمقراطية يحمل المطالب نفسها، وبالتالي لن يتقدم في خطته الجديدة، بل سيزيد في تعقيد المسالة وفتح بوابات العنف الدموي من جديد. واضح عمليا ان الخطة الجديدة لحكومة اردوغان لم تستفد من دروس التاريخ والحروب الاهلية مع الحزب والقضية الكردية، وهي تعلم جيدا دوره وقيادته للحركة الكردستانية في تركيا، رغم سجن قائده وتشتت قياداته في المقرات الجبلية داخل تركيا وخارجها. وان حزب السلام والديمقراطية نفسه هو الذي يريد ان يكون أوجلان المخاطب الكردي لدى الدولة التركية، فماذا تستهدف خطة اردوغان الجديدة في هذه القضية؟ وكيف تعمل على استمرار السلم الاهلي والتنمية والتطور في تركيا؟. وهل سيكون كرد تركيا موضوعا بارزا في الصراعات السياسية بعد قضية الأرمن؟.