الخميس، 2 نوفمبر 2023

«طوفان الأقصى» وطوفان الغضب الشعبي!

سجلت مفاجأة «طوفان القدس» يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر بحدود كاشفة لما فعلها وما بعد ذلك. تفوقت عليها على ما كان مطروحاً عن الجيش الذي لم يقهر وقدراته الخرافية، ومع أجهزة المخابرات لها، ومع الانهيار في اختراع حصار غزة، بمليونايها والثلاثمئة ألف إنسان فيها، وجدران الحجز والحجر للمساحة المحددة في غزة، الثلاثمئة وستين كيلومتراً مربعاً وامتداداً طول واحد وبعدين كيلومتراً. ، متعددة الاستخدامات بين خمسة وخمسة كيلومترات، وبالتأكيد كلمة المرور الشاملة لكل ذلك بما في ذلك نمط «الطوفان» وممارسته وهجومه ببراً وبحراً وجواياً. وهو ما أذهل، ليس إدارة المقاطعة المحلية، بل إدارات الإمبريالية الغربية ورأسها اللاتينية، فعلها المباشر انعكس على مختلف المستويات وصعدت، إعلامياً وسياسياً وعسكرياً وأمنياً واقتصادياً وغيرها. وقيامها بالملء الكامل والشامل، من تجيش نشرتها أخبار كبيرة، والناطقة العسكرية بالعربية، للتحيةشيد ضد الأنواع، منها عدة أنواع، ومن حاملات الطائرات إلى قواعد جوية وقوات خاصة، وتسمين تتعلم المزيدروعة في المنطقة العسكرية العسكرية ومحيطها.

بعد 75 سنة من النكبة والحصار والظلم والاضطهاد والهجرة وللجوء والسجن والقمع والإرهاب والتمييز فرني وتفشي الفاشية في التحكم والاستبداد، وتميزت فصائل المقاومة الإسلامية الفلسطينية وحلف المغرب وأذلت كل ذلك ولستراني الوحشي، المدجج ما تعنيه الكلمة، بكل أنواع صيغ التعاون والمساندة التي لا تقدر نسبها ولا تحصى أرقامها ولا تعدد أصنافها، وعددا وكمية وموازنة وقدرات. كل هذا تعرَّف صباح ذلك اليوم جناح، وأعطى لصبر المقاومة الفلسطينية واستعداداتها وتحضيراتها، واستراتيجيتها وتكتيكاتها، سبب النجاح والفوز لوجود الهدف لها أعمالها، في ابتكار معركة محسومة ومسندة من محور ضامن، لا يتردّد فيها ولا يخاف من ابتكارات وخطط إمبريالية وإمبراطوريتها وقاعدتها الاستراتيجية، ولا ويهاب تبعاتها وعدوانها المستمر. بل عزمت وحققت وأنجزت، فكسبت ما كسرت ووهان عندها خطر المعاناة والعدوان وركبت مركب النصر والتضحيات على طريق فلسطين، من الفاء إلى النون، ​​وعاصمتها القدس الشريف، والأقصى عنوان طوفانها الهادر.

برزت وحشية العدوان ووفاشية المعاناة مباشرة، في إعلان الحرب والرد بالنار وبالأسلحة المحرّمة، مسنوداً من آلة الحرب الإمبريالية، من حاملي الطائرات والوارج التي مخرت عباب البريد إلى شواطئ فلسطين، وتعمل جسور الاستمرارية عبر السفن والطائرات، وإنشاء ومكثفة من عناصر النخب العسكرية والوحدات الخاصة والمتدربين على الذبح والإبادة والقتل الجماعي. وكشفت هذه الكائنات الوحشية خسّة ضمائر الزعماء الغربين وازدواجية معايير سياساتهم وكيلهم الكيل بأكثر من مكيال، فتنافسوا في الخداع والتضليل والمؤيد والكذب، في خطبهم وتعلنهم عنهم لقرارات تحظر التظاهر وحرية التعبير، وإصدار قوانين ت ت كل من ي حقوق الشعب الفلسطيني ويرفع علم فلسطين ويدين الحرب. والعدوان على الزعماء، المتناقضين في إدعاءاتهم عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية الشعبية للقانون. 
أمام كل هذا، «طوفان الأقصى» وردّ مشهد الفاشي الصهيوغربي، اندلع طوفان غضب شعبي عارم، حمل رايات الانتصارية والعدالة والحريات مشهور حياة الإنسان وكرامته وقيمه المشروعة. وعبّر عن واضح ضد سياسات حكوماته ونهج الازدواجية والنفاق الغربي، خصوصا، فامتلأت شوارع عواصم الدول ومدنها الرئيسية، التي شاركت بوضوح في العدوان الوحشي، بالم تظاهرين الذين رفعوا شعار «الحرية لفلسطين» لكنا بعلم فلسطين، وشهدوا بوقف الحرب والعدوان فوراً. ورغم أن بريطانيا وزارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإيطاليا وأستراليا خففت السويد ومساؤها وتابعيها معًا، فقد أصدروا خروج التظاهرت رسميًا على الجميع ووقفت عددًا من المشاركين ورافعي «علم فلسطين» ومارست أعمال إرهاب واقتحام بعض بيوتناشطين من باستثناء والعرب الآخرين وحتى من الأحرار كذلك. ، إلا أن التظاهرات المحتشدة المفاجئة تلك المرأة وأرعبتها بأعدادها الغفيرة؛ ما يقرب من مائتي أو بالملايين، ونشطاء روح التضامن العالمي وتؤيد كل التدابير والظروف المعاكسة أو الضغوطات والتضييقات.

لقد شاركت الجماهير الشعبية في المظاهرات في راهن أخرى، كإسبانيا وإيرلندا كما في اسكتلندا وهولندا وبلجيكا وماليزيا وتركيا وإيران وكذلك في مدن عربية، كواجب عروبي، ومهمة عقائدية وقومية، في المغرب وتونس والجزائر ومصر واليمن والأردن والعراق والكويت والبحرين وعمان ولبنان وموريتانيا وليبيا وغيرها، كما مطلوب وقفات لأعضاء النقابات والمنظمات الدولية الموحدة بيتيس والإقليمية، كنقابات العمال والمحامين والصحافيين والمنظمات والطلاب والمعاهد في العديد من المدن العربية والأجنبية. وفي المحصلة، حدث طوفان غضب شعبي عارم. طوفان إيوازى مع «طوفان الأقصى» ويسنده ويسنده معه، ويكسب مدده ومداه، ويشرق عبر شوارع العواصم والمدن الأخرى في جميع أنحاء العالم بمواقف إنسانية عامة وردود الفعل وتأكيد قوة الرأي العام وشجاعته في الدفاع عن الحقوق المشروعة وعن كرامة الإنسان والقيم الإنسانية الماهودة وفضح التناقضات وازدواجية مشابه وتجميل الأسلحة الدولية والاختراقات للمواثيق والأعراف الدولية، وحتى الدساتير لمعظم الدول المشاركين في العدوان الإمبريالي، وجرائم الحرب وتزوير فيكتور والانحياز الأعمى لجرائم الحرب والاحتلال الاستيطاني ضد الإنسانية.

يتواصل طوفان الشعبي العالمي مع انخفاض جرائم الحرب في نيفادا ويكشف المشاركون فيها بكل أصنافهم وجميعهم والمتخدمين معهم في المنطقة، وهو ما لم يتأخر طويلاً قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ويثبت أن العدوان الصهيوغربي على الشعب الفلسطيني، الذي يعاني من قطاع غزة، وحركة المقاومة الإسلامية «نشطة ذريعة وهدفاً بشكل رئيسي للإمعان في العدوان الوحشي وفي التركيز على التدمير الشامل والإبادة البشرية وتخريب البنى الإشعاعية والمستشفيات والمدارس لأصحاب والمخابز وأبراج المدنية، من دون أي أقوى لقانون أو حقوق أو نظم أو قواعد حرب أو الجبال أو الأخلاق العامة. 
وشملت هذه الفاشية عدداً من النواب الأوروبيين في البرلمانات أو البرلمانات التي تحتويهم، مثل إيرلندا أو إيطاليا أو إسبانيا، ليشهدوا بمحاكمة العدوان ومجرميه معطفين وداعيهم وكل من يساندهم، ووقف الحرب فوراً، وتراجع المستمر والتعويض بوحشية، وتوفير كل مستلزمات العيش الكريم، من الطاقة والكهرباء ومااء ودواء وغذاء تهيئة النظام، دون انتظار أو تأخير، قبل اتساع المقاومة وخروج المنطقة بالكامل عن التحكم. 
جرائم الحرب الصهيوغربية تمادت أكثر من ادعاءات الإدارات المشاركة في تصعيدها وتجاوزت كل حدود أو قواعد أو قوانين، بشكل أكبر من سابقتها، وهي موثّقة بالصوت والصورة، وأمام أنظار العالم كله، حكومات وقيادات سياسية، دولية وإقليمية، ومنظمات دولية، اتجاهها ارتدت نظارات سوداء عمّا لتلقي ويجري من توحش فاشيّ لا يمكن إنكاره أو تبريره أو التستّر عليه. حيث سيكون الأمر عادياً وعاراً وصفحة سوداء في التاريخ، للقيادات السياسية من الأعمال التجارية وحكومات الدول التي تلطخ وجوهها بدماء ونساء شيوخ غزة، وتهتم المتناسية لبرامجها ومواثيقها وشعاراتها.

الثلاثاء، 12 سبتمبر 2023

شكر وتقدير

نتقدم بالشكر الجزيل والتقدير الوافر لكل الاحبة، من شخصيات ثقافية، سياسية، نقابية واجتماعية..كراماوفياء صادقين.. الذين شاطرونا مصابنا وقدموا التعازي وعبروا لنا عن مشاعر الاخوة والاعتزاز والوفاءوالاخلاص، باي شكل كان، بالحضور المباشر او الاتصال التلفوني، او بالرسائل وعبر كل وسائلالتواصل الاجتماعي.

مشاركتكم خففت علينا قسوة الفراق ورحيل العزيز والحبيب ابي علاء

ندعو الله تعالى ان يستجيب لدعواتكم ويلهمنا الصبر والسلوان وان يمن عليكم بالصحة والعافية وطولالعمر والبال.

شكرا لكم مع التقدير والاحترام

اخوانكم كاظم الموسوي والعائلة 



خبر حزين

انتقل الى رحمة الله الواسعة شقيقي وعزيزي عبد الحسينابو علاء، مساء يوم الاحد، 2023/09/10 في بيته، بالعراق ، وتمت المراسيم في وادي السلام في النجف الاشرف.

رحل ابو علاء عنا بعد معاناة وآلام وصبر وعناد.. ولكن تظل صورته ولحظات وداعنا الاخيرة قبل اسابيع شاخصة ومعلنة اللقاء الاخير وقسوة الفراق..

هي الدنيا، رحلة سفر، ومنعطفات مسير، وحسرات ايام وازمان.واشراقات تامل وانتظار.. قضيت كما مرت وعبرت، بكل ما حملته وما تركته وما اثرت فيه وما يبقى منها.

عزيزي وشقيقي ووجعي العراقي، ابا علاء، سبقتك العزيزة اختنا الدكتورة فاطمة، التي لم تبارح صورتها وذكرها يوما، وها جاءك الدور.. لتودعنا وتظل كما هي، في البال والذاكرة والدعوات..

لك الرحمة الواسعة والجنان الخالدة والذكر الطيب ولنا العزاء والصبر ، اهلك ومحبوك من ذاكري جميلك واحسانك ..وعارفي كدحك وتحملك الكثير، الكثير، من صعوبات الحياة ومتاعب العيش والسياسة في العراق.

ستبقى حفيدتك فاطمة تبحث عنك وتبكيك بندائها جدو .. جدو.. ويلف الحزن ابنك علاء وزهرتيك نورواسراء، واخاك حيدر، ابو سيف، واخواتك وازواجهن واولادهن وبناتهن، ولا ينساك ابو الحسن حيدر ،حبيبك الذي يتذكرك دوما.

 ابا علاء.. يا عبد الحسين الموسوي، كل نفس ذائقة الموت، وانا لله وأنا إليه راجعون.

الأحد، 23 أبريل 2023

صباحا ازور الحديقة

 اغلب الايام، صباحا، بعد تناول الفطور وشرب قهوة الصباح اخرج للتمشي وممارسة تمارين رياضية احيانا في الحديقة الكبيرة القريبة من سكني، الواقعة بعد تقاطع شوارع عريضة، كل شارع بمسارين، للذهاب والاياب، باتجاهاتها الاربعة، المتقابلة، والتي يتوجب علي انتظار اشارة/ ضوء المرور الاخضر وعبور جانبين من التقاطع .... حيث تتحرك الحافلات والسيارات المختلفة الالوان والصناعات والحجوم.. اغلب الاحيان اصل عندما تتوقف عند خط اشارات/ علامات المرور الضوئية.. واحيانا انتظر مرورها امامي، فاظل اراقبها، واتابع الوانها وصناعاتها... اليابانية والكورية الجنوبية والالمانية والفرنسية والامريكية، هي الاكثر بينها مع باقي الشركات والبلدان المصنعة.. بعض الحافلات العامة مشتراة اغلفتها الخارجية من شركات تجارية ومصبوغة بالوان اعلاناتها البراقة، بشكل كامل، دعايات وعروض تجارية لماركات جديدة من الملابس او الاثاث وحتى افلام سينما ومواعيد عرضها، وغيرها من اعلانات الشركات والمخازن الكبرى في بريطانيا. فتختلف عن اللون الاحمر الاساسي في باقي الحافلات، المعروفة به، حافلات النقل العام في لندن. والتي صدّرت بعضها الى كثير من مدن اخرى، مثل بغداد. الاغلب فيها بطابقين ومقاعدها مريحة بحجومها وتوزيعها الموزون بهندسة فنية. والجديد فيها هنا الكاميرات الداخلية التي تساعد سائقيها على مراقبة الركاب في الصعود والجلوس والنزول منها وخدمات الانترنت وامكانية شحن الهواتف الذكية عند معظم المقاعد الامامية.

لا شرطة مرور في الشوارع ولا حوادث مرور او تجاوزات كثيرة، لا تعد ولا تحصى هنا، كما تنقل وسائل الاعلام يوميا عنها هناك.. لكن لا تخلو من حوادث سير محدودة.. عند ظهور الضوء الاحمر في علامات المرور على اعلى العمود في كل شارع، تتوقف كل السيارات وحتى راكبو الدراجات العادية والكبيرة، ويتم التحرك بانسياب حسب الاتجاهات والاشارة باوقات محسوبة ومركزة بجداول خوارزمية لا تخطيء بذاتها، وكانها تدور في سباق مع دوران عقارب الساعة المسندة على حائط المحل التجاري الكبير قرب التقاطع الكبير الذي اعبره كل مرة او كلما اتوجه الى الحديقة الواقعة عند الزاوية الشمالية من وجهة حركتي..

الاسيجة التي تحيط بالحديقة عالية وملونة ايضا بالوان زاهية تضيف رونقا لجمال الحديقة. مدخلها الذي ادخل منه يبدا بأقواس عالية وممراته الرئيسية تخترق الحديقة من هذا المدخل الى نهايات الحديقة الاخرى، الى مدخلها من الطرف الاخر.. مرورا ببحيرات موزعة بانتظام ومسيجة ايضا باسبجة خشبية في اغلبها وفيها مساحات مفتوحة مخططة ومخصصة للصيد والصيادين الذين يؤجرون اوقاتهم وينصبون ادوات صيدهم،  صناراتهم، وخيمهم وكراسيهم في اماكنهم المحددة. وتتوزع داخل الحديقة كراسي وطاولات صغيرة ومساطب عريضة على طول الممرات وحول البحيرات وداخل بقعها الخضراء. عند المدخل لوحات للاعلانات ومعلومات عن برامج او خطط لحياة الحديقة اليومية وكذلك خارطة جغرافية للحديقة بتفاصيلها الكاملة. وبعد البحيرة الكبيرة ملاعب مسيجة لكرة القدم والسلة وامكنة مخصصة باجهزتها للتمارين الرياضية، واخرى للشواء ومقاعد خاصة وملاعب اطفال قريبة منها.

اشجار الحديقة المنتشرة بانتظام وتوزيع هندسي محاطة باسيجة ومساحات مملوءة بانواع الزهور، الطبيعية والوانها المعروفة.. وتشكيلاتها واصنافها.. وثمة اشجار عالية وكبيرة الجذوع، دالة على قدمها وتاريخها الطويل في مكانها وذكريات المارين عليها.. هذه الالوان والخضرة فيها تكون في اشهر الربيع والصيف، اما في فصلي الخريف والشتاء، فتتحول الارض الى مجمعات اوراق الاشجار الصفراء المتساقطة، التي تجمعها الادارة المختصة في اكياس وتنقلها سيارات نقل خاصة بها، ومثلها يطغى اصفرار الاعشاب وجفاف شجيرات الورد والزهور، كما السماء، تتلبد بالغيوم التي تنعكس اشكالها على سطوح البحيرات فتصبح وكانها لوحة رسام، ولا تبخل عليها  بين فترة واخرى من حملها من الامطار.

حين تمطر، خفيفا او مدرارا، اتذكر وانا امشي اقوالا منقولة للفنان العالمي المعروف تشارلي شابلن (1889-1977) ومنها: 

1- أنا دائما أحب المشي فى المطر، كي لا يراني احد أبكي.

2- لا شيء دائم فى هذا العالم الشرير، ولا حتى مشاكلنا.

3- الحياة مأساة عندما تُرى عن قرب، لكن نراها كوميدية على المدى البعيد.

4- أظل مجرد شيء واحد، وشيء واحد فقط، وهو مهرج، لأنه يضعني في طائرة تحلق أعلى بكثير من أي سياسي.

5- يوم بدون ضحك هو يوم مهدور.

6- نحن نفكر كثيرا ونشعر قليلا.

وطيور البحيرة انواع والوان، ففيها البط والوز، الابيض والاسود الريش، وله اسماء حسب البلد او التواجد الاكثر، ومنه الخضيري والبش، كما يسمى في العراق، ويتميز ذكره بتعدد الوان ريشه وراسه الاخضر وكبر حجمه عن انثاه التي لها لون واحد، بني فاتح، وحجم اصغر، والامريكي الاسود، الاصغر حجما بين البط، الذي يتميز ذكره عن انثاه بلون المنقار والارجل فقط، اللون البرتقالي للانثى والاخضر  والابيض للذكر. واسماك البحيرات انواع وبحجوم مختلفة، وحتى بالوان ايضا. 

اما طيور الحديقة  الاخرى كالحمام والفختى والعصافير والبلابل، فمتعددة حجما ولونا وطباعا. والاكثر فيها الحمام الرمادي او الازرق الفاتح منه، الذي نراه في اكثر البلدان، في الساحات العامة، المساجد، الكنائس، مراقد الائمة وكذلك الحدائق طبعا. والمميز ايضا بين الذكر والانثى منه، فالذكر يتعمق لون ريشه وتطوق رقبته الوان زاهية، خضراء وحمراء، والانثى تطوق بالوان اضافية، بنفسجية متداخلة ومتدرجة. ويعيش حيثما يتواجد بشكل مجموعات متقاربة، تطير سوية او تحط بحثا عن طعام او تزود بما تبحث عنه. والاطرف فيها محاولات الذكر في اغراء الانثى، بهديل موسيقي خاص، ونقر رقبتها قرب راسها، لتنحني له ويعتليها وما ان ينتهي من سفاده، ينفض ريشه منتشيا كما هي ويبتعدان، او كل منهما يعود للمجموع من زاويته بحثا عن طعام او مشاركة لمجموعهما في لحظته. وللفختى صوت شجي حزين ترجمه العراقيون في بلدهم وغنوه في لحن مقابل.. كما هو حال تغريدات العصافير  وشدو البلابل.

اعود من الزيارة غارقا في عوالم الطبيعة والحيوان والطيور وهموم الانسان، منتشيا من جولة الصباح الاعتيادية، حاملا هاتفي الذي يشغلني ساعات من العمر كل يوم بصمت ويساعدني على التواصل والبحث والاطلاع وحتى الكتابة برضاي رغم الصعوبات المنوعة،.. المعروفة!.

الخميس، 20 أبريل 2023

الولاياتُ المتّحدةُ واحتلال العراق: بعد عشرين عامًا العنوان يتكرّر

 عشرون عامًا مرّت على غزو الولايات المتّحدة الأمريكيّة وحلفائها الغربيّين والمتخادمين العرب معها، للعراق، (آذار/ مارس- نيسان/ ابريل 2003) واحتلاله وتدمير دولته تحت حجج وذرائع ثبت خداعها وتضليلها للرأي العام العالمي والمحلّي منذ بدايتها، وفضح جوهر السياسات الإمبرياليّة ومشاريع التخريب والهيمنة والاستغلال وكي الوعي، و"كسب القلوب والعقول" وخطط "الصدمة والرعب". وهذه متناقضاتٌ فضحتها الوقائع والكوارث التي مارستها إدارة الاحتلال في العراق.

كان من بين الكتب المهمّة التي تناولت الحربُ على العراق كتاب "الحرب الخفيّة" الذي كتبته الأستاذة جوي غوردن، أستاذة الأخلاق الاجتماعيّة في قسم الفلسفة وكلية القانون في جامعة لويولا - شيكاغو في الولايات المتّحدة الأمريكيّة. والعنوان الفرعي له: أمريكا والعقوبات على العراق، وتضمنت محتوياته ما يكشف خطط تدمير العراق، من خلال العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والمتخادمين معها، غربيًّا وعربيًّا، وما تولّد منها وعنها من تداعياتٍ وآثارٍ كارثيّة.

صدر الكتابُ باثني عشر فصلًا، وبثلاثمائة وواحد وخمسين صفحةً من القطع الكبير، وبحروف صغيرة. وكتب الناشر على غلافه الأخير: “هذا الكتاب، كانت العقوبات الاقتصاديّة المفروضة على العراق منذ عام 1990 إلى عام 2003 هي الأكثر شمولًا وتدميرًا من أيّة عقوباتٍ أخرى، وضعت باسم الحوكمة الدوليّة، فقد أدّت تلك العقوبات، التي ترافقتْ مع حملةٍ عسكريّةٍ ضدّ العراق عام 1991 انتهت بغزوه عام 2003 إلى انهيار البنية التحتيّة للعراق، ومختلف المقوّمات الأساسيّة اللازمة لاستدامة الحياة فيه.

 بحث الكتاب في إدانةٍ واضحةٍ للسياسة الأمريكيّة في الدور الرئيسيّ الذي أدّته الولايات المتّحدة في صوغ تلك العقوبات على العراق، التي أسفرت عن وضع قيودٍ صارمةٍ على الواردات العراقيّة حتّى لأبسط السلع الحيويّة، من أنابيب المياه إلى منظفات الغسيل إلى لقاحات الاطفال، بذريعة "الاستخدام المزدوج" لهذه السلع وإمكان إفادة العراق منها لتصنيع "أسلحة الدمار الشامل". وقد شرح الكتاب بالتفصيل، استنادًا إلى الآلاف من وثائق الأمم المتحدة الداخلية، ومحاضر الاجتماعات المغلقة فيها (التي أتاحت المؤلفة النفاذ إليها عبر الرابط www.invisiblewar.net) فضلًا عن مقابلاتٍ مع دبلوماسيين أمريكيين وأجانب، كيف أن الولايات المتّحدة لم تكتفِ بمنع وصول السلع الإنسانيّة الحيويّة إلى العراق فحسب، بل قوّضت من جانبٍ واحدٍ أيّ محاولاتٍ للإصلاح، عبرَ تجاوزِ مفتّشي الأسلحة التابعين للأمم المتّحدة، والتلاعب بالأصوات في مجلس الأمن؛ بهدف الاستمرار في العدوان على العراق الذي انتهى بتدمير كلّ مقوّماته المؤسسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، العسكريّة والمدنيّة على السواء". (من مقالٍ للكاتب في قراءته للكتاب نشر في العديد من المواقع الالكترونية، يراجع عبر محرك بحث).

واجه الشعب العراقي، خلال العقدين من سنوات الاحتلال المريرة، أنواع سياسات الاحتلال القمعيّة والاستغلاليّة والإرهابيّة والتعسفيّة، وعانى من صنوف انتهاكات الحقوق والالتزامات القانونيّة والأخلاقيّة، ولم تنته الأزماتُ التي ولّدها في العراق، كما يتبيّن من الوقائع اليوميّة الجارية على الأرض. فالعراق البلد الثري بكلّ الخيرات البشريّة والماديّة يعاني من شحٍّ وانحسارٍ بكل ما لديه، بل وازدادت مشاكله وإشكاليات الإصلاح والتغيير فيه إلى درجاتٍ وضعته التقارير الدولية في مستويات لا يحسد عليها على جميع الأصعدة، ما يعكس طبيعة سياسات الاحتلال وصعوبات سنواته العجاف. وحتى الآن وبعد التنفيذ الرسمي لاتفاقية انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي العسكرية، نهاية عام 2011، ومثلها القوات التي شاركتها الجريمة في انسحابها الكامل من أرض العراق والتقاسم مع الإدارة الأمريكيّة بالفتات التي تتكرم بها من خيرات العراق الطبيعيّة، تحوّل الهمّ الأمريكي، خاصّةً من خلال زيارات مسؤولين أمريكان، علنية أو سرية، وإجراء لقاءاتٍ بالمسؤولين العراقيين، تتلخّص بالعمل على البحث عن وسائل خداعٍ أخرى، تستر الفضائح السابقة، وتجدّد مشاريع الإدارة الأولى وخططها التي على ضوئها أقدمت بحماقات وجرائم الاحتلال العسكري المباشر وتدمير الدولة العراقية، وإعادة انتشار لوحدات عسكرية وقواعد عسكرية وتدخلات مباشرة، من خلال أكبر سفارة في المنطقة، مساحة وبناء وعديدًا من العاملين فيها، أجهزةً وأدوارًا، بكلّ الشؤون السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة في العراق والمنطقة عمومًا.

والأبرز الذي أظهرته سياسات الاحتلال في العراق خلال سنواته هو تكريس نهج المحاصصة الطائفية الدينية والإثنية، وصناعة الأزمات المحلية بين القيادات السياسية وتجمعاتها الحزبيّة، وإشاعة التقاسم الإثني والطائفي في المجتمع وتفشّي الفساد والإفساد في الإدارة والحكم وزرع ألغام مؤقتة في العملية السياسية التي أدارتها وأشرفت عليها وما زالت تواصل سيرها في إطار بنائها السياسي وصناعة قاعدتها الاجتماعية التي تدير شؤون البلاد والعباد.

بعد عشرين عامًا من الاحتلال رفعت الإدارتين، الأمريكية والبريطانية، السرية عن وثائق لهما، أكدتا اعترافات للعديد من مسؤوليهما بجرائمهما التي ارتكبتاها في قراراتهما وخداعهما ومشاريعهما وأعمالهما المباشرة.

 نشر الجيش الأمريكي دراسةً من ألف صفحةٍ تناقش تاريخه العسكريّ في العراق، متضمّنةً مئات الوثائق التي رُفعت السرية عنها، محمّلة القوات التي غزت العراق ارتكاب "أخطاء فادحة"، كما أطلق عليها وليس جرائم حرب ضد الإنسانية، كما هي في الواقع والقانون والاعراف.

استخلصت الدراسة التي تم نشرها عام 2019 الدروس من العثرات العسكرية العديدة خلال غزو العراق، الذي استمر 8 سنوات؛ بين عامي 2003 و2011، كما بررت، ووسعت الاتهام إلى الحكومة العراقية والمتخادمين معها لارتكابها أخطاء (!) أدّت إلى تفاقم الانقسامات الطائفية، وتسبّبت بعودة العنف للبلاد، مؤكدة أن الحرب التي بدأت عام 2003 لم تنتهِ بعد، متهربةً من دورها وخططها في تكريس أو إنتاج هذه الظواهر والحالات والأزمات.

أشارت الدراسةُ إلى أنّ "الخطط العسكرية لم تكن تتوقع اتخاذ قرار سحب جميع القوات الأمريكيّة في خريف 2011، بل استندت إلى افتراضاتٍ خاطئةٍ مفادها أنّ وزارة الخارجية ستدعم جهود التدريب، في حين أن الجهود المبذولة لتدريب الجيش العراقي لم تكن كافية". وجاء في الدراسة أنّها لا تُلقي باللوم الكامل على الأخطاء العسكرية أو السياسية، بل كذلك على ما عدّته "قلّة وعي لدى قادة الجيش الأمريكي حول الديناميكيات الطائفية والاجتماعية والسياسية في البلاد، التي غذّت الكثير من أعمال العنف". وحمّلت الدراسة واشنطن تبنّيها تفسيراتٍ خاطئةً عن مستويات العنف وعدم الوعي في تأمين الاستقرار مع تراجع أعداد قواتها؛ الأمرُ الذي أدّى إلى فشل قادة جيشها في تحقيق الأهداف الاستراتيجيّة مع مرور الوقت؛ بسبب القرارات التي اتُّخذت بالتوافق.

فضحت هذه الدراسة خطط إدارة الاحتلال واعترفت بالجرائم التي ارتكبت وستبقى وثيقة إدانة للاحتلال وبرهانًا عليه، بالمعنى القانوني والاخلاقي، رغم محاولات التهرب من الإدانة المباشرة وإقرار الارتكاب، ومثل هذه الجرائم لا تنتهي بالتقادم، ولا بدّ من يومٍ للمحاكمة والعدالة الإنسانية.

أما الإدارة البريطانية، الحليف الشريك، فقد كشفت وثائق رفعت السرية عنها، (شباط/ فبراير (2023) تأكيد معرفتها بعدم صحة مزاعم امتلاك العراق أسلحة دمار شامل أو صواريخ بعيدة المدى قبل الغزو بعامين على الأقل. إذ فضحت الوثائق كذبة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، وأشارت إلى علمه بخلو العراق من أي قدرات لامتلاك أسلحة محظورة، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، وبطلان ذريعته بالمشاركة في الغزو والاحتلال، وفضح ادعاءاته بالأسلحة والخداع بها.

ذكرت قناة "بي بي سي" البريطانية أنه "بعد انتهاء الحرب، التي أدت إلى تدمير العراق ونزوح ملايين العراقيين وإسقاط نظام صدام حسين، تبين أن ادعاءات وجود أسلحة دمار شامل لدى النظام بلا أساس".

من جهتها أدانت لجنة تشيلكوت، في تموز/ يوليو 2016، التي شكلتها الحكومة البريطانية، الدور الذي لعبته بريطانيا في الحرب (!)، و(العدوان السافر والارتكابات الإجرامية!)، وكتبت بالتفصيل، في تقرير مطول، عن المعلومات الاستخبارية الخاطئة والأسس القانونية المشكوك فيها التي استندت بريطانيا إليها في غزو العراق، ورفعت إلى الرفوف أو أخفيت رغم كل محاولات التستر أو الدوران على الوقائع الكارثية.

بينما استمر توني بلير رئيس الوزراء البريطاني – آنذاك - في الدفاع بقوّةٍ عن المشاركة في غزو العراق، لكنّه أمام اللجنة والإعلام عبر عن "شعوره بقدر من الأسى والندم والاعتذار أكثر مما يمكن تصوره عن الأخطاء التي ارتكبت في الإعداد لحرب تسببت في حدوث شرخ عميق في المجتمع البريطاني". محاولًا التملص من مسؤولياته القانونية والأخلاقية ومهماته وتحمله نتائجها وتداعياتها، ليس عن المجتمع البريطاني وحده، وإنما عن الشعب العراقي، وما سببه له وما حصل جراء مشاركته واندفاعه في الغزو والاحتلال.

كما أظهرت الوثائق اعتراف الحكومة البريطانية عام 2001، بفعالية العقوبات العسكرية والتسليحية والتكنولوجية في سياق مراجعة أجرتها إدارة بلير للسياسة الأمريكية البريطانية بشأن العراق، وارادت بريطانيا عرض سياسة جديدة أسمتها "عقد مع الشعب العراقي" على أركان إدارة بوش، تستهدف استعادة المساندة، خاصة من دول وشعوب المنطقة العربية، للسياسة الأمريكية البريطانية في التعامل مع العراق. وحتى هذا الذي ورد في الوثائق لم تنفذه إدارة الاحتلال البريطانية وظلت ذيلا تابعا لسياسات البنتاغون وداعميه من اللوبيات المعروفة.

وكنت قد تتبعت كل ذلك في أربعة كتب صدرت لي. وورد في الغلاف الأخير للكتاب الرابع الذي كان بعنوان: العراق.. صراع الإرادات، عن دار التكوين، دمشق عام 2009، هذا هو الكتاب الرابع في تسلسله، فقد سبقته ثلاثة كتب، هي: لا للحرب، خطط الغزو من أجل النفط والإمبراطورية، صدر عن دار نينوى، دمشق 2004، ولا للاحتلال، إسقاط التمثال وسقوط المثال، عن دار التكوين، دمشق 2005، واشنطن - لندن: احتلال بغداد، عن دار التكوين، دمشق 2007، ضم كل كتاب ما نشره الكاتب من مقالات في صحف ومواقع عربية، في فترةٍ زمنيّةٍ مؤرّخة، وعبر في كل ما كتب كما سجل في مقدمة الكتاب الأول عن مواقف من خطط الغزو والاحتلال، وعن آراء فيما تعرض له الشعب العراقي الكريم والوطن الحبيب من عدوان سافر وجريمة حرب مستمرة وهذه المجموعة من المقالات استمرار لسابقاتها، زمنًّيا، مواصلًا فيها ما عدّه موقفًا واضحًا من العدوان والغزو والاحتلال ودعوة متواصلة لتأسيس مرصد مراقب ومحذر من الكوارث التي حلت في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان و السودان والصومال وتتجه بأخطبوطها لغيرها على امتداد منابع النفط والثروات الأخرى، وقراءة لما جرى وما يمكن الاستفادة منه من عبر ودروس التجارب والأحداث ومطالبة دائمًا بحقوق الشعب ومثله وثرواته البشرية والمادية.

ما زالت انشغالات الوضع العراقي الداخلي ومظاهر الأزمات فيه وتمددها على مختلف الأصعدة، راهنة أو متموجة، بعد عشرين عامًا من الاحتلال، من جهة، وتعكس كل يوم أزمة الاحتلال وسياساته وتطبيقاتها على الأرض من جهة أخرى. وهو الأمر الذي يوضح الفوضى الخلاقة التي أرادها المحافظون الجدد في العراق والمنطقة وتبناها من خلفهم وأدار بعدهم ما يحصل في العراق اليوم. التحديات التي عبرت عنها إدارة الاحتلال ولم تضع لها حلولًا تناسبها ويخفف عن الشعب العراقي ما وضعته سياساتها الدموية، تنشرها تقارير المنظمات الدولية وتكشف فيها صورًا أخرى، أكثر واقعية وأوسع أثرًا، وتفضح ما تحاول الإدارة الأمريكيّة والمتخادمين معها، التستّر عليه والتخطيط لاستثماره للعناوين الجديدة التي تطرح للعراق الجديد!

بعد عشرين عامًا من الاحتلال الأمريكي للعراق، العنوان يتكرّر، بصيغ أخرى أو أساليب تصب في خدمته، رغم كلّ التوتّرات والارتباطات الإقليميّة والدوليّة، ورغم تصاعد الأزمات وتنوّعها، ما زالت المطامع الإمبرياليّة موجودة في موقع العراق الاستراتيجي وثرواته المنوّعة وأمن المنطقة واستقرارها، والصراع عليها وحولها، وهو ما يجب إدراكه بوعي للسنوات القادمة

الجمعة، 31 مارس 2023

عن احتجاجات الشوارع الاوروبية!

تغيرت الشوارع الاوروبية بعد العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا وتصاعد قرع طبول حرب يقودها حلف الناتو، وتديرها الولايات المتحدة الامريكية صراحة وبلا التباس. حيث فرضت ادارة الحرب الامريكية على اوروبا المشاركة المباشرة في سياسات الحرب تحت اسم دعم اوكرانيا وتقديم المليارات لآلة الحرب فيها وتشريع ما تسميه بالعقوبات والاجراءات العدوانية ضد روسيا والضغط عليها وعلى من يتعاون معها، مبينة ظهور تحالفين واضحين، متصارعين ومستعدين لمواصلة حرب تتدحرج نحو اخطر انواعها واشدها تهديدا للبشرية. وبالتاكيد تولد تداعيات على مختلف الاصعدة وتنعكس على حياة المواطنين عموما. ولهذا تدافعت موجات من الغضب على هذه السياسات في الشوارع الاوروبية، متنوعة من الاضرابات والتظاهرات المحدودة الى الاحتجاجات الشعبية الواسعة، تقودها النقابات وقوى يسارية في المعارضة للاحزاب الاوروبية الحاكمة، والتي اغلبها من اليمين التقليدي او اليمين الوسط.

وسائل الاعلام بكل انواعها، لا سيما الفضائيات منها، تكشف صورها مباشرة وتعلن عنها كما هي في واقع الشوارع الاوروبية وامتلائها بالمحتجين وشعاراتهم والرايات التي تعبر عنهم والتي تنوعت اشكالها وفئاتها الاجتماعية. واغلبها جاءت رد فعل سياسيا وانعكاسا للازمة الاقتصادية التي ضربت اوروبا بعد تلك المواقف والسياسات التي تزعم محاصرة روسيا والتخلي من صادراتها اليها، لاسيما الطاقة والغذاء..فاثرت عكسيا في الحياة الاقتصادية في الغرب عموما، وتراجعت القدرة الشرائية لدى مواطني البلدان التي اشتركت مع الادارة الامريكية في مواقفها وقراراتها ضد روسيا وحلفائها.

وحتى التظاهرات التي خرجت تحت شعارات السلام في اوكرانيا ووقف الحرب والانحياز لموقف الناتو، والتي تدعمها الحكومات الغربية ومن يؤيدها من الاحزاب والنقابات والبرلمانيين، رفعت شعارات تطالب بزيادة الاجور وتحسين الاوضاع الاقتصادية للعاملين في مؤسسات الدولة واعادة النظر بسياسات دعم الحرب والعقوبات والمقاطعة التي حملت الحكومات قسطا من اضرارها المتفاقمة على حياة المواطنين اليومية.

شاركت اغلب نقابات العمال في أوروبا وقوى اليسار الاوروبي في اوسع الاحتجاجات مدافعة عن حقوق اعضائها في العمل والأجور، وأكثرها في قطاعات حساسة كقطاع الطاقة والموانئ والطيران، وامتدت الى نقابات عمال النقل والمواصلات العامة والعاملين في الصحة والتعليم وغيرها مما حكم الشارع الاوروبي في الحياة اليومية لاغلب العواصم الاوروبية وكشف التفاوت والنزاعات المخفية بين الفئات الراسمالية المتحكمة بالسلطات والقواعد الشعبية المنتجة للخيرات او الداعمة للتطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

عكست ذلك طريقة تعامل الحكومات الاوروبية مع الاحتجاجات السلمية، ومن بينها الحكومتان، الفرنسية والالمانية، مدعيتا مثال الديمقراطية في العالم، حيث مارستا القمع الوحشي للمتظاهرين ومنعهم من التعبير عن سوء حالهم وغلاء معيشتهم وعن آرائهم والمطالبة بحقوقهم، وقد فضحت وسائل الاعلام هذه الممارسات الوحشية وعرت ديمقراطية حكومات الغرب امام العالم.

اثار اعلان تزويد اوكرانيا بانواع اخرى من الاسلحة، كالدبابات والصواريخ والطائرات موجة غضب اضافية، حيث اندلعت احتجاجات في اكثر من مدينة اوروبية، خاصة التي توجد فيها مصانع للاسلحة، مثل مدينة ميونخ، معارضة بشدة نقل الدبابات الألمانية إلى أوكرانيا، وردد المتظاهرون شعارات مناهضة للحرب وطالبوا بحل دبلوماسي للأزمة والكف عن تصعيد الازمة واستمرار اشعالها.

صب زيت الممارسات الحكومية العنفية ضد المحتجين على الرد عليها بما يقابلها ورفع الصورة الى مواجهات عنف بين قوى امنية مدججة بالسلاح ومدنيين يضطرون الى المقاومة بكل الاساليب المتاحة لهم، من حرق اطارات وغلق شوارع، الى مهاجمة مؤسسات الامن وحرقها واشباه ذلك مما يدفع الى نقل مشاهد عنف ترتفع وتيرتها كل مرة، وتضع المسؤولية من جديد على عاتق الحكومات وقراراتها وتبعيتها لسياسات مفروضة عليها ولا تعكس خيارات شعوبها واراداتها الوطنية. وهو ما يستدعي النظر اليه من زوايا الاسباب الحقيقية لما يجري وما يؤدي الى استمرار الاحتجاجات في الشوارع الاوروبية خصوصا.


الثلاثاء، 21 مارس 2023

بعد عشرين عامًا: ماذا أُعد لمحاكمة الغزو والاحتلال؟

خلال عشرين عامًا من غزو الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها ومتخادميها للعراق، صدرت كتب ودراسات وأبحاث ومذكرات ومصنفات فنية عن جريمة الغزو والاحتلال؛ كشفت وسردت روايات جريمته واجتهدت بمتابعته وتصوير أدواته وتداعياته وآثاره وما حدث وما جرى.. فلم يكن الغزو فعلًا عاديًا، بل كان انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية وحقوق الإنسان والشعوب، ولن تسقط  هذه الجرائم بالتقادم، بل تحتاج إلى أن يرفع الضحايا أصابعهم عاليًا ويعلنون صوتهم بشجاعة مطالبين بالمحاكمة والقصاص للجرائم ومرتكبيها وانفاذ القانون والعدالة.
فضحت كل ادعاءات الغزاة وحججهم وأكاذيبهم وخداعهم، وتعرت في الواقع أسباب غزوهم ولم يستطيعوا ستر الجرائم والفضائح والأكاذيب، مع كل ما خططوا وملكوا من وسائل إعلام وتضليل ورعب وصدمات..
صحيح أنهم أنجزوا من خلال الطغاة الذين مهدوا لهم طرق الغزو والاحتلال، من هدر طاقات الشعب وتبذير امكاناته وتجريد مِنعته وهدم معنوياته في التصدي والمقاومة الوطنية الشاملة، رغم انطلاق شرارات لها في زوايا الوطن، بعد أن دنست قوات الاحتلال أرض الوطن، وهدمت أركانه، فقدم الشعب المحاصر والمضطهد كالعادة قرابين وجوده على أرضه وتزايدت أعداد ضحاياه وكوارثه وظل العراق جريحًا لم يُشفَ من آلامه، وخطايا الطغاة والغزاة والبغاة الذين أمعنوا في مأساة الشعب والوطن.
في كلمات تقديم لكتابي: لا للحرب.. خطط الغزو من أجل النفط والإمبراطورية، الصادر عن دار نينوى، دمشق، 2004، كتبت: كانت أجواء الفترة الزمنية مشحونة بسجالات، وحوارات ساخنة بين تيارات وأحزاب وقوى سياسية وارتباطات لا عدد لها وضغوط وحسابات لا تحصى، وضمن تلك المناخات الملتهبة وتبادل الأحكام السريعة والظالمة والاتهامات الجاهزة تتأتى قوة الموقف وقيمة الرأي وسداد الحكمة وشجاعة الكلمة، لا سيما وقد أعطت الحياة ودروس الأحداث صدقية وراهنية وقيمة فعلية وعبرة للجميع (ص8). وبعد الإشارة إلى جريمة الغزو أكدت: وفي مثل هذه الحالات من الضروري إشعال شمعة بدلًا من لعن الظلام فقط، وشد عزم وروح المقاومة والكفاح والمواجهة والمناوئة وكل اشكال وتعابير المواجهة في الساحات الكفاحية والبلدان المحتلة أو المحتملة لهجمات الإستراتيجية الإمبراطورية الصهيوأمريكية وحلفائها، مستمدة روحها من إرادة الشعوب الحية وتأريخها المجيد..".
وكتبت في كتابي: العراق.. صراع الإرادات، الصادر عن دار التكوين، دمشق، عام 2009، "إعادة قراءة الأحداث وتسليط الأضواء عليها أو على مجرياتها أو ما يتعلق بها مباشرة أو بشؤون العدو المحتل مهمة كبيرة وضرورية لحركة التحرر وبرامجها، وبلا شك تفيد في الاعتبار من تداعياتها الخطيرة والانتباه منها، وتدفع إلى العمل على تحقيق مشروع تحرري وطني تقدمي، وكذلك الصحوة من الكبوات ومن تفريط الجهود والطاقات والانحراف عن الأهداف السامية بالانجرار وراء مخططات الاحتلال وأساليبه، ولا بد من معرفة أنجح السبل إلى النهوض والصمود وما يفترض أن يسهم في انجاز المهام والأهداف والأمل في التغيير الفعلي بعد كل ما جرى وحصل في الوطن والعالم".
بعد عشرين عامًا: ماذا أنجز للضحايا؟
لا بد من السؤال والإجابة المباشرة، بإعداد كل الأدلة والوثائق والاعترافات واعتماد ما صدر عن "فرسان" الغزو من شهادات مع إظهار الضحايا البشرية، الأعداد والأرقام، ومناشدة كل المنظمات الإنسانية التي واكبت الجريمة وعملت على فضحها، واللجان التي شكلت في عواصم العدوان، مثل لجنة تشيلكوت البريطانية، أو دراسات مكاتب البنتاغون، والدعوة للمحاكمة وإقرار العدالة.. وتطمين حقوق الشعب والوطن.
عشرون عامًا مرت على جريمة الغزو والاحتلال، وفي زلة لسان مجرم من مجرميها أنها كانت جريمة وحشية بشعة، وفي اعتراف مجرم آخر، بأن الجريمة سببت انقسامًا في مجتمعه وندم عليها، ولكن ما زال المذنبون دون حساب وعقاب. إن مصداقية أية محكمة ومنظمة حقوقية وتجمعًا بشريًا اليوم، تقف على محك إقرار الجريمة ومحاكمة المجرمين، التي لا يختلف عليها حتى من مرتكبيها..

وهنا الوردة… فلنرقص معا…!!

الأحد، 5 مارس 2023

ناجح المعموري والاسطورة في السرد العربي

 نجح ناجح المعموري، كاتبا اديبا وناقدا وباحثا في الاسطورة، والتراث القديم، منفردا في اختياره ومتجاوزا في مدخله عالما اسطوريا في الادب والتاريخ، واضعا بصمته في "تقشير" النص الادبي، والتراث الثقافي العربي، في الاسطورة وعالمها.. واصاب فاضل ثامر، الناقد الادبي المعروف، في قراءته لمؤلف المعموري، الاسطورة في السرد العربي الحديث،  وتقديمه له. ومقدمته شهادة اعتراف ثقافي وتميّز متبادل بين قدرتين نقديتين، قامتين بارزتين في المشهد الثقافي العراقي والعربي. فيكون الكتاب بمجمله نموذجا متفردا في قراءاته وتعبيره، بين نصه ونقده، بين مقدمته ومحتواه.

كتب فاضل ثامر: "ناجح المعموري، مجتهد شجاع، يمد اصابعه ومجساته النقدية داخل كثبان الماضي والمندثر ليستخرج لنا اللآليء الثاوية في القاع، وليعيد صياغة رؤية جديدة، ونصا كتابيا مغايرا" (ص6). واضاف:"كتاب الناقد ناجح المعموري "الاسطورة في السرد العربي الحديث" هذا، يندرج ضمن مساهمات نقدية جادة وعميقة في ميدان النقد الادبي الاسطوري، بدأها الناقد بمحاولة اكتشاف الانساق المغيبة والوصول الى الجذور الاسطورية الثاوية داخل النصوص الادبية والثقافية والدينية. وصرف الناقد جهدا كبيرا لتعرية وفضح ما تروج له وسائل الاعلام الايديولوجية الصهيونية عن توظيف النص التوراتي، كاشفا بشكل خاص عن الاصول السومرية والبابلية لهذا الفكر الاسطوري، والتي سرقها الكهنة اليهود اثناء اسرهم في بابل وادرجوها ضمن كتبهم واسفارهم اللاهوتية بوصفها اصيلة. ويمكن ان نشير هنا الى ما قدمه الناقد في هذا المجال من خلال مؤلفات مثل: "تأويل النص التوراتي" و"التوراة السياسي" و"ملحمة كلكامش والتوراة" و"اقنعة التوراة" و"الاصول الاسطورية في قصة يوسف التوراتي" وغيرها.."(ص6-7).

قدم الناقد فاضل ثامر في تقديمه للكتاب بحثا في ابداع الناقد ناجح المعموري، موضحا قدراته في قراءة الاسطورة وتقشير النص الابداعي، التراثي والمعاصر، مؤكدا على نجاحه في بحثه وقراءاته وتشريحه النقدي في عتبات كل كتاب يكتب فيه او عنه. فاكد: " ان الناقد ناجح المعموري لم يكن بعيدا ايضا عن ادراك حقيقة العلاقة بين الفكر البدائي والفكر الاسطوري وان الاسطورة  في المنظور ما بعد الكولونيالي هي شكل من اشكال مقاومة الهيمنة الكولونيالية بوصفها تمثل تاريخا للمنظور الاستشرافي" (ص9). "وانه ينطلق من فهم شامل لوظيفة الاسطورة، حيث يرى ان من خصائص الاسطورة تنوعها وتحقق استبدالات مهمة او ثانوية فيها، لانها نص متحرك في حركة الزمان والمكان، ولا تكرس الثبات (...) كما اكتشف الناقد اهمية الربط بين الاسطورة والتاويل والاستعمال الخارجي، (..) وان الاسطورة هي الحقل المعرفي المهم والخطير الذي سيظل منفتحا على التاويل لان الاساطير دائما ارض غنية وخص،بة، متعددة المستويات والطبقات" (ص10).

واصل الناقد فاضل ثامر في قراءته او بحثه ليستخلص ما انتجه المؤلف وما عمل عليه، "ومن هناك نخلص الى ان الناقد ناجح المعموري قد اعتمد في كتابه هذا، وفي الكثير من مؤلفاته السابقة مجموعة من الاليات  لاستنطاق النصوص الميثولوجية، منها ما اسماه بمفهوم "تقشير الاسطورة" والذي تبلور لديه، بشكل خاص اثناء قراءته لملحمة كلكامش". وختم المقدمة بتقييم نقدي للمؤلف مستندا على قراءته لمسيرته النقدية ومؤلفاته العديدة: "الناقد ناجح المعموري مجتهد كبير وشجاع خاض غمار حقول معرفية صعبة ومعقدة وشق له طريقا خاصا في التحليل والنظر والتاويل محاولا تحقيق هذا التوازن القلق دائما بين مقاربات النقد الادبي ومقاربات النقد الاسطوري، واغراءات الاستنارة باضاءات الانثروبولوجيا والسوسيولوجيا والسيكولوجيا والسيمياء والتاويل واللسانيات والايديولوجيا وغيرها، فكان بحق الناقد الذي كان" (ص13).

بحث التقديم تفاصيل الابداع النقدي في الاسطورة والتراث واساليب الربط والدراسة في تاثيراتها وتحليلها عبر دلالاتها وانعكاساتها في السرد العربي وتطورات النص الابداعي. واشار الى مصادر ثقافية لمبدعين اجانب في توصيف وشرح هذا النوع والاسلوب في اطار الاسطورة واغنائها للنص الجديد.

تناول الناقد ناجح المعموري في كتابه هذا قراءة نقدية معمقة لثماني روايات عربية، لخمسة روائيين، استخدموا روح الاسطورة او استدلوا باسلوبها ومقاصدها ودلالاتها. هي؛ رواية، ترمي بشرر للروائي عبدة خال، وثلاث روايات، للروائي احمد علي الزين، خربة النواح، والطيون، وحافة النسيان، ومقالان عن رواية عزازيل للروائي يوسف زيدان، ورواية جسر بنات يعقوب للروائي حسن حميد، ورواية صخرة طانيوس للروائي امين معلوف، في 202 صفحة من القطع المتوسط وبحرف صغير متعب للقراءة ومضغوط الاسطر، من منشورات دار المدى العراقية، صادر عام 2022.

اضاء الناقد المعموري في كتابه الاساطير التي تطابقت مع النص السردي عبر ابطال النص وشخصياته الرئيسية، او توازت عمليا مع تراثها الاسطوري وحكايات الدلالات ومعانيها التراثية والمعاصرة. وحلل الرموز التي استفاد منها الروائي او سعى اليها في اثراء نصه وسرديته في معالجة الكتابة الروائية فنيا. وفي الواقع كشف الناقد هنا مخزونه الشخصي واطلاعه العميق في عالم الاساطير والميثولوجيا ودلالاتها ومعانيها ومحمولاتها الثقافية والفنية وارتباطاتها اللغوية والتراثية بالواقع الفني وسرد مؤلفه له. واشار لكل ذلك في دراساته النقدية، ومنها رواية الروائي حسن حميد، ابتداء من العنوان: البلاغة الاسطورية في رواية بنات جسر يعقوب. "وانا في هذه القراءة النقدية لرواية جسر بنات يعقوب للقاص حسن حميد غير معني بما كان عليه الاسم  كاستعارة اصل، بل مهتم بما ينطوي عليه من معلومات ثقافية/ اسطورية/ دينية/ فيها طاقة كبيرة للاختزال، ويظل الاسم كما في هذه الرواية معبأ بشحنات ممنوحة له من الاستعارات الاولى ولابد للقراءة النقدية من الاستجابة لها والخضوع لسياقها البنائي والفني/ والفكري، حتى يجد القيمة الدلالية المتبدية في الاصول" (ص 180). وراى ان الروائي في قراءته لرواية "صخرة طانيوس"  منح للتاريخ صوتا، مثلما اعطى الاسطورة روحا تحتاجه، وتمثل صوت التاريخ بالجد الغائب وبالرجال الذين عاصروا او سمعوا بتفاصيل الحكاية" (ص 195).  ملاحظا ان الروائي في اغلب الروايات التي درسها اعتمد على اسلوب المخطوطة الناريخية والاستناد على يوميات تاريخية او رقوق ونصوص اثارية، تبرز فيها روح الاسطورة ودلالاتها التي فككها الناقد في مقالاته. حيث ركز على دور الاسطورة او رموزها ودلالاتها في السرديات الموضوعة للدراسة. اذ اشار في رواية "ترمي بشرر" الى ان "ما يحصل في الحي والقصر من علاقات جديدة كان للسيد دور بارز فيما هو حاصل من اساطير وغرائبيات في الحياة، اساطير سجلت موت وولادة ثقافية جديدة، لا علاقة لها بالتكونات الاولى للافراد" (ص18). يسردها الروائي خلال حكايات متداخلة محكمة ومغذية للحكاية المركزية، مستخدما الرموز وتعبيراتها، كالمطر والماء والخضرة والمرأة القربان، المضحية دائما، وتفسيراتها كعناصر نظرية الخيال الباشلاري، وتطوراتها او اهتماماتها الرئيسية في الجنسانية او في ثقافات البداوة والمقابر والماء وما يجري فيها من عقائد وطقوس خاصة، تمنح الروائي قدرات في انتاج الحكاية واسطرتها، عبر فضح التناقضات القائمة بين المقدس والمدنس، بين الواقع ومشاهده المتعددة وامتداداتها التاريخية، او البناء عليها في معمار الرواية.

قراءات الناقد للروايات بمنهجه المتميز وتركيزه عليه اغنى السردية العربية، او قدم كشفا لقدرات الروائي في استخدام الرموز الاسطورية وربطها باسلوب الكتابة ودلالات المعنى والتشويق في النص السردي. مشيرا الى ان "الاسطورة حاضرة في خربة النواح، اسطورة اليومي المعروف والاسطورة ذات الاصول القديمة. لا تتضح هوية الشيء الا عبر اسطورة خاصة به مثل الاسطورة التي حازت عليها تلة الغياب" (ص76). حيث ر أى الناقد ان "تحول الغياب الى اسطورة جمعية، استمرت بالتداول فترة طويلة، ولان الجماعة لا تقوى على البقاء بدون تخيلات وتصورات لذا فانها تستمر بانتاج الاساطير كجزء من حيويتها واصرارها على البقاء"(ص77). مواصلا تفكيك توظيف الروائي للاسطورة ومبيّنا استمرارها في النص والتعويل عليها في اتمام مشروع الروائي في سرديته، في اكثر من نص باختلاف المضمون والاسماء والرموز. موضحا مثلا "في رواية (الطيون) ملامح كثيرة جدا لا تتشابه مع غيرها، وهذه اهم ملاحظة حول طريقة الكتابة والتحايل على معلومات السرد وعلى حقائق الذاكرة" (ص126). بينما لاحظ "ان رواية (حافة النسيان) سياسية، هيمنت الايديولوجية على تفاصيل الحكي"(ص132). ولكنه اشاد بنجاح الروائي في توظيف اليوتوبيا واستثمار امكاناتها الغرائبية. كما حصل في دراساته الاخرى ونقده لقدرات كتاب الروايات فيها من خلال العمل الفني ومراجعات التاريخ والتراث الشعبي والتداول الواسع.

سجل الناقد في دراساته المنشورة في الكتاب ملاحظات نقدية، فنية وثقافية، وعرض امكانات الاسطورة في اغناء النص وشخصياته والتحايل عبرها عن المباشرة او المواجهة للوقائع اليومية او للواقع المكشوف الذي قد يتيه القاريء في تحولاته او سرده. وفي القراءة والنقد وتحليل النص قدرة مستمدة من اطلاع واسع على التراث وعالم الاسطورة وتخصص معرفي معمق وطاقة مكتنزة، تسربت في ثنايا الكتاب.

الأحد، 12 فبراير 2023

زلزال الضمير الإنساني

 زلزلت الأرض زلزالها في جنوب تركيا وشمال سورية، في المدن الحدودية بين البلدين، وكان زلزالا كبيرا أحدث كارثة إنسانية لم تشهد مثلها المنطقة منذ سنين. الخسائر البشرية كبيرة فضلا عن الخسائر المادية، مدن انهدت مبانيها على سكانها، في ظروف مناخية قاسية أيضا. السلطات لم تكن متهيئة للإغاثة المطلوبة في البلدين.

في سورية تعكس الصعوبات وجها للعقوبات المفروضة واستمرارها.. الأرقام عن الضحايا تزداد كل ساعة، لا يعرف مداها اليوم. ولكن الصور المباشرة التي تقدمها الفضائيات تشرح الكارثة وتكشف زلزالا مصاحبا في الضمير الإنساني، عراه أمام الجميع وفضحه ما مورس فعليا أمام المأساة، الكارثة البشرية خصوصا.

خارطة الطائرات التي نشرت أخبارها لأرسال مساعدات للمنكوبين في تركيا ولم يرَ مثلها في سوريا، وجميل ِمن مَن رسم قلوب حب مرسلة الى الشعب السوري على الخارطة، مقابل طائرات الغرب وبعض العرب المتسابقة في تعرية نفسها واعلان ذاتها.

بكل الأحوال كشف زلزال الطبيعة زلزالا في الضمير الإنساني، لمن زعم بملكيته في الإعلام والتكاذب اليومي وغسيل الأدمغة المتسابقة مع آلام الكارثة وادعاءات البكاء على الضحايا أو صور مأساتهم الموزعة في وسائل الإعلام المختلفة، ولا سيما الناطقة باللغة العربية وأسماء أصحابها مرسومة على طائرات المساعدات التي وصلت تركيا وحدها دون أي خجل أو ادعاء ضمير مضمر فيها، والتركيز عليها فقط دون إشارة لأي مساعدات أخرى من بلدان أخرى..

حجج بعض من تلكأ أو ناور أو عبّر عن ازدواجيته المعروفة به، قرارات العقوبات الغربية الاحادية على سورية، والتي للأسف لو توفرت محاكم دولية عادلة ومستقلة لحكمت على هذه القرارات وأصحابها بجرائم الحرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، وهي تنتهك القانون الدولي وحقوق الانسان ومواثيق المنظمات الدولية. فلا حجة أمام الكارثة، ولا سبب أمام طفلة تحمي رأس أختها تحت ركام بيتها، ولا مبرر أمام طفلة لم تجد أهلها معها في مستشفى مكشوف، وتتوالى الأيام ولم يتحرك لهؤلاء الذين تفرجوا على الكارثة موضع.. ستبقى وصمة عار كبيرة على وجوههم ومن يصمت عليهم.

لا وقت للتفرج أمام الكارثة الإنسانية.. لقد زلزل الزلزال الطبيعي الضمير الإنساني وأصبح الأمر محكا له ولمن يزعم به.

كل الفخر بكل من هزه ضميره وتحرك بأي شكل لمساعدة منكوبي سورية الآن بعد ما حصل وجرى أمام الجميع.. وكل التقدير لمن هزته الكارثة ووقف مع المنكوبين حتى ولو بالكلمة..

وأمام كل ما نرى، لما حصل من زلزال طبيعي في تركيا وسورية، وما تعقبته من هزات حصدت أعداد ا غير قليلة من البشر والحجر.. ومن ازدواجية معايير وأخلاق وممارسات، من أصحاب القرار السياسي والحكم في كل البلدان، تصبح المطالبة بزلزال شعبي يحدث مقابلا في رفض قرارات الحصار والعقوبات ومحاكمة المصرين عليها أو المروجين لها وفتح كل الفرص والحدود والمجالات أمام المساعدات والدعم والتضامن وانقاذ الضمير الإنساني..

إنها ساعة الاختبار.. زلزال شعبي يهز الضمير الإنساني ومحاكمته في الواقع والتأريخ.


الثلاثاء، 24 يناير 2023

في المسألةِ القوميّة... رؤيةٌ جديدة

ما تزالُ المسألةُ القوميّةُ في الوطن العربي موضعَ بحثٍ ودراسةٍ ومحاولاتِ تطويرٍ وتحديث، للمفهوم وعوامله وللمصطلح وتكونه. ولهذا تكونُ إضافةَ رؤيةٍ جديدةٍ للعنوان، لها موقعها في القراءة والتجديد المنشود لفهم المسألة القوميّة، وتعريفها الصحيح والمعبّر عنها واقعيًّا وملموسًا، والسؤال الحاضر: لماذا رؤيةٌ جديدةٌ في المسألة القوميّة؟

تتفرّعُ الإجابةُ عن السؤال، إلى موضوعين، الأوّل يتعلّقُ بأداة الاستفهام، لماذا، وما تعنيه أو تتطلّبه الإجابة لما بعدها، من تحليلٍ وتقديرِ موقف. والثاني، يتطلّب قراءةً تاريخيّةً سريعةً أو استعادةَ مؤشّراتٍ ونقاطٍ دالّةٍ لعقودٍ قريبةٍ من الزمن، ولتكن من النصف الثاني للقرن الماضي، تقديرًا وتقريبًا. خاصةً تلك التي طرحت فيها تعريفات المفهوم وتطوير المصطلح في التعبير عن المسألة القوميّة، والصراعات الداخليّة بين التيارات الفاعلة في الأمّة ومراجعات بعضها أو مساعي العمل للخروج بما يخدمُ مشروعًا حضاريًّا نهضويًّا على أساس فهم الحاجة الملّحة للأمة للدخول في التاريخ الحديث كما يجب أن تكون عليه. لا سيّما وأن الواقع الحاضر للأمة يتصف عمومًا والوطن العربي بشكلٍ خاصٍّ بحالاتٍ من الأزمات العميقة والخيبات المتشعبّة والفشل العام في أغلب القضايا، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، رغمَ كلّ الثروات التي تتميّز بها الأمة والوطن، الماديّة والبشريّة. الأمرُ الذي يدعو دائمًا إلى رؤيةٍ علميّةٍ واقعيّةٍ بوعيٍّ استراتيجيٍّ وإدراكٍ مخلصٍ لبناء الأمة وإعمار الوطن وتجاوز العقبات والعراقيل القائمة، الكامنة والظاهرة، المخفيّة والمعروفة، العلنيّة والسّريّة.

تمثّلَ التعبير عن المسألة القوميّة منذ بدايات تلك الفترة بتناقض مواقف التيارات السياسيّة والفكريّة، النظريّة، ومواجهات بينها إلى حدود الصدام والقمع والتصفيات، باسم الشعارات والمفاهيم التي ضاعت فيها حدود الخطاب النظري والممارسات العمليّة، في جانبيها الأيديولوجيّ والحركي، ال قطر يّ والقوميّ، المناطقي والإقليمي، مشرقًا ومغربًا، حتّى باتت التناقضات بينها حادة، داخل التيارات وبينها.

كتب ساطع الحصري (1879- 1968) العديد من الكتب والمقالات، وهو من بين الأبرز ممن أسهم نظريًّا في الكتابة والتعريف حولَ القوميّة العربيّة، وما هي القوميّة، والعروبة أوّلًا، والعروبة بين دعاتها ومعارضيها، وغيرها من العناوين المتقاربة منها، مقتنعًا بأسلوبه الحواري، ومنتهيًا في "كلمة ختامية في نتيجة الأبحاث، أن الوقائع والأحداث التي وصفناها وشرحناها، والنظرية التي استعرضناها وناقشناها، في مختلِف فصولِ هذا الكتاب، تؤدّي بنا إلى تقرير الحقائق التالية:

أنّ أس الأساس في تكوين الأمة وبناء القومية هو: وحدة اللغة ووحدة التاريخ، لأن الوحدة في هذين الميدانين، هي التي تؤدي إلى وحدة المشاعر والمنازع، ووحدة الآلام والآمال، ووحدة الثقافة... وبكل ذلك، تجعل الناس يشعرون بأنهم أبناء أمة واحدة، متميزة عن الأمم الأخرى" (يراجع كتاب الحصري، ما هي القومية، نسخة الكترونية ص 210).


وأضافَ لما سبق في كتابه الآخر، حولَ القوميّة العربيّة، ما يلي: "ولكن لا الدين، ولا الدولة، ولا الحياة الاقتصاديّة تدخلُ بين مقومات الأمة الأساسية. كما أن الرقعة الجغرافية أيضًا لا يمكن أن تعتبر من المقومات الأساسية" (حول القومية العربية، ص44).

ترك هذا التعريفُ نقاشًا واسعًا في الأوساط المعنيّة بالمسألة أساسًا، واستعرض هو ما ورد في الكتابات والدراسات الغربيّة بتوسعٍ وإضافة، ووقع في تعصّبه لها في حالاتِ القطع والتناقض مع غيره، حتى في الوطن العربي. فنشر الحصري مثلًا تعريفاتٍ ومواقفَ عديدةً لكتّاب ودارسين غربيين عن القومية والأمة. واستشهد بقول مانتشيني، الأستاذ في جامعة تورينو، الإيطالية، من خطابٍ له ألقاه في عام 1851، حيث عرف الأمة بما يلي: "الأمة مجتمع طبيعي من البشر، يرتبط بعضها ببعض بوحدة الأرض والأصل، والعادات، واللغة، من جراء الاشتراك في الحياة وفي الشعور الاجتماعي" (ص35). وعرض كثيرًا من آراء أخرى تصب في الاتجاه نفسه وظل مواصلًا نقاشاته أيضًا، ونقل رأيًا "للمفكر الألماني الشهير ماكس نورداو عبر عن رأيه في الفكرة القومية بصريح العبارات وأجسمها، حيث قال: "إن الذين فقدوا البصيرة، هم وحدهم يزعمون أن الفكرة القومية، هي من الآراء الطارئة التي لا تلبث أن تندثر، مثل اندثار الموضات" (ص22).

ظلَّ الموضوعُ متداولًا تقليديًّا وفي نقاشٍ وجدلٍ بين المهتمين به والدارسين لتطوراته نظريًّا وعمليًّا، وخلص علماء اجتماع غربيون وشرقيون، في تسعينات القرن الماضي إلى تعريف بنديكت أندرسون للأمة بأنها: "جماعةٌ سياسيّةٌ متخيّلة"، وليست خياليةً. وبنظرةٍ روحيّة، أكّد: أن الانتماء لقوميّةٍ ما، أو كما يفضل المرء أن يعبّر عنه بالنظر إلى تعدّدِ دلالاتِ هذه الكلمة: الاندماج في أمةٍ إضافةً إلى النزوع القومي، هي منتجاتٌ ثقافيّةٌ من نوعٍ خاص، ولكي نفهمها على نحوٍ صحيحٍ فإنّنا بحاجةٍ إلى أن نبحث بعناية كيف ظهرت إلى الوجود تاريخيًّا وبأي سبل تغيرت معانيها عبر الزمان، ولماذا تحظى اليوم هذه الشرعية الوجدانية العميقة (ينظر كتاب: علم اجتماع القومية، ديفيد ماك، ترجمة: سامي خشبة، نسخة الكترونية، ص 25).

هذه التعريفاتُ المتقاربة، التقليدية أو حتى الكلاسيكية تتطابق بعمومها مع وضع الأمة العربية، لغةً وتاريخًا، ويضاف لها أرضًا وعقائد دينية متعايشة، ومقومات اقتصادية، ومصالح مشتركة، وأهدافها جامعة، في المشاعر والتواصل والآمال، لكنها تفتقد إرادات حاسمة من أبنائها لوضعها على السكة المطلوبة من التقدم والتطور على الأصعدة المختلفة، إنسانيًّا واقتصاديًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، وتتجاوز التخلف والتفاوت والانحطاط الذي يفرض عليها. وأخذ بهذه الآراء عددٌ ممن خلف الحصري اهتمامًا بالمسألة، ومنهم من واصلها نظريًّا، ومنهم من حاول تطبيقها ولكن بعضًا من دعاتها مارس تناقضًا لها وخلافًا للشعارات التي رفعت باسمها، وعكس عمليًّا وعيًا متخلفًا وجهلًا مركبًا وأساء حتى لمصطلحها حسب تجربته المرة وفهمه لمشروعها ودورها ومكانتها التاريخية.

 ليس دعاة المسألة القومية وحدهم من انشغل بها وخالفها، فقد شغلت بال الماركسيين نظريًّا وعمليًّا، كما تحدّث الدكتور هشام غصيب في ورقةٍ بحثيّةٍ له، "إذ تناولها ماركس وإنغلز بإسهابٍ وبخاصةٍ في سياق ثورات 1848 التي عمت القارة الأوروبية برمتها. وركزا على علاقة القوميات والحركات القومية بالثورة الاجتماعية. ثم عادا وتناولاها في سياقٍ آخر، متسائلًا ما هي الأبعاد التي تركز عليها النظريّة الماركسية في تناولها المسألة القومية؟

إنَّ النظريّةَ الماركسيّةَ نظريّةٌ تاريخانيّةٌ ومن ثمّ فإنّها لا تعترف بالمطلقات والجواهر الثابتة وإنّما تعدّ كلّ شيءٍ متغيّرًا وفي صيرورة، وهذا ينطبق على الأمة والقومية أيضًا. لذلك فهي معنيّةٌ بالإجابة عن أسئلة كالآتية: كيف تنشأ الكيانات الاجتماعية التاريخية التي نسميها الأمم؟ وهل تنشأ جميعًا بالكيفية ذاتها وتحت الظروف ذاتها؟ وكيف تتطور وتهيمن على بعضها وتتراجع وربما تتفكك وتندثر؟ وكثير من الأسئلة". وهو ما تبيّن في الصراعات بين التياريين البارزين، القوماني والماركسوي، في الأمة في فهم المسألة القومية ودورها في التحرر الوطني والكفاح السياسي، ويقدم دروسًا وعبرًا لا مفرَّ من الاعتبار منها وبها وتطويرها إيجابيًّا في بناء الرؤى الجديدة.

 تتعارضُ التيّارات السياسيّة والفكريّة العربيّة في الوطن العربي، وهو ما أشرنا له من وقوعها في التناقض والصراع بين الأهداف والشعارات والبرامج وتجسيدها على أرض الواقع، عاكسةً فشلًا كارثيًّا وانكسارًا حادًّا في الوعي العربي وتخلّفًا في إدراكه وفهم عوامله والبحث عن سبل التغيير والتجديد، طيلة العقود الأخيرة، ولفترةٍ ليست قليلة، ختمته أغلب إدارات تلك التيارات بالوقوف أمام إعادة الاحتلالات الإمبرياليّة لبلدان الوطن العربي, وتوفير الأسباب والطرق لها، وتعميق التفاوت الطبقي والاجتماعي، وتبذير الثروات وتدمير الطاقات، وتهافت أطراف منها على التنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني وتصفية القضية الفلسطينية واقعًا والتلهي بالتكاذب الإعلامي وشراء الذمم والعقول.

بوضوحٍ أكثرَ وبروحٍ نقديّةٍ واعيةٍ واستمرارًا للكتابة النقديّة، التنظير الفكري والسياسي للمسألة القومية، طرح ياسين الحافظ (1930- 1978) مشروعًا فكريًّا متجدّدًا، دعا فيه حسب قراءة دكتور عبد الله تركماني، في دراسةٍ له عنه، إلى الارتفاع من مستوى المشاعر القومية العربية إلى بناء الأمة، بما ينطوي عليه ذلك من أساسٍ ديمقراطيٍّ لهذا البناء. وأضاف تركماني: لقد أمسك الحافظ بمفهوم التأخر التاريخي للمجتمع العربي، الذي يتجلى سياسيَّا بغياب الرأي العام وبكونه صاغرًا وعزوفًا، ويتجلى اقتصاديًّا بكون الاقتصاد العربي مندلقًا نحو الخارج وتابعًا، ويتجلّى اجتماعيًّا بسيطرة بنى اجتماعيّةٍ ما قبل قومية (طائفية، عشائرية، عائلية، محلية..)، ويتجلّى فكريًّا بسيطرة فكرٍ تقليديٍّ تمتدُّ جذوره إلى العصر الوسيط. لذلك فهو ينتقل من نقد "السطح السياسي" إلى نقد "العمق الاجتماعي" الذي يصوغ الحيز السياسي ويفرزه. وحرر الخطاب القومي من البلاغية المترهلة، وأنقذ الماركسية العربية من ضيق العبارة والأفق وتكلس الصيغ، حين استعاد روحها النقدية، بوصفها سؤالًا مشرعًا ضدّ الثبات والسكون والامتثال والعقائدية المنغلقة على نفسها.

إن الرؤى المتعددة التي تقدمت في توصيف المسألة القومية، سواء التقليدية منها أو التجديدية، المحسوبة على اليمين القومي أو اليسار الديمقراطي بقيت في أدراج المكاتب ورفوف الكتب فقط، وتركت الأوضاع العربية بمختلف مستوياتها تنحدر إلى درجاتٍ كارثيّة، أضافت لها ممارسات دعاة القومية التقليدية اليمينية تشريع أبواب الاحتلال الغربي من جديدٍ للوطن العربي والعمل بإصرارٍ على تصفية القضية الفلسطينية قضيّةَ تحرّرٍ وطنيٍّ مركزية، وركن أساس لقضايا التحرر الوطني والقومي في أغلب البلدان التي أعيد احتلالها إمبرياليًّا بأشكالٍ مختلفة، سواءً بالتخادم السياسي المباشر وغيره أو بالقواعد العسكرية وتنفيذ المخططات التآمرية بالضد من المصالح الوطنية والقومية.

المسألةُ القوميّةُ بحاجةٍ ماسةٍ وعاجلةٍ وضروريةٍ الآن إلى رؤى جديدةٍ تبدأُ من وعي واقع الأمة والوطن، من خلال تحليلٍ ملموسٍ للواقع الملموس، والعمل على استنهاض الطاقات الكامنة، البشرية والماديّة والمعنويّة، وتوحيد كفاح الساحات وتنسيق كلّ جهودها وتحديد الأهداف ومدياتها وتجديد الشعارات، بما يوازي المتغيّرات الدوليّة والتطوّرات العالميّة والثورات العلمية الراهنة، وتمتين الجبهات، السياسية والفكرية والثقافيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، واعتبارها قوّةً قادرةً على الإنجاز والتقدّم والتنمية والتطوّر، مع اعتبار الأزمات وتصاعدها والانتباه للمعوقات وآثارها ومجابهة التحديات وتداعياها، شرطًا رئيسيًّا للنهوض والتغيير.

الخميس، 12 يناير 2023

المشهد السياسي في العراق: من الانسداد الى التدوير..

تعمم مصطلح "الانسداد السياسي" على فترة غالبت العامين في تاريخ العراق القريب، (استمرت من اواخر عام 2019  وتصاعدت بقوة بعد انتخابات تشرين اول/ اكتوبر 2021) بعد حراك شعبي واسع في المدن العراقية، وسط وجنوب والعاصمة، اسقط حكومة معيّنة (حكومة عادل عبد المهدي) وجاء بحكومة اخرى (حكومة مصطفى الكاظمي)، مؤقتة، كلفت بمهمة اجراء انتخابات وتنفيذ مطالب الشعب بالاصلاح وربما بالتغيير. واصبح الانسداد السياسي عبئا ثقيلا على الجميع، الكتل السياسية وقواها المتنفذة والشارع السياسي ومؤسسات الدولة التي تحمل اسما لها دون معناه الحقيقي، مجلس الشعب، البرلمان، مؤسسات الرئاسات، او السلطات، حتى القضائية والصحافة واضرابها. وحصل هذا الانسداد او ما اطلق  عليه كذلك بسبب فشل من تصدى للعملية السياسية التي تشكلت بعد غزو واحتلال العراق عام 2003  في ادارة الدولة وبنائها بما يخدم الشعب ويحمي الوطن، بينما نجحت الادارات التي احتلت العراق في هندسة ما يجري حاليا، ضمن خططها في مرحلية التدمير والخراب، من التقسيم المكوناتي الى التشطير الاثني والطائفي والجغرافي للعراق والى منهجية المحاصصات وتكريس سياسات الفساد والافساد والزبائنية والرهانات التخادمية مع المشروع الرئيس للاحتلال والاختلال في العراق.

 شيوع الطابع المحاصصاتي، الاثني والطائفي، على العملية السياسية، مهدت له او خططت إدارات الغزو والاحتلال للعراق له، ووضعته في اطار مشروعها في تفتيت الشعب العراقي و"أقلمة" الوطن، بالعمل على تقسيم المقسّم وتجزيء المجزّأ، في ظروفٍ مركّبة وحالات معقّدة، اختلطت فيها الأوراق وتباينت فيها المواقف وغابت الرؤى السليمة وآفاق العمل الوطني لبناء دولة قانون، وإصلاح ما حل بالوطن والشعب من نكبات لا توصف طيلة العقود الأخيرة من القرن الماضي، وامتدادا لما مرَّ به من بعده. واستمرّت هذه الأحوال، بل وتدهورت نحو الأسوأ، مما كانت عليه تحت شعارات وبرامج لا تخدم المصالح الوطنية ولا تعد بأفضل مما كان، وأدّت تلك الإدارات وأجهزتها والمتخادمون معها، في الداخل ومن الخارج، أدوارا خطيرة فيها، سرا وعلنا. وصولا الى فترة الانسداد السياسي والتهديدات بسيناريوات خطيرة، وصلت حد النزول المسلح للشارع و"احتلال" بناية مجلس الشعب والمنطقة التي تسمى خضراء، وتتواجد فيها السفارات الاجنية، وخاصة سفارات الدول الغازية والمحتلة، ومنها اكبر بناية لسفارة امريكية في العالم الى حد الان، ودوائر الدولة المركزية الرئيسية. وكادت تتحول الامور الى السيناريو المخطط له كمرحلة محسومة لمراحل المخططات الغربية للعراق، مرحلة الحرب الاهلية، الداخلية، حرق الاخضر واليابس. هكذا وصلت الامور الى الحافة، وتحقق شعار الاحتلال الرئيسي، الصدمة والرعب. واصبحت تلك الايام والاحداث نقطة فاصلة في تاريخ العراق.

مقارنة التحولات والتطورات منذ الغزو والاحتلال عام 2003 وحتى اليوم، تقدم نتائج سلبية، ومخيبة لآمال الشعب وانتظاره الطويل. لا آفاق مثمرة فيه ولا مصالح حقيقية ترتجى منه، وكل ما يمكن الإشارة إليه في ما يقارب العقدين من الزمن لا يعطي ما يؤمل أو يرتجى، فالواقع يسير من سلب إلى آخر: لا خدمات أساسية ولا قانونا يحترم ولا إعادة بناء بمنجزات تسجل، بل تكرست آفات جديدة، تلخصت بالمحاصصة الدينية والطائفية والعرقية، وشيوع الفساد والمحسوبية والزبائنية والمناطقية، والتهديد بعواقب ما يجري اليوم في المشهد السياسي. وإذا كانت مخططات المشروع الصهيو أمريكي/ غربي، قد تمكنت من تكريس تقسيم الشعب العراقي إلى مكونات "شيعة وسنة وأكراد"، وإلغاء أو تهميش هويته القومية والدينية، ووضعها ضمن أهدافها الأولى، مرحليا، وزرعها في الواقع السياسي، قانونا وعرفا، وتوثيق إدارته على أساسها، انتقلت إلى أهداف أخرى تتوازى مع ما سبق، كمرحلة ثانية، ولكن بشكل يزيد من المحنة ويعمق من الفتنة، حيث فعلت ما يؤمن لأهدافها وقائع أخرى، فتم تجزيء المكونات وتقسيمها إلى أطراف متصارعة، متنافسة، وصولا إلى متحاربة بينيا، داخليا، ومن ثم التوجه خارجيا، حسب المخططات، مع المكونات الأخرى، على امتداد مساحة الوطن وصناعة امكانات انطلاق شرارات منها خارج الحدود، إلى المنطقة لتأمين الأهداف الفعلية المرسومة منها والمتغافل عنها مصلحيا وذاتيا وغياب وعي حقيقي، كمرحلة ثالثة. ولعل تجميد اندلاعها بالسرعة الموجهة إليها يكشف عن وجود ضغوط تشترك في تخوفها من تداعياتها عليها وتأثيراتها على ما هو أبعد منها، إقليميا ودوليا، وعلى صعد مختلفة (مصادر الطاقة أبرزها) تعيش حاليا أوضاعا مؤثرة، فأصبح داخل كل مكون نزاع بين طرفين أو أكثر من طرف، يزعم تمثيل المكون، ويدفع إلى تأطير نفسه مقابل "ضده"، شريكه أو شقيقه، الداخلي متنافسا بقوة معه دون حسابات واقعية أو مصالح وطنية عامة، وحتى مصالح المكون نفسه. وكأن التطورات، ولاسيما الخلافات والصراعات، التي جمدت مؤقتا قدر نازل على الشعب، او هكذا اريد له، لعنة تاريخ دموي لم تتوقف. وتعبير عن فقدان الوعي الوطني والتاريخي في تحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية، والاستفادة من التجارب الشعبية ودروس التاريخ وبناء الدول.

لقد نتجت عن انتخابات تشرين" المبكرة" اسباب اضافية للانسداد، وما تلاها من تفاعلات وخطوات متناقضة بين القوى السياسية، التي فازت او خسرت موقعها في البرلمان، (وحصتها من كعكة السلطة، كما يعبرون عنها في حواراتهم المتلفزة جميعا) وما تنفذ منها قاد الى تلك النقطة السوداء في المشهد والناريخ. واخيرا كأن "ساحرا" حل العقد ورسم ضوءا ضعيفا في نهاية نفق الانسداد، حيث اقتنعت كل القوى السياسية بكارثة النهايات دون الوصول الى الحلول الدستورية والعودة اليها سبيلا مؤقتا على الاقل وتحمل مسؤولية استمرار العملية السياسية التي بنيت باشتراكها فيها. فتفككت التحالفات المؤقتة، (تحالف بناء وطن، بين التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، اعلى الفائزين بمقاعد برلمانية..) ومسمياتها وتشكلت تحالفات اخرى منها ومع الطرف الثاني في الكتلة الاكبر للمكون الاكبر في العراق، الاطار التنسيقي باطرافه الرئيسية وحلفائه من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وكتلة عزم ومستقلين، (والتحالف الجديد، تحالف ادارة الدولة، جمع اضافة الى الاطار وحلفائه، اطراف التحالف السابق ما عدا التيار، الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة) وبضغوط متعددة الاتجاهات والتوجهات والوسائل، اسهمت فيها انشغالات اكبر منها، اقليميا وعالميا، ودفعت سحر " الساحر" الى عودة جلسات البرلمان (من ممثلي كل الكتل والقوى السياسية التي اشتركت في الانتخابات المبكرة، عدا ممثلي التيار الصدري الذين تم سحبهم من البرلمان وتحريك الشارع السياسي بعده..)  و" انتخاب" او تعيين رئيس للجمهورية، عبد اللطيف رشيد، (يوم 2022/10/13) وقيامه بالادوار المرسومة له دستوريا، بتكليف رئيس وزراء، محمد شياع السوداني، مسمى من التحالف الاكبر وانجاز تشكيل مجلس وزراء بفترة مقبولة، تعويضية عن هدر الزمن والمسؤولية الوطنية، (نالت ثقة البرلمان يوم 2022/10/27)والبدء بما بعد تلك المرحلة الخطيرة. وطبيعي تاتي هذه الخطوات بعد تلك الفترة وستواجه تحديات وعقبات وملفات متنوعة،  تكررت في كل تغير او تشكل لحكومة وبرلمان اضافة الى التركة الثقيلة من اجراءات وتصرفات الحكومات السابقة، وخاصة المنتهية ولايتها، والتي ختمت عهدها بفضيحة سرقة القرن، وتفاقم الفساد المالي والاداري واستمرار نقص الخدمات العامة وتشوه هيبة الدولة واستقلالها السياسي.

أعلن رئيس الحكومة المكلف محمد شياع السوداني، مرشح الاطار التنسيقي وتحالف ادارة الدولة، عزمه تشكيل حكومة قوية. وأشار إلى سعيه لإجراء انتخابات محلية ونيابية. وقال السوداني في كلمة متلفزة، "تسلمنا تكليفنا بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة من رئيس الجمهورية عبداللطيف رشيد"، معلناً استعداده التام "للتعاون مع جميع القوى السياسية والمكونات المجتمعية، سواء الممثلة في مجلس النواب أو الماثلة في الفضاء الوطني، فالمسؤولية تضامنية يتحملها الجميع، من قوى سياسية ومنظمات مهنية وقطاعية ونخب وكفاءات وقادة رأي". واكد السوداني "لن نسمح بالإقصاء والتهميش في سياساتنا، فالخلافات صدعت مؤسسات الدولة وضيعت كثيراً من الفرص على العراقيين في التنمية والبناء والإعمار"، مضيفاً "هنا أعلن الرغبة الجادة في فتح باب الحوار الحقيقي والهادف، لبدء صفحة جديدة في العمل لخدمة أبناء شعبنا وتخفيف معاناته بتعزيز الوحدة الوطنية، ونبذ الفرقة، وشطب خطاب الكراهية". وأكمل "سأبذل قصارى جهدي في تأليف حكومة قوية وعازمة على تنفيذ أهدافها وبرنامجها من خلال تآزر القوى السياسية بترشيح شخصيات كفؤة ومهنية ونزيهة قادرة على إنجاز مسؤولياتها"، مؤكداً أن "انتظار شعبنا لهذه اللحظة المهمة قد طال كثيراً، وأثقل كاهله وزاد من معاناته، خصوصاً أبناء الطبقتين الوسطى والفقيرة اللتين كانتا الأكثر تضرراً خلال السنوات الماضية". وزاد أن "عملنا سيبدأ من ساعات التكليف الأولى وفق برنامج حكومي واقعي يتبنى إصلاحات اقتصادية تستهدف تنشيط قطاعات الصناعة والزراعة ودعم القطاع الخاص وتنويع مصادر الدخل ومعالجة الآثار البيئية والتصحر والتغير المناخي وحماية الموارد المائية".

في الخلاصة، هذه وعود ويبقى تنفيذها هو المحك، والمؤشر الى انفراجة من الانسداد عبر تدويره مؤقتا، والعزم على مواجهة الازمات المتوالدة منه، ولا سيما تقاسم المصالح وكعكة السلطة المكتنزة بالثروات التي اصبحت تعد بالمليارات وليس بالملايين من العملات الاجنبية، والايام حبلى.