الثلاثاء، 15 ديسمبر 2009

التدهور... عنوان حقوق الإنسان في العالم العربي

الجمعة 11/12/2009
لا جديد في الأمر. هذا هو عنوان حقوق الإنسان في معظم أنحاء العالم العربي، عاما بعد عام. التدهور أو المزيد من التراجع أو التحول من سيء إلى أسوأ في اغلب الحالات. أو هكذا تحاول منظمات دفاع عن حقوق الإنسان التعبير عنه في تقاريرها السنوية ونداءاتها وندواتها المستمرة. واغلب المنظمات كسبت شرعية العمل بعد جهود مضنية وتضحيات ومواجهات طويلة ضد المنع والقمع، خلال العقود القليلة الماضية، وهي تسعى لمجاراة صعود حركة حقوق الإنسان العالمية التي ارتفعت شعاراتها بين الشعوب عالميا رغم اختلاف ظروفها وشروط عملها ودورها. ولعل في إعادة التذكير والتنبيه له هو الجديد، وعسى ان يصبح من أوليات التغيير. وجود هذه المنظمات المدنية غير الحكومية، وبتسمية الدفاع عن حقوق الإنسان، في العالم العربي خصوصا، فرض نفسه على الحكومات وجعلها تحسب لها حساباتها، وتبذل هي جهودها أيضا في الحد منها أو في التنصل من مسؤولياتها في أداء مهماتها الأساسية كسلطات حاكمة. ومن بين وسائل أخرى في الخداع أو المساهمة فيه، استنساخ مثلها لتكون واجهة رسمية ترد بها على الضغوط الأجنبية لها في اغلب الأحيان أو حتى التباهي بها خارجيا. وهذه المطالبات الأجنبية تسقط هي الأخرى في التناقض المفضوح، حيث تمارس حكوماتها داخل العالم العربي سياسات الاحتلال وتشجيع النزاعات المسلحة وتفتيت الشعوب والبلدان، وتتحدث وسائلها الإعلامية والدبلوماسية وأمثالها عن حقوق الإنسان والإصلاح والديمقراطية، متغاضية عن قواعدها العسكرية وسجونها وجيوشها وكأنها رسل سلام وامن وحرية، وكذلك، من جانب آخر، تقوم هي بنفسها بتصنيع منظمات تحمل الاسم تمويها، وتشارك سوية في الخداع والتضليل عن أوضاع حقوق الإنسان، لاسيما في العالم العربي، وفي البلدان المبتلية بالاحتلال مباشرة. ومراجعة أعداد مثل هذه المنظمات ومصادر تمويلها يكفي توضيحا للغايات منها، فضلا عن توجهات إصداراتها وأنواعها والشعارات البراقة التي تتبجح بها.
أغلب التقارير والبيانات يشرح أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي عموما، حيث خلاصتها لا تسر الصديق ولا تغيظ العدو، أو هي تشير إلى أصابعه فيها بين فترة وأخرى، بين صمت عليها أو تستر لها أو ممارستها بنفسه، كما هو حاصل يوميا في البلدان المحتلة، مباشرة أو غير مباشرة. وإذ لا اختلاف في طبيعة حقوق الإنسان ولا تمييز فيها فان صورتها تعكس العنوان الذي يكاد الإجماع عليه مطلقا في الإجراءات الفعلية أو الواقع العملي، سواء في التشريعات والقوانين والإجراءات والتطبيقات الرسمية وغيرها أو في تجسيد الحقوق الأساسية للإنسان أو الإعلان العالمي وملاحقه وحتى المواثيق الإقليمية أو العقيدية بمواصفاتها المعينة وغيرها.... وهذه كلها تكشف مدى الانتهاكات فيها والتهرب من تحمل المسؤوليات أو تحديدها أو العمل على تجاوز تلك الممارسات المخلة بكل القواعد والقوانين والأعراف.
إذا كانت تقارير المنظمات الغربية تتصف ببعض المواصفات الخاصة بها ولأسبابها فان ما تحمله تقارير المنظمات العربية ونداءاتها تضع المسؤولية واضحة على السلطات التي تريد الإفلات منها أو التهرب من مهماتها وتغييب الأدوار الفاعلة فيها. وحتى بعيدا عن التقارير كلها فان الوقائع على الأرض العربية اليومية وتناقضاتها والصراعات الدموية فيها تقول بلسان فصيح معاني هذا التدهور المستمر وعدم التوقف فيه، لاسيما إذا أريد مقارنته بأي حال أخرى لعالم مجاور أو بعيد، منطلقا من الإمكانات والطاقات والثروات الموجودة في العالم العربي وحالة أوضاع الإنسان فيه، على مختلف الصعد والاتجاهات والمجالات.
أية نظرة إلى الحقوق الأساسية، وأولها الحق في الحياة والأمان الشخصي، تفضح ما يحصل من انتهاكات فيها، بدء من جرائم الاحتلال ودوره في النزاعات المسلحة، والتفجيرات الإرهابية، وانتهاء بالقوانين والإجراءات الرسمية الأخرى التي تتعارض مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وهذه حالة عامة في الأغلب الأعم في العالم العربي، إذ ان نسب القتل والتدمير والخراب والاعتقال والإعدام والتشريد والتهجير باضطراد دائم، خاصة في البؤر الساخنة في العالم العربي، وهي في اتساع مستمر وشامل أيضا.
وكذلك الحال بالنسبة للحقوق الأخرى التي يعاني منها الإنسان يوميا في عالم عربي زاخر بالثروات الطبيعية، ولكن للأسف يعد واقعيا من البلدان الفقيرة في الكثير من المجالات والحقوق العامة. من حق العيش بكرامة إلى حقوق السكن والتغذية والصحة والعمل والتنقل والتعلم وغيرها. ويشمل هذا الوضع حقوق المرأة والطفل وذوي الاحتياجات الخاصة واللاجئين والمهجرين، والأقليات القومية أو الدينية، بل قد يضعها موضعا محرجا في سلم الالتزامات القانونية الرسمية، في العديد من البلدان العربية، مما يعطي مصداقية اكبر لأعم التقارير الغربية، فكيف يكون الأمر بالنسبة إلى التقارير والنداءات للمنظمات العربية؟.
أما الحديث عن حقوق التعبير والتنظيم السياسي أو النقابي والتظاهر والإضراب والاحتجاج والمشاركة والانتخاب والترشيح فان المعاناة فيها كبيرة والنتائج قاسية، بل والتضحيات جسيمة في اغلب المناطق المشتعلة في العالم العربي، وحتى البلدان الأخرى. وما توضحه تقارير المنظمات المختصة في هذا الشأن وتصفه بمجازر الإعلاميين أحيانا شاهد صارخ عن هذه الحقوق وصورة الأوضاع بشكل عام. وهي حالة مكشوفة أو معلنة بحكم التطورات التقنية والثورة العلمية والفضائية التي تسلط الأضواء سريعا عليها، وعلى غيرها من الأوضاع التي تحدثت عنها التقارير العربية لأغلب المنظمات الحقوقية والمدنية بموضوعية ومصداقية عالية وحرص وطني وقومي وقانوني. منطلقة من قاعدة معروفة، تؤكد ان أشعة الشمس لا يغطيها غربال، فمهما حاولت السلطات العربية إخفاء أو الإفلات من المسؤولية والمحاسبة والعقاب من عواقب الانتهاكات الصارخة وممارسة العنف والتعذيب والعقاب الجماعي واستشراء الفساد المالي والإداري ونهب الثروات وحرمان الشعب منها والتسلط بالاستبداد والقمع والإرهاب الرسمي أو تشجيعه بأشكال أخرى، فان هذه الأوضاع المزرية لحقوق الإنسان واستمرارها يعود بالسلب عليها آجلا أو عاجلا، ولن تجني منها نفعا ولن يرحمها التاريخ. حيث "ما أكثر العبر واقل الاعتبار"!.