الاثنين، 7 ديسمبر 2009

وذكر ان نفعت الذكرى!

الجمعة 4/12/2009
في العاشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام، منذ صدوره عام 1948 تجري احتفالات بذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. الذي اقر وأصبح معروفا ومعترفا فيه، واعتبر، نظريا، منارا مرشدا لما بعده.. ولكن في التطبيق له يتغير الحديث عنه في كثير من الحالات التي تصل إلى حد التناقض معه أو لا تجتمع مع مضمونه بأي شكل من الأشكال، وان أكثر حكومات البلدان الموقعة عليه والتي قد تحتفل به لا تطبق أكثر مواده أهمية بالنسبة للحقوق العامة والمشتركة، وأبرزها حق الحياة، رغم ان كل مواده الثلاثين لا يمكن التصرف بها منفردة، كما دعت المادة الثلاثون منه. فهل يمكن الحديث عن ديباجته مثلا وما زالت جرائم الاحتلال ومعتقل غوانتانامو والسجون الأمريكية في أفغانستان والعراق وفلسطين المحتلة، مباشرة من قبل القوات الأمريكية أو بالنيابة عنها، وأساليب التعذيب الوحشية مستمرة فيها؟!، وهل يمكن إخفاء الدور الأوروبي في السجون السرية في البر والجو والبحر، واستخدامها للتعذيب والانتهاكات الصارخة؟. وكيف يتحدث مسؤول حكومي عنه وحكومته لا تعترف بحرية التعبير والتنظيم وغيرها من الحقوق الأساسية لكل إنسان؟ ولماذا تتباكى عليه سلطات تمنع مواطنيها من حق الاختيار والعيش بكرامة على ارض أجدادهم والاستفادة من ثروات أوطانهم؟.
أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد اعتمادها للإعلان البلدان الأعضاء كافة أن تدعو لنص الإعلان و"أن تعمل على نشره وتوزيعه وقراءته وشرحه، ولاسيما في المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى، دون أي تمييز بسبب المركز السياسي للبلدان أو الأقاليم". وأوردت الديباجة ما يرد على الأسئلة السابقة ويطالب بوضعها في محلها الصحيح وتسمية الأمور بأسمائها ومنع الصمت عنها بعد كل ما جرى. فقد ذكرت الديباجة: " لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة. ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم. ولما كانت شعوب الأمم المتحدة قد أكدت في الميثاق من جديد إيمانها بحقوق الإنسان الأساسية وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء من حقوق متساوية وحزمت أمرها على أن تدفع بالرقي الاجتماعي قدماً وأن ترفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح. ولما كانت الدول الأعضاء قد تعهدت بالتعاون مع الأمم المتحدة على ضمان اطراد مراعاة حقوق الإنسان والحريات الأساسية واحترامها. ولما كان للإدراك العام لهذه الحقوق والحريات الأهمية الكبرى للوفاء التام بهذا التعهد. فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ إجراءات مطردة، قومية وعالمية، لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الأعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطانها".
إذاً أعترف بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وثيقة تاريخية، ومعيارا لقياس درجة احترام حقوق الإنسان، ومرجعية للمؤتمرات التي تعقدها الأمم المتحدة أو تشرف عليها. ومن ابرز ما ارشد به الاتفاقات الدولية التي صدرت بعده، مثل صياغة لجنة حقوق الإنسان لنصي الاتفاقيتين المكملتين له وهما:
- العهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية الصادر بقرار الجمعية العامة عام 1966 ونفذ في 3 كانون الثاني/ يناير 1976.
- والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر بقرار الجمعية العامة الصادر في 16 كانون الأول/ ديسمبر 1966 وبدأ تطبيقه في 23 آذار/ مارس 1976.
فصّل العهدان الدوليان المبادئ الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتم بهما استكمال الشرعة الدولية لحقوق الإنسان. وقد صدرا في صورة معاهدة دولية ملزمة للدول الموقعة عليها. وعلى هذا الأساس عدّا نقلة نوعية رفعت مكانة حقوق الإنسان علي الصعيد الدولي من مجرد قرار دولي في صورة إعلان عالمي غير ملزم إلى معاهدة دولية توافرت لها مقومات الالتزام القانوني.
استعادة مواد الإعلان والعهدين وقراءتها كل مرة يجري الاحتفال بالإعلان أو انتهاكه تفيد باستذكاره ومحاكمة الحكومات به. ولعل ما تذكره المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان (رغم بعض التحفظ على بعض نشاطاتها!)، كمنظمة العفو الدولية (امنستي، ومقرها الرئيس لندن)، أو هيومان رايتس ووتش (ومقرها الرئيس واشنطن) أو منظمة الصليب الأحمر ونظيراتها الأخرى، وغيرها من المنظمات الإقليمية والفرعية، من تقارير دورية ومختصة عن وضع حقوق الإنسان وعن الانتهاكات والارتكابات التي لا يمكن التستر عليها إشارات إضافية لما حصل لهذا الإعلان العالمي ومصداقية الحكومات التي وقعت عليه. والدافع لاستذكاره بشكل مستمر.
وكيلا يمر الاحتفاء به هذا العام كغيره، وتعطى فرصة أخرى للمنتهكين له، لابد من التذكير به مسبقا وبالشرعية القانونية وتطبيقاتها والمحاسبة على ضوئها، فعسى ان تنفع الذكرى. ومن المفيد الإشادة باقتراح سابق لمنظمة العفو الدولية، بإشعال شمعة في كل مكان وبيد كل إنسان، كي يكون واضحا وباعثا للأمل في احترامه وتنفيذه، كما يكون محفزا لإقرار ما صدر من بعده من قرارات دولية اعتمدت عليه أو اهتدت به وظلت في مكاتب الأمم المتحدة ومنظماتها دون ان تتحقق.
من نافل القول ان حركات الدفاع عن حقوق الإنسان مرت بمراحل متعددة وقدمت تضحيات جسيمة ويتوجب تقديرها وتثمين جنودها المجهولين باستذكارهم هذا اليوم. وبالتأكيد تاريخ حركات الشعوب الناهضة والمدافعة عن حقوقها تظل نبراسا يؤشر للآفاق المؤملة منها ودروسا للكفاح من اجل حقوق الإنسان.