الجمعة 20/11/2009
انقضى أكثر من عقدين من الزمن على محاولات ومخططات إسقاط جدار برلين، وتمكنها منه (قبل عشرين عاما) ومن تفكيك الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو ودوله، وصعود الولايات المتحدة الأمريكية قطبا وحيدا في إدارة العالم. وأية مراجعة موضوعية تؤكد أن تحطيم الجدار لم يكن عملا رمزيا وحسب، بل كشف كثيرا من المستور، لاسيما الرمز الذي يستخدمه الغرب عموما نموذجا في تعامله مع الأخر، غير الغربي. تفضحه الأحداث التي تمت أو التحولات التي أنجزت وتأثيراتها على عالمنا العربي والإسلامي خصوصا.
ابرز النتائج عالميا كانت وحدة الألمانيتين وتوسع الاتحاد الأوروبي إلى ابعد منه وانتشار حلف شمال الأطلسي شرقا، وإعلان نظام دولي جديد تتحكم فيه واشنطن ومن يدور في فلكها من الحكومات الأوروبية منتشية بانتصارها نظاما سياسيا وإيديولوجية فكرية. لاسيما اثر انهيار غير متوقع نظريا لجهود أكثر من سبعة عقود زمنية من البناء والتخطيط والعمل الذي أرسى تقدما مشهودا. أخفيت معالمه وكأنها لم تكن ملء السمع والبصر. تعرض "المعسكر الاشتراكي" خلالها وقبلها إلى صنوف من التخريب والتشويه والتآمر، وحتى بعد انتهاء فورة تحولات ما بعد الجدار، مما تسميه أبواق الدعاية الغربية بالثورات المخملية، وعودة الوعي، ومقارنة الأحوال والتطورات والتفاوت للناس والشعوب في البلدان ظلت الآثار المادية والمعنوية شاخصة ومؤثرة.
كانت وعود إنهاء الجدار تحمل في إغرائها تحولات عالمية نحو عالم جديد فعلا، خاليا من الدكتاتورية ومسمياتها ومن الاستغلال وعناوينه. بينما في الواقع العملي لم تتحقق ولم تنجز بل زادت العواقب من أمثال التسلح العسكري والتلوث البيئي والفقر العالمي والأزمات الاقتصادية والإرتكابات الاجتماعية وخرق القوانين الدولية والمعاهدات والاتفاقيات وغيرها من الفظائع والكوارث التي لحقت بشعوب وبلدان "العالم الأخر". وجعلت الحنين مشروعا وحتى العداء السابق اخف مما كان عليه عند تلك المجموعات التي قامت بتنفيذ تلك المشاريع دون دراية فعلية أو دراسة جدية للعواقب والنتائج التي تجري اليوم.
كان من المفروض أن يكون إسقاط الجدار درسا، لن يشجع احد على إعادة إنتاجه أو يسمح به، إلا أن تلك الحكومات التي أسهمت في إطلاق تلك الوعود، لم تر غير مصالحها المباشرة وتنكرت لوعودها أمام ما يجري في العالم العربي خصوصا بل وعملت على التغاضي والضغط باتجاهات معاكسة. وهذا ما حدث مع جدار الفصل العنصري الذي حكمت محكمة العدل الدولية ببطلانه وطالبت بإلغائه وهدمه، هذا العمل يفسر ما خفي وراء الحملات السابقة التي تبنتها حكومات الغرب ضد جدار برلين وتتعامى عن الجدار وتحاسب من يذكر به أو بحكمه. والأنكى طبعا، من جهة أخرى، انه صار نموذجا آخر يحتذى به رغم تعارضه مع الروابط والقيم والمواقف المعلنة والقضايا القومية المشتركة، ويفترض أن يرفض العرب والمسلمون أولا الجدار العازل وفكرته وغاياته، ولكن وللأسف الشديد، أعلن عن بناء جدران فاصلة بين بعض الدول العربية. وحتى إذا بررت أو فسرت مثل هذه الأعمال والتصرفات المتناقضة بين الدول والحكومات العربية لاختلافات تتسع بينها، فهل يصح ما يعلن أيضا عن بناء جدران محلية داخل المدن والبلدات العربية لمحاصرة إحياء وتفريق الشعب والتفتيت الدائم لمكوناته والإصرار على التجزئة والتشتيت؟!.
شنت الدول التي سعت إلى هدم جدار برلين حروبا متعددة راح ضحيتها الآلاف من البشر في وسط أوروبا، ومزقت دولة يوغسلافيا الاتحادية إلى إثنيات وطوائف لتتقاتل فيما بينها ولتقوم بعمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، بأسلحة تلك الدول ودعم قواتها وقرارات مجالس أمنها الخاصة والدولية. ولحقتها بجرائم احتلال أفغانستان والعراق انتهاكا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وحطمت كياني الدولتين أمام أنظار المجتمع الدولي ولم تعبأ بكل الاحتجاجات الشعبية التي غطت مئات المدن العالمية وسعت بعنجهية للهيمنة على ثروات الشعوب والتحكم بسياسات الدول والمناطق الأخرى. وهذا ما حصل فعلا وباعتراف مؤسسات الحكم والإدارات الغربية العديدة التي كشفت عنها بنفسها أو سربتها إلى الإعلام.
خلال العقدين الماضيين عاشت الشعوب العربية والإسلامية وحكوماتها ظروفا سياسية قاسية لم تتعظ منها وتعايشت مع كوارثها وكرست آثارها متجاهلة عواقبها وخصوصا ما يتعلق بأهدافها وحقوقها المشروعة. إذ جرى التفريط بحل عادل للقضية الفلسطينية وتركها تكابد أسوا مما كانت عليه قبل الجدار، ومازالت تعاني من احتلال عسكري وسياسي مباشر وغيره ولم تنج من الانتهاكات الصارخة للحقوق والثروات. ولم ترد التهديدات الاستعمارية بالتوسع الاستعماري الإمبراطوري.
مابرحت القوى التي تحتفل بسقوط الجدار هي نفسها من يساعد على بناء الجدران الأخرى في أنحاء العالم العربي والإسلامي خصوصا، إضافة إلى الجدران العالمية الأخرى، مثل التغيير المناخي والجوع والحرمان والاضطهاد الإنساني، العرقي والطبقي، والبطالة والهجرة والإمراض والأوبئة والتصحر وغيرها من الأسباب الأخرى التي كانت أو تجددت أو ظهرت خلال العقدين المنصرمين، متسائلة أمام الأحلام الموءودة من إسقاط الجدار.
تساءل عديد من المحتفين الرسميين بسقوط الجدار في خطبهم أو مقالاتهم عن أحلامهم التي لم تتحقق وعن آفاق الصدمة التاريخية وعن حالات الحنين للعودة إلى تلك الأيام التي جربت خلف الأسوار كما كانت تطلق عليها في حينها وتروج لها ماكينات الإعلام الغربي. ومع خيبتهم لم يعتبروا بما حصل لغيرهم من كوارث ومآس قد تطول آمادها لعشرين عاما أخرى، وتلك طامة كبرى تبقى من جراء بناء الجدران وتحولها في حد ذاتها إلى مشكلة يجري التداول حولها وفيها فقط، لاسيما للشعوب والبلدان التي ابتلت بها دون اختياراتها أو دورها فيها. إلا أن الدرس الرئيس من كل ما حصل يظل في ضرورة التخلص، إنسانيا وقانونيا وأخلاقيا، من كل الجدران وخطط بنائها بإشكال أخرى، ولاسيما في عالمنا العربي، وهذا هو المطلوب الآن وليس بعد عشرين عاما أخرى.
انقضى أكثر من عقدين من الزمن على محاولات ومخططات إسقاط جدار برلين، وتمكنها منه (قبل عشرين عاما) ومن تفكيك الاتحاد السوفيتي وحلف وارشو ودوله، وصعود الولايات المتحدة الأمريكية قطبا وحيدا في إدارة العالم. وأية مراجعة موضوعية تؤكد أن تحطيم الجدار لم يكن عملا رمزيا وحسب، بل كشف كثيرا من المستور، لاسيما الرمز الذي يستخدمه الغرب عموما نموذجا في تعامله مع الأخر، غير الغربي. تفضحه الأحداث التي تمت أو التحولات التي أنجزت وتأثيراتها على عالمنا العربي والإسلامي خصوصا.
ابرز النتائج عالميا كانت وحدة الألمانيتين وتوسع الاتحاد الأوروبي إلى ابعد منه وانتشار حلف شمال الأطلسي شرقا، وإعلان نظام دولي جديد تتحكم فيه واشنطن ومن يدور في فلكها من الحكومات الأوروبية منتشية بانتصارها نظاما سياسيا وإيديولوجية فكرية. لاسيما اثر انهيار غير متوقع نظريا لجهود أكثر من سبعة عقود زمنية من البناء والتخطيط والعمل الذي أرسى تقدما مشهودا. أخفيت معالمه وكأنها لم تكن ملء السمع والبصر. تعرض "المعسكر الاشتراكي" خلالها وقبلها إلى صنوف من التخريب والتشويه والتآمر، وحتى بعد انتهاء فورة تحولات ما بعد الجدار، مما تسميه أبواق الدعاية الغربية بالثورات المخملية، وعودة الوعي، ومقارنة الأحوال والتطورات والتفاوت للناس والشعوب في البلدان ظلت الآثار المادية والمعنوية شاخصة ومؤثرة.
كانت وعود إنهاء الجدار تحمل في إغرائها تحولات عالمية نحو عالم جديد فعلا، خاليا من الدكتاتورية ومسمياتها ومن الاستغلال وعناوينه. بينما في الواقع العملي لم تتحقق ولم تنجز بل زادت العواقب من أمثال التسلح العسكري والتلوث البيئي والفقر العالمي والأزمات الاقتصادية والإرتكابات الاجتماعية وخرق القوانين الدولية والمعاهدات والاتفاقيات وغيرها من الفظائع والكوارث التي لحقت بشعوب وبلدان "العالم الأخر". وجعلت الحنين مشروعا وحتى العداء السابق اخف مما كان عليه عند تلك المجموعات التي قامت بتنفيذ تلك المشاريع دون دراية فعلية أو دراسة جدية للعواقب والنتائج التي تجري اليوم.
كان من المفروض أن يكون إسقاط الجدار درسا، لن يشجع احد على إعادة إنتاجه أو يسمح به، إلا أن تلك الحكومات التي أسهمت في إطلاق تلك الوعود، لم تر غير مصالحها المباشرة وتنكرت لوعودها أمام ما يجري في العالم العربي خصوصا بل وعملت على التغاضي والضغط باتجاهات معاكسة. وهذا ما حدث مع جدار الفصل العنصري الذي حكمت محكمة العدل الدولية ببطلانه وطالبت بإلغائه وهدمه، هذا العمل يفسر ما خفي وراء الحملات السابقة التي تبنتها حكومات الغرب ضد جدار برلين وتتعامى عن الجدار وتحاسب من يذكر به أو بحكمه. والأنكى طبعا، من جهة أخرى، انه صار نموذجا آخر يحتذى به رغم تعارضه مع الروابط والقيم والمواقف المعلنة والقضايا القومية المشتركة، ويفترض أن يرفض العرب والمسلمون أولا الجدار العازل وفكرته وغاياته، ولكن وللأسف الشديد، أعلن عن بناء جدران فاصلة بين بعض الدول العربية. وحتى إذا بررت أو فسرت مثل هذه الأعمال والتصرفات المتناقضة بين الدول والحكومات العربية لاختلافات تتسع بينها، فهل يصح ما يعلن أيضا عن بناء جدران محلية داخل المدن والبلدات العربية لمحاصرة إحياء وتفريق الشعب والتفتيت الدائم لمكوناته والإصرار على التجزئة والتشتيت؟!.
شنت الدول التي سعت إلى هدم جدار برلين حروبا متعددة راح ضحيتها الآلاف من البشر في وسط أوروبا، ومزقت دولة يوغسلافيا الاتحادية إلى إثنيات وطوائف لتتقاتل فيما بينها ولتقوم بعمليات تطهير عرقي وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، بأسلحة تلك الدول ودعم قواتها وقرارات مجالس أمنها الخاصة والدولية. ولحقتها بجرائم احتلال أفغانستان والعراق انتهاكا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وحطمت كياني الدولتين أمام أنظار المجتمع الدولي ولم تعبأ بكل الاحتجاجات الشعبية التي غطت مئات المدن العالمية وسعت بعنجهية للهيمنة على ثروات الشعوب والتحكم بسياسات الدول والمناطق الأخرى. وهذا ما حصل فعلا وباعتراف مؤسسات الحكم والإدارات الغربية العديدة التي كشفت عنها بنفسها أو سربتها إلى الإعلام.
خلال العقدين الماضيين عاشت الشعوب العربية والإسلامية وحكوماتها ظروفا سياسية قاسية لم تتعظ منها وتعايشت مع كوارثها وكرست آثارها متجاهلة عواقبها وخصوصا ما يتعلق بأهدافها وحقوقها المشروعة. إذ جرى التفريط بحل عادل للقضية الفلسطينية وتركها تكابد أسوا مما كانت عليه قبل الجدار، ومازالت تعاني من احتلال عسكري وسياسي مباشر وغيره ولم تنج من الانتهاكات الصارخة للحقوق والثروات. ولم ترد التهديدات الاستعمارية بالتوسع الاستعماري الإمبراطوري.
مابرحت القوى التي تحتفل بسقوط الجدار هي نفسها من يساعد على بناء الجدران الأخرى في أنحاء العالم العربي والإسلامي خصوصا، إضافة إلى الجدران العالمية الأخرى، مثل التغيير المناخي والجوع والحرمان والاضطهاد الإنساني، العرقي والطبقي، والبطالة والهجرة والإمراض والأوبئة والتصحر وغيرها من الأسباب الأخرى التي كانت أو تجددت أو ظهرت خلال العقدين المنصرمين، متسائلة أمام الأحلام الموءودة من إسقاط الجدار.
تساءل عديد من المحتفين الرسميين بسقوط الجدار في خطبهم أو مقالاتهم عن أحلامهم التي لم تتحقق وعن آفاق الصدمة التاريخية وعن حالات الحنين للعودة إلى تلك الأيام التي جربت خلف الأسوار كما كانت تطلق عليها في حينها وتروج لها ماكينات الإعلام الغربي. ومع خيبتهم لم يعتبروا بما حصل لغيرهم من كوارث ومآس قد تطول آمادها لعشرين عاما أخرى، وتلك طامة كبرى تبقى من جراء بناء الجدران وتحولها في حد ذاتها إلى مشكلة يجري التداول حولها وفيها فقط، لاسيما للشعوب والبلدان التي ابتلت بها دون اختياراتها أو دورها فيها. إلا أن الدرس الرئيس من كل ما حصل يظل في ضرورة التخلص، إنسانيا وقانونيا وأخلاقيا، من كل الجدران وخطط بنائها بإشكال أخرى، ولاسيما في عالمنا العربي، وهذا هو المطلوب الآن وليس بعد عشرين عاما أخرى.