الخميس، 22 أكتوبر 2009

المشهد السياسي في تونس: نموذج عربي رسمي

الجمعة 16/10/2009
بين فترة واخرى تقفز كلمة "الانتخابات" التشريعية والرئاسية معها ايضا على صورة المشهد السياسي في العديد من البلدان العربية، على اعتبار انها مظهر من مظاهر الديمقراطية. حيث يتامل المراقب ان تتواصل كما هي عليه في المعنى والمبنى لها، لا كما يعلن بعدها من تشويه وتزوير وضياع جهود واموال هباءا. في تونس يوم 25 من تشرين الاول/ اكتوبر الحالي تعقد انتخابات تشريعية ورئاسية، بدأ التنافس والتسابق في الترشح والمشاركة واعلان البرامج والدعاية الانتخابية على قدم وساق. وكأي بلد يشترك مع الحزب الحاكم او حزب الحاكم مرشحون اخرون من احزاب معارضة. وفي الوطن العربي القوى المعارضة لها اصناف او درجات، منها علنية رسمية مسموح بها، وهي على اصناف اخرى، أو لها خطوط أو هوامش محددة بها، ومعارضة سرية مناوئة ممنوعة من العمل السياسي العلني أو رافضة له بعقيدتها وطبيعتها، ولها اصناف ايضا، فمنها من تستطيع المناورة والتدخل العلني بواجهات متعددة تمرر عبرها مطالبها ومشاريعها السياسية، ومنها من تكتفي ببيانات تصدرها من السجون أو المنافي. وكلها تعتمد على قضايا الاقرار بالشرعية واحترام الدساتير والقوانين والتشريعات المعترف بها. وفي كل الاحوال فقراءة المشهد السياسي في تونس هذه الايام تعبر بامتياز عن نموذج عربي رسمي غالب.
حكم الرئيس زين العابدين بن علي (73 عاما) تونس منذ 1987، ويعتقد على نطاق واسع انه سيفوز بولاية رئاسية خامسة في هذه الانتخابات. وبدا حملته الانتخابية بالتذكير بالمنجزات التي حققها حكمه وانتشرت شعاراته واعلامه في الشوارع ووسائل الاعلام، بينما (حسب وكالة رويترز يوم 15/10/2009) عطلت السلطات حملة المرشح المعارض احمد ابراهيم (68 عاما) عن حركة التجديد وتحالفها، وحجزت بيانه الانتخابي، بعد ان بث التلفزيون المحلي خطابا له ناشد الشعب بالتصويت له يوم الانتخابات. وشارك معه معارضان آخران للرئاسة. وانسحب حزب وصمت آخرون وشجب وندد غيرهم.
بيانات المرشحين والمشتركين في عملية الانتخابات تعطي صورة للمشهد السياسي الحالي وتكشف التناقضات بين الشعارات والوقائع، بين واقع الحال وظروف الحملات، بين حقيقة الانتخابات والاهداف المنشودة منها. احد هذه البيانات استعرض الوضع: " إنّ بلادنا في حاجة إلى إجراءات عاجلة تنهي حالة الإنغلاق والتوتر وتحقّق انفراجا في الحياة السياسية وذلك بإطلاق سراح مساجين الحوض المنجمي وسن عفو عام وإطلاق الحرّيات العامة والفردية وتقنين (من القانون) الأحزاب المدنية الّتي تنتظر الحصول على حقّها في العمل القانوني ورفع التضييقات على المنظّمات المستقلّة. ونحن نعتبر أنّ هذه الإجراءات مدخل للإصلاح السياسي الشامل الّذي ينهي كل أشكال التسلط ويضمن علويّة القانون واستقلال القضاء ويعيد الثقة للنّفوس بمقاومة الفساد والمحسوبية و"الأكتاف"، ويحقّق الحكم العادل والشفافية في المعاملات ويؤمّن المساواة بين المواطنين، ويفتح المجال أمامهم للمشاركة في الشأن العام ويعيد لهم الأمل". ولخص بيان آخر:" إن أوضاع البلاد، كما يعلم كل تونسي وكل تونسية، تتسم بتراكم المشاكل التي يتحمل أعباءها بدرجات متفاوتة جل فئات الشعب- باستثناء أقلية تستغل مواقعها وقربها من مراكز القرار لتكديس الثروات بسرعة لافتة للانتباه على حساب الصالح العام. أما أغلبية التونسيات والتونسيين، فإنهم يعيشون حالة من الحيرة إزاء تواصل آفة البطالة لدى ما يقارب ثلث الشبان وتفاقمها لدى حاملي الشهادات العليا، وانعدام تكافؤ حظوظ التنمية بين جهات البلاد، وانحدار مستوى التعليم في مختلف مراحله، وتقلص إمكانيات العلاج والرعاية الصحية لأعداد متزايدة من العائلات، وضعف نجاعة وسائل مقاومة الفقر، وتآكل المقدرة الشرائية لذوي الدخل المتواضع، وغياب نظام جبائي عادل ينصف الأجراء وأصحاب الحرف وصغار ومتوسطي التجار والصناعيين، وتدهور الخدمات في النقل العمومي، إلخ. هذا إلى جانب دواعي الانشغال المشروع أمام هشاشة الشغل وتفشي نظام المناولة وظواهر التسريح الجماعي للعمال، وغير ذلك من المشاكل المتراكمة التي يتطلب حلها توجهات مغايرة للتوجهات الحالية ومعالجة مغايرة للمعالجة التي توختها السلطة حتى الآن".
اما المرشح الذي حرم بيانه من التوزيع المحلي فقد سجل في بدايته: "أتشرف بالتقدم إليكم بصفتي مترشحا إلى رئاسة الجمهورية من موقع المعارض الواضح والحازم والجريء، والمعارض المسؤول والرصين في نفس الوقت. أتقدم إليكم بعزم قوي على أن أعطي لهذه الانتخابات الرئاسية بعدا تعدديا وتنافسيا، وأن أعرض عليكم وجهة نظر أخرى في تشخيص مشاكل التونسيين ورفع التحديات التي تواجه بلادنا، وأن أطور بالحوار معكم مقترحات وحلولا تعبر عن آمالكم وطموحاتكم للعيش مرفوعي الرأس كمواطنين أحرار في مجتمع عادل. أتقدم إليكم وأنا واع مثلكم تمام الوعي بصعوبة الظروف التي تجري فيها الانتخابات، وبانحسار مجال المنافسة الحرة، وبغياب تكافؤ الفرص بين المترشحين. وإني أعول على وقوفكم معي وقفة حازمة ضد التصور المتخلف للانتخابات السائد لدى بعض قوى الشد إلى الوراء وسجناء عقلية الحزب الواحد، الذين يريدون إيهامكم بأنه لا يوجد أمامكم إلا خيار واحد، ويسعون إلى أن يجعلوا من هذه الانتخابات كسابقاتها مجرد تزكية وتبرير آلي لإبقاء الأمور كما هي عليه."
اشتركت اغلب بيانات وخطب وشعارات الاحزاب والشخصيات السياسية المشاركة في العملية السياسية في تونس في وصف الاوضاع بالصعوبات المتفاقمة والمختلفة على جميع الصعد ومعاناة الشعب منها ودعت الى الاصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي والحضاري والمساهمة في البناء والتغيير والعلاقات العربية والدولية. كما دعت الى محاربة الاحتكار السياسي والفساد والازمات المتنوعة على مختلف المستويات وانقاذ البلاد منها. وهي بهذه المعالجات ترد على الشعارات المرفوعة وتقابلها بما يحث الشعب على المشاركة شعورا منها بخيبة امل الشعب منها ومن الاحجام عن المشاركة في الانتخابات وعبور يومها المحدود.
هذه صورة من المشهد السياسي قبل الانتخابات فهل تتغير الاحوال وتتحسن الاوضاع بعدها؟، التجربة العربية خصوصا لا تشجع كثيرا في التفاؤل بها، ولكن كل مشهد يعكس محتواه ويشير الى اسبابه وتطوراته، ولابد ان تراجع القوى الاساسية نفسها وتعالج بخطوات واسعة ما يعترض طريق اعادة البناء والتقدم وتنشط كل الطاقات وتستثمر الخيرات الوطنية وتجدد وسائلها وتحفز الارادة الشعبية، ولابد ان تتغير الصورة، وتتذكر قصيدة شاعر تونس ابي القاسم الشابي دائما.