السبت، 29 أغسطس 2009

الاتحاد الأوروبي ومعتقل غوانتانامو

الاثنين 3/8/2009
حين فُضحت مشاركة دول أوروبية في اعتقال وتعذيب سجناء معتقلين من وكالة المخابرات الأمريكية ونقلوا إلى أو من معتقل غوانتانامو، وصمة العار الأمريكية، التي صنفت شعارا لادارة بوش بدلا من تمثال الحرية الذي تفتخر به الإمبراطورية الأمريكية الغاربة، أصبحت القضية مهمة في سياسات الاتحاد الأوروبي وشعاراته البراقة حول حقوق الإنسان وإدانة التعذيب والاعتقال التعسفي. فاستقبل الاتحاد الأوروبي قرار الرئيس الأمريكي باراك اوباما وتوقيعه على إغلاق المعتقل بترحيب كبير ودعوات مشتركة معه للانتهاء من وصمته وازدواج المعايير، السمة التي تميز الغرب عموما فيها. ورغم تراجع أو تذبب الموقف الأمريكي ورئيسه من القرار والإغلاق وتمديد المدة والاستمرار في الاعتقال والممارسات المدانة والمحاكمات العسكرية وغيرها فان الاتحاد الأوروبي مازال مرحبا بإنهاء الملف والتعاون فيه، بل وقبول المشاركة في تقاسم الأعباء!.
حسب صحيفة الواشنطن بوست أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعدت في 2007 تقريرا سريا خلصت فيه إلى أن المعاملة التي يلقاها الأشخاص الذين يشتبه بعلاقتهم بالإرهاب في السجون السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية "تشكل (عمليات) تعذيب". ونقلت الصحيفة عن تقرير الصليب الأحمر أن المعاملة التي يلقاها المعتقلون في السجون السرية للوكالة "قاسية وغير انسانية ومهينة" ومحظورة بموجب اتفاقيات جنيف. ويستند التقرير إلى استنتاجات مسؤولين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر التقوا معتقلين في هذه السجون وذلك بعد نقلهم في 2006 إلى معتقل غوانتانامو. وأكد 14 معتقلا تمكن هؤلاء المسؤولون من مقابلتهم، انهم تعرضوا لمعاملة سيئة مثل الضرب والحرمان من النوم وتعريضهم لدرجات حرارة قصوى وفي بعض الحالات تعريضهم لعمليات إيهام بالغرق. وقالت الصحيفة انه تم إعداد خمس نسخ من التقرير وتوزيعها على كبار مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والبيت الأبيض في 2007 غير انه تم حظر نشر التقرير من قبل اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سياق الحرص على الحياد في النزاعات. وتم نشر مقاطع من التقرير في النشرة الدورية "نيويورك ريفيو أو بوكس" بعد أن تمكن صحافي من الحصول على نسخة من التقرير.
المعتقل والتقارير التي صدرت عنه، سواء الدولية العلنية أو الداخلية السرية، تكشف أزمة أخلاقية وسياسية وقانونية في النظام السياسي الأمريكي والأوروبي وتصادما بين الممارسات التي جرت ضد المعتقلين وادعاءات القيم الإنسانية التي يتباكى عليها المسؤولون في الاتحاد الأوروبي والغرب عموما. وهي كلها انتهاكات صارخة للقانون الدولي والإنساني وحقوق الإنسان والاتفاقيات والأعراف الدولية. ومهما كانت نتائج القرارات التي اتخذها الرئيس الأمريكي باراك اوباما واتفق معه بها الاتحاد الأوروبي وغيره حول المعتقل والمعتقلين فان سنوات الاعتقال الطويلة والممارسات التي تمت فيها والإجراءات التي اتخذت بشأنها لا تعفي الإدارة الأمريكية وسياساتها، السابقة واللاحقة، من تحمل المسؤوليات التاريخية، أخلاقيا وقانونيا، عن الانتهاكات الصارخة والارتكابات الوحشية التي حصلت بموافقات رسمية من السلطات العليا الأمريكية، بما فيها من الرئيس الأمريكي بوش ونائبه ديك تشيني وأركان إدارته الآخرين الذين تثبت الكثير من الوثائق التي افرج عنها مؤخرا ادوراهم فيها. وإذا أراد الاتحاد الأوروبي المساعدة الفعلية في إنهاء قضية المعتقل والمعتقلين فلابد أن يسهم مع الإدارة الأمريكية الجديدة في التحقيق في الأسباب والظروف التي أدت إلى إيجاده والماسي التي حدثت فيه، لان ما جعل معتقل غوانتانامو وصمة عار، اعترف بها الرئيس الأمريكي، لا يمحى من الذاكرة الجمعية والتاريخ الإنساني ويظل شاهدا على وحشية الممارسات والتمييز العنصري والديني المدان والمرفوض إنسانيا وأخلاقيا وقانونيا. وان الحفاظ على هيبة القانون واحترام حقوق الإنسان ومنع الإرهاب أو ما يسمى به والعنف والكراهية يتطلب الوقوف بحزم ضد تلك الممارسات ومحاسبة مقترفيها ومحاكمة كل من سبب أو ساهم في إنتاج وتشكيل كارثة غوانتانامو وأضرابه.
لقد فتح الاتحاد الأوروبي، أو عدد من دوله، أبوابها لاستقبال معتقلين من غوانتانامو ومحاكمتهم على أراضيها، وسبق وان استلم عدد من الدول الأوروبية عددا من المعتقلين من حملة جنسيتها أو مواطنيها وحاكمتهم ولم تثبت عليهم التهم الموجهة إليهم فأطلقت سراحهم، في بريطانيا والسويد وفرنسا وغيرها، واصبح هؤلاء المفرج عنهم أدلة على انتهاك الإدارة الأمريكية السابقة لابسط حقوق الإنسان وتخبط سياساتها العدوانية.
ذكر غيلز دي كيرشوف، منسق مكافحة الإرهاب لدى الاتحاد الأوروبي، إن إغلاق معتقل غوانتانامو لابد وأن يكون مصحوباً بمراجعة جوهرية متعمقة للسياسات التي أدت إلى وجود الإرهاب. ويشكل القرار الذي اتخذه أوباما بحظر استخدام "أساليب التحقيق المعززة" وإنهاء الاعتقال السري خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح. ولكن لابد من اتخاذ المزيد من الخطوات. وأهمها معالجة مسألة احتجاز المتهمين إلى أجل غير مسمى ودون محاكمة... وعلى هذا فسوف يقبل الاتحاد الأوروبي الدعوة التي وجهتها إليه إدارة أوباما للمشاركة بوجهات نظره مع قوة مهام سياسة الاحتجاز التي شكلتها الإدارة لمراجعة مبادئ القانون الدولي ذات الصلة بمكافحة الإرهاب. وختم: إن إغلاق معتقل غوانتانامو ليس مجرد لفتة لكسب التصفيق والتهليل من الأوروبيين، بل إنه يشكل في الواقع مراجعة ضرورية للسياسة التي من شأنها أن تجعل الولايات المتحدة وأوروبا والعالم أكثر أمناً.
الاتحاد الأوروبي ومعتقل غوانتانامو قضية محورية، لابد أن يلعب الاتحاد دوره في إنهاء هذه المأساة والعمل على فضح كل الانتهاكات التي تصيب القيم الإنسانية بأضرار بالغة ولا تنتهي عند حدود المعتقلات والإجراءات الحكومية التعسفية التي تلد إرهابا أعمى يعادلها ويقلق الإنسانية من العواقب غير المحسوبة لها.