الجمعة، 17 يوليو 2009

تحذير من بايدن أم تقمص لدور سلفه!

الاثنين 13/7/2009
لم يعرف عن نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن تعاطفه مع العراقيين أو العرب والمسلمين عموما، ولم ينقل عنه انه حمل يوما، في كثرة زياراته لهم وتنقلاته بينهم، ما يرضيهم أو يساعدهم على التخلص من ما تورطت به إدارته السابقة والحالية ضدهم، ولم يعلن عن مشروع جديد باسمه لصالحهم. كل ما اشتهر به في مصائرهم مشروعه المعروف بالتقسيم الناعم للعراق. ( إبحث عن: من المستفيد منه؟). صحيح انه طرحه قبل تعيينه وانتخابه في منصبه الجديد هذا، وان الإدارة الجديدة وضعت المشروع على الرف في الظرف الراهن وأنزلت منه، هذه المرة، مشروع بيكر- هاملتون باثة فيه الروح عمليا، أو بمراحل منه وجدتها اضطرارية لها لاختلاف المهمات والأولويات، لاسيما وان أحد واضعيه استمر في منصبه وزيرا للحرب والعدوان على الشعوب المستضعفة في العالم. فما الجديد عند بايدن؟ ولماذا هذه الضجة الإعلامية حوله، حتى كادت وسائل الإعلام لا تعرف قضية اكثر من تصريحاته المتتالية، عن العراق وإيران والسياسات الأمريكية الاوبامية عنهما. هل ما تفوه به، وكأنه يتقمص دور سلفه المعروف في مواقفه العدوانية، أو ما نقله عنه مستشاروه، تحذيرات منه أم تهديدات الإدارة الجديدة الأمريكية، كاشفة عن أنيابها التي حاولت تجميلها بالوعود والشعارات البراقة؟. كلفه الرئيس اوباما بالملف العراقي وما فيه من شؤون وشجون لا تخفى على أهمية المنصب والأهداف المرسومة والخطط الاستراتيجية التي يراد إنجازها في العراق ومحيطه الجغرافي والسياسي، وبالتأكيد لابد من الإشارة إلى أوراق في الملف تطرح إعلاميا وتنشغل وسائل الإعلام بها من قبيل المصالحة الوطنية والالتزامات المتبادلة وتجنيس المرتزقة في قواته المحتلة، ولكن ما تحت السطور في تصريحاته والمتحدثين باسمه ونشاطاته التي لم تكتمل بسبب المتغيرات المناخية واستمرار العواصف الرملية في سماوات العراق والمنطقة طبيعيا، أعطت ملامح أخرى له ومؤشرات سياسية إدارية في العهد الجديد.
حسب ما نشرته وسائل الإعلام عن زيارته غير المعلنة أيضا لبغداد ولقائه بمسؤوليها بأنه حمل رسائل معينة صرح بها هو ومن معه ورددها اكثر من مصدر عراقي وكأنها تعويذة طبية، وفي الوقت نفسه تكاثرت التصريحات والتعليقات، والنفي ونفي النفي في الكلام المجاني عبر وسائل الإعلام، وتبينت التجاذبات والتناقضات بين الأقوال والأفعال مع تصاعد العواصف الرملية التي وشحت الجميع بلونها وثقلها وظلالها. والمهم في كل الزيارة أن حامل مفاتيح الملف العراقي أدى المهمة المطلوبة منه، محذرا ومنبها، وراسما خطوط إدارته لخارطتها الجديدة في العراق، فهو لا يتحمل عناء السفر من اجل رفع الشعارات البراقة التي قيلت عنه في المصالحة الوطنية وردود الأفعال عليها وتوضيحات سفيره حولها، أو ما يتعلق بإقليم كردستان ومحافظة كركوك وتوزيع الثروة النفطية، ولم يأت لمنح الجنسية الأمريكية لمرتزقته وحسب ولا للتبرك بلقاء من التقاهم رسميا وبتوقيته ومزاجه ورغبته، وقد وصل بغداد بعد أيام من سحب قواته من المدن وإعادة انتشارها في المعسكرات والقواعد الأمريكية الاستراتيجية والمتنقلة والمحيطة بالمدن الرئيسية وبالأهداف منها ومن الاحتلال كله، وإنما جاء بمهمته كنائب للرئيس الأمريكي الجديد الذي يحافظ على سياسات أمريكا العالمية وصورتها الإمبراطورية الجديدة والتأكيد عليها ووضعها أمام الجميع. وهذا ما أكده مسؤول أمريكي رفيع المستوى كان معه: أن بايدن هدد (هكذا ترجمت كلمة to warn، ونشرت في اغلب وسائل الإعلام ومن بينها صحيفة الأهرام المصرية، والمقصود واضح في كل الأحوال!) المسؤولين العراقيين بأنه في حالة غرق العراق مجددا في العنف الطائفي أو العرقي‏,‏ فإن ذلك لن يتيح لواشنطن الإبقاء على التزاماتها لأن ذلك لن يكون في مصلحة الشعب الأمريكي‏.‏.‏ وفي الوقت نفسه‏,‏ أكد بايدن أن دور بلاده بالعراق قد تحول من عسكري بحت إلى دعم دبلوماسي قبل استكمال الانسحاب الكامل للقوات في نهاية ‏2011,‏ وقال بايدن خلال حفل منح الجنسية الأمريكية لمرتزقته في بغداد‏,‏ أن الولايات المتحدة قد أوفت بالتزامها في سحب الجنود من المدن العراقية‏,‏ والتركيز الآن ينصب على تقوية العلاقات الدبلوماسية‏.‏ وأضاف مخاطبا الجنود "لقد خسرتم 4322 من رفاقكم، وأكثر من 30 ألف جريح، بينهم 17 ألفا في حالة خطرة، لكن بفضل خدمتكم وتضحياتكم، خرج العراق من تحدي العنف الطائفي" (وهناك من يعطي أرقاما أخرى ولكنه اعتراف رسمي جديد ومهم!). وتابع "لا يزال أمامنا الكثير من العمل الصعب لإنجازه هنا، لكن الفضل يعود لكم في بدء تسلم العراقيين مسؤولية مصيرهم، وسنبدأ بالترحيب بكم بالعودة إلى الوطن بشرف وتقدير تستحقونه".
هذه الرسائل والتحذيرات والإشارات لها قراءتها السياسية والاستراتيجية وتذكر بمصادر القلق والريبة التي تكتنفها، ودور ومسؤولية قوات الاحتلال في أسبابها ونتائجها، ويعلم الجمع أن مصادر الحروب الأهلية وتوابعها نابعة من الاحتلال وسياساته ومخططاته وتوجهاته في العراق وغيره، وهي ليست جديدة ولا تخرج من ثوب الاحتلال واستراتيجياته الجهنمية في العالم. ولعل تحذيرات أو تهديدات الإدارة الأمريكية السابقة والحالية تصب في هذا المنحى، من استمرار الاحتلال بأشكاله المتعددة، المباشرة وغيرها، والعمل على زرع الرعب والتخويف من مناهضته ومقاومته ومحاولات فرض الخنوع والخضوع له ولخططه وتداعياتها. فما جاء من بايدن، سواء في التصريحات أو اللقاءات، والتلميحات والحوارات التلفزيونية معه ومنه، تشير إلى أن السياسة الأمريكية في الاحتلال تتغير أوجهها العامة ويظل جوهرها الحقيقي، وتحمل بايدن مسؤولية الملف دليل عليها. وقد تأتي الأيام بما يؤكد ذلك أو يضيف إليه صورة مكررة لسلفه ديك تشيني المدان بأكثر من جريمة حرب وإبادة جماعية وضد الإنسانية وتعذيب وحشي.