الجمعة، 17 يوليو 2009

الاتحاد الأوروبي وانتخابات إيران الرئاسية

الاثنين 6/7/2009
تمت الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية في إيران في موعدها ( الجمعة 12/6/20009) ولكنها لم تنته، فتوابعها مازالت تلف الفضاء الإعلامي ودوائر القرار السياسي وتراجع مآلاتها وحصيلة البرامج والخطط والسيناريوهات التي رسمت لها، سواء لما قبلها أو ما بعدها؟!. وتدخل الاتحاد الأوروبي مباشرة، بهيئاته السياسية أو بدوله منفردة في شؤون إيران الداخلية، قبل الانتخابات وبعدها بأشكال متعددة، بما فيها إعلان مواقف أو صناعة ضجيج إعلامي على نتائج الانتخابات أو تخيل صورتها التي رغب أن تكون، ومرر في رسائل إلكترونية وزعت بين أوساط إيرانية خارجية معلومات عن انقسامات حادة بين معارضة مخملية خضراء حظيت بأرقام ونسب عالية جدا مقارنة بما حصلت عليه سلطات محافظة يمينية، ولم تكتف بذلك طبعا بل زادتها بفتح مجالاتها الإعلامية والسياسية لكل ما يوفر ضغوطا على الوضع الداخلي أو يعطي صورة له تتفق مع أوهام الغرب وأحلام مؤسساته الأيديولوجية والمالية والعسكرية وغيرها. وكشف الاتحاد الأوروبي في هذه المرة صلف وحماقة ما يحمله من مواقف مسبقة ضد الجمهورية الإسلامية محاولا التأثير على مسار الأحداث الداخلية وتصويرها بما تمنى أن تكون أو تتحول إليه، متابعا مخططات المحافظين الجدد والإدارة الأمريكية السابقة التي صرفت الملايين من الدولارات ودورات التدريب وشتى الوسائل المناهضة للجمهورية وسياساتها المقاومة لسياسات الإمبراطورية وتوابعها من دول الاتحاد الأوروبي خصوصا.
أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي موقفا مضادا قبل فرز الأصوات ونشر نتائج الانتخابات وشكك في سيرها وطالب في تأييد ما سماه بالإصلاحيين على حساب المحافظين، وهو زعيم حزب محافظ كما هو معروف. وشاركته المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل وكذلك رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون، إضافة إلى تسخير إمكانيات كبيرة من وسائل الإعلام للتشويه والتضليل مع إجراءات دبلوماسية ضاغطة ومعبرة عن تورط وقلق السياسة الأوروبية. وقبل إصدار بيان مشترك من الاتحاد كانت تصريحات هؤلاء المسؤولين وأمثالهم والناطقين باسم حكوماتهم تشير إلى توجيه ضغوط وتعمل من اجل صناعة مناخات معادية للجمهورية ومتعارضة مع توجهاتها الأساسية، وتضع نصب أعينها اهتماماتها الرئيسية. فمثلا دعا الاتحاد الأوروبي، (الاثنين 15/6/2009)، بعد جوقة التصريحات والمؤتمرات الإعلامية الإضافية وإستدعاء السفراء الإيرانيين أو سفرائه للتشاور وغيرها من الممارسات الإعلانية الصاخبة: "السلطات الإيرانية إلى التحقيق في الاتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية التي فاز بها الرئيس الحالي نجاد والامتناع عن أية أعمال عنف ضد المتظاهرين مبديا استعداده لاستئناف الحوار مع طهران بشان برنامجها النووي". واعرب الاتحاد الأوروبي "عن قلقه العميق لأعمال العنف في الشارع الإيراني واستخدام القوة ضد متظاهرين سلميين". وصرحت المفوضة الأوروبية للشؤون الخارجية بنيتا فيريرو فالدنر "عن الأمل في أن تدرس (السلطات الإيرانية) كافة الشكاوى حول المخالفات واظن أن ذلك اقل ما يمكن أن يقال". وأضافت "إنني اكن احتراما كبيرا للمواطنين الإيرانيين الذين عبروا عن استيائهم وتظاهروا سلميا (لماذا فقط هؤلاء؟) وآمل أن تمتنع قوات الأمن عن استخدام العنف". ماذا تعني هذه الخطابات والمواقف المزدوجة والمتناقضة والمتسرعة والتي لن تخدم أية مصالح إنسانية أو قانونا دوليا أو حقوق إنسان عالمية؟!. فإذا كانت هذه المواقف صادقة وحقيقية وتتبعها الإدارات المتحكمة في القرارات السياسية الأوروبية فيمكن مناقشتها ومحاججتها ولكن أن تكون الأسماء نفسها خرساء إزاء جرائم حرب واعتداءات جماعية على الإنسانية وانتهاكات صارخة من قبل سلطاتها أو حلفائها فهنا تصبح أحاديثها السابقة مثالا مكررا آخر عما هي عليه من ازدواجية معايير وانحيازا فاقعا لما يخدم توجهاتها السياسية وسياساتها العدوانية واستغلالها الرأسمالي وعولمتها المتوحشة، وبعيدة جدا عن المصداقية والحرص على القانون الدولي وحقوق الإنسان.
من الشواهد الصارخة هنا هو تطابق هذه المواقف الحديثة من الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد انتخاباتها الرئاسية الحالية (2009) وانتخاباتها الرئاسية السابقة (2005) والتي فاز بها لأول مرة الرئيس نجاد، والعودة إليها من إرشيفها تكشف كم هي متغطرسة (!) هذه القيادات السياسية الأوروبية في هذه المواقف، حيث تتحول أو تصير أجهزة تسجيل تكرر ما يصلها من أوامر وتوجيهات مسبقة بدون إرادتها. وسائل الإعلام ليوم 28/ حزيران/ يونيو 2005 نشرت للمفوضة الأوروبية للشؤون الخارجية، فالدنر قولها: "هناك بعض الادعاءات بشأن مخالفات تم ارتكابها خلال الاقتراع وهي مسألة جدية. إننا نعتقد أن هذه الشكاوى يجب أن تبحث بسرعة وبكل شفافية". وصرح خافيير سولانا للصحافيين في بروكسل: "في الوقت الراهن أنا في وضع ترقب. أخذت علما بسير الانتخابات، والمهم الآن أن نعرف كيف ستتحول الأقوال إلى أفعال". وأكد "أريد أن انتظر وأرى تحركات الرئيس الإيراني (الجديد)". وقال سولانا إن الاتحاد، الذي يضم 25 دولة، سيتمسك باتفاق تم التوصل إليه في اجتماع مع حسن روحاني، كبير المفاوضين الايرانيين في محادثات نووية في جنيف في نهاية مايو/أيار الماضي. وفي لندن، صرح رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير، إن بريطانيا تتوقع من إيران "أن تحترم التزاماتها"، مؤكدا إن الأسرة الدولية ستكون حازمة مع الرئيس الإيراني الجديد. وأضاف في مؤتمره الصحافي الشهري، أن احمدي نجاد "يرتكب خطأ كبيرا إذا اعتقد أننا سنكون متهاونين (في الموضوع النووي)". وفي باريس، أعلنت الحكومة الفرنسية أنها مستعدة لمواصلة "الحوار" مع السلطات الإيرانية، مؤكدة أنها "ستبقى متيقظة" بشأن الملف النووي الإيراني وحقوق الإنسان. وصرح المتحدث باسم الخارجية الفرنسية، جان باتيست ماتيي، أن باريس تعتبر أن "الشعب الإيراني اختار وانتخب محمود احمدي نجاد رئيسا للجمهورية بغالبية كبيرة". وأضاف أن "فرنسا تؤكد استعدادها بالتشاور مع الشركاء الأوروبيين على مواصلة الحوار الصعب مع السلطات الإيرانية". وأوضح "ستبقى متيقظة حول المواضيع المثيرة للقلق التي يعرفها محاورونا الإيرانيون، خصوصا الملف النووي وحقوق الإنسان".
هذه عينة أرشيفية من تصريحات المسؤولين الأوروبيين وقسم منهم مازالوا في مناصبهم وبمقارنتها بين الأمس واليوم تصبح فضيحة سياسية في العقل السياسي الأوروبي من عالمنا العربي والإسلامي. وإذا كانت هذه هي السياسات الأوروبية، سابقا والآن، فماذا نتوقع من جديد فيها بعد الانتخابات الرئاسية في إيران؟.