الأحد، 5 يوليو 2009

من المسؤول عن الحرب والعدوان على العراق؟

الاثنين 29/6/2009
قليلون من يشيرون بإصبعهم بجرأة ويعلنون بصوت عال عن المسؤول عن الحرب والغزو والعدوان على العراق، وعن الثمن الذي دفعه الشعب العراقي، وكثيرون يتسابقون في التضليل عن الجرائم الأمريكية والبريطانية وغيرها من دول التبعية والتفرج والارتزاق في الحروب التي خاضتها الإدارات الأمريكية وحلفاؤها من الدول الأوروبية والعربية. وكأن الشعب العراقي مطلوب منه ذلك، وكأن الثمن الباهظ الذي دفعه خلال كل السنوات العجاف التي مرت عليه هو المسؤول عنه، ويُخشى أن يلزم بدفع تعويض أيضا عما أصاب الهيبة الأمريكية الاستعمارية من هزيمة تتردد عن كشفها علنا وبجرأة تاريخية. وللتغطية والتسويف تمتلئ الفضاءات الإعلامية بمسميات كثيرة، من بينها لجان تحقيق وتقصي حقائق، تناقش في البرلمانات ووسائل الإعلام، وتُوضع لها برامج عمل وأوراق وشهود ومتهمون، وتستهلك وقتا ثم تخبو أضواءها وتدفن في مجلدات أو ملفات على الرفوف أو في أروقة المباني التاريخية للحكومات المعتدية على الشعوب. وليس آخر الفصول عن العراق طبعا. كم من لجان وتحقيقات واستطلاعات واستبيانات وإحصاءات اخبر عنها، ولكن أين انتهت وإلامَ توصلت وما هي نتائجها وأحكامها وأصداؤها، ولماذا الحال ما زال كما هو أو أسوا مما كان؟. وكذلك تصريحات مسؤولين كبار، لهم علاقات مباشرة، مثل وزير الحرب الأمريكي روبرت غيتس أو رئيس الأركان البريطاني ريتشارد دانات. فقد دعا الأول في لقاء مع عسكريين من بعض دول الخليج إلى مساندة بغداد لمواجهة طموحات إيران، وهو يراوغ ويسعى إلى تغيير البوصلة وصناعة أوهام وأعداء جدد وتحريض مبطن ضد الجغرافية والواقع، وبتعمد وقصد يحاول التبرؤ من ارتكاب المجازر، معترفا، كما نقلته وكالات الأنباء (انتبه إلى الصياغات وخلط الأوراق أيضا) "بمشاعر الاستياء المستمرة لدى دول عربية بسبب الاجتياح الأمريكي للعراق في 2003، لكنه أردف: إن من مصلحة القوى الإقليمية أن تدعم حكومة بغداد. وأوضح غيتس: إني مدرك انه، في الشؤون الدولية، الجروح القديمة لا تندمل بسهولة. وأضاف: غير انه إذا نظرنا عن قرب إلى قدرات العراق الاقتصادية والسياسية، فمن الواضح أن من مصلحة دول الخليج الإستراتيجية أن تقدم الدعم للحكومة الجديدة ولشعب العراق". بينما صرح الجنرال البريطاني‏‏ لصحيفة الغارديان البريطانية‏,‏ (وسائل إعلام 24/6/2009) إن القوات البريطانية تركت الأوضاع تتدهور في جنوب العراق بعد الغزو الأمريكي عام‏ 2003,‏ وحولت تركيزها إلى الصراع داخل أفغانستان‏,‏ مما تسبب في فتح الباب للميليشيات الشيعية وأعمال العنف‏. ‏وأضاف دانات أن واحدا من أهم الدروس المستفادة من الصراع يتمثل في ضرورة التوصل إلى تأثير حاسم في وقت مبكر‏,‏ مشيرا إلى أن الفرصة كانت مواتية في العراق لمعالجة الأمن‏,‏ وتطوير قدرات القوات العراقية وتلبية الاحتياجات الأساسية للشعب العراقي‏,‏ إلا أن قوات التحالف فشلت في تحقيق ذلك من خلال الاستثمار السليم واتباع نهج شامل للنهوض باقتصاد البلاد‏,‏ الأمر الذي زرع بذور عدم الرضا لدى العراقيين‏,‏ وأعقبه ظهور الميليشيات التي يدعمها الإيرانيون‏. ‏وقال إن قوات التحالف فشلت أيضا في ضمان ما يكفي من القوات على الأرض عندما تتطلب الأوضاع ذلك‏"..‏
هذه التصريحات التي تمرر هكذا لتصنيع بدائل عن جرائم الحرب والاحتلال وتغطية المسؤولية الرئيسية فيها، لا تكفي ولا تعبر عن صدقية في التعبير وواقعية في وصف الأمور، فالقوات التي غزت واعتدت على الشعب العراقي جاءت بقرارت ومخططات صهيو أمريكية وحماقات إمبراطورية وأوهام استعمارية غربت عنها الشمس، وما يدور في واشنطن وأخيرا في لندن ومجلس العموم والاحتجاجات الشعبية المتواصلة من نشطاء ضد الحرب وعوائل الضحايا وبعض رموز المعارضة السياسية والبرلمانية، عن لجنة تحقيق رسمية ستقوم بالتحقيق عن دروس المشاركة في الحرب والعدوان على العراق لا تستكمل الصورة دون أن تشخص الأسباب وتجرم المرتكبين وتضعهم في قفص الاتهام والمحاكمة العلنية. وما كشف عن تدخل رئيس الحكومة السابق توني بلير في جعلها سرية، خلف أبواب موصدة، وكعادته وضع الأمن البريطاني سببا لتدخله، باعث تشاؤم سلبي عن مدى عدالة التحقيق واتجاهاته واجترار نماذج سابقة له وفي مضماره. تدخل بلير، الذي حكم اكثر من عقد من الزمان وورط شعبه وبلاده في خمس حروب عدوانية على شعوب أخرى لا عداوة بينها والشعب البريطاني في فترة حكمه، على الأقل، يعكس نواياه في لفلفة الموضوع برمته وتسويفه مسبقا. وما أن انتهت الزوبعة باضطرار الحكومة إلى الإعلان عن نيتها تحويل ما يتناسب إلى العلن فسنرى كيف ستكون ومن ستحاسب، وهل ما بدأته بعض وسائل الإعلام من نشر وثائق إدانة كافية عن الجريمة (الأوبزرفر البريطانية 21/6/2009) إستباقا للفضيحة أم وسيلة مسبقة للتضليل والتمويه الرسمي وتشتيت الأسباب والحجج وتفعيل المماطلة فيها إلى إشعار آخر؟. ومن كان قادرا على خداع البرلمان والرأي العام بكذبة صارخة لا تقنع طفلا، مثل إمكانية العراق قصف أوروبا خلال خمس وأربعين دقيقة وهو الأكثر دراية في تجريد أسلحته ألا يتهرب من الإجراءات وما بعدها؟.
استمرارا لغزو العراق وتبهيت المسؤوليات المباشرة وتوزيعها في إطار المخططات الجهنمية المرسومة سلفا، تتواصل التفجيرات الدموية في الأحياء السكنية وبين المدنيين العزل، معلنة تنفيذ ما سمي باتفاقية سحب القوات والإعلان عن خروج القوات المحتلة من المدن حاليا بموعد نهاية شهر حزيران/ يونيو 2009، وهو ذكرى ثورة العشرين التاريخية في العراق، والتي رد الشعب العراقي بها على ما قامت بريطانيا باحتلال بلاده عسكريا وبيان قائد جيوشها الجنرال مود: "إن جيوشنا لم تدخل مدنكم وأراضيكم بمنزلة قاهرين وأعداء بل بمنزلة محررين"!.
يا لسخرية الزمن!. تتكرر الصور والكلمات والانتهاكات وتظل حقيقة غياب العدالة وتضييع فرص محاسبة المجرمين، واستمرار السؤال: من المسؤول عن الحرب والعدوان على العراق؟.