الخميس، 28 مايو 2009

الرئيس بثياب الإمبراطور الجديدة

الاثنين 25/5/2009
حين فاز الرئيس الأمريكي باراك اوباما بالرئاسة ودخل البيت الأبيض بشعاري التغيير والأمل، ولخلفيته القانونية، استبشر العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحللين السياسيين بهذا الفوز واعتبروه ضمنا دفاعا عن قضايا حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وأملا بتنفيذ الوعود التي أطلقها. ولاشك أن فوز اوباما بعد السنوات العجاف لإدارة بوش الثاني غيّر من الصورة وما آلت إليه سمعة الولايات المتحدة الأمريكية. جاء توقيعه على قرارات غلق معتقل غوانتانامو وغيره من السجون السرية وانتقاده أساليب التحقيق مع المتهمين في السجون الأمريكية الخارجية، لاسيما في البلدان المحتلة من قبل قواته أو السرية، الموزعة في السفن والطائرات والغابات الأوروبية أو بعض الصحارى العربية، إشارة جديدة وتأكيدا حذرا. وفي ضوء ذلك نالت تلك الإجراءات استحسانا وتقييما إيجابيا لإعادة الاعتبار للقانون والدستور والقيم والتقاليد الديمقراطية، لاسيما الإفراج عن بعض الوثائق التي أصدرتها وزارة العدل الأمريكية والاستخبارات المركزية وتضمنت تعليمات باستخدام أساليب اعتبرتها الإدارة قانونيا أساليب تعذيب ممنوعة وانتهاكا لحقوق الإنسان والعدالة والمعاهدات الدولية. لكن الترحيب والتنويه بهذه الخطوات لم يكتمل، إذ أن خيبة الأمل قد أصابت المدافعين عن حقوق الإنسان خاصة بسبب الاستثناءات التي ألتزمها الرئيس اوباما، مثل إعفاء المسؤولين المباشرين والمنفذين لتلك الإجراءات من الملاحقات القانونية، ومن إعادة النظر بالمجالس العسكرية للمحاكمات والتردد في الإغلاق المباشر للمعتقلات، بما فيها غوانتانامو رغم تحديد موعد له، والتماطل في إطلاق سراح المتهمين فيه دون محاكمات أو من لم تثبت عليهم التهم الموجهة اليهم. هذه التراجعات سمحت للقول بان الإدارة الجديدة لم تتغير عن سابقتها في هذه الأمور، بل أنها ورثتها وواصلتها دون تغيير حقيقي، وهو الأمر الذي يعطي انطباعات سلبية عن الشعارات التي رفعتها الإدارة الجديدة والرئيس اوباما بالذات.
زاد الطين بلة تراجع الرئيس عن قرار قضائي وافق عليه بإطلاق سراح آلاف الصور عن الممارسات الوحشية التي تمت في السجون الأمريكية بموافقات عليا وليس من "تفاحات فاسدة في السلة". ولم ينفع ما وضحه المتحدث باسم البيت الأبيض واضطرار الرئيس نفسه إلى تبرير قراره بأسباب متداخلة لا تخدم تراجعه عنها وعن وعوده والأمل الذي كان عليه، خاصة في هذه القضايا، والتي كان من بينها التوقيع على اتفاقية روما لحقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية، وإلغاء كل السجون السرية ومنع الممارسات الوحشية التي كانت ضمن تعليمات رسمية مخالفة لابسط حقوق الإنسان والدستور والقانون الإنساني الدولي، ومقاضاة مرتكبيها، وغيرها من الإجراءات القانونية التي تسم مرحلة جديدة فعلا لا شكلا موقتا. وبالتأكيد قد لا تضيف الصور كثيرا على الأدلة الكافية لتلك الجرائم بحق المعتقلين ومحاكمة المجرمين الذين كانوا وراءها، ولكنها تدل على تبرير وتمرير تلك الجرائم بشكل من الأشكال وتهرب من تحميل المسؤولية وإبعاد التهمة عن أصحابها واستمرار الحالة لكسب الوقت أو لتضييعه أساسا. وربما تراجع الرئيس الأمريكي اوباما هذا استجابة للضغوط والمساومات مع أركان الإدارة السابقة المتهمة بمثل هذه الجرائم. لاسيما تصريحات نائب الرئيس السابق ديك تشيني، الذي ينظر له بأنه من ابرز من يتحمل المسؤولية عن تلك الانتهاكات، وكذلك دونالد رامسفيلد وغيره. وكان تشيني قد حذر من أن هناك احتمالا كبيرا أن يحاول من سماهم بـ "الإرهابيين" شن هجوم نووي أو بيولوجي على الولايات المتحدة في السنوات المقبلة، وكرر دفاعه عن تلك التصرفات وخشيته من أن تزيد السياسات التي يفضلها الرئيس باراك أوباما من فرص نجاح هذا الهجوم. إلا أن الرأي العام الأمريكي يظل بحاجة شديدة لمعرفة الحقيقة عن تلك الممارسات البشعة ومنع تكرارها ومحاكمة مرتكبيها الرئيسيين، لا المنفذين الصغار لها وحدهم. وإذا كانت المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان قد انتقدت هذا التراجع والتنكر من الرئيس الأمريكي واعتبرته استمرارا أو سيرا على خطى العهد السابق ورمزه بوش الثاني، فان الخشية ليست من الصور نفسها وأهميتها بل من تكرار الفظائع المرتكبة فيها، أو التغاضي عن تكرارها. وقد أصدرت هذه المنظمات بيانات تشجب هذا الانقلاب لدى الرئيس الأمريكي اوباما.
من جهة أخرى تشكل هذه القضية واحدة من العديد من القضايا الخطيرة التي سار اوباما فيها خلافا لتعهداته أو وعوده الانتخابية والرئاسية، ومنها سحب القوات العسكرية، وإدانة الهجوم العشوائي وقتل المدنيين، وانتهاج أساليب جديدة في السياسة الخارجية ومواجهة التحديات مشاركة مع القوى الأخرى. وتفضح ممارساته وسياساته في هذه القضايا برامج الرئاسة وتجعل الرئيس باراك اوباما إزاءها بملابس الإمبراطور الجديدة. فما حصل ويحدث في باكستان وأفغانستان، وصب الزيت في الحروب الأهلية فيها وإعادة سياسات بوش الثاني في شن الحروب وزيادة القوات العسكرية وتكاليفها المادية والبشرية تترك انعكاساتها على مجمل التوجهات والسياسات الرسمية. وحين تكثر الأدلة والشهود والشواهد فان الإدارة الأمريكية ملزمة بالتحقيق والمحاسبة وتنوير الرأي العام بنتائجها ودروسها في كل هذه القضايا، لاسيما ما يتعلق بحقوق الإنسان عامة والشعوب التي أحتلت بلدانها وانتهكت حقوقها وثرواتها ودمرت دولها. شعارات الديمقراطية التي حاربت الإدارات الأمريكية باسمها تتطلب مصداقية في تطبيقها وأولها الشفافية ومحاسبة المفسدين والمنتهكين للقوانين والمشرعين لأساليب وحشية لا إنسانية في التحقيق والاعتقال والعمل على فضحها بالأدلة والشواهد والصور الدامغة لها. حيث أصبحت حقا من حقوق الشعوب والعالم كله ولابد من معرفة الحقيقة فيها ولا ينفع التنصل منها دائما أو تزويقها بخطابات معسولة.