الاثنين 18/5/2009
تشهد المغرب تطورات سياسية منذ نهاية القرن الماضي، وتتفاعل داخل مشهدها السياسي متموجة مع الحراك السياسي والصراعات الداخلية والضغوط المتغيرة داخليا وخارجيا عليها. وتشكل مراحل الانتخابات فرصة للحراك السياسي والتكتلات والنقاشات والصراعات حولها وحول عمليات الإصلاح السياسي والدستوري والتناوب الحزبي والتحالفات بين الأحزاب والكتل البرلمانية وبين الإدارة الملكية المتحكمة في المشهد السياسي. ولعل المفكر والباحث الدكتور كمال عبد اللطيف في كتابه: تحولات المغرب السياسي (الصادر في الرباط، عن دار الأمان 2006) قد وضع جهده على فهم مسار التحولات الجارية كما يسميها، "والموقف فيها يروم اعتبار أن ما يجري اليوم في مجتمعنا قابل للتطوير في اتجاه تحويل التوترات والمخاضات ومختلف مظاهر الصراع لبناء ما يعزز الأمل في بلوغ مرمى الانتقال الديمقراطي". ورأى في تقديمه محاولة مواجهة إشكاليات وأحداث وقضايا تعد جزء من ديناميات التحول الذي يجري، رادا على البعض الذي يرى ما جرى ويجري في المغرب سوى جملة من التحولات الجزئية المحاصرة بخيارات مانعة لإمكانية بلوغ عتبة الإصلاح السياسي الديمقراطي. وقد كتب عنها بمعياري التاريخ والسياسة وان مشروع الانتقال إلى الديمقراطية لا يعتبر أمرا بسيطا ولا يتحقق بيسر وسهولة. مستهدفا بناء جوانب من المخاضات الجارية اليوم مع محاولة لتعيين الملامح الكبرى للأفق الذي تتجه صوبه، أفق الإصلاح السياسي الذي يشكل المعركة المركزية في المشهد السياسي.
يتوزع الكتاب بمجموعة مقالاته على ثلاثة محاور هي: في أسئلة التحديث السياسي، في التصالح مع الذات، والمغرب واتحاد المغرب العربي، منطلقا فيها من بديهية الإسهام في تنشيط وتجميع جهود النخب السياسية المغربية للتمكن من بناء ما يحوّل جهود اليوم وتجارب الأمس إلى روافع تاريخية قادرة على بلوغ مرمى الإصلاح. ومستندا في الكثير من مقالاته على إمكانات التغيير والتحديث في العمل النظري والممارسة العملية والتأكيد على عاملي الزمن والاستمرارية، و"بان معركة التحديث لا تحل بمنهجية النظر إليها بلغة الوصفات التقنية الجاهزة، بل إن الانخراط في عملية التحديث بمختلف نتائجها تقتضي منا العمل في الجبهة الثقافية، جبهة الأفكار وذلك لتوضيح المشروع لأنفسنا ولذاتنا التاريخية أولا، ثم لبنائه بعد ذلك في ضوء مستجدات واقعنا ومستجدات النظر الحداثي في التاريخ، فعندما نقتنع بهذه المسالة ونعي أهميتها، نكون قد بدأنا الانخراط فعلا وبصورة تاريخية في الانتقال بمشروع الحداثة من مستواه التقني إلى مستواه التاريخي، أي ننتقل من السطح إلى العمق، من المظاهر إلى التصورات والرؤى القادرة على تركيب المرجعية النظرية لانخراطنا الفعلي في إبداع حداثتنا التاريخية". (ص16).
وفي قراءاته للمشهد الدستوري والحزبي شدد على ضرورة تجاوز لغة التقليد وتقديم صيغة سياسية توافقية جديدة، تتجاوز مفردات وممارسة تاويلية ومتناقضة مع المنطق الذي يتحكم في كثير من مجالات العمل السياسي ومؤسساته وقواعده، ومن اجل التمكن من الرفع لوتيرة الإصلاح وتعزيز مسيرة الانتقال الديمقراطي وتجاوز سنوات السلطة المطلقة. معتمدا على وقائع التغيرات التي حصلت منذ سنة 1998 والمسارات المتعاقبة لها بعد صدور وثيقة الإصلاحات الدستورية عام 1996 وما تبعها من مطالبات في مجالات ضبط حدود السلطة الملكية والتنصيص في الدستور على مبادئ حقوق الإنسان وتمكين مجلس النواب من المراقبة وتوسيع مجاله التشريعي وتقوية الضمانات الدستورية للحقوق والواجبات وفصل فعلي للسلط واعتماد مبدأ الاتساق القانوني في رفع ازدواجية المرجعية ومبدأ التعاقد واللغة الوضعية والضمانات القانونية والمؤسسية.
تاريخيا تميز المشهد السياسي في المغرب بتعددية حزبية وسياسية نظمتها صراعات بينها وبين السلطة التي تعمل لضبط حراكها والشارع معا، ولمناقشتها تساءل المفكر عبد اللطيف، عن مراقبة المشهد السياسي أم عقلنته؟ وهو يواصل قراءته للقوانين المنظمة لها، والباعثة إلى تطويرها وإغناء المشهد السياسي والحزبي مع ملاحظته التي لا يختلف اثنان من الناحية المبدئية عليها في لزوم إصلاح المشهد الحزبي داخل دائرة اعم تتعلق بإصلاح المشهد السياسي في كليته، "وقد اصبح هذا الأمر اكثر إلحاحا أمام تعددية حزبية أفقرت العمل السياسي بانقساماتها التي لا تقوم على أسس أيديولوجية أو برنامجية، قدر تحكمها مصالح فئوية ضيقة. إضافة إلى أعراض الشيخوخة التي لحقت كثيرا من التنظيمات الحزبية الوطنية التي لم تتمكن من تطوير آلياتها في العمل، وسط مجتمع ارتفعت وتائر تغيره بصورة تستدعي بناء أساليب جديدة في العمل السياسي الحزبي.. أما الأحزاب التي كانت قد ركبت بأوامر مخزنية (حكومية) في فترات معينة بهدف مناهضة الأحزاب ذات الشرعية التاريخية، فقد ظلت تشتغل بآليات موسمية.. ولم تتمكن من الانغراس الفعلي في واقع المجتمع المغربي.. ومقابل ذلك عملت بعض التيارات السياسية الجديدة المنطلقة من مرجعيات الإسلام السياسي على تحقيق عمليات في التواصل مع بعض قطاعات المجتمع المغربي، وتمكنت بصورة سريعة من إقامة حضور معزز بتنظيمات خيرية قاعدية، مما أهلها لإنجاز حضور يتمتع في نظر بعض الملاحظين بكثير من الفعالية في الفضاء الاجتماعي المغربي، وهو الأمر الذي يترتب عنه في الآن نفسه ضرورة التفكير في حدود اللغة المطلقة في بناء أسئلة التدبير الاجتماعي السياسي." (ص36). وخلص الكاتب إلى ضرورة إنجاز إصلاح دستوري جديد يساهم في الإصلاح الحزبي لوضوح حدود السلط و"حيث يصبح بإمكان السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تمارسا عملهما في إطار صيرورة الصراع والتوافق التي تحكم جدلية العمل السياسي الحداثي، وهو ما يعني بلوغ الدولة والمجتمع عتبة الرشد التاريخي، وهو أمر لم تتوفر شروطه التاريخية والقانونية بعد في بلادنا" (ص46).
عند انتقاله إلى المحور الثاني حول التصالح مع الذات ركز موضوعته حول ضحايا سنوات الجمر والحقيقة والإنصاف أم الإنصاف والمصالحة وكتابات الاعتقال السياسي التي شغلت الفضاء الإعلامي المغربي لسنوات خلت وما زالت أصداؤها تواجه المكاشفة والمراجعة والنقد ومرارة العلقم ولذة المساهمة في صناعة الأمل والعبور من شجون الذات إلى قضايا التاريخ. هذه عناوين مقالاته التي حاولت أن أرتبها بطريقة تعبر عنها وتدعو إلى إعادة قراءتها من اجل الشعب والوطن والتغيير نحو الأفضل، كما هو الحال مع معالجاته للمحور الثالث في قضايا المغرب العربي وكتابته نحو تجاوز حتميات أزمة الحرب الباردة وتساؤله هل تتبدد غيوم الاتحاد المغربي؟. والكاتب في كل ما سجله عالج القضايا الوطنية والقومية باهتمام موضوعي بناء للإسهام في إعادة صياغة ضرورات الإصلاح والعمل السياسي الخلاق لمجتمع عصري وحياة كريمة.
انتخابات جديدة منتصف الشهر القادم، ولها تُنشط الحركة السياسية ذاتها وحواراتها، وتتكشف مواقفها وشعاراتها، وبعدها تبدأ دورتها من جديد.
تشهد المغرب تطورات سياسية منذ نهاية القرن الماضي، وتتفاعل داخل مشهدها السياسي متموجة مع الحراك السياسي والصراعات الداخلية والضغوط المتغيرة داخليا وخارجيا عليها. وتشكل مراحل الانتخابات فرصة للحراك السياسي والتكتلات والنقاشات والصراعات حولها وحول عمليات الإصلاح السياسي والدستوري والتناوب الحزبي والتحالفات بين الأحزاب والكتل البرلمانية وبين الإدارة الملكية المتحكمة في المشهد السياسي. ولعل المفكر والباحث الدكتور كمال عبد اللطيف في كتابه: تحولات المغرب السياسي (الصادر في الرباط، عن دار الأمان 2006) قد وضع جهده على فهم مسار التحولات الجارية كما يسميها، "والموقف فيها يروم اعتبار أن ما يجري اليوم في مجتمعنا قابل للتطوير في اتجاه تحويل التوترات والمخاضات ومختلف مظاهر الصراع لبناء ما يعزز الأمل في بلوغ مرمى الانتقال الديمقراطي". ورأى في تقديمه محاولة مواجهة إشكاليات وأحداث وقضايا تعد جزء من ديناميات التحول الذي يجري، رادا على البعض الذي يرى ما جرى ويجري في المغرب سوى جملة من التحولات الجزئية المحاصرة بخيارات مانعة لإمكانية بلوغ عتبة الإصلاح السياسي الديمقراطي. وقد كتب عنها بمعياري التاريخ والسياسة وان مشروع الانتقال إلى الديمقراطية لا يعتبر أمرا بسيطا ولا يتحقق بيسر وسهولة. مستهدفا بناء جوانب من المخاضات الجارية اليوم مع محاولة لتعيين الملامح الكبرى للأفق الذي تتجه صوبه، أفق الإصلاح السياسي الذي يشكل المعركة المركزية في المشهد السياسي.
يتوزع الكتاب بمجموعة مقالاته على ثلاثة محاور هي: في أسئلة التحديث السياسي، في التصالح مع الذات، والمغرب واتحاد المغرب العربي، منطلقا فيها من بديهية الإسهام في تنشيط وتجميع جهود النخب السياسية المغربية للتمكن من بناء ما يحوّل جهود اليوم وتجارب الأمس إلى روافع تاريخية قادرة على بلوغ مرمى الإصلاح. ومستندا في الكثير من مقالاته على إمكانات التغيير والتحديث في العمل النظري والممارسة العملية والتأكيد على عاملي الزمن والاستمرارية، و"بان معركة التحديث لا تحل بمنهجية النظر إليها بلغة الوصفات التقنية الجاهزة، بل إن الانخراط في عملية التحديث بمختلف نتائجها تقتضي منا العمل في الجبهة الثقافية، جبهة الأفكار وذلك لتوضيح المشروع لأنفسنا ولذاتنا التاريخية أولا، ثم لبنائه بعد ذلك في ضوء مستجدات واقعنا ومستجدات النظر الحداثي في التاريخ، فعندما نقتنع بهذه المسالة ونعي أهميتها، نكون قد بدأنا الانخراط فعلا وبصورة تاريخية في الانتقال بمشروع الحداثة من مستواه التقني إلى مستواه التاريخي، أي ننتقل من السطح إلى العمق، من المظاهر إلى التصورات والرؤى القادرة على تركيب المرجعية النظرية لانخراطنا الفعلي في إبداع حداثتنا التاريخية". (ص16).
وفي قراءاته للمشهد الدستوري والحزبي شدد على ضرورة تجاوز لغة التقليد وتقديم صيغة سياسية توافقية جديدة، تتجاوز مفردات وممارسة تاويلية ومتناقضة مع المنطق الذي يتحكم في كثير من مجالات العمل السياسي ومؤسساته وقواعده، ومن اجل التمكن من الرفع لوتيرة الإصلاح وتعزيز مسيرة الانتقال الديمقراطي وتجاوز سنوات السلطة المطلقة. معتمدا على وقائع التغيرات التي حصلت منذ سنة 1998 والمسارات المتعاقبة لها بعد صدور وثيقة الإصلاحات الدستورية عام 1996 وما تبعها من مطالبات في مجالات ضبط حدود السلطة الملكية والتنصيص في الدستور على مبادئ حقوق الإنسان وتمكين مجلس النواب من المراقبة وتوسيع مجاله التشريعي وتقوية الضمانات الدستورية للحقوق والواجبات وفصل فعلي للسلط واعتماد مبدأ الاتساق القانوني في رفع ازدواجية المرجعية ومبدأ التعاقد واللغة الوضعية والضمانات القانونية والمؤسسية.
تاريخيا تميز المشهد السياسي في المغرب بتعددية حزبية وسياسية نظمتها صراعات بينها وبين السلطة التي تعمل لضبط حراكها والشارع معا، ولمناقشتها تساءل المفكر عبد اللطيف، عن مراقبة المشهد السياسي أم عقلنته؟ وهو يواصل قراءته للقوانين المنظمة لها، والباعثة إلى تطويرها وإغناء المشهد السياسي والحزبي مع ملاحظته التي لا يختلف اثنان من الناحية المبدئية عليها في لزوم إصلاح المشهد الحزبي داخل دائرة اعم تتعلق بإصلاح المشهد السياسي في كليته، "وقد اصبح هذا الأمر اكثر إلحاحا أمام تعددية حزبية أفقرت العمل السياسي بانقساماتها التي لا تقوم على أسس أيديولوجية أو برنامجية، قدر تحكمها مصالح فئوية ضيقة. إضافة إلى أعراض الشيخوخة التي لحقت كثيرا من التنظيمات الحزبية الوطنية التي لم تتمكن من تطوير آلياتها في العمل، وسط مجتمع ارتفعت وتائر تغيره بصورة تستدعي بناء أساليب جديدة في العمل السياسي الحزبي.. أما الأحزاب التي كانت قد ركبت بأوامر مخزنية (حكومية) في فترات معينة بهدف مناهضة الأحزاب ذات الشرعية التاريخية، فقد ظلت تشتغل بآليات موسمية.. ولم تتمكن من الانغراس الفعلي في واقع المجتمع المغربي.. ومقابل ذلك عملت بعض التيارات السياسية الجديدة المنطلقة من مرجعيات الإسلام السياسي على تحقيق عمليات في التواصل مع بعض قطاعات المجتمع المغربي، وتمكنت بصورة سريعة من إقامة حضور معزز بتنظيمات خيرية قاعدية، مما أهلها لإنجاز حضور يتمتع في نظر بعض الملاحظين بكثير من الفعالية في الفضاء الاجتماعي المغربي، وهو الأمر الذي يترتب عنه في الآن نفسه ضرورة التفكير في حدود اللغة المطلقة في بناء أسئلة التدبير الاجتماعي السياسي." (ص36). وخلص الكاتب إلى ضرورة إنجاز إصلاح دستوري جديد يساهم في الإصلاح الحزبي لوضوح حدود السلط و"حيث يصبح بإمكان السلطتين التشريعية والتنفيذية أن تمارسا عملهما في إطار صيرورة الصراع والتوافق التي تحكم جدلية العمل السياسي الحداثي، وهو ما يعني بلوغ الدولة والمجتمع عتبة الرشد التاريخي، وهو أمر لم تتوفر شروطه التاريخية والقانونية بعد في بلادنا" (ص46).
عند انتقاله إلى المحور الثاني حول التصالح مع الذات ركز موضوعته حول ضحايا سنوات الجمر والحقيقة والإنصاف أم الإنصاف والمصالحة وكتابات الاعتقال السياسي التي شغلت الفضاء الإعلامي المغربي لسنوات خلت وما زالت أصداؤها تواجه المكاشفة والمراجعة والنقد ومرارة العلقم ولذة المساهمة في صناعة الأمل والعبور من شجون الذات إلى قضايا التاريخ. هذه عناوين مقالاته التي حاولت أن أرتبها بطريقة تعبر عنها وتدعو إلى إعادة قراءتها من اجل الشعب والوطن والتغيير نحو الأفضل، كما هو الحال مع معالجاته للمحور الثالث في قضايا المغرب العربي وكتابته نحو تجاوز حتميات أزمة الحرب الباردة وتساؤله هل تتبدد غيوم الاتحاد المغربي؟. والكاتب في كل ما سجله عالج القضايا الوطنية والقومية باهتمام موضوعي بناء للإسهام في إعادة صياغة ضرورات الإصلاح والعمل السياسي الخلاق لمجتمع عصري وحياة كريمة.
انتخابات جديدة منتصف الشهر القادم، ولها تُنشط الحركة السياسية ذاتها وحواراتها، وتتكشف مواقفها وشعاراتها، وبعدها تبدأ دورتها من جديد.