الأربعاء، 13 مايو 2009

بريطانيا: متى الانسحاب والتحقيق في احتلال العراق؟

الاثنين 4/5/2009
تسربت أخبار كثيرة عن قرارات واتفاقيات وتحركات ولجان تحقيق ومواعيد لها وتأكيدات عليها رسمية، تتعلق في انسحاب القوات البريطانية التي شاركت بقرارات من الإدارة الأمريكية والبنتاغون في غزو واحتلال وتدمير دولة العراق. وسببت تلك الجريمة ما سببته في اغتيال الدولة العراقية، وقتل اكثر من مليون مواطن بريء وسرقة ونهب الآثار والوثائق واللوحات الفنية وغيرها من الأضرار والتداعيات المتوالدة في شتى المجالات، تحت ذرائع مختلقة وخادعة ولكنها لم تخف الأهداف الاستراتيجية، المتبلورة في الهيمنة والاستيلاء على ثروات العراق والمنطقة والتحكم بالسياسات الدولية بعدها. فهل حققت بريطانيا أهدافها من كل تلك الجريمة؟ ولماذا تنسحب الآن؟.
نشرت وسائل الإعلام البريطانية الكثير من التفاصيل عما قامت به القوات البريطانية خلال احتلالها ومشاركتها العسكرية وبينت أن الحصيلة فيها هي صناعة كارثة حقيقية لن يغفرها التاريخ، وكتب محللون ومختصون في هذا الشان بان نتائج الجريمة كبيرة وآثارها وتداعياتها ستبقى لفترة طويلة إذا لم تنجز الحكومة البريطانية والبرلمان تحقيقات واسعة وعلنية عن أسبابها وتعويض الشعب العراقي عما ألحقته وسببته له. ومهما كانت الأسباب الاستراتيجية المتغيرة الآن في أخبار الانسحاب وتبادل الأدوار كاملة لقوات الاحتلال الأمريكية، فان الفشل في التحكم على الأرض العراقية، وتصاعد الرفض الشعبي لتواجد تلك القوات في العراق وتزايد الغضب الشعبي واحتجاجات الرأي العام في بريطانيا، ومطالبات أهالي الجنود ولاسيما أهالي الضحايا بمختلف أنواعها في إعادة الجيش إلى بلاده وغيرها من العوامل الأخرى هي التي تدفع باتجاه الانسحاب. وهنا يتبادر السؤال.. متى يتم الانسحاب من العراق؟ وهل تنسحب القوات البريطانية فعلا وكيف تنسحب والقوات الأمريكية باقية ولماذا كل تلك الجريمة؟. وبغض النظر عن وجهة انتقال بعض هذه القوات بعد البصرة، ومواعيد محددة واستعدادات التبادل وتحضير السبل للانسحاب من العراق والتوجه صوب الكويت حاليا، وأفغانستان بعدها، فهل تستطيع الحكومة البريطانية التصرف وحدها؟. وما هو موقف البرلمان وأحزاب المعارضة التي أخذت أصواتها تتغير ومطالباتها تتركز في التخلص من التورط من جديد في أوحال أفغانستان ودروس التاريخ فيها، والتنافس استعدادا للانتخابات القادمة في العام القادم؟..
لقد ورث غوردون براون التورط في الحرب على العراق من سلفه ورئيسه السابق توني بلير. ولم يعد مخفيا ما قام به بلير من تسويف وترويج لجريمة الغزو، وقيامه بدور سفير أمريكي متجول ومبرر لكل الأعمال التي سبقت الاحتلال بما فيها الكذب الصريح على البرلمان البريطاني( مجلس العموم) لكسب موافقته على المشاركة في الحرب على العراق، واضطلاعه بمهمات إصدار سلسلة من الخدع والأكاذيب التي كشف بطلانها، حتى أن وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية أطلقت عليه اسم الكلب المدلل لجورج بوش الرئيس الأمريكي السابق. ومهما قامت به الحكومة الحالية من إعلانات مبرمجة، وتصريحات إعلامية عبر البرلمان، سواء من قبل رئيس الحكومة أو وزير الخارجية ديفيد ميليباند فأنها في الأخير لا تكشف كل الحقائق وستكرر ما قامت به لجان سابقة في قضايا مشابهة ولها علاقة وانتهت في سراديب أو على رفوف البيروقراطية المعروفة في الدوائر الحكومية ودهاليز البرلمان.
كانت أفكار الانسحاب البريطاني من العراق من شعارات براون في فترة صراعه مع سلفه ورغبته في الزعامة من بعده، وعلى طريقة السياسة البريطانية الكلاسيكية مارس دوره بعد ذلك وتنكر لأقواله ووعوده وأبقى قواته ولم يعط درسا لحليفه الأكبر في الإدارة الأمريكية حينها، وجاء الآن دورها مستثمرا فرصة أخرى لأحلام الإمبراطورية الغائبة. وكذلك فعل وزير خارجيته في انتقاداته للفترة السابقة وللمشاركات في الغزو وتعريض الشعوب والمصالح إلى أخطار غير محسوبة، ووعد بإجراء مراجعات وتصحيح لها، ولم يفعل بعد فترة من تثبيت مواقعه في السلطة والحزب وطرح نفسه بديلا محتملا لبراون في القيادة.
أخبار الانسحاب والاستعدادات له جارية أو متدرجة والسؤال: لماذا حصل ما حصل ومن المسؤول عنه وعن الضحايا والخسائر البشرية والمادية؟ وغيرها من الأسئلة التي ستكون موضع التحقيق وصدارة الشعارات الانتخابية القادمة. لهذا تسارع رئيس الوزراء وزعيم الحزب الحاكم، استباقا للحملة الانتخابية ومحاولات أحزاب المعارضة في هذا المجال، إلى التأكيد على إعلان ما تسرب خلال الأسابيع الماضية وعلى التحقيق بعد انتهاء غبار الانسحاب، وأخيرا إعلانه انتهاء مهماتها الحربية. كما عاد وزير الخارجية واكد أن تحقيقا كاملا في الحرب يبدأ في أسرع وقت بعد سحب القوات البريطانية من البلد المضطرب.. (ومن المقرر أن يستكمل الجيش انسحابه من العراق نهاية تموز/يوليو. ويبقى 400 عسكري لمهمات غير عسكرية عنوانها التدريب). فهل سيتحقق ذلك؟ كيف وإلى متى؟.
رغم تبدل الإدارة الأمريكية ووعود رئيسها الجديد باراك اوباما بأفكار الانسحاب والتغيير، وبعد توقيع اتفاقية سميت بانسحاب القوات تضمنت جدولة انسحاب تنتهي بنهاية عام 2011، إلا أن المؤشرات الأخرى لا تسمح لتنفيذ ما يعلن ويقال إعلاميا، والاستجابة اللفظية لإجراء تحقيق واسع يبحث في شرعية قرارات المشاركة في الحرب وصحة الأسباب والمبررات التي قدمت لاتخاذها تدخل في أبواب المنافسة والانتخابات والنتائج الجاهزة أو المعروفة سلفا. وفي الأغلب الأعم لا يختلف الأمر عن اللجان التحقيقية السابقة، التي ما زالت قضاياها غير مكشوفة للعلن وظل التكتم سيد الموقف فيها والحجج جاهزة لدى الجهات الحكومية الرسمية حولها.
بعض قوى المعارضة والرأي العام يطالب بحقه في معرفة الحقيقة عن كل ما حصل للعراق ولماذا شاركت بريطانيا في صناعة الكارثة للشعب العراقي وتكبيده كل هذه الخسائر البشرية والمادية وبعد كل تلك السنوات العجاف؟.
إن الإعلان عن الانسحاب والتحقيق بعده غير كاف ولابد من الإعلان الواضح والعلني وتحمل المسؤوليات ومحاسبة أصحابها، وبدونها فان كل ما يقال يظل قبض ريح!.