الجمعة24/4/2009
ما جرى في السودان قبل فترة ليست بعيدة لا يخص السودان فقط. فهو، حسب كثير من التحليلات والدراسات المختصة، إنذارات مبكرة متعددة الاتجاهات والتداعيات. وليست البداية فيه إصدار حكم المحكمة الجنائية الدولية وقائمة الاتهامات لرئيس الدولة السودانية الحاكم، كسابقة أولى، كما أن الغارة المتعددة المصادر والأسباب والمتنوعة الأهداف والاتجاهات ليست النهاية. وإذا كانت الحجة في قرار المحكمة قضايا حقوق الإنسان في دارفور السودانية وكيل الاتهامات دون تدقيق ولغايات سياسية واضحة غير بعيدة عن ثروات السودان وما تحتويه ارض دارفور خصوصا، وصراع الشركات وأصحابها على الهيمنة والاستيلاء عليها دون غيرها وبالضد من المصالح الوطنية السودانية، فان الغارة مؤشر آخر على الاستبداد والاستهانة وفرض الإملاءات والتهديد بعواقب مشابهة دون إذن أو اعتبار لقانون دولي واستقلال دول وسيادة شعوب.
الأخبار عن الغارة نشرت بعد أسابيع من حصولها وتباينت كالعادة تفاصيلها واشتبكت فيها الحقائق بالأوهام أو ما شابهها، ولكن المؤكد فيها أن طائرات صهيونية وأمريكية ودعم لوجستي تم فعلا تنفيذه بغارات داخل ارض الدولة السودانية وراح ضحيته مواطنون سودانيون وغيرهم حسب مختلف الروايات. ما أوردته جريدة الشروق (المصرية، يوم 24 /3/2009) أول الأمر يعبر عن نفسه: "دمرت الطائرات الأمريكية قافلة شاحنات قيل إنها كانت محملة بالأسلحة ومتجهة إلى الحدود المصرية، للشك في أنها مهربة إلى سيناء، تمهيدا لإدخالها عبر الأنفاق إلى قطاع غزة في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي". وقالت مصادر مطلعة لـ"الشروق": إن القافلة ضمت 17 سيارة، وأن عدد ركابها كانوا 39 شخصا. وكان القصف قويا لدرجة أن السيارات جميعها قد تفحمت بركابها، الذين لم ينج منهم أحد. ولشدة القصف فإن الصواريخ التي أطلقت خلفت 18 حفرة تراوحت أقطارها ما بين 160 و430 مترا. تحدثت المصادر عن أن هذه أول عملية كبيرة تم فيها إحباط محاولة تهريب السلاح إلى غزة، إعمالا لقرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار في غزة، وحظر تجارة وتصدير السلاح إلى غزة، وتنفيذا للاتفاق الأمني الذي تم توقيعه بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية. وهو الاتفاق الذي يلزم الولايات المتحدة بالتعاون مع حلف الناتو والقوى الفاعلة الأخرى بالعمل على وقف تهريب السلاح إلى غزة، عبر شرق أفريقيا والبحر الأحمر وخليج عدن والبحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى تعاون استخباراتى لتحديد مصادر الأسلحة، وبصفة خاصة القادمة من السودان وإيران.
لا يحتاج هذا التفصيل الإعلامي إلى تعليق، فهو واضح بمعانيه ودلالاته، ولكن تحليله يضع أسئلة كثيرة عن مصادره وأسباب كتمانه وتأخير الإعلان عنه وعلاقته بالأمن القومي لكل الدول التي تم عبرها هذا العمل الذي يوصف قانونيا بالاعتداء والعدوان على سيادة دولة والصمت فيه أو التغاضي عنه مشاركة معلنة فيه، ودليل آخر على ارتكابه وتكرار التفرج عليه، وغيرها من الأسئلة التي تفضح وتصدم لما بعدها.
أضافت الصحيفة أن مندوبها "علم أن الحادث وقع في آخر شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، في منطقة صحراوية تقع شمال غرب مدينة بورتسودان، قرب جبل الشعنون. وقد تكتمته حكومة الخرطوم، التي لم تستطع أن تحدد المكان الذي خرجت منه الطائرات الأمريكية، فضلا عن أن عملية القصف تمت داخل حدودها، الأمر الذي سبب لها حرجا كبيرا". (انتهى الخبر). وبعد هذا النشر العلني تواترت الأخبار عن اعترافات صهيونية وأمريكية بتنفيذ الحادث (هكذا!)، وصولا إلى التبجح فيه، وفي تفاصيله وأساليبه والتناقضات المقصودة وفي التهديدات المبطنة فيها، ومحاولات طمس التداعيات من بعده والتعاون الاستخباري المكثف والمشترك في تنفيذه.
نقلت وسائل الإعلام عن صحيفة صهيونية يوم 9/4/2009 عن مصدر أمني، قوله إن وحدة الكوماندوس البحري في الجيش الصهيوني، "شييطت 13"، شاركت في الهجوم الذي نفذته تل أبيب في السودان في كانون الثاني/ يناير الماضي. وأكد المصدر أن العملية استهدفت، من بين جملة أهداف، سفينة سلاح كانت ترسو في شاطئ سوداني بعد قدومها من إيران". وفي اليوم التالي أوردت وكالات الأنباء ما يلي: اعترف مصدران أمنيان "إسرائيليان" رفيعا المستوى للمرة الأولى بمسؤولية بلادهما عن الغارة التي استهدفت قافلة في السودان قيل إنها تحمل أسلحة لـ"حماس" في غزة في أواسط كانون الثاني/ يناير الماضي. وكشف المصدران لمجلة "تايم" الأمريكية أن طائرات "إسرائيلية" مدعومة بطائرات استطلاع من دون طيار نفذت الغارة التي استهدفت ما قالا إنها قافلة أسلحة إيرانية إلى غزة، وقال أحد المصادر أن "إسرائيل" أبلغت الولايات المتحدة بأنها ستنفذ الغارة، وأضاف أن طائرات "إف 16" نفذت جولتين من القصف على القافلة وأجرت دورة حول الموقع مخافة انطلاق أية طائرة من الخرطوم أو من دولة مجاورة، وبعد الجولة الأولى مرت طائرات استطلاع مزودة بكاميرات عالية الجودة فوق الموقع وأظهرت الصور أن القافلة دمرت جزئياً عندها تمت جولة ثانية، وتزودت الطائرات بالوقود في الجو فوق البحر الأحمر، وحركت "إسرائيل" سفناً ومروحيات إلى البحر الأحمر في حال سقوط أي طيار.
هل هذه التفاصيل التي تنشرها وسائل إعلام الكيان الإسرائيلي جديدة؟ وإلى متى الصمت عليها؟. تسمح القوى الاستعمارية والصهيونية لنفسها إقامة قواعد واستطلاعات مسبقة وعلاقات مع دول القرن الأفريقي والبحر الأحمر وتدير الكثير من العمليات في تلك المنطقة وتتحكم أو ترغب أن تقرر طبيعة العلاقات، حرصا على أمنها هي، أما الدول ذات الشان فما عليها إلا نشر الأخبار والتفرج على نتائجها والتستر عليها. ولعل ما نشر عن اجتماعات رسمية في عواصم أوربية، واتفاقيات عسكرية موقعة بين كل الأطراف حول حصار غزة والعدوان عليها في الأسابيع الثلاثة التي عرت الكثير من المواقف اللفظية العربية والإسلامية تكشف ما وراء الغارة والصمت على ارتباطاتها الأخرى وتداعياتها التي تثار الآن في اكثر من عاصمة عربية خصوصا. إن التفرج على مثل هذه الأعمال العدوانية يفتح الشهية لها وهذا ما حصل ويحصل الآن في العالم العربي أساسا، ومن بين المراد منه تشويه صورة من يقدم المساعدة المطلوبة وتبديله إلى عدو وتغيير الاتجاهات والتنسيق إذا لم يكن التعاون مع العدو الحقيقي، وهو ما يحدث الآن علنا ودون حرج!، وما خفي اعظم!.
ما جرى في السودان قبل فترة ليست بعيدة لا يخص السودان فقط. فهو، حسب كثير من التحليلات والدراسات المختصة، إنذارات مبكرة متعددة الاتجاهات والتداعيات. وليست البداية فيه إصدار حكم المحكمة الجنائية الدولية وقائمة الاتهامات لرئيس الدولة السودانية الحاكم، كسابقة أولى، كما أن الغارة المتعددة المصادر والأسباب والمتنوعة الأهداف والاتجاهات ليست النهاية. وإذا كانت الحجة في قرار المحكمة قضايا حقوق الإنسان في دارفور السودانية وكيل الاتهامات دون تدقيق ولغايات سياسية واضحة غير بعيدة عن ثروات السودان وما تحتويه ارض دارفور خصوصا، وصراع الشركات وأصحابها على الهيمنة والاستيلاء عليها دون غيرها وبالضد من المصالح الوطنية السودانية، فان الغارة مؤشر آخر على الاستبداد والاستهانة وفرض الإملاءات والتهديد بعواقب مشابهة دون إذن أو اعتبار لقانون دولي واستقلال دول وسيادة شعوب.
الأخبار عن الغارة نشرت بعد أسابيع من حصولها وتباينت كالعادة تفاصيلها واشتبكت فيها الحقائق بالأوهام أو ما شابهها، ولكن المؤكد فيها أن طائرات صهيونية وأمريكية ودعم لوجستي تم فعلا تنفيذه بغارات داخل ارض الدولة السودانية وراح ضحيته مواطنون سودانيون وغيرهم حسب مختلف الروايات. ما أوردته جريدة الشروق (المصرية، يوم 24 /3/2009) أول الأمر يعبر عن نفسه: "دمرت الطائرات الأمريكية قافلة شاحنات قيل إنها كانت محملة بالأسلحة ومتجهة إلى الحدود المصرية، للشك في أنها مهربة إلى سيناء، تمهيدا لإدخالها عبر الأنفاق إلى قطاع غزة في أواخر يناير/ كانون الثاني الماضي". وقالت مصادر مطلعة لـ"الشروق": إن القافلة ضمت 17 سيارة، وأن عدد ركابها كانوا 39 شخصا. وكان القصف قويا لدرجة أن السيارات جميعها قد تفحمت بركابها، الذين لم ينج منهم أحد. ولشدة القصف فإن الصواريخ التي أطلقت خلفت 18 حفرة تراوحت أقطارها ما بين 160 و430 مترا. تحدثت المصادر عن أن هذه أول عملية كبيرة تم فيها إحباط محاولة تهريب السلاح إلى غزة، إعمالا لقرار مجلس الأمن القاضي بوقف إطلاق النار في غزة، وحظر تجارة وتصدير السلاح إلى غزة، وتنفيذا للاتفاق الأمني الذي تم توقيعه بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية. وهو الاتفاق الذي يلزم الولايات المتحدة بالتعاون مع حلف الناتو والقوى الفاعلة الأخرى بالعمل على وقف تهريب السلاح إلى غزة، عبر شرق أفريقيا والبحر الأحمر وخليج عدن والبحر الأبيض المتوسط، بالإضافة إلى تعاون استخباراتى لتحديد مصادر الأسلحة، وبصفة خاصة القادمة من السودان وإيران.
لا يحتاج هذا التفصيل الإعلامي إلى تعليق، فهو واضح بمعانيه ودلالاته، ولكن تحليله يضع أسئلة كثيرة عن مصادره وأسباب كتمانه وتأخير الإعلان عنه وعلاقته بالأمن القومي لكل الدول التي تم عبرها هذا العمل الذي يوصف قانونيا بالاعتداء والعدوان على سيادة دولة والصمت فيه أو التغاضي عنه مشاركة معلنة فيه، ودليل آخر على ارتكابه وتكرار التفرج عليه، وغيرها من الأسئلة التي تفضح وتصدم لما بعدها.
أضافت الصحيفة أن مندوبها "علم أن الحادث وقع في آخر شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، في منطقة صحراوية تقع شمال غرب مدينة بورتسودان، قرب جبل الشعنون. وقد تكتمته حكومة الخرطوم، التي لم تستطع أن تحدد المكان الذي خرجت منه الطائرات الأمريكية، فضلا عن أن عملية القصف تمت داخل حدودها، الأمر الذي سبب لها حرجا كبيرا". (انتهى الخبر). وبعد هذا النشر العلني تواترت الأخبار عن اعترافات صهيونية وأمريكية بتنفيذ الحادث (هكذا!)، وصولا إلى التبجح فيه، وفي تفاصيله وأساليبه والتناقضات المقصودة وفي التهديدات المبطنة فيها، ومحاولات طمس التداعيات من بعده والتعاون الاستخباري المكثف والمشترك في تنفيذه.
نقلت وسائل الإعلام عن صحيفة صهيونية يوم 9/4/2009 عن مصدر أمني، قوله إن وحدة الكوماندوس البحري في الجيش الصهيوني، "شييطت 13"، شاركت في الهجوم الذي نفذته تل أبيب في السودان في كانون الثاني/ يناير الماضي. وأكد المصدر أن العملية استهدفت، من بين جملة أهداف، سفينة سلاح كانت ترسو في شاطئ سوداني بعد قدومها من إيران". وفي اليوم التالي أوردت وكالات الأنباء ما يلي: اعترف مصدران أمنيان "إسرائيليان" رفيعا المستوى للمرة الأولى بمسؤولية بلادهما عن الغارة التي استهدفت قافلة في السودان قيل إنها تحمل أسلحة لـ"حماس" في غزة في أواسط كانون الثاني/ يناير الماضي. وكشف المصدران لمجلة "تايم" الأمريكية أن طائرات "إسرائيلية" مدعومة بطائرات استطلاع من دون طيار نفذت الغارة التي استهدفت ما قالا إنها قافلة أسلحة إيرانية إلى غزة، وقال أحد المصادر أن "إسرائيل" أبلغت الولايات المتحدة بأنها ستنفذ الغارة، وأضاف أن طائرات "إف 16" نفذت جولتين من القصف على القافلة وأجرت دورة حول الموقع مخافة انطلاق أية طائرة من الخرطوم أو من دولة مجاورة، وبعد الجولة الأولى مرت طائرات استطلاع مزودة بكاميرات عالية الجودة فوق الموقع وأظهرت الصور أن القافلة دمرت جزئياً عندها تمت جولة ثانية، وتزودت الطائرات بالوقود في الجو فوق البحر الأحمر، وحركت "إسرائيل" سفناً ومروحيات إلى البحر الأحمر في حال سقوط أي طيار.
هل هذه التفاصيل التي تنشرها وسائل إعلام الكيان الإسرائيلي جديدة؟ وإلى متى الصمت عليها؟. تسمح القوى الاستعمارية والصهيونية لنفسها إقامة قواعد واستطلاعات مسبقة وعلاقات مع دول القرن الأفريقي والبحر الأحمر وتدير الكثير من العمليات في تلك المنطقة وتتحكم أو ترغب أن تقرر طبيعة العلاقات، حرصا على أمنها هي، أما الدول ذات الشان فما عليها إلا نشر الأخبار والتفرج على نتائجها والتستر عليها. ولعل ما نشر عن اجتماعات رسمية في عواصم أوربية، واتفاقيات عسكرية موقعة بين كل الأطراف حول حصار غزة والعدوان عليها في الأسابيع الثلاثة التي عرت الكثير من المواقف اللفظية العربية والإسلامية تكشف ما وراء الغارة والصمت على ارتباطاتها الأخرى وتداعياتها التي تثار الآن في اكثر من عاصمة عربية خصوصا. إن التفرج على مثل هذه الأعمال العدوانية يفتح الشهية لها وهذا ما حصل ويحصل الآن في العالم العربي أساسا، ومن بين المراد منه تشويه صورة من يقدم المساعدة المطلوبة وتبديله إلى عدو وتغيير الاتجاهات والتنسيق إذا لم يكن التعاون مع العدو الحقيقي، وهو ما يحدث الآن علنا ودون حرج!، وما خفي اعظم!.