الاثنين، 20 أبريل 2009

تطورات المشهد السياسي في موريتانيا

الجمعة 17/4/2009
دخلت موريتانيا المشهد السياسي بقوة بعد التطورات التي حصلت فيها خلال الأشهر الأخيرة، ولفتت انتباه الرأي العام، للمسيرة الديمقراطية، والانتخابات التي تمت بإشراف دولي وعربي وعم ارتياح عام داخل البلاد وخارجها. على إثرها فاز رئيس مدني جديد، سيدي ولد الشيخ عبد الله، وبرلمان جديد، وتخلى الجنرالات عن زمام السلطة بعد انقلابهم العسكري، مقتنعين باللعبة السياسية والعملية الديمقراطية حلاً لبلادهم من عهود من الانقلابات والدكتاتورية والفساد السياسي والإداري والإرتهانات الدولية المعادية للمصالح الوطنية. ولتكون تجربتهم الحالة الثانية في العالم العربي بعد تجربة الجنرال عبد الرحمن سوار الذهب في السودان. ولكن لم تستمر الحالة طويلا، إذ اصدر الرئيس المدني يوم السادس من آب/ أغسطس 2008 قرارات بعزل ضباط لهم موقعهم وموقفهم من هرم السلطة، فردوا عليه بمثله واستلام السلطة منه. وكالعادة وعد القادة الجدد بتصحيح الأوضاع وإنقاذ البلاد من الأسباب التي دفعتهم إلى استلام السلطة وتوقيف الرئيس السابق وإقالة حكومته ومن ثم الإفراج عنه وإبعاده إلى بلدته التي مازال مقيما فيها. ومن ثم جاء الحديث عن انتخابات جديدة وإصلاحات جديدة وتغييرات جديدة.
هذا التطور السياسي يشير إلى دور مستمر للجيش في الإدارة السياسية في العالم العربي خصوصا، كما يضعه أيضا أمام مسؤولياته الوطنية في حالات الارتداد عن المصالح العليا والثوابت القومية والابتعاد عن الحكم الرشيد والتنمية البشرية وتبديد الثروات وحقوق الإنسان. فأين يقع ما حصل في موريتانيا؟.
كشفت التطورات المتلاحقة حالة انقسام في المشهد السياسي والوضع العام، وتصاعد الصراع والتهديد باستخدام كل الوسائل المتاحة في العمل السياسي بين المجلس العسكري ومؤيديه وقوى المعارضة السياسية، والمؤيدة من الرئيس السابق والداعية لإعادته وإلغاء عزله وإنهاء الانقلاب، داخل البرلمان وخارجه. كما دخلت الضغوط الخارجية والوساطات على المشهد وتباينت المواقف فيها وحولها بين التأييد والرفض، عاكسة ما هو قائم في الشارع السياسي وتباين المواقف بين القبول بهيمنة جنرالات الجيش على الحياة السياسية بقراءة خلفياتهم ومواقفهم وتصوراتهم في السلطة وبين العمل على احترام قواعد اللعبة الديمقراطية بوصفها الضمان الوحيد للتبادل السلمي على السلطة والعودة إلى ما قبل السادس من آب/ أغسطس، أو بين التغيير والإصلاح، أو العودة والاستمرار.
في كل الأحوال استقال رئيس المجلس العسكري الجنرال محمد ولد عبد العزيز ورشح نفسه للانتخابات التي أعلن عنها يوم السادس من أيار/ مايو القادم. وستكون موريتانيا على موعد آخر من التطورات السياسية بعد ذلك، ولكن هل ستجري الأمور كما يخطط لها المجلس العسكري أم قادة المعارضة أم المتدخلون من كل الاتجاهات في الشؤون الداخلية؟.
الخطوات اللاحقة تقرر مصير التطورات السياسية في المشهد السياسي في موريتانيا. المجلس العسكري عازم عل كسب المعركة الديمقراطية في الدخول إلى اللعبة من أبوابها المفتوحة، المشاورات والزيارات والجولات للولايات وكسب الشارع السياسي الداخلي إلى جانبه والانتخابات، بينما تخوض قوى المعارضة وزعيمها احمد ولد داداه صراعها مع المجلس تحت تسمية المقاومة الديمقراطية أيضا، رافضة المشاركة بالانتخابات مع تصعيد الحرب الإعلامية بين الطرفين. فقد اتهم ولد الداداه رئيس المجلس بالفساد، والسعي لتشريع الانقلاب بالانتخابات، وإنشاء خلية لتفكيك حزب المعارضة الرئيسي. وكشف عبد العزيز أن زعيم المعارضة جاءه عدة مرات يطلب منه تنفيذ الانقلاب، وأنه دعمه وشارك فيه قبل أن يتراجع. وبين هذين الموقفين تجري الأمور السياسية داخل موريتانيا الآن. في وقت ترتفع أصوات أخرى تدعو للحوار والتوافق على مخارج سلمية وحلول مرضية للأطراف المتصارعة إلا أن البيانات والتصريحات الأخرى لا تؤشر إلى توجهات متقابلة أو متقاطعة للوصول إلى نهايات مشتركة لحد الآن.
الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية، مصممة على إفشال ما وصفه بيانها بالاجندة الأحادية للجنرال محمد ولد عبد العزيز، مع استعدادها للحوار على أساس دستوري "لا ينبغي أن يكون هدفه تشريع الانقلاب العسكري بل يجب أن يسعى إلى إعادة النظام الدستوري الديمقراطي والوئام الوطني والسلم المدني". وفي بيان مشترك للجبهة وتكتل قوى الديمقراطية أكدا على حرصهم الدائم على الخروج من الأزمة، واستعدادهم للتعاطي الإيجابي مع المبادرة التي تقدم بها وزير خارجية جمهورية السنغال، لجمع الأطراف الموريتانية الثلاثة المعنية، للوصول إلى حل توافقي بينها عبر الحوار الجاد والملزم، واعتبر الطرفان أن ضمان نجاح هذه المبادرة، يمر حتما بإبداء حسن النية وخلق أجواء إيجابية، وطالبا بالوقف الفوري لخريطة الطريق الأحادية، الخاصة بالانتخابات الرئاسية. وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإنهاء جميع المتابعات، منذ 6 أغسطس 2008. ووقف الحملات الإعلامية، وفتح وسائل الإعلام العمومية أمام جميع الأطراف، واعتبار بيان المجموعة الدولية حول موريتانيا الصادر في باريس بتاريخ 20 فبراير 2009، المرجعية الوحيدة لهذه المفاوضات.
من جهته حث رئيس المجلس الجنرال عبد العزيز في خطاب استقالته الشعب الموريتاني الى الاستعداد لتنفيذ استحقاقات انتخاب رئيس الجمهورية "بطريقة ديمقراطية وشفافة في أعقاب مرحلة انتقالية حددت أغلبية الموريتانيين مدتها". وأكد: "أن الحركة التصحيحية عززت روح النضال خاصة لدى الشباب والنساء وهي الشرائح التي تسعى أكثر من غيرها إلي الخروج من واقع البطالة والفقر إلى واقع أفضل تسود فيه الحرية و العدل والاحترام. كما أدى تغيير السادس من أغسطس إلى الرفع من مستوى الوعي لدى المواطنين وإلى خلق روح المطالبة بحقوقهم بالطرق القانونية والأساليب المتحضرة بعيدا عن الفوضى والبلبلة. وعكسا لما يحلو للبعض أن يتشدق به، فان حرية التعبير قد تعززت في الآونة الأخيرة ولم يعد في البلد اليوم أي سجين رأي رغم الانتهاكات الصارخة التي يقوم بها بعض من يحنون إلى عهد الفساد، استفزازا وتحريضا. وهنا أود أن أؤكد من جديد أن قوات الأمن لن تتهاون مع أي من تسول له نفسه خرق القانون بطريقة أو بأخرى. وسيظل القانون سائدا وسيدا في البلد وسيعاقب بالصرامة اللازمة كل من ينتهكه مهما سيكلف ذلك السلطات العمومية من ثمن".
بين هذين الخطابين الصارمين سيكون المشهد السياسي في الأيام القادمة، فمن سيضع موريتانيا على الطريق السليمة؟.