الثلاثاء، 31 مارس 2009

أنقاض المشروع الأمريكي في العراق

الجمعة 27/3/2009
بعد مرور ست سنوات متتالية على تنفيذ المشروع الأمريكي لاحتلال العراق ولأهداف معلنة ومضمرة كشفت اغلبها لم يتحقق ما استهدفه المشروع أساسا، وبات مع المتغيرات التي حصلت في واشنطن موضوع صراع داخل البيت الأمريكي وأصحاب القرار السياسي ومع حلفاء المشروع ودافعي خدماته. واصبح الحديث عن أنقاض المشروع مبكرا له قبل نهايته المحتمة. لقد وقف الشعب العراقي أمام المشروع الذي حلم به في التغيير والتخلص من الدكتاتورية وإعادة بناء بلاده بثرواته حسب خياراته الوطنية موقفا حاسما بعد دخول الدبابات إلى عاصمة بلاده، وانهمار الصواريخ الأمريكية من خارج حدود وطنه لتدك معالمه ومؤسساته التي سهر عليها وأرادها صرحا لمستقبل أجياله، الأمر الذي فرض على الإدارة الأمريكية اختيار الانسحاب خطة للهروب والهزيمة من العراق، مع بقاء الأهداف السرية من المشروع قائمة، والمراوحة بين تجارب فيتنام والصومال وما بعد مرحلة الحرب الباردة.
أمام الوضع في العراق خلال الفترة وقف الصحافي والكاتب السياسي صلاح النصراوي في كتابه المعنون: فوق الأنقاض، نهاية المشروع الأمريكي في العراق، (منشورات دار المحروسة، القاهرة ، ط 1، 2008)، مناقشا المشروع من خلال متابعة وتحليل جادين وموثقين منذ البدايات إلى التفكير بحيرة لما بعد الأنقاض، مستندا لمقولة يونانية على لسان زوربا: كنت اعلم ما الذي سينهدم، لكني لا اعرف ما الذي سيبنى فوق الأنقاض.
حاول الكاتب قراءة الأحداث التي بدأت من تلك الحكاية التي حولت ذلك الحلم الإنساني البسيط بالحرية لشعب، إلى كابوس مرعب، عبر المرور بالمحطات التي قطعها مشروع الحرب التي شنتها إدارة الرئيس جورج بوش "لإسقاط صدام حسين". وهو ما تعج به اليوم وفي اغلب المناسبات برامج الواقع في الفضائيات العديدة. وأشار إلى النقطة الجوهرية التي حاول في كتابه تركيز الأنظار عليها، وهي كيف أن العراقيين الذين ظلوا يتشبثون بالأمل للخلاص من واقعهم المأساوي وقعوا ضحية لعملية خداع كبرى، كانت نتاج مزيج من الحماقة وغطرسة القوة والأحلام الإمبراطورية والنبوءات الخرافية، إضافة إلى المؤامرات الدنيئة والصفقات الخسيسة ورغبات دفينة للثأر، وطموحات مرضية رافقها تواطؤ مخز وجبن لا أخلاقي نادر وصمت عاجز، حيث اجتمع كل ذلك ليخلق مأساة اكثر رعبا مما أنتجه القهر الصدامي، (ص15).
في سبعة فصول أو ملفات تابع المؤلف الوضع منذ اجتماع المعارضة العراقية في فندق بلندن تحت أشراف زلماي خليل زاده، سفير المحافظين الجدد، ومعتمد الرئيس الأمريكي، وحتى الصراعات الداخلية التي انفجرت في الداخل بين مكونات الشعب العراقي، بإشراف السفراء الأمريكيين أيضا، من بريمر واتباعه إلى نغروبونتي وفرقه والى خليل زاده نفسه، ومن تلاه. ومن ذلك المؤتمر وما خرج به أعضاؤه رسمت الخطط للمشروع الأمريكي، واصبح كل شيء جاهزا للحرب. في 29 آب/ أغسطس 2002 وقّع بوش على "بيان أهداف المهمة" أمر الاستعداد لها رسميا. وقبل أيام منه أنجز مسؤولون في الإدارة وثيقة سرية تحت عنوان: "العراق: الأهداف والغايات والاستراتيجية" حددت الأهداف الأساسية من شن الحرب على العراق. وفي خطابه الذي أعلن فيه اندلاع الحرب يوم 19/3/2003 حدد بوش ثلاثة أهداف لها: نزع سلاح صدام وجعل العراق اكثر أمنا وتحرير الشعب العراقي. بينما المعروف أن السياسة الأمريكية بعد انتهاء الحرب الباردة تتمحور حول ثلاث قضايا رئيسية: حماية الكيان إلاسرائيلي، واستمرار تدفق النفط، وضمان أمن المنطقة بشكل يكفل المصالح الأمريكية والصهيونية والطاقة والأنظمة الحليفة والصديقة لواشنطن. واضيف لها بعد أحداث أيلول/ سبتمبر 2001 محاربة الإرهاب، الذي لخص استراتيجية الهجوم الإمبراطورية الأمريكية فيما بعد، تحت مسميات الحروب الاستباقية وغيرها. وما يلفت الانتباه هو الوضوح الأمريكي والغربي عموما في مشاريعه والغموض العراقي والعربي عموما منه. وهو الذي وضحه النصراوي أو وثقه في كتابه. وبغض النظر عما قاله العرب في الحرب فقد ساهمت تسع دول عربية فعليا في المجهود الحربي مباشرة خلال توفير المرور للقوات الأمريكية عبر المياه الإقليمية.. وفتح الأجواء العربية والقواعد الجوية والتسهيلات العسكرية. مستنتجا في ص 71: إن الحرب لم تكن ممكنة، بل كانت مستحيلة، دون المساهمة العربية السخية،.. ولا يشفع فيها القول أن الأنظمة العربية كانت اعجز من أن تقف ضد الحرب، فان تقف ضد الحرب شيء، ولكن أن تقدم لها كل التسهيلات التي تجعلها ممكنة شيء آخر، تماما. وليس بعيدا عنه الموقف الأوروبي الرسمي الذي اظهر ضعفا، والى حد ما جبنا، كما سماه النصراوي، في الوقوف أمام الرغبة الأمريكية العارمة باجتياح العراق، ولم يصر على أن يرتبط ذلك بإجماع دولي وشرعية قانونية دولية.
من رصده للأوضاع بعد الغزو توصل إلى أن ما قام به الغزو ترك تداعيات خطيرة على الشعب والوطن، بدء من التفكيك في البنى السياسية والاجتماعية إلى صناعة حروب داخلية وأهلية مقصودة ومطلوبة وصولا إلى خطة القائد العسكري الأمريكي ديفيد بترايوس حول الاندفاعة الجديدة وتعميق التفاوت والاقتتال بين الجماعات العراقية. وحين وصل إلى نهاية السنة الخامسة للاحتلال رأى الفجوة تتسع وعلى نقيض ما ظلت تغزل به الدعاية الأمريكية من أن عراقا موحدا وديمقراطيا وتعدديا اصبح قيد الإمكان، متوجها إلى أن نهجا عكسيا هو الذي سيبقى سائدا لفترة طويلة قادمة. (ص 134). وشخّص أن المشكلة كانت في إيجاد أرضية توافقية بين الجماعات العراقية وهي التحدي الأكبر أمام نجاح مشروع التغيير، الذي لم يتم الاستعداد لمواجهته من قبل الأمريكان. وفي كل مجادلاته قرأ الواقع كما كان وبتوقعات معاكسة لما عليه إندفاع المشروع الأمريكي، وصولا إلى تحميل المسؤولية لثلاثة أطراف لما آلت إليه الأوضاع من دمار. أولها العراقيون أنفسهم، وبالصدارة منهم أولئك الذين تصدوا للعمل سواء مع العملية السياسية أو ضدها. وثانيا: الولايات المتحدة الأمريكية التي غزت العراق ودمرت دولته ومحت أسسها السياسية ومنظومتها الاجتماعية ثم تعاملت بخفة واستهتار وغباء وعجرفة مع أية محاولة لإعادة بنائه، كما وعدت. وثالثا: هناك دول الإقليم، ودورها، مفصلا في ذلك، أطرافا ومجموعة.
انتهى المؤلف إلى فشل المشروع الأمريكي ووضع حلا في العودة إلى الأمم المتحدة لإنقاذ العراق من الاحتلال. مستعرضا ومحللا في الكثير من القضايا والموضوعات التي رأى من خلال توثيقه لها أو لكثير من تفاصيلها، إلا انه ثبت ما توصل إليه دون أن يترك للمتغيرات دورا في تعديل الصورة أو تجديد النظرة لما حصل على الأرض فعلا، لاسيما ظهور وقائع جديدة على المسرح السياسي رغم فضائع الاحتلال وجرائمه التي لا يمكن إنكارها ولابد من ضمها إلى التوقعات المسجلة. لقد سقط المشروع الأمريكي منذ أول طلقة أو صرخة عراقية ضد الاحتلال، وكل النتائج تشير إلى ذلك. والأهم في الكتاب انه محاولة جدية لقراءة الوقائع وتوثيق الأحداث بعيون حريصة وصادقة لعراق جديد فعلا.