الثلاثاء، 31 مارس 2009

الاحتفال بالذكرى الستين للناتو

الجمعة 20/3/2009
تستعد منظمات عالمية، تدافع عن السلام وحقوق الإنسان، للاحتفال، بطريقتها الخاصة، بالذكرى الستين لتأسيس منظمة حلف شمال الأطلسي، الناتو، العسكرية ابتداء من نيسان هذا العام، وتدعو إلى المشاركة الجماعية في هذه الاحتفالات، والدعوة في بيانات لها تندد باستمرار الحلف ونشاطاته العسكرية، كما تطالب بحله وسحب قواته من كل المناطق التي يحارب فيها أو يشن حروبه عليها. كما يحتفل الحلف هو الآخر، بتأسيسه باجتماع قمة، معيدا إلى الأذهان أسباب إعلانه والعمليات التي قام بها ومازال يتولاها ويدعو إليها.
معلوم أن الحلف تأسس عام 1949 بناء على معاهدة شمال الأطلسي التي تم التوقيع عليها في واشنطن في العام نفسه. واتخذ من بروكسل عاصمة بلجيكا مقرا لقيادته. وكانت مهمة الحلف في فترة التأسيس هي تولي الدفاع عن أعضائه وكتلة أوروبا الغربية ضد الاتحاد السوفييتي والدول المشكلة لحلف وارشو آنذاك في سياق الحرب الباردة، والصراع بين المعسكرين، الاشتراكي والرأسمالي، حسب مبرراته وذرائعه، إلا انه كما هو واضح تحول إلى منظمة هجوم وشن حروب على الشعوب والبلدان التي تتناقض مصالحها مع قيادات الحلف وأصحاب خططه العدوانية.. ومذ تأسيسه تساهم الدول الأعضاء بحصتها من القوى والمعدات العسكرية، وللولايات المتحدة الأمريكية النصيب الأكبر في العدد والعدة والقيادة العسكرية والخطط العدوانية.
يمثل حلف الناتو 26 دولة بينها دول كانت مؤسسة له، ودول انضمت إليه فيما بعد. وقد ضم في فترة تأسيسه عام 1949 كلا من الولايات المتحدة وفرنسا وبلجيكا وكندا والدانمارك وآيسلندا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا والنرويج والبرتغال والمملكة المتحدة. وفي عام 1952 ضم تركيا واليونان التي انسحبت منه في الفترة ما بين عامي 1974 و1980، ثم انضمت ألمانيا الغربية سابقا واستمرت بعد اتحادها مع ألمانيا الشرقية. وانضمت إسبانيا عام 1982، والتشيك والمجر وبولندا عام 1999. وفي عام 2004 حصلت بلغاريا وأستونا ولاتفيا ولتوانيا ورومانيا ثم سلوفاكيا وسلوفينا على عضويته. وتتفاوض دول أخرى بشأن الانضمام إلى الحلف مع فتح أبوابه لها، لاسيما من الخاصرة الشرقية والجنوبية لروسيا، ليكون اكبر منظومة عسكرية حربية في العالم حاليا.
وكان المتوقع مع انتهاء الحرب الباردة وذوبان حلف وارشو، انتهاء مهامه وتوقفه أو حله أسوة بانتهاء مبرراته، إلا أن توسعه الكبير على حساب حلف وارشو، وصولا إلى ضم اغلب دوله الأعضاء فيه وتهديده الأمن الروسي والصيني خصوصا، والعالمي عموما، اصبح مصدر خطر حقيقي بنفسه وبقممه ومؤتمراته السنوية ومبعث تهديد غربي للأمن والسلام العالمي. وكانت السنوات العجاف لادارتي كلنتون وبوش الثاني نموذجا لأخطاره وحروبه العدوانية في وسط أوروبا وعالمنا العربي والإسلامي.
تدعو المنظمات المنددة بالاحتفال وقمة الناتو إلى استمرار وتصعيد حملة الاحتجاج ضد الحلف وضد مبدأ عسكرة العالم. وتطالب بسحب جميع القوات الأجنبية من البلدان التي يحتلها حاليا ودعم كل أشكال المقاومة الوطنية ضد الحروب والاحتلال، وترى إن دول حلف الناتو تمثل اليوم عائقا رئيسيا أمام الحلول السياسية السلمية في معظم الصراعات في العالم، كما يعوق حلف الناتو التطور الديمقراطي للأمم ويحرمها من حق تقرير المصير، ويدمر بالتالي المقومات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
سلسلة الحروب العدوانية التي خاضها الحلف أو قيادته على كل من العراق (1991 و2003) والصومال (1992، والتهديدات الأخيرة بغزوه مرة أخرى تحت غطاء القرصنة وحماية سفن دوله) ويوغسلافيا (1999) وأفغانستان (2001)، إضافة إلى حروب العدوان بالنيابة على الكونغو (2006) وحرب جورجيا ضد روسيا (2008)، وغيرها، تدفع إلى التساؤل عن الأهداف منها والمخططات التي رسمتها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها. لاسيما وان الدمار والحصار والخراب عم تلك البلدان وعانت منه شعوبها منذ ابتلائها بهذه الجرائم المشهودة، ولم تنعم بالاستقرار والشعارات البراقة التي تعلن عند الغزو والاحتلال.
سياسة الولايات المتحدة والناتو القائمة على الحروب الاستباقية واستخدام القوات العسكرية والقوة المدمرة التي تمتلكها، تشجع على العسكرة وسباق التسلح، فالاتحاد الأوروبي يؤسس حاليا لتشكيل "قوات تدخل سريع" من أجل التدخل العسكري في أي مكان في العالم، بحجة القيام "بمهام إنسانية" و"الحرب ضد الإرهاب" و"إدارة الصراعات". ولعل ما حصل مؤخرا عند شواطئ غزة بعد جريمة العدوان عليها، وكذلك حول القرن الأفريقي مثال صريح على مثل هذا التهديد.
تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية والتنافس بين العواصم الغربية لتقاسم النفوذ الاستعماري تدفع دائما باتجاهات خطيرة لتحالفات سياسية وعسكرية وخطط التحكم بالأسواق ونهب الثروات الطبيعية للدول الأخرى. وأدت هذه الممارسات، وتماشيا مع الولايات المتحدة والناتو، ووفق آليات الاتحاد الأوروبي، إلى اتخاذ إجراءات تحد من الحقوق الديمقراطية وتقلص الإنجازات في نظم الرعاية الاجتماعية، وتزيد القمع ضد الحركات الاجتماعية.
بلا شك أن ما يتعرض له العالم اليوم من أزمات متصاعدة، اقتصادية ومالية، وبيئية وتوسع رقعة البلدان الفقيرة وارتفاع الكلف المالية وانخفاض مستويات المعيشة المدينية سيؤدي إلى زيادة الروح العسكرية والحربية والعنصرية لدى الأوساط الاستعمارية والمجمعات العسكرية والمالية الغربية عموما، وسيدفع باتجاهات عدوانية تذكر بالأزمات التي قادت إلى الحروب العالمية وانتشار الفاشية والنازية. ورغم كل ذلك فان وعي الشعوب ومقاومتها الوطنية تحد من توسع تلك المشاريع، في اكثر من منطقة من المعمورة. ومنها الانتصارات التي تتحقق في أمريكا اللاتينية، وليس آخرها فوز جبهة فارابوندو مارتي للتحرر الوطني اليسارية في السلفادور.
إن الاحتفال العالمي بالذكرى الستين لتأسيسه ينبغي أن يكون بإنهاء برامجه الحربية والدعوة إلى عالم بدون ناتو واحلاف عسكرية، من اجل التنمية والحرية والديمقراطية لكل الشعوب، وحماية الكرة الأرضية من الأخطار المحيقة بها.