الجمعة، 6 فبراير 2009

هل يكفي أمر الإغلاق؟

الخميس 29/1/2009
وقّع الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما يوم 22/ 1/ 2009 أمر إغلاق معتقل غوانتانامو، وصمة العار التي استبدلت شعار الولايات المتحدة الأمريكية، تمثال الحرية الشهير، وعرت كل الشعارات والحروب التي روجتها الإدارات الأمريكية إستباقيا. وهو أمر اعتبر من التحديات القانونية والأخلاقية التي وعد الرئيس اوباما به قبل تسلمه الرئاسة في البيت الأبيض، وإشارة بداية لعهده بعد انتهاء عهد سابقه بوش الثاني، وسنواته العجاف والسوداء في تاريخ بلاده. وهذا القرار حكم ومدخل للجدل حول قانونية وأخلاقية المعتقل والممارسات فيه والتداعيات التي خرجت منه وما لحقه من إجراءات أخرى شابت ما سماه الرئيس الجديد القيم والمثل الأمريكية، والحقوق والاستقرار والسلام والأمن، وغيرها من المبادئ، رفعتها الإدارات الأمريكية أمام العالم وتتذرع بها إزاء عدوانها وحربها ضد الشعوب والبلدان الأخرى. وكذلك لما لحق الشعوب والبلدان التي تضررت سمعتها وعلاقاتها. وفي الوقت نفسه وسم الأمر مرحلة سابقة بما عناه المعتقل وما حمله من معاني انتهاك صارخ للحقوق والقوانين والشرائع الدولية، وكذا المشاركات السوداء للعديد من الحكومات الأوروبية وغيرها في إخفاء تلك الانتهاكات والصمت عليها وتبريرها ببدائل محلية، فضحت كنقاط سوداء في خارطة البيت الأبيض وسياسات بوش الرعناء، والتي يتطلب الآن محاكمتها قانونيا وإنسانيا وعدم التواطؤ والتحابي معها.
لقد اعتقل في هذا المكان اكثر من 800 شخص، اكثريتهم عرب ومسلمون، بتهم أحداث 11 أيلول/ سبتمبر الأمريكية، والتي مازالت التحقيقات فيها لم تكشف بصراحة الجهات المخططة لها، واصبح هؤلاء معتقلين تحت قوانين لائحة ما سمته الإدارة الأمريكية التي قادها المحافظون الجدد بالإرهاب، وبقي الآن حوالي 250 منهم، أي أطلق سراح اكثر من 550 شخصا اغلبهم أبرياء، حرروا فورا في بلدانهم، ومعظمها حليفة وقاعدة استراتيجية عسكرية أو سياسية للولايات المتحدة الأمريكية. وهؤلاء المعتقلون والمفرج عنهم يعيش اغلبهم حياته تحت عناوين التهم والاعتقال وتفاعلاتها، ومهما كانت طبيعة أوضاعهم فان أساليب حجزهم وتعذيبهم، التي كابدوها تركت آثارها عليهم وفي المجتمعات التي عادوا إليها، أو تواجدوا فيها، ورغم إدانة تلك الأساليب اللاإنسانية وطرق التعامل مع المعتقلين بعدها فان قرار غلق المعتقل يحاكم مصداقية العلاقات الدولية والقانونية والإنسانية التي ينبغي أن تعيد لهم حقهم في محاسبة المجرمين الذين اصدروا قرارات تنفيذها والمنفذين لها، شمولا بما جرى في خارج المعتقل أيضا، في سجون أفغانستان والعراق والمطارات والبواخر والقواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في أركان الكرة الأرضية.
لقد صدر الأمر بإغلاق المعتقل خلال عام من يوم توقيعه ونشره وتشكيل لجانه، وبدأ النقاش حول مصير المعتقلين المتبقين فيه وفرص محاكمتهم ومكانها وغيرها من الإجراءات التي تتعلق بالأساليب والتهم الموجهة إليهم. وتتحدث التقارير عن عدد لا يتجاوز الستين متهما منهم، وهناك عدد من الخيارات المطروحة لمعالجة أمور من تبقى من المعتقلين، وكلها تصب في الأخير في التخلص من جريمة قانونية وأخلاقية مارستها الإدارة السابقة ضد مواطنين أجانب وبتهم لم تثبت عليهم وتحت حجج صنعتها آلة الحرب والإعلام الصهيو أمريكية وحلفاؤها المنتشرون في المعمورة. حيث منذ 11 كانون الثاني / يناير 2002 تاريخ وصول أولى الدفعات الى المعتقل في الجزيرة الكوبية والى اليوم، وبعد تشكيل محاكم عسكرية وممارسات وحشية لانتزاع اعترافات، لم تصدر أحكام قانونية بحق أي منهم تثبت تورطه في التهم الموجهة إليه. ومن أطلق سراحه كشف سر الجريمة وللأسف ما يزال مرتكبوها مطلقي السراح، رغم طردهم من مواقعهم الإدارية التي كانوا يحتمون بها، سواء في الإدارة الأمريكية والبنتاغون أو في المهمات الأخرى التي منّت بها عليهم تلك الإدارة واصحاب القرار فيها. وهي المهمة الأساسية التي يتوجب على الرئيس الجديد تحديها ومواجهتها، إذ لا يكفي أمر إغلاق المعتقل ونقله من الجزيرة المحتلة إلى معسكرات داخل الإمبراطورية المهزومة، حيث يبقى الأمر قرارا في تغيير المكان فقط، وليس إنهاء الأسباب التي وضعته وصمة عار الولايات المتحدة والإجراءات التي أدت إليه، وبدون ذلك يبقى المرسوم الرئاسي أمرا هامشيا في الإطار القانوني والدستوري ومحاولة أخرى تزيينية لإدارة جديدة فقط. بينما يصبح توسيع مضامين القرار مكسبا للرئيس والإدارة في هذه القضية، وتداعياتها وصلتها بالقيم والأخلاق والمثل الأمريكية والإنسانية، ويبعد هذا الإجراء ما يمكن أن ينعته باهتا أو استخفافا بما ادعي سببا لتوقيعه. كما تعلنه معارضة أطراف عديدة، اغلبها لها صلات به وبتطوراته والانتهاكات التي نفذتها.
لقد تضرر العرب والمسلمون، في بلدانهم أو خارجها، من تلك السياسات وتداعياتها، وإلغاء المعتقل لا يعوض تلك الأضرار، إذ يتطلب شمول القرار الرئاسي محاكمة الأسباب والبحث في مصادرها خلال سبع سنوات ماضية وتعيين المتهمين الحقيقيين بتلك الأحداث وإعلان تبرئة ذمة كل من نالته أو تعرض لها دون دليل كاف وتعويضه عما أصابه من السياسات الأمريكية. حيث لا يكفي إصدار قرار إلغاء المعتقل وتغيير مكانه دون أن تغلق كل الملفات التي أوجدته وتداعياها على سمعة الولايات المتحدة الأمريكية أمريكيا وعلى سمعة العرب والمسلمين عربيا وإسلاميا ودوليا، والانتصار للعدالة والقانون. إن اغلب المطلق سراحهم من معتقل غوانتانامو كشفوا عن عداء وظغينة وكراهية في طرق اعتقالهم لا تمت بصلة إلى التهم أو الشكوك في التورط بها، وهي واقعة لا يمكن أن تفوّت وتهمل، كما أن المجرمين الفعليين يجب ألا يفلتوا من العقاب.