الخميس 22/1/2009
توقف إطلاق النار بعد 22 يوما من الحرب بكل صنوف الأسلحة ومن كل الجبهات، جوا وبرا وبحرا.. على غزة. الشواهد والوقائع دامغة. الحصيلة الأولى آلاف من الشهداء والجرحى والمشردين والبيوت المهدمة والمزارع والمساجد والمدارس المخربة قصفا أو حرقا أو جرفا. جرائم عدوان وحرب وإبادة، انتهاكات لكل الاتفاقيات والقوانين الدولية وأمام أنظار العالم. لم تتردد منظمات ودول من وصف ما حدث بما يناسبه، بل ولم تستطع منظمات دولية، بما فيها من تتحكم فيها الإدارة الأمريكية أو اللوبي الصهيو أمريكي وغيره إلا الاعتراف بفداحة ما حصل. بعد كل ما جرى ما هو المطلوب الآن؟ إعادة الأعمار، وإعادة البناء السياسي والوحدة الوطنية دعما لصمود المقاومة واستمرارها، والمراجعة والمحاسبة والتقييم.. بالتأكيد كلها مهام رئيسية ومطلوبة من الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية، والاستفادة من التقارير الدولية وتصريحات مندوبي المنظمات في غزة ومشاهداتهم ضرورية كأدلة وإثباتات رسمية وقانونية معترف بها، وهي المطلوب الآخر كي يتم تقديم المسؤولين الرئيسيين إلى محكمة العدل الدولية، كمجرمي حرب، درسا لهم ولغيرهم ممن يهددون بإعادة المجزرة وارتكاب الجريمة. ومن ثم فضح الداعمين لهم من دول الغرب عموما، وتحميلهم مسؤولياتهم القانونية والسياسية والأخلاقية، فبدون ذلك يعد الأمر مشاركة أخرى بما جرى وقد يسهم في إعادته وإنتاجه بأغلب الأشكال. من أين البداية وكيف العمل؟ بالتوازي والتنسيق بين المسارات وكل المستويات، لا وقت للانتظار أو الترقب، والأدلة صارخة بحرارتها وشواهدها. من المنظمات في وثائقها الرسمية وتصريحات مسؤوليها مثل: جون غينغ مدير العمليات في وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أنروا) في غزة الذي شاهد بعينيه يوميات المحرقة ووقف بنفسه مواجها ضحايا مدارس الوكالة التي قصفت بما فيها من أبرياء تصوروها مكانا آمنا، محتمين بعلم المنظمة الدولية من بطش الطائرات وصواريخها والدبابات وقنابلها. وأقوال منظمة العفو الدولية، لاسيما أثناء العدوان، فقد ذكرت دوناتيلا روفيرا رئيسة قسم الأبحاث فيها: "استنادا إلى ما عايناه في هذا الوقت الوجيز يبدو لنا من المؤكد أن ثمة أدلة على اقتراف جرائم حرب، ولهذا السبب ندعو إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه حتى يحاسب أولئك الذين اقترفوا مثل هذه الجرائم". وجاء في بلاغ صدر عن منظمة العفو الدولية أن بعثتها التي تزور القطاع: "عثرت على أدلة دامغة على الاستخدام المكثف للقنابل الفسفورية في أماكن كثافتها السكانية مرتفعة في مدينة غزة وشمال القطاع". كما اتهمت قبلها (10/1/2009) منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان الكيان الصهيوني باستخدام ذخيرة تحتوي على فوسفور أبيض خلال عدوانها المتواصل على غزة وحذرت من خطورة ذلك على المدنيين في القطاع. وقالت في بيان إن باحثيها في الكيان رصدوا انفجارات متعددة في الهواء في التاسع والعاشر من يناير/ كانون الثاني لفوسفور أبيض أطلق من المدفعية بالقرب من مدينة غزة ومخيم جباليا للاجئين. وأوضحت المنظمة "الفوسفور الأبيض له تأثير قوي عارض يمكن أن يؤدي إلى حروق شديدة عند الناس ويحرق المباني والحقول والمواد المدنية الأخرى في نطاق إطلاق النار. ويتعاظم احتمال وقوع أضرار للمدنيين بسبب ارتفاع الكثافة السكانية في غزة، وهي بين الكثافات الأعلى في العالم".
رغم وضوح المشهد على الأرض، تحاول حتى هذه المنظمات تحت حجج الموضوعية والحياد، المساواة بين قدرات الجلاد والضحية، وهي بالمناسبة ممارسات تتكرر في مثل هذا المشهد ولاسيما بما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني وإجرام الاحتلال. وتتوازى مع ما تمارسه بعض الحكومات الأوروبية، لاسيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والجيك إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في تقديم الدعم للعدوان عسكريا وقانونيا وسياسيا، وعملت بشتى الطرق على استمراره لتحقيق أهدافه التي أعلنها قادة الاحتلال والحرب والتي لم تعلن نتائجها بعد ما جرى. وفي كل الأحوال لم يقدروا كما فعلوا قبلها إبان العدوان على جنوب لبنان إلا بالعودة من غرورهم، وبعد نفاذ اكثر ذخيرتهم العسكرية والسياسية، ودون إنجاز مهمتهم، بإصدار قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار. ولكنه كما بات معروفا غير فعال وملزم من طرف المعتدي. سبقه قرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي كشف دورا أوروبيا سلبيا لا يتصف بالأخلاقية التي تدعيها معظم تلك السلطات، ورغم ذلك فقد تضمّن القرار إدانة شديدة للعدوان على غزة، ولارتكاب انتهاكات "خطيرة" لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين. ودعا إلى تأليف لجنة تقصي حقائق عن هذه الانتهاكات، وتقديم مساعدات تقنية وبشرية لمكاتب المفوض السامي في رام الله وغزة، وكذلك تقديم تقرير فصلي عن التقدم المحرز، والتحقيق في استهداف مقار وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في غزة، وخصوصاً المدارس. وقد تكون زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لغزة بعد أيام من وقف إطلاق النار وتصريحاته المعيدة لنصوص هذا البيان شاهدا آخر على فداحة الصورة ووحشية الجريمة. ويتأمل مراقبون الإسراع في تنفيذ قرار تأليف لجنة تقصي حقائق، والشروع في عملها، وتفعيل الفقرة التي تطلب من المفوضية السامية لحقوق الإنسان تكوين فريق عمل يرصد الانتهاكات ويسجل كل الخسائر البشرية والمادية، لا في غزة فقط، ولكن في كل الأراضي الفلسطينية، وهكذا بعد كل ما جرى لابد من التحقيق والمحاكمة واحترام القانون وحقوق الإنسان، ولكن دائما تظل الأسئلة عن التطبيق للقرارات والتنفيذ للتوصيات والصدق والإخلاص في الإجراءات، كيلا تتكرر مجزرة غزة مرة أخرى.
توقف إطلاق النار بعد 22 يوما من الحرب بكل صنوف الأسلحة ومن كل الجبهات، جوا وبرا وبحرا.. على غزة. الشواهد والوقائع دامغة. الحصيلة الأولى آلاف من الشهداء والجرحى والمشردين والبيوت المهدمة والمزارع والمساجد والمدارس المخربة قصفا أو حرقا أو جرفا. جرائم عدوان وحرب وإبادة، انتهاكات لكل الاتفاقيات والقوانين الدولية وأمام أنظار العالم. لم تتردد منظمات ودول من وصف ما حدث بما يناسبه، بل ولم تستطع منظمات دولية، بما فيها من تتحكم فيها الإدارة الأمريكية أو اللوبي الصهيو أمريكي وغيره إلا الاعتراف بفداحة ما حصل. بعد كل ما جرى ما هو المطلوب الآن؟ إعادة الأعمار، وإعادة البناء السياسي والوحدة الوطنية دعما لصمود المقاومة واستمرارها، والمراجعة والمحاسبة والتقييم.. بالتأكيد كلها مهام رئيسية ومطلوبة من الأطراف الفلسطينية والعربية والإسلامية، والاستفادة من التقارير الدولية وتصريحات مندوبي المنظمات في غزة ومشاهداتهم ضرورية كأدلة وإثباتات رسمية وقانونية معترف بها، وهي المطلوب الآخر كي يتم تقديم المسؤولين الرئيسيين إلى محكمة العدل الدولية، كمجرمي حرب، درسا لهم ولغيرهم ممن يهددون بإعادة المجزرة وارتكاب الجريمة. ومن ثم فضح الداعمين لهم من دول الغرب عموما، وتحميلهم مسؤولياتهم القانونية والسياسية والأخلاقية، فبدون ذلك يعد الأمر مشاركة أخرى بما جرى وقد يسهم في إعادته وإنتاجه بأغلب الأشكال. من أين البداية وكيف العمل؟ بالتوازي والتنسيق بين المسارات وكل المستويات، لا وقت للانتظار أو الترقب، والأدلة صارخة بحرارتها وشواهدها. من المنظمات في وثائقها الرسمية وتصريحات مسؤوليها مثل: جون غينغ مدير العمليات في وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين (أنروا) في غزة الذي شاهد بعينيه يوميات المحرقة ووقف بنفسه مواجها ضحايا مدارس الوكالة التي قصفت بما فيها من أبرياء تصوروها مكانا آمنا، محتمين بعلم المنظمة الدولية من بطش الطائرات وصواريخها والدبابات وقنابلها. وأقوال منظمة العفو الدولية، لاسيما أثناء العدوان، فقد ذكرت دوناتيلا روفيرا رئيسة قسم الأبحاث فيها: "استنادا إلى ما عايناه في هذا الوقت الوجيز يبدو لنا من المؤكد أن ثمة أدلة على اقتراف جرائم حرب، ولهذا السبب ندعو إلى إجراء تحقيق مستقل ونزيه حتى يحاسب أولئك الذين اقترفوا مثل هذه الجرائم". وجاء في بلاغ صدر عن منظمة العفو الدولية أن بعثتها التي تزور القطاع: "عثرت على أدلة دامغة على الاستخدام المكثف للقنابل الفسفورية في أماكن كثافتها السكانية مرتفعة في مدينة غزة وشمال القطاع". كما اتهمت قبلها (10/1/2009) منظمة هيومان رايتس ووتش لحقوق الإنسان الكيان الصهيوني باستخدام ذخيرة تحتوي على فوسفور أبيض خلال عدوانها المتواصل على غزة وحذرت من خطورة ذلك على المدنيين في القطاع. وقالت في بيان إن باحثيها في الكيان رصدوا انفجارات متعددة في الهواء في التاسع والعاشر من يناير/ كانون الثاني لفوسفور أبيض أطلق من المدفعية بالقرب من مدينة غزة ومخيم جباليا للاجئين. وأوضحت المنظمة "الفوسفور الأبيض له تأثير قوي عارض يمكن أن يؤدي إلى حروق شديدة عند الناس ويحرق المباني والحقول والمواد المدنية الأخرى في نطاق إطلاق النار. ويتعاظم احتمال وقوع أضرار للمدنيين بسبب ارتفاع الكثافة السكانية في غزة، وهي بين الكثافات الأعلى في العالم".
رغم وضوح المشهد على الأرض، تحاول حتى هذه المنظمات تحت حجج الموضوعية والحياد، المساواة بين قدرات الجلاد والضحية، وهي بالمناسبة ممارسات تتكرر في مثل هذا المشهد ولاسيما بما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني وإجرام الاحتلال. وتتوازى مع ما تمارسه بعض الحكومات الأوروبية، لاسيما فرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا والجيك إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية في تقديم الدعم للعدوان عسكريا وقانونيا وسياسيا، وعملت بشتى الطرق على استمراره لتحقيق أهدافه التي أعلنها قادة الاحتلال والحرب والتي لم تعلن نتائجها بعد ما جرى. وفي كل الأحوال لم يقدروا كما فعلوا قبلها إبان العدوان على جنوب لبنان إلا بالعودة من غرورهم، وبعد نفاذ اكثر ذخيرتهم العسكرية والسياسية، ودون إنجاز مهمتهم، بإصدار قرار من مجلس الأمن لوقف إطلاق النار. ولكنه كما بات معروفا غير فعال وملزم من طرف المعتدي. سبقه قرار من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي كشف دورا أوروبيا سلبيا لا يتصف بالأخلاقية التي تدعيها معظم تلك السلطات، ورغم ذلك فقد تضمّن القرار إدانة شديدة للعدوان على غزة، ولارتكاب انتهاكات "خطيرة" لحقوق الإنسان ضد الفلسطينيين. ودعا إلى تأليف لجنة تقصي حقائق عن هذه الانتهاكات، وتقديم مساعدات تقنية وبشرية لمكاتب المفوض السامي في رام الله وغزة، وكذلك تقديم تقرير فصلي عن التقدم المحرز، والتحقيق في استهداف مقار وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين في غزة، وخصوصاً المدارس. وقد تكون زيارة الأمين العام للأمم المتحدة لغزة بعد أيام من وقف إطلاق النار وتصريحاته المعيدة لنصوص هذا البيان شاهدا آخر على فداحة الصورة ووحشية الجريمة. ويتأمل مراقبون الإسراع في تنفيذ قرار تأليف لجنة تقصي حقائق، والشروع في عملها، وتفعيل الفقرة التي تطلب من المفوضية السامية لحقوق الإنسان تكوين فريق عمل يرصد الانتهاكات ويسجل كل الخسائر البشرية والمادية، لا في غزة فقط، ولكن في كل الأراضي الفلسطينية، وهكذا بعد كل ما جرى لابد من التحقيق والمحاكمة واحترام القانون وحقوق الإنسان، ولكن دائما تظل الأسئلة عن التطبيق للقرارات والتنفيذ للتوصيات والصدق والإخلاص في الإجراءات، كيلا تتكرر مجزرة غزة مرة أخرى.