الأربعاء، 14 يناير 2009

غزة .. تناديكم وتستعيد نصرها

الجمعة 9/1/2009
لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها غزة لمثل هذا الحصار والقصف والدمار، كل انتخابات رئاسية في تل أبيب أو واشنطن أو غيرها يفرض عليها قربانا لفوز نازي جديد، يصر على ارتكاب جريمة إبادة. ويتفرج تواطؤا ومشاركة كثيرون، من دعاة الديمقراطية والحرية في عواصم الغرب إلى ذوي القربى. كل أربع أو خمس سنوات وكل أزمة سياسية أو مالية أو صراعات بين الأحزاب والكتل الانتخابية، هناك، تتحول غزة وغيرها من المدن العربية إلى أوراق انتخابية لدى من يدعون ديمقراطيتها ولو ببشاعة الوصول إليها. غزة الآن تتحمل، مدركة أنها تجربة أخرى، محنة .. اجل، مأساة .. نعم، كارثة .. بلى.. مذبحة.. بالتأكيد. كلها تمر وتبقى غزة.. ما دامت هناك طفلة أصرت أن تقول لمراسل فضائية الجزيرة في اليوم الثاني عشر للمجزرة، إننا أقوياء وسنقاتل بأيدينا للدفاع عن غزة، هل سمعها من يغلق الأبواب عليها ويتسمع على آهات الجرحى ويتنصت على صراخ الأطفال؟. هل ستشفع غزة لأحد ممن ساهم بمأساتها ومحنتها وكارثتها؟، وماذا تقول بقايا بيوتها المهدمة بالصواريخ الأمريكية والخراب في أحيائها الذي نثرته عليها قنابل الدبابات والأسلحة الأوروبية؟، وكيف ستسكت أشلاء شهدائها وجرحاها، الذين صمت أو تفرج أو تمنى لهم من المتكلمين بلغتها ومن دعاة الانتساب إلى دينها، ومن كانت بيدهم قدرات كبيرة لوقف المجزرة وتقليل الخسائر وتحديد الأضرار وتسكين الآلام؟.
إنها غزة تعود من جديد إلى الحديث عن نفسها، عن خياراتها، عن أملها بالنصر، مهما طال زمن الحرب ومهما تداخلت الأمور عليها وعلى دعاة الشعارات الرنانة والبيانات الكاذبة. إنها غزة يا عرب ويا مسلمين ويا أصحاب القرار والمال والنفط والموقع الاستراتيجي الذي زرع الكيان قاعدة للهيمنة عليه والإشراف على أصدقائه وحراسه في أحلاف الاعتدال والانتداب والسمسرة السياسية والاقتصادية وحتى الأخلاقية التي ابتعدت عن الكثير منهم ومن اتباعهم، أفرادا وأحزابا ومؤسسات تتسمى كل مرة بما يناسبها على حساب دم غزة أو أي مدينة أخرى، من قانا إلى ضاحية بيروت الجنوبية، إلى البوكمال والفلوجة والنجف، إلى طرابلس ومقديشو، إلى جنين وغزة مرة أخرى وأخرى وأخرى.
كلما يسفح دم فلسطيني وعربي واسلامي تلتهب المشاعر وتبح الحناجر والتحركات الشعبية بغضب في كل أنحاء المعمورة، من كل الشعوب الحية، من كل أصحاب الضمائر الإنسانية، وتنادي بصوت واحد أن أوقفوا الحرب فورا، هذه الحرب إبادة جماعية وضد الإنسانية وجريمة لا يمكن الصمت عليها، أين الضمير الإنساني والديمقراطية عند أصحاب قرار وقفها ومنع استمرارها ووقف آلة حربها وتزويدها بكل أنواع الأسلحة، والمحرمة منها خصوصا؟، ولماذا يحجب أي صوت يطالب بردعها ومحاكمة المجرمين المقترفين لفظائعها ووحشيتها ولا إنسانيتها؟. قد تسهم هذه التظاهرات والاحتجاجات والاعتصامات وبيانات الإدانة والشجب، في ظاهرة ليست جديدة ولكنها واسعة ومتواصلة ومتكاملة، في بيان صوت الضمير الشعبي والغضب الجماعي من سياسات الإدارة الأمريكية والصهيونية وحلفائهما في كل مكان. وتفضح في الوقت نفسه الهوة التي تتوسع كل يوم بين الموقفين، الرسمي والشعبي، بين ضميرين رسمي تتآكل علاقته بالأخلاق، وشعبي تحركه كل عوامل الأخلاق، بين مجموعتين لم يعد اللقاء بينهما سهلا على ارضية الادعاء بالحريات والديمقراطية والقانون الدولي الإنساني والكرامة الإنسانية.
غزة صابرة، وشعب غزة معطاء ومجرب وأسطوري، مهما استخدمت قوات الاحتلال وحلفاؤها من قوة قتل وتدمير وهدم وحصار وقصف من الجو والبحر والبر، ليلا ونهارا، وطيلة أيام العدوان وحرب الإبادة التي لا وصفا وافيا لها باللغة العربية. صحيح أن أعداد الشهداء والجرحى والخارجين من بيوتهم المهدمة ومخيماتهم المحطمة ومدارسهم المقصوفة تتزايد، ولكن صوت تلك الطفلة، التي لا يتجاوز عمرها خمس سنوات، يرد على كل تلك القرارات والحكومات والدول ومجلس الأمن وغيرهم بان شعب غزة سيبقى، نعم .. ينادي الآن كل ضمير إنساني أن يتضامن معه، ويضع معه خططا مستقبلية تسرع في إعادة البناء ودعم الكفاح الوطني واستعادة نصر غزة، على الأيام القاسية الماضية، وعلى التاريخ الدموي وعلى الكارثة المستمرة اليوم. لقد عاش هذا الشعب في اكبر سجن في العالم، مليون ونصف المليون من البشر محاصرون اشهرا متتالية، لم يسمح له حتى في الصراخ من ألم الجوع وقسوة الحرمان وإطباق أبواب السجن عليه من كل الجهات. ويطالب بالصمت حتى في دفن موتاه. حيث اصبح الصمت عن المعاناة والظلم والاضطهاد المنفذ يوميا ضد هذا الشعب، عنوان مرحلة مخزية في السياسات العربية والدولية.
قبل أن تأتي حركة المقاومة الإسلامية/ حماس للسلطة بانتخاب ديمقراطي وتشكيلها حكومة وحدة وطنية وبرلمان توافقي وبرنامج تحرر وطني، كانت حالة غزة هي نفسها بعد مجيئها، فلم يمر شهر دون اغتيالات وقصف ومحاصرة وإعتقالات واستيطان وجدران وهجمات وحشية من قبل واحة الديمقراطية، كما يتفاخرون بها، في صحراء العرب. ولم تعدم الذريعة، لهذا المخطط الصهيوني الإمبريالي للعالم العربي.
غزة مازالت محتلة ومحاصرة، ليست من قوات الاحتلال فقط ولا من أعدائها وحسب أو من المتكلمين لغتها أيضا، ولكنها حرة وعزة وصمود وعزم وكرامة عند من يعرف معنى هذه الكلمات. هوغو شافيز، الرئيس الفنزويلي، من آلاف الأميال يثمن كفاحها الوطني ويدين وينعت المعتدي بالجبان الذي يستخدم أسلحته الوحشية ضد شعب أعزل، إلا من الإرادة الوطنية التي تمده بقوة الصمود والتضحية والنصر، ويطرد سفير حرب الإبادة علنا.