الأحد، 4 يناير 2009

غزة .. وما بعد غزة..!

الخميس 1/12/2009
تصريحات، بيانات، خطب رسمية ومهرجانات تتسابق بها آلة الإعلام الرسمية ويتزايد التنافس في تبرير المواقف العربية الرسمية... دفاع مستميت ومتأخر وفي الزمن الخطأ وعن المكان الخطأ، وكأن من قال عن حرق غزة وسيناريوهات تدمير غزة في اجتماعات رسمية ومؤتمرات علنية للتلفزيونات فقط، كأنه لم يحصل ولم يكن أمام العالم كله. ولم يعد الأمر بحاجة إلى توضيح.. كل هذا يجري على قدم وساق بين أطراف "الخلاف" (حسب المصطلح الرسمي العربي الآن) بين الكيان الصهيوني وبعض الحكومات العربية. أما صاحب القضية، الشعب الفلسطيني فعليه أن يحاصر ويجوع ويركع فقط، لا يسمح له حتى أن يصرخ، حسب أقوال معروفة أيضا، فإذا حاول فتكسر رجله أو يرمى في السجون، أو يقصف كما هو الآن. هذه الخطة والهدف المتفق عليه بين تلك الأطراف. مرة تحت تسمية تدمير صواريخ القسام وأخرى تصفية حركة حماس وثالثة تفكيك محور التطرف المدعوم من أجندة خارجية، ورابعة حديث عن نفوذ أو تمدد إيراني في غزة وفلسطين المحتلة، وأمثالها، بعد أن فشل قول أحدهم عن وجود تنظيم القاعدة، حيث يتناقض مع التصريحات الأمريكية التي أعلنت القضاء عليها!، وتبحث في زيادة القوات الأطلسية للاحتفال بهذا الخبر. ولم تعد كلمات مثل العدوان والمجزرة والمعركة مقبولة عند هذه الأطراف، أما المقاومة والممانعة والسلاح والإرادة فهي كلمات حرب انتهى زمانها وأدلة للاعتقال في الحكم البوليسي، عفوا الديمقراطي العربي.
شهور تحت الحصار، غزة في ظلام وجوع وانتظار. العدو يخطط ويضع السيناريوهات ويوظف لها من هو مستعد سلفا للمهمات، أو من يبعث برسائله له وهو يستعرض فرصه وخدماته. شهور بين حصار لغزة وتخطيط لتدميرها. تهدئة وشروط حوار واتهامات وتنسيق مشترك، يستهدف تنفيذ المشروع الذي اخفق في اكثر من مكان. وفي ظل أيام أخيرة لإدارة رفضها شعبها تنشط آلة الحرب مستغلة ذلك .. لحرق غزة.. غزة أولا وبعدها قطع الدومينو.. ويأتيك من يقول لقد حذرنا ولم يسمع لنا، فليأكلوا ما زرعوه، وهو يتفرج بطوله حارسا الباب الذي بيده مفتاحه، واخر يرسل تحياته إلى المجرم بوش مع هدايا الماس وكتم الأنفاس.
قتلى وجرحى ودمار.. عناوين وسائل الإعلام الأجنبية، بثقافتها ومقاصدها ومتابعاتها، وتنقلها زميلتها العربية، كما هي مع أقوال المستشارين المكلفين نيابة عن رؤسائهم لتكرار المسميات، إضافة إلى كلمات إدانة لشعب تحت القصف والنار والحرب. ولكن لا تعدم بين هذا الركام الإعلامي أصوات شريفة أجنبية، سمت الأحداث بأسمائها، جريمة حرب وعدوان استهدفت الشعب والأرض، وطالبت وهي أجنبية، افضل من كثير من التصريحات الرسمية العربية، بوقف العدوان فورا ونقلت نبض الشارع في مدنها الغربية، عكس الكثير من الناطقين بالعربية، الذين شجبوا مقاومة المواطن عن بيته وأرضه وأهله، تحت أي مسمى.
من بين هذه الأصوات النبيلة الصحفي سوماس ميلن، في مقاله: "هجوم إسرائيل على غزة جريمة لن يكتب لها النجاح"،(الغارديان 30/12/2008)، شخّص طبيعة العدوان وأدوات عملية الانقضاض الصهيونية على غزة، مشيرا إلى أن الهجوم المدعوم أمريكيا لإخضاع حماس بالقوة الكاسحة، سيؤدي على الأرجح إلى نتيجة عكسية. وحاجج منطق الحكومات الغربية التي تردد ما يقوله الكيان من أن أي حكومة في العالم لن تقف مكتوفة الأيدي أمام انهمار الصواريخ على أراضيها، موضحا أن قطاع غزة والضفة الغربية ارض محتلة بشكل غير قانوني من قبل "إسرائيل" منذ عام 1967. وانه رغم انسحاب القوات المحتلة من القطاع منذ ثلاث سنوات، فأنها ما زالت تتحكم في أراضي غزة برا وبحرا وجوا. وان الفلسطينيين مثلهم مثل أي شعب محتل لهم الحق في المقاومة.
وتسجل افتتاحيات صحف غربية بشاعة الجريمة وأثرها في إفشال المساعي التي أٌدعي بأنها تؤمن السلام والاستقرار، وتحمل العدوان الصهيوني ما سيحصل في نشر ما تسميه بالعنف والكراهية للغرب الذي لم يتوقف دعمه إلى العدوان المتواصل عبر القاعدة الاستراتيجية في الوطن العربي. وترى أن إطالة أمد العدوان والحرب يفشل ويوسع الهوة بين الفصائل الفلسطينية من جهة وبينها والأنظمة العربية المعتدلة من جهة أخرى وتؤكد على إخفاق مثل هذه الأساليب الوحشية في تحقيق ما تسعى إليه قوات الاحتلال.
رأت افتتاحية لصحيفة الغارديان بعنوان "قتل حل الدولتين" (29/12/2008) أن القصف الإسرائيلي لغزة لا يسهم فقط بقتل الفلسطينيين من مسلحين ومدنيين على حد سواء، بل يسهم أيضا بقتل آمال السلام في المنطقة برمتها وحل الدولتين. وواصلت أن العالم شاهد ما جرى في اليوم الأول، رغم المنع والحجب الصهيوني، وأكدت "إن الغارات الجوية تلك قد سببت أكبر خسائر في الأرواح خلال يوم واحد في غزة على مر الأربعين عاما الماضية." وأضافت بان حلم وخطة قيادة العدو في "أن تمهيد الطريق أمام إنشاء دولة فلسطينية معتدلة يكون عبر التصفية الجسدية لقيادة نصف الشعب الفلسطيني، فهي باختصار وبساطة مخطئة." وختمت الصحيفة: "إن عملية "الصدمة والرعب"، على الطريقة الإسرائيلية، لم تفعل شيئا سوى شل العمليات نفسها التي يحتاجها كل من الإسرائيليين والفلسطينيين لكي يعيشوا معا بسلام". وهذا ما ذهب إليه الكثير من المحللين الأوربيين وغيرهم، ويكاد هناك اتفاق أن ما يجري في غزة الآن هو لما بعد غزة، فهل عرف من يعنيه الأمر أم أن الاستسلام اصبح سيد المقام بعد الكلام. ويبقى الميدان بالصمود والتضحيات، كما نعرف، غير المؤتمرات والبيانات.