الجمعة 26/12/2008
ازدادت تحديات الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما، وستضع لها مؤسسات الحكم أولويات في الإدارة والتنفيذ، وجدولة سريعة للوفاء بالعهود الكثيرة التي قطعها وإدارته الجديدة، منطلقا من شعاري الأمل والتغيير اللذين أدخلاه إلى البيت الأبيض. وإذا كان الوضع الاقتصادي الذي سببت كساده الإدارة الراحلة وقياداتها المنهزمة يتصدر الأولويات، فان العدالة الأخلاقية والقانونية لا تقل شأنا عنها في زمن التغيير والدلالة عليه. وابرز ما في هذا الموضوع، كما أشرنا في مقال سابق عن المعتقلات الأمريكية والجرائم التي اقترفت فيها، من باغرام وأبوغريب مرورا بغوانتانامو وقضية إنهائه اسما ومسمى، تأتي قضية محاكمة الإدارة السابقة له، بما ارتكبت من انتهاكات قانونية وأخلاقية وسياسية ودستورية، ولا يمكن أن تمر لأي إعتبارات أخرى دون محاكمة علنية وإجراءات فعلية تضع الأمور في نصابها الصحيح، احتراما للقانون والإنسانية، وخدمة للولايات المتحدة نفسها، إذا لا يمكن تغيير الصورة في زيارة اعتبارية وإلقاء خطبة في عاصمة إسلامية أو عربية.. حيث تبقى التزامات بروتوكولية لا تعني الكثير أمام الالتزام القانوني والأخلاقي والسياسي وما سيكون عليه القرار في ذلك، قرار محاكمة إدارة كاملة وإصدار أحكام عليها وفق أي قانون، أمريكي أو دولي إنساني. جرائم الإدارة الأمريكية المنصرفة تكاد لا تحصى، وكلها جرائم كبرى، جرائم حرب وإبادة جماعية وضد الإنسانية تنطبق عليها أحكام كل القوانين، ولا تفلت من أي منها إذا كانت الإدارة الجديدة صادقة لوعدها ومخلصة لإدارتها وعازمة على التغيير والتصحيح وإعطاء الأمل للبشرية في عهد جديد حقا، خال من خدع وأضاليل الحرب على الإرهاب واحتلال بلدان أخرى، ومن ثم إظهار درس نموذجي للمحاكمة العادلة وإنذار صريح لكل مجرمي الحرب بما فعلوا وأساءوا للبشرية والعالم كله، ولمن يحكم بعدهم أيضا.
تخدم الإدارة الجديدة وثائق مثبتة وأدلة صريحة لإطلاق التحدي والشروع بالمحاكمة. منها تقرير الكونغرس الأمريكي الأخير واعترافات بوش المتأخرة عن عدم استعداده للحرب وشنها على أساس معلومات مزورة لفقتها له الاستخبارات الأمريكية والحكومة البريطانية وحلفاؤهما، وليس آخرها تصريحات هانس بليكس واستعداده الشهادة أمام محكمة دولية وكيف تعاملت معه إدارة بوش، لاسيما نائب الرئيس ديك تشيني ودفعه بالتهديد لتزوير مهمته وتبرير الحرب على العراق وكذب الذرائع التي حملتها الإدارة لحروبها.
فضح تقرير الكونغرس مسؤولية جرائم التعذيب الشهيرة، التي لطخت سمعة الولايات المتحدة الأمريكية ورميت على جنود قاموا بها في أبوغريب وغوانتانامو، مؤكدا بأنها من تخطيط وأوامر مسؤولين حكوميين كبار. وأشارت لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهي مكونة من أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين، وصاحبة التقرير، إلى هؤلاء المسؤولين، وذكرت أسماء: الرئيس جورج بوش ووزير الحرب السابق دونالد رامسفيلد، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. وجاء في مقدمته "إن إيذاء المحتجزين بوصاية القضاء الأمريكي لا يمكن أن يعزى ببساطة لتصرفات "بعض التفاحات الفاسدة" التي كانت تتصرف وفقاً لهواها. والحقيقة هي أن مسؤولين كباراً في الحكومة الأمريكية مرروا معلومات تفيد وتوضح كيفية اتباع تقنيات استجواب فظة، وتعديل القانون لصنع شكل قانوني لهذه التقنيات، وترخيص استخدامها ضد المحتجزين". ومعظم المعلومات التي وردت في التقرير لم تكن جديدة فقد سبق وان كشفت علنا، سواء عبر شهادات مسؤولين أمام الكونغرس، أو مدونة في مذكراتهم التي طبعت أو تحدثوا فيها علنا، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، أو في تقارير المنظمات الدولية المختصة، كالصليب الأحمر أو المدافعة عن حقوق الإنسان، ولكن المهم فيها هو اسم اللجنة ومصدرها. وحمل التقرير الرئيس بوش شخصياً مسؤولية التعذيب عبر إصداره أمرا رئاسيا وقعه في فبراير/شباط 2002. و"شكل إعلان بوش الأحادي، غير القانوني، الذي أعلن فيه أن المعتقلين ضمن "الحرب على الإرهاب" لن يكونوا تحت مظلة اتفاقيات جنيف، التمهيد اللازم لنظام تعذيب مركزي". ووضح التقرير أن إعلان بوش جاء بعد أقل من شهرين على إطلاق دونالد رامسفيلد، لبرنامج تحليل التقنيات التي تستخدمها وحدات تدريب تابعة للبنتاغون، تعمل على تدريب الجنود الأمريكيين على تحمل الاستجواب الذي تقوم به أنظمة حكم تنتهك اتفاقيات جنيف. واستمدت الأساليب من تجارب وخبرات الأسرى الأمريكيين خلال الحرب الكورية، وكانت واشنطن قد أدانتها ووصفتها "بالتعذيب" و"غسيل الأدمغة". وأعتبر التقرير أساليب التعذيب التي أريد أن يتدرب عليها الجنود، والتي شملت إجبار المتدربين على خلع ملابسهم وتركهم في أوضاع تثير التوتر، ووضع غطاء على رؤوسهم وإقلاق نومهم، ومعاملتهم كالحيوانات، وإخضاعهم لأصوات صاخبة وأضواء باهرة، وتعريضهم لدرجات حرارة، باردة للغاية أو العكس، إضافة إلى التعذيب بطريقة "الغمر في المياه" وغيرها، هي نفسها وزيادة عليها ابتكرها الجنود واتبعوها في غوانتانامو، والعراق وأفغانستان، وحيثما وجدت معتقلات أمريكية، وظهر جزء منها في صور أبوغريب أو غوانتانامو التي أثارت السخط والاشمئزاز حول العالم، ومنهم الرئيس الأمريكي نفسه.
أدلة قضايا التعذيب كافية ولكنها لا تغطي كل الجرائم التي ارتكبت في الحروب التي شنتها الإدارة الراحلة، والضحايا الكثر فيها، سواء من الأمريكان أو من الشعوب التي ابتليت بغطرسة تلك الإدارة طيلة سنوات حكمها العجاف. إن الجرائم لا تذهب بالتقادم وسيظل ضحاياها وشهودها ووثائقها وصورها تصرخ من اجل العدالة وحقوقها التي أهدرتها إدارة بوش. والمطالبة بمحاكمة إدارة بوش بعد كل هذه الجرائم ليس للانتقام منها، وإنما من اجل العدالة والقانون واحترام عذابات البشرية أساسا، وهنا التحدي أيضا.
ازدادت تحديات الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما، وستضع لها مؤسسات الحكم أولويات في الإدارة والتنفيذ، وجدولة سريعة للوفاء بالعهود الكثيرة التي قطعها وإدارته الجديدة، منطلقا من شعاري الأمل والتغيير اللذين أدخلاه إلى البيت الأبيض. وإذا كان الوضع الاقتصادي الذي سببت كساده الإدارة الراحلة وقياداتها المنهزمة يتصدر الأولويات، فان العدالة الأخلاقية والقانونية لا تقل شأنا عنها في زمن التغيير والدلالة عليه. وابرز ما في هذا الموضوع، كما أشرنا في مقال سابق عن المعتقلات الأمريكية والجرائم التي اقترفت فيها، من باغرام وأبوغريب مرورا بغوانتانامو وقضية إنهائه اسما ومسمى، تأتي قضية محاكمة الإدارة السابقة له، بما ارتكبت من انتهاكات قانونية وأخلاقية وسياسية ودستورية، ولا يمكن أن تمر لأي إعتبارات أخرى دون محاكمة علنية وإجراءات فعلية تضع الأمور في نصابها الصحيح، احتراما للقانون والإنسانية، وخدمة للولايات المتحدة نفسها، إذا لا يمكن تغيير الصورة في زيارة اعتبارية وإلقاء خطبة في عاصمة إسلامية أو عربية.. حيث تبقى التزامات بروتوكولية لا تعني الكثير أمام الالتزام القانوني والأخلاقي والسياسي وما سيكون عليه القرار في ذلك، قرار محاكمة إدارة كاملة وإصدار أحكام عليها وفق أي قانون، أمريكي أو دولي إنساني. جرائم الإدارة الأمريكية المنصرفة تكاد لا تحصى، وكلها جرائم كبرى، جرائم حرب وإبادة جماعية وضد الإنسانية تنطبق عليها أحكام كل القوانين، ولا تفلت من أي منها إذا كانت الإدارة الجديدة صادقة لوعدها ومخلصة لإدارتها وعازمة على التغيير والتصحيح وإعطاء الأمل للبشرية في عهد جديد حقا، خال من خدع وأضاليل الحرب على الإرهاب واحتلال بلدان أخرى، ومن ثم إظهار درس نموذجي للمحاكمة العادلة وإنذار صريح لكل مجرمي الحرب بما فعلوا وأساءوا للبشرية والعالم كله، ولمن يحكم بعدهم أيضا.
تخدم الإدارة الجديدة وثائق مثبتة وأدلة صريحة لإطلاق التحدي والشروع بالمحاكمة. منها تقرير الكونغرس الأمريكي الأخير واعترافات بوش المتأخرة عن عدم استعداده للحرب وشنها على أساس معلومات مزورة لفقتها له الاستخبارات الأمريكية والحكومة البريطانية وحلفاؤهما، وليس آخرها تصريحات هانس بليكس واستعداده الشهادة أمام محكمة دولية وكيف تعاملت معه إدارة بوش، لاسيما نائب الرئيس ديك تشيني ودفعه بالتهديد لتزوير مهمته وتبرير الحرب على العراق وكذب الذرائع التي حملتها الإدارة لحروبها.
فضح تقرير الكونغرس مسؤولية جرائم التعذيب الشهيرة، التي لطخت سمعة الولايات المتحدة الأمريكية ورميت على جنود قاموا بها في أبوغريب وغوانتانامو، مؤكدا بأنها من تخطيط وأوامر مسؤولين حكوميين كبار. وأشارت لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ الأمريكي، وهي مكونة من أعضاء ديمقراطيين وجمهوريين، وصاحبة التقرير، إلى هؤلاء المسؤولين، وذكرت أسماء: الرئيس جورج بوش ووزير الحرب السابق دونالد رامسفيلد، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. وجاء في مقدمته "إن إيذاء المحتجزين بوصاية القضاء الأمريكي لا يمكن أن يعزى ببساطة لتصرفات "بعض التفاحات الفاسدة" التي كانت تتصرف وفقاً لهواها. والحقيقة هي أن مسؤولين كباراً في الحكومة الأمريكية مرروا معلومات تفيد وتوضح كيفية اتباع تقنيات استجواب فظة، وتعديل القانون لصنع شكل قانوني لهذه التقنيات، وترخيص استخدامها ضد المحتجزين". ومعظم المعلومات التي وردت في التقرير لم تكن جديدة فقد سبق وان كشفت علنا، سواء عبر شهادات مسؤولين أمام الكونغرس، أو مدونة في مذكراتهم التي طبعت أو تحدثوا فيها علنا، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة، أو في تقارير المنظمات الدولية المختصة، كالصليب الأحمر أو المدافعة عن حقوق الإنسان، ولكن المهم فيها هو اسم اللجنة ومصدرها. وحمل التقرير الرئيس بوش شخصياً مسؤولية التعذيب عبر إصداره أمرا رئاسيا وقعه في فبراير/شباط 2002. و"شكل إعلان بوش الأحادي، غير القانوني، الذي أعلن فيه أن المعتقلين ضمن "الحرب على الإرهاب" لن يكونوا تحت مظلة اتفاقيات جنيف، التمهيد اللازم لنظام تعذيب مركزي". ووضح التقرير أن إعلان بوش جاء بعد أقل من شهرين على إطلاق دونالد رامسفيلد، لبرنامج تحليل التقنيات التي تستخدمها وحدات تدريب تابعة للبنتاغون، تعمل على تدريب الجنود الأمريكيين على تحمل الاستجواب الذي تقوم به أنظمة حكم تنتهك اتفاقيات جنيف. واستمدت الأساليب من تجارب وخبرات الأسرى الأمريكيين خلال الحرب الكورية، وكانت واشنطن قد أدانتها ووصفتها "بالتعذيب" و"غسيل الأدمغة". وأعتبر التقرير أساليب التعذيب التي أريد أن يتدرب عليها الجنود، والتي شملت إجبار المتدربين على خلع ملابسهم وتركهم في أوضاع تثير التوتر، ووضع غطاء على رؤوسهم وإقلاق نومهم، ومعاملتهم كالحيوانات، وإخضاعهم لأصوات صاخبة وأضواء باهرة، وتعريضهم لدرجات حرارة، باردة للغاية أو العكس، إضافة إلى التعذيب بطريقة "الغمر في المياه" وغيرها، هي نفسها وزيادة عليها ابتكرها الجنود واتبعوها في غوانتانامو، والعراق وأفغانستان، وحيثما وجدت معتقلات أمريكية، وظهر جزء منها في صور أبوغريب أو غوانتانامو التي أثارت السخط والاشمئزاز حول العالم، ومنهم الرئيس الأمريكي نفسه.
أدلة قضايا التعذيب كافية ولكنها لا تغطي كل الجرائم التي ارتكبت في الحروب التي شنتها الإدارة الراحلة، والضحايا الكثر فيها، سواء من الأمريكان أو من الشعوب التي ابتليت بغطرسة تلك الإدارة طيلة سنوات حكمها العجاف. إن الجرائم لا تذهب بالتقادم وسيظل ضحاياها وشهودها ووثائقها وصورها تصرخ من اجل العدالة وحقوقها التي أهدرتها إدارة بوش. والمطالبة بمحاكمة إدارة بوش بعد كل هذه الجرائم ليس للانتقام منها، وإنما من اجل العدالة والقانون واحترام عذابات البشرية أساسا، وهنا التحدي أيضا.