الثلاثاء، 9 ديسمبر 2008

من تحديات اوباما: غوانتانامو وما بعده

الخميس 27/11/2008
أمام الرئيس الأمريكي الجديد باراك اوباما تحديات كثيرة، إضافة إلى مسؤولياته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية. أبرزها ما خلفها له الرئيس المنتهية ولايته جورج بوش، من أزمة اقتصادية خانقة إلى كوارث الحروب والاحتلال، ومن بينها ما هو استراتيجي عام أو سياسي محلي وله صلة. وقد رفع الرئيس المنتخب شعاري التغيير والأمل، وما ينتظر منه فيهما الكثير. فهل هو قادر على الوفاء بأي منهما؟ وكيف سيعمل في سبيلهما؟. الأيام القادمة ستكشف قدراته وطبيعة السلطة ومؤسساتها.
على الصعيد القانوني الأخلاقي وعد بحل قضية معتقل غوانتانامو ومسجونيه، واغلبهم برأتهم المحاكم بعد خروجهم من هذا السجن، وصمة العار، التي استبدلت شعار الولايات المتحدة، تمثال الحرية، باسمه وعنوانه وتداعياته. وهذا الموضوع مرتبط ومتعلق بغيره حسب الأولويات والأزمات الحادة التي تعصف بالسياسة الداخلية والخارجية لواشنطن. ولكن تبقى هذه القضية مهمة، معيارا ومقياسا لغيرها. مستشاروه والمتحدثون باسمه يروجون لعملية التخلص من العار وإنقاذ سمعة الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن غوانتانامو لا ينتهي بإغلاقه وتحويل ضحاياه إلى محاكم محلية أو في بلدانها أو في سجون بلدان ثالثة. فضلا عما يتعلق به من قصص البقع السوداء في خارطة الإدارة الأمريكية الراحلة، السجون المتجولة في البواخر والطائرات، وسجون البلدان الأخرى، التي تستخدم وسائل التعذيب لانتزاع الاعترافات. كل هذه القضايا لها عنوان واحد يتلخص في منحى أو مسعى العدالة الإنسانية وأحكام القضاء العادل لإيقاف ما سمته الإدارة المدبرة بحربها على الإرهاب دون تحديده ونشره حسب مخططاتها العدوانية الوحشية التي أوصلتها إلى ما هي عليه الأمور الآن.
الحديث عن معسكر غوانتانامو ليس جديدا، فقد وعد بإغلاقه وزير الحرب روبرت غيتس الذي سيستمر بمنصبه، وكذلك وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس كجهات رسمية، وانتهت مدتها الرسمية مع الإدارة البوشية ولم يغلق. وظلت صرخات المنظمات الإنسانية العالمية في واد البيت الأبيض بلا أصداء واقعية، وهذا ما يخشى أن يتكرر مع الإدارة الجديدة. أو قد تبرر وعود اوباما بما يواصل ما كانت تطرحه الإدارة المدبرة، وتغيير في الشكل فقط دون إنهاء فعلي وغلق نهائي له اسما وعنوانا وما بعده، واحترام القانون الدولي في شانه ومعتقليه على السواء، إذ لا يمكن استمرار حجز وتعذيب البشر على الشبهات والاتهامات الجاهزة غير المسنودة بإجراءات العدالة والقضاء.. ومهما خاضت الإدارة الجديدة في هذه القضايا فان ما سيؤول إليه معتقل غوانتانامو بعد صورته الحالية يهم سمعة الإدارة الجديدة والولايات المتحدة الأمريكية عالميا، قبل كل شيء.
مع هذا الترويج الإعلامي لإنهاء ملف معسكر غوانتانامو السيئ السمعة ينبغي فتح ملفات اختياره وما جرى فيه ومعالجة الانتهاكات التي وصفته بهذا الوصف، ومحاكمة من كان مسؤولا عما أدت إليه نتائجه. ترك هذه الملفات أو منح فرسانها أوسمة كما منحت لتوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق بعد تنحيته من منصبه لا تفي بشعاري التغيير والأمل، بل ستضع هذه الملفات الخطيرة والحساسة مستقبلا على الرف وتشعر الضحايا الحاليين وفي المستقبل بخيبة أمل وتجعلهم في دوامة الانتظار واستمرار الإساءة لهم حتى وهم خارجه، ولا تردع المعتدين الآخرين على حقوقهم أو تدفعهم إلى التبصر في اتخاذ مثل تلك الإجراءات والتصرفات اللاإنسانية. وهذه المهمات اختبار للوعد الرئاسي ومشروعية التغيير في هذا الملف وبدونها تكون الأمور ناقصة ومتناقضة مع أصولها ومبرراتها الضرورية. وسائل الإعلام نشرت وثائق ومستندات من المؤسسات الرسمية الأمريكية كأجهزة الاستخبارات والبيت الأبيض والبنتاغون تؤكد صدور قرارات الحجز والتعذيب وانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب ابشع الجرائم بحق المعتقلين من جهات رسمية وبتوقيع الرئيس الأمريكي نفسه، أو وزير البنتاغون أو مدراء الاستخبارات. هذه تتطلب وضع من يتحمل المسؤولية فيها أمام المحاكم ومساءلته عن هذه المخالفات والارتكابات الوحشية وما ألحقته بسمعة الولايات المتحدة والإنسانية جمعاء، وهذه القضية في ملف غوانتانامو هي من التحديات الرئيسية وتتعلق بغيرها.
لعل في الدراسة التي وضعها الباحثان في جامعة كاليفورنيا، إيريك ستوفر ولوريل فليتشر بعنوان «غوانتانامو وما بعده» عن نتائج الاحتجاز في المعسكر، ودعوتهما الرئيس الأميركي المنتخب إلى تأليف لجنة مستقلة مهمتها تحديد مسؤوليات إدارة جورج بوش عن الانتهاكات التي حصلت في هذا المعتقل مخرجا مهما وضروريا لدعم وعده. قال الباحث إيريك ستوفر، في تصريح صحفي: "لا يمكن تجاهل هذا الفصل القاتم من تاريخنا وغض النظر عن غوانتانامو، إن الإدارة الجديدة يجب أن تحقق في القواعد التي انتهكت، ومن يجب أن يتحمل مسؤولية ذلك". وقال صيني مسلم: "لا يهم أنهم برأوا ساحتي بإطلاق سراحي من المعتقل. فنحن لا نزال نوصم بأننا كنا إرهابيين". كما أفاد الباحثان أن الأساليب المتبعة كانت معاملة قاسية وغير إنسانية ومهينة وتصل إلى التعذيب كما هو معروف في إتفاقية الأمم المتحدة التي تحظره والتي وقعت عليها الولايات المتحدة عام 1994. (وكالات ١٤ /11/٢٠٠٨).
وجهت هيئة محلفين عليا في جنوب تكساس الاتهام إلى نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ووزير العدل السابق البرتو غونزاليس، بارتكاب "أنشطة إجرامية منظمة تتعلق بإساءة معاملة سجناء في سجون خاصة". وأشارت إلى أن تشيني "يربح (أموالاً) من حرمان البشر حريتهم"، كما ورد في لائحة الاتهام. (رويترز ٢٠ /11/٢٠٠٨). كما أكد عسكريون استلامهم أوامر بمثل هذه الانتهاكات وغيرها موثقة ومقدمة للتحديات.
فهل تستطيع الإدارة الجديدة أن تفي وتتحدى أيضا؟.