الجمعة، 7 نوفمبر 2008

عواقب وخيمة

الجمعة 31/10/2008
قد لا يكون مستغربا كثيرا أن تسمع كلمات بهذا المعنى من أطراف عدة حول المشهد السياسي العراقي هذه الأيام. عواقب وخيمة، فهذا هو الوضع في العراق الآن. ولكن ماذا بعد؟، ولمن وما هي هذه العواقب الوخيمة "الجديدة"؟ هل هناك اكثر من عواقب الاحتلال الصهيو أمريكي للعراق وخامة، وما يعني أو ما يضيف إلى كل ما جرى وحصل للشعب العراقي قبل ربيع 2003 وبعده؟. ولماذا التهديد والوعيد من مختلف المستويات الأمريكية وغيرها، عسكرية وسياسية؟. ومع كل ما سمع وعرف من أقوال قيادات الاحتلال وممارساتها الموثقة لدى المنظمات الإنسانية الدولية، ومنها أمريكية، مثل منظمة الدفاع عن الحقوق المدنية في الولايات المتحدة، أو مراقبة حقوق الإنسان، (هيومن رايتز ووتش) وغيرها، فان التحذيرات الأمريكية والإنذارات بمثل هذه الكلمات البسيطة مبنى والخطيرة معنى في العرف العسكري الإمبراطوري الأمريكي خاصة، لاسيما بعد التجارب المريرة التي قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية في اكثر من مكان على المعمورة، قد توفر لنفسها اكثر من غرض ورسالة، خاصة بعد خيبتها الكبيرة في ورطتها الأكبر في "الحلم العراقي" والمن والسلوى من ارض الرافدين، وهي بأي مستوى تعني الخسارة والفشل لإدارة لم تعد قادرة على تحمل أي اعتراض على سياساتها الوحشية وتحاول بكل جهودها فرض ما ترغب به دون قراءة فعلية للوقائع وما يجري على الأرض العراقية وما يحيط بها، ودون حسابات جدية لحالة الغضب الشعبي والكراهية التي تنمو وتتسع في كل أنحاء العراق وجيرانه وعلى مختلف المستويات، ولها أصداء داخل أروقة الإدارة الأمريكية والكونغرس ووسائل الإعلام الأمريكية، دفاعا عن مصالحها طبعا، لاسيما وحملات المرشحين للرئاسة الأمريكية تتنافس بقوة على وقع الأزمة المالية وأسبابها المعروفة والتململ الشعبي الأمريكي من كل ما يحصل له من إدارة تنهي سنواتها العجاف بما كان متوقعا لها ومحذرا منه منذ سنواتها الأولى للعواقب الوخيمة فعلا لكل من تورط في الجريمة أو تفرج عليها. ولم تعد أية كلمة تقال عنها إلا وتذكر بانتهاكاتها وارتكاباتها الجسيمة التي تنطق بها وترد على كل ما تدعيه وتزعم بالقيام به، وإذا كان ثمة استغراب فقد يكون هنا طبعا، ِمن مسؤولين عراقيين، أو هكذا هي صفاتهم الرسمية، إلا إذا كانت المعلومات ناقصة أو غير دقيقة عنهم. إذ لا يمكن تصور أن يهدد الموظف العراقي بلاده بمثل هذه الكلمات، والعودة إلى ما نشرته وسائل الإعلام يكشف بالأسماء والعناوين أصحاب هذه المعزوفة التي أعلنها رئيس هيئة الأركان الأميركية الأميرال مولن وأعقبه وزير الحرب غيتس والخارجية رايس وتتالت من الاتباع في الإدارة والناطقين باسمها، وتبعها المتكلمون باسم العراق في المحافل الدولية أو في اللقاءات السرية والعلنية مع ممثلي الإدارة الأمريكية في العراق وخارجها، خاصة المندوب السامي رايان كروكر ومن في حصانته. وما هي القضية؟ هي باختصار معاهدة إستعمارية تشرع الاحتلال بعد انتهاء المدة القانونية الشكلية التي اقرها مجلس الأمن بعد الغزو والعدوان. وهناك طبعا بدائل كثيرة والأوضاع المحلية والدولية تمر بأزمات وصراعات غير قليلة وقد لا تكون هذه القضية من أهمها، إلا أن الإدارة الأمريكية التي ترحل قريبا تريد أن تسبق بما يشجعها حتى ولو معنويا على إسناد قانوني شكلي آخر تحت مسمى اتفاقية أمنية، وهي في الحقيقة تتضمن اخطر ما يمكن وصفه بعواقب وخيمة، فضلا عن الشرعنة لاستمرار الاحتلال والتصرف بشؤون البلاد والعباد بما يخدم ويواصل الجرائم الصهيو أمريكية التي سجلت بامتياز في العراق المحتل.
والهجمة الأمريكية كما تفيد التجربة تنشر خيبتها على أوسع رقعة لتنسل من تحمل تبعات سياساتها، وكان كلام قائد قوات الاحتلال في العراق ريمون أوديرنو عن رشى تدفعها طهران للنواب العراقيين في مقابل رفض الاتفاقية إشارة أولية لما تتالى بعده، من القيادة العسكرية في الميدان وخارجه، وفيما صدر بعده عزف متواصل على التوجهات نفسها، ومن ضمنها الغارة العدوانية والانتهاك السافر للأراضي السورية. واللافت أن غيتس استبعد مثلا إجراء تعديلات على مسودة مشروع الاتفاقية، مبرراً ذلك بأن المفاوضات «استغرقت شهوراً ووصلت إلى مراحلها الأخيرة ما يعني أن الباب أغلق تقريباً أمام إمكان إعادة التفاوض». واستدرك قراره، منتظرا الإغلاق من البيت الأبيض، الذي أذاعته الناطقة باسمه، مقررة إستكمال الاتفاق، وقفل الباب أمام أية تعديلات قد تجري عليه. وتابعت:«إذا رغب المفاوضون في إجراء تغييرات في هذه المرحلة، فسيكون عليهم إزالة حاجز مرتفع جداً أمامهم». وكأن الأمر محصور عند التوقيع فقط والإعلان في حديقة البيت الأبيض عنه دون اعتبار لمحتوياته وخطورتها وتناقضها مع ادعاءات الإدارة الأمريكية من شعارات وخطط للتغيير في العالم. وفي الحقيقة إن الاتفاقية هي عواقب وخيمة بنفسها فكيف ستكون بعدها؟. وإذا أعيدت قراءة التصريحات تظهر أنها عبارات متشابهة حتى بالألفاظ والمعاني وكأنها جزء من الاتفاقية أو ديباجتها السرية غير المعلنة التي يراد منها في الأخير ما يحذر منه وما يخطط له. كاشفة زيف شعارات الحرية والديمقراطية والاستقلال والسيادة، الموجودة في نص الاتفاقية، من جهة، وكذلك خداع تصريحات المسؤولين أنفسهم عن بقائهم رهن بتحسن الأوضاع وقرار الحكومة العراقية أو البرلمان العراقي من جهة أخرى، بينما الرد عليها بعواقب وخيمة لا يعني غير محاولات تغيير الوجهة وتمرير تسميتها ومحتوياتها وهذه وحدها فضيحة مكشوفة، لن تمرر على الشعب العراقي الذي رفض بوضوح الإحتلال والاتفاقية وأمثالها، ودروس التاريخ ليست بعيدة.