السبت، 1 نوفمبر 2008

نشرة أخبار عادية غير عاجلة

الجمعة 24/10/2008
لم تعد الأخبار المنشورة عن العراق وأفغانستان وفلسطين وغيرها عاجلة كما كانت عليه قبل أسابيع، رغم كل تطوراتها وصراعاتها وأحداثها المهمة والتضحيات الجسيمة التي تتكبدها شعوبها وثرواتها. حيث بات البنتاغون هو مصدرها واللجان والأرصدة التي خطط لها تقرر هي فلترتها وتضعها بحدود المقبول والمرغوب فيه أمريكيا، وتتولى الوسائل الأخرى تنفيذها بكل اللغات، بما فيها العربية طبعا. لا سيما خلال هذه الفترة المتبقية إلى يوم إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، كي لا تكون خارج السيطرة الإعلامية ومبعث هيجان أو إثارة إعلامية رغم حاجة المرشح الجمهوري لها أحيانا أو في بعض حملاته ضد المرشح الديمقراطي المنطلق نحو البيت الأبيض بسرعة لافتة. فقد سربت معلومات عن تأجيل نشر تقرير للاستخبارات الأمريكية الستة عشر جهازا، حول تدهور الأوضاع في العراق وأفغانستان وغيرها من الأوطان المبتلية بالسياسات الإمبراطورية الهمجية، خشية تأثيره على مسرح التحضير للانتخابات الرئاسية، وكذلك الأخبار العاجلة ذات المفاجئات غير المتوقعة أو المحسوبة في الدوائر الأمريكية. وصولا إلى استطلاعات الرأي العام الأمريكي، التي بدأت تنشر مثلا حول الحرب على العراق بالانخفاض، حتى أن صحيفة الغارديان البريطانية سمتها الحرب المنسية الآن بعد أن كانت الشغل الشاغل في خطب الرئيس ومساعديه ومؤسسات إدارته. وأشارت في عددها ليوم 15/10/2008 إلى أن حرب العراق لا يرد ذكرها كثيرا في حملة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. تحت عنوان "الحرب المنسية التي لا يرد ذكرها إلا في مقابر آرلينغتون" وصف سيمون تسدال مراسل الصحيفة أجواء "الهكتار الأشد حزنا في أمريكا": "هذه البقعة هي ما يعرف بالقسم الستين في مقابر آرلينغتون الحربية حيث دفن عدد كبير من ألـ 4100 قتيل أمريكي في عملية "حرية العراق" ". فبالنسبة لكثير من الأمريكيين يبدو أن حرب العراق قد أصبحت منسية، بالنسبة للبعض مثل المرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس سارة بالين فقد تم تحقيق "النصر"، لكن بالنسبة لآخرين فالحرب هي ذكرى مؤلمة، موضوع من الأفضل عدم مناقشته.
وإذا كانت هذه الحرب التي تجاوزت عامها الخامس ولم تحقق للإدارة الأمريكية ما كانت تضعه من خطط ومشاريع إمبراطورية وجاءت لها بما لم يكن متوقعا لمخططيها الاستراتيجيين، دع عنك زعماء عصابات الحرب والهيمنة الإمبراطورية الذين سمتهم وسائل الإعلام الأمريكية بالفئران الهاربة من السفينة الغارقة، فان الأخبار العاجلة مؤجلة الآن حسب التخطيط الأمريكي. ولكن ليس كل ما تريده الإدارة الأمريكية يجري مثلما تشتهيه، فرياح المفاجئات مستمرة عليها وصورة تخبطها في أوحال الأزمات لا تنتهي.
مراجعة أية نشرة أخبار الآن عن الأوضاع الإنسانية في أية وسيلة إعلامية تعطي لوحة محددة بعدد من العمليات الإرهابية، الانتحارية، الإجرامية، وقتل عدد من الإرهابيين وإعتقال عدد من المطلوبين، كما تطلق عليهم، دون ذاكرة أو إغفال متعمد للإلتزامات القانونية لقوات الاحتلال. وإذا حسبت أعداد الذين يعلن عنهم في شهر سيتجاوزون الأعداد التي تعلنها السجون والمشرحة الطبية وتقارير وزارات الحكومة المكلفة بواجباتها، فأين يذهبون أو كيف يتزايدون يوميا وكل مرة يعلن القضاء عليهم؟، أسئلة إلى صانعي ألاعيب البنتاغون الجديدة في الإعلام ومؤسساته المختلفة، الذين يستهدفون إبعاد الأنظار عن الضحايا الحقيقيين.
لا تختلف في ذلك أية وسيلة إعلامية، أمريكية أو أوروبية أو عربية، حيث اغلبها أصبحت مثل الفرق الموسيقية، تسترشد بقائد الأوركسترا، ويفضحها تشابه أو تطابق ما تنشره. كل يوم المشهد نفسه، والأعداد متقاربة، القتلى بين رقمين لا يتجاوزان المطلوب إلا في حالات خاصة، كأن تقترف القوات المحتلة جرائم وحشية صارخة خارج المعتاد فتغطى بأرقام عمليات تصنفها تلك الجهات بما ترغب من تسميات ويجري العزف طيلة ذلك اليوم على النوتة نفسها. ولكن المستنكر هو التغييرات في أسماء المدن التي تنشرها وسائل الإعلام، إذ أنها تترجم من لغات أخرى وتنشر بما يقابل تلك اللغات دون أن تعرفها، أو تنتبه لها، أنها مدن واقضية ونواحي عراقية أو أفغانية مثلا والأولى بها أن تكون عارفة وملمة بها، على الأقل في الخريطة الجغرافية والمعلومات العامة عنها.
ويبقى الملفت للانتباه حول ما نشر عن التظاهرة الرافضة للاتفاقية الاستعمارية والتي تجمعت في ساحة واحدة في بغداد يوم السبت 18/10/2008 بدعوة من زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر وبتحشيد من التيار ومناصريه والمتفقين مع توجهاته الوطنية في هذا الشأن. فالأخبار التي نشرت كشفت عن مصادرها ووسائلها وادعاءاتها وبيّنت أن ما تم أفشل جهود البنتاغون وعصاباته ومروجي إعلامه، فتباروا صراحة في الاستهانة بإرادة الشعب والاحتجاجات وشعاراتها ومطالبها وأهدافها وأساليبها السلمية التي أقدمت عليها، محاولين إنكارها أو تحجيمها كتعبير واضح عن إرادة شعب وخيار وطني يتسع مداه ويعكس طبيعة الشعب وقواه الحقيقية في المطالبة بوطن حر مستقل ديمقراطي موحد.
محاولات طمس أهمية التظاهرة وأعدادها عكست خطل الخطط الإعلامية التي تقودها الآن دوائر البنتاغون وما وفرته لها من قدرات وأرصدة معنية بمثل هذه الأخبار والحالات والوقائع التي لا يمكن إخفائها وحرمان المشاهدين والسامعين لها بوقائعها ودورها في التحريك الشعبي والعمل الجماهيري. ولعل هذا الاستهداف يكون دافعا آخر أمام مهمات الإعلام الوطني، ومسؤولياته في العمل على تطوير أدواته وتنسيق الأخبار العاجلة التي تخشاها المؤسسات المكلفة والقابضة والموجهة رسميا أو سريا، وأن يكون هو الأولى بالنشر وبمعرفة الحقيقة الغائبة والمشروطة عن نهوض حركة التحرر الوطني في عهد الاستعمار الجديد.