الخميس، 2 أكتوبر 2008

الانسحاب من العراق

الجمعة 26/9/2008
تكثر وسائل الإعلام من الحديث عن الانسحاب من العراق، وتنشر أخبارا وتعليقات وتكهنات ودراسات وأقوالا وتسريبات مقصودة أو مطلوبة عما يدور في مفاوضات أو مباحثات سرية وعلنية حول الموضوع، هل سيتم الانسحاب؟، ولماذا ومتى؟. وتناقش أحيانا في الأسباب والنتائج والحجج والبراهين والعواقب والتداعيات، وفي الأغلب تتداعى صور الهروب من فيتنام أو توضع كسيناريو من بين ما يخطط له.
وقد يكون كتاب الدكتورين جورج ماكغفرن ووليام بولك، المعنون: الخروج من العراق، خطة للانسحاب الآن، الصادر قبل عامين في الولايات المتحدة، والذي قام مركز دراسات الوحدة العربية ببيروت بترجمته ونشره، مفيدا في المساهمة في التفكير بصوت عال. وأهميته من مؤلفيه العلمين في تيار المعارضة للسياسة الخارجية الأمريكية، وخبراتهما ومقدرتهما الفكرية. ويضيف الناشر إلى أن اقرب وصف لمضمون الكتاب هو انه بيان واضح لبرنامج عمل بشأن مشكلة بالغة الخطورة في السياسة الخارجية الأمريكية وفي الاستراتيجية العسكرية على السواء.
أهدى المؤلفان الكتاب إلى أحفادهما، املين انهم يستفيدون من الدروس التي لابد أننا قد تعلمناها في العراق، والى الأمريكيين والعراقيين الذين فقدوا حياتهم في هذه الحرب الكارثية. وضم استهلالا مهما وستة فصول وخاتمة.
استهلاه بالتأكيد على أن الأحداث أثبتت أن قرار غزو العراق واحتلاله في عام 2003 كان خطأ كارثيا. وذكرا الأثمان البشرية التي دفعت وستدفع لعقود قادمة، أمريكيا وعراقيا. ومن ثم عرجا على الكلفة المادية للحرب والتي احتملا أن تؤدي إلى تعرض اقتصاد أمريكا للإفلاس. (وهذا ما يحصل هذه الأيام). وأضافا: هذا وأن عددا من أولئك الذين أرادونا أن نهاجم العراق، بمن فيهم بعض العسكريين، يدركون الآن أن الحرب لا يمكن كسبها. وبذلك فان الكلفة الباهضة قد ذهبت بأجمعها سدى. أن الحرب كانت تبديدا فظيعا ولا نفع فيها. وبدلا من الاعتراف بهذه الحقيقة فان البعض، لاسيما في صفوف ما يسمى بالمحافظين الجدد، يؤيدون الآن ما يدعى بـ "الحرب الطويلة" ضد "العدو العالمي". وأستنتجا بان الحكمة والوطنية هو تغيير المسار وإنهاء الاستمرار في خطأ فادح يبدد أرواح الجنود الأمريكيين الشباب والمدنيين العراقيين ويؤدي إلى تهديد معنويات الأمة وسلامتها المالية. استهدف الكتاب تقديم المساعدة في ذلك، لاسيما في تصحيح المعلومات الزائفة التي تضخها الآلة الإعلامية الرسمية، ولهذا أصدراه، بتقديم خلاصة عن الكيفية التي جرى فيها تضليل الأمريكيين بشأن الحرب، وتبيان الأضرار الخاصة بآثارها، وانتقلا إلى طرح خطتهما عن كيفية إيقاف النزيف والخروج من العراق بأقل ما يمكن من الكلفة والخسائر، ووضعا في الوقت نفسه رؤيتهما فيما لو قررت الإدارة برعونة "البقاء على المسار" واختتما مؤلفهما في الدرس الذي على بلادهما أن تتعلمه من هذه المغامرة الخائبة الباهضة الثمن.
بديهي قد لا يتفق مع كل ما طرحاه من أفكار وتحليلات وآراء في كثير من المعلومات العامة، وأحيانا الناقصة، ولكن المهم هو ما سجلاه بشان الكارثة وكلفتها ودعوتهما لخطة انسحاب من العراق بما يتفق مع مصالح شعبهما وبلدهما والعراق والعالم. خاصة وانهما بحثا في فصول دوافع الفكرة في الخروج من العراق، وصولا إلى إنجازه بشكل يخفف من الضرر الذي أصاب العراق وأمريكا معا. وبقناعة ألا تترك الولايات المتحدة وراءها عراقا يحفل بأناس يكرهونها وسيطلبون الثار لأنفسهم جراء الحرب. وكتب الباحثان عن معاناة الشعب من الحرب والاحتلال والانتهاكات وتردي الأوضاع في العراق من سيئ إلى أسوأ. وأكدا أن المضي بإجراءات أشبه بالمسكنات، قد تكون جذابة بذاتها ولكنها بمعزل عن برنامج منسق، تنتهي إلى فشل. ولا تكون الإجراءات المالية وحدها هي السبيل دون أن تكون إلى جانب إجراءات سياسية وأخلاقية تبدأ من الإقرار بحق العراقيين الأساسي لإدارة حياتهم بأنفسهم، وعدم التدخل في إثارة النزاعات وتيارات التقسيم داخلهم لأنها أمور ليست بالتأكيد في خدمة المصالح الأمريكية والعراقية أيضا. وقد ابرزا عددا من الخطوات اعتبراها عناصر في اجندة يجري تنفيذها بصورة مشتركة.
وتبقى الخطوات والرزمة آراءهما وحدهما أو من يشاركهما، ولكن تأكيدهما على فكرة الانسحاب تتطلب قراءة من منطلق المصالح الشعبية العراقية بمثل نظرتهما للمصالح الأمريكية. وقد يكون تشديدهما على الانسحاب مهما، وكذلك اعتبارهما انه ليس أمرا سياسيا ملحا فحسب، بل انه كذلك مطلب استراتيجي (ص 101) وكذلك إشارتهما إلى أن الانسحاب لن يكون من دون كلفة مالية، وهي كلفة لا مفر منها، ولابد أن تدفع إن عاجلا أو آجلا. ولا خلاف على ضرورة تخطيط الانسحاب تخطيطا دقيقا وفق جدول معقول وبطريقة منظمة تخفف من الأضرار على المصالح الأمريكية. وناقشا ردود الأفعال وتصريحات نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني حول رفضه فكرة الانسحاب وما كاله عليها من تهم، منتهين أو مستندين إلى ما ورد في دراستين، الأولى أجراها معهد الدراسات الاستراتيجية في كلية الحرب التابع للجيش الأمريكي وضحت، حسب النص، "بان التمرد في العراق يأخذ بالانتشار ويصبح فتاكا اكثر فاكثر كنتيجة لسياسة الولايات المتحدة". والثانية قام بها فريق خاص من باحثي معهد كاتو الأمريكي، وجزمت أن "وجودا عسكريا طويل الأمد في العراق سيكون كارثيا للولايات المتحدة".
قد لا تكفي صراحتهما بان الانسحاب قد يسبب ضررا واستدراكهما انه لا مناص منه ولكن قولهما بان الاستمرار على المسار الذي عبر عنه بوش فاشل وطريق خطأ ومتجه نحو الهاوية هو الخلاصة التي لابد من وضعها أمام من يجادل الآن في الموضوع وتقدير وأعتبار ما توصلا إليه.