الخميس، 2 أكتوبر 2008

في ذكرى الشاعر البياتي


من ملائكة وشياطين، أول مجموعة شعرية أصدرها الشاعر عبد الوهاب البياتي (1950) إلى نصوص شرقية آخر مجموعة له (1999)، رحلة نصف قرن من العمر والترحال، في حرائق الشعر وعذابات المنافي. توالت إبداعاته الشعرية معلنة ولادته شاعرا ومجددا من رواد القصيدة الحديثة في الشعرية العربية، وسلطت الأضواء على عالمه، منذ أن عاش طفولته قريبا من ضريح عبد القادر الكيلاني ببغداد، الى قبره حسب وصيته بالقرب من ضريح محي الدين بن عربي بدمشق.
سفر حافل وسيرة شعرية طويلة، إلى يوم غيابه في 3/ 8/1999، الذي عرف بينما لا يعرف يوم ميلاده من عام 1926، جائلا في مدن بلا فجر تنام، ومن منفى إلى منفى،
"ومن باب لباب نذوي00
كما تذوي
الزنابق في التراب
غرباء يا وطني نموت
00 وقطارنا أبدا يفوت"
عارفا مصيره الشعري والإنساني، قارئا ذلك في رسائله وعنوانين أشعاره، في حبه لعائشة وليلى وفروزنده، وفي رسائله الحزينة إلى الشيرازي وجيفارا وناظم حكمت ولوركا وآراغون وبول إيلوار، إلى أسفار الفقر والثورة وكلمات لا تموت، والذي يأتي ولا يأتي، وبين كل هذا الدفق الإنساني في نصه الشعري وخطابه وتحولاته الفنية أبدع ما وضعه في الثلاثي الرائد والرافد في التجديد الشعري، والذي رحل جميعا، سبقه السياب، ولحقته نازك الملائكة.
في مذكراته التي أصدرها بعنوان: "ينابيع الشمس" يقول أن كتابته للمذكرات ككتابته للشعر، إذ كلما انتهى من كتابة قصيدة يشعر بان سحابة أمطرت كل ما عندها وظلت تنتظر موسما آخر لكي تستعيد عافيتها فتمطر من جديد. وقد عاش حياته مراحل تجارب وأثرت فيه الأمكنة والأزمنة وتعامل الناس معه ومع فنه الإبداعي الذي أراد منه أن يطل على العالم دائما بجديد يحركه ويستفزه، مع شريكه في المنافي ناظم حكمت القائل:
"هناك رجال يعرفون ألف نوع من الأعشاب
وآخرون يعرفون أنواعا من
الأسماك
أما أنا فقد عرفت أسماء الفراق".
حدد في ينابيع الشمس البواعث التي ساقته لإعادة كتابة التجربة الشعرية والإنسانية وما كابده في حياته من جمرات الإبداع والدفاع عن معاناة الإنسان العربي، أينما حل أو نفي. رحيله الدائم في بحور الأساطير والتراث والتاريخ، بحثا عن الأقنعة التي تسفر له عن الصوفي والثوري والعاشق والمحارب والمفكر الموضوعي في سيرة حياة حافلة بالكفاح من اجل الحرية والإنسان.
تنقل البياتي في العديد من المدن، العربية والأجنبية، والتقى العديد من الشعراء والأدباء وترجم شعره إلى مختلف اللغات، وحمل نصه معاناته ولغته وسيرته المفعمة بالنضال الإنساني وحب الحرية والخير والسعادة للإنسان، في جدلية الحياة والموت، باثا ذلك في مرثياته لأعز أصدقائه الذين رحلوا قبله: بدر شاكر السياب، صلاح عبدالصبور، ناظم حكمت، خليل حاوي، غائب طعمة فرمان، لويس عوض، ناجي العلي، وابنته. وفي رثائه لحاوي الذي انتحر احتجاجا على استباحة الأعداء لوطنه، إشارة مدوية أمام الجرح العربي النازف، في اكثر من بلد عربي، (ماذا سيقول اليوم وبلده محتل، تدوسه بساطيل الغزاة؟).
"حين انتحر الشاعر
بدأت رحلته الكبرى واشتعلت في البحر رؤاه
وحين اخترقت صيحته ملكوت المنفى
طفق الشعب القادم من صحراء الحب
يحطم آلهة الطين
ويبني مملكة الله".
والبياتي مدرك انه مفترس ليل نهار مثل من سبقوه من شعراء بابل وسومر واشور وطيبة وبغداد ودمشق في عصور القتل والإرهاب والسحر الأسود وفي أزمنة النشوة والكشف والفتح والتجلي والبراءة والثورة أمام أضواء التاريخ.
ستمر في آب/ أغسطس العام القادم عشر سنوات على رحيل هذا المبدع الإنسان، ماذا هيأت اتحادات وبيوت الشعر العربي احتفاء به وتذكيرا بدوره وقامته الشعرية. ماذا أعد مريدوه وناقدو شعره وحاملو جوائزه وناشرو أشعاره؟. سؤال مبكر، استباقي للتذكير بالواجب.