الخميس، 25 سبتمبر 2008

السجل الأسود لإدارة البيت الأبيض

الجمعة 26/9/2008
يوما بعد آخر تزداد صفحات السجل الأسود لإدارة البيت الأبيض في انتهاكاتها لحقوق الإنسان. ومعلوم أن الإدارة الأمريكية ومؤسساتها اعتبرت حقوق الإنسان شعارا رئيسيا لنشاطاتها الخارجية منذ فترة طويلة. ولاسيما إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش التي استغلت أحداث سبتمبر / أيلول 2001 في ارتكاب ما وصفته المنظمات الدولية بما يرقى إلى جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية. وكل مرة تكشف فضيحة جديدة لسياسات الإدارة الأمريكية، فبعد الغزو والاحتلال، وجرائمهما، جاءت فضائح الممارسات البشعة في السجون، من أفغانستان إلى غوانتانامو إلى العراق، وباتت عناوين بارزة في صفحات السجل الأسود، من بين العديد من أمثالها. وأضافت قصص السجون الطائرة واستخدام المطارات الأوروبية خصوصا، إلى السجون البحرية باستخدام السفن والبواخر إثباتات أخرى لمثل هذه الانتهاكات والارتكابات ضد الإنسانية. هذه الصفحات وغيرها تكشف عن نفسها دون الحاجة إلى شهادات أخرى لها، وهي بنفسها أدلة قاطعة إذا أراد القضاء الدولي التعامل معها واستطاعت المحاكم الدولية بدء إجراءات قانونية بشأنها.
تضيف لها اعترافات موثقة من لدن من قام بها، أو مارسها أو نفذ الأوامر بشأنها، وقد تكون هذه إضافات وأدلة أخرى داعمة للمحاكمات والقضاء المنصف. من بينها وقد أصبحت كثيرة، منشورة في وسائل الإعلام الأمريكية خصوصا، وفي كتب مطبوعة، مثل مذكرات الجنرال الأمريكي ريكاردو سانشير، القائد السابق لقوات الاحتلال الأمريكي في العراق، التي كشف فيها عن تفاصيل جديدة بشأن الأساليب التي اتبعها مسؤولون كبار في إدارة جورج بوش، وخصوصاً وزير حربه السابق دونالد رامسفيلد، في إدارة السنوات الأولى لاحتلال العراق. وأكد سانشيز، الذي أُرغم على ترك منصبه عام 2004 على خلفية التعذيب في فضيحة سجن أبو غريب، أنه استُغل من جانب رامسفيلد الذي حوّله إلى كبش فداء، بسبب الدور الذي قام به في السماح باستخدام أساليب وحشية وغير إنسانية ضد السجناء والأسرى العراقيين. كما أشارت إلى مثل ذلك العميد جانيس كاربلينسكي التي كانت مسؤولة عن الشرطة العسكرية في سجن أبو غريب، والتي أقصيت عن مهامها واعتبرت نفسها مثله كبش فداء لسياسات مبرمجة ومنظمة من قياداتها الأعلى ولاسيما وزير البنتاغون. وكشفت محطة السي أن أن، (CNN 19/6/2008) ارتكاب إدارة جورج بوش لجرائم حرب في العراق، في عرضها لتقرير جمعية أمريكية أعدته من ١٢١ صفحة، أكدت فيه أن الاختبارات أظهرت تعرض المعتقلين للضرب المبرح والصعق بالتيار الكهربائي والحرمان من النوم، إلى جانب الإذلال الجنسي والشذوذ.
كتب مقدمة التقرير اللواء الأمريكي المتقاعد، أنطونيو تاغوبا، الذي قاد تحقيقات الجيش في فضيحة التعذيب بأبو غريب، وورد فيها: "لم يعد هناك من شك في أن الإدارة الحالية ارتكبت جرائم حرب، السؤال الوحيد هو: هل سيصار إلى محاسبة الذين أصدروا الأوامر؟". هذا سؤال عسكري أمريكي اكتشف بنفسه ما حدث فعلا، والمطلوب الجواب عليه، إنصافا للقانون والعدالة والدستور الأمريكي.
واعتمدت الجمعية التي تحمل اسم "أطباء من أجل حقوق الإنسان" فحوصات مخبرية استمرت ليومين على ١١ معتقلاً مكثوا في سجون أفغانستان وغوانتانامو وأبوغريب، وأفرج عنهم لاحقاً دون توجيه التهم إليهم.
كما أن ما نشرته مجلة أمريكية أخرى، ذي نيشن، من يوميات جنود أمريكان اشتركوا في احتلال العراق وتعذيب ابناء شعبه، لا يحتاج إلى مواد قانونية لإثبات أن الممارسات تلك بشعة ووحشية ولا تقارن بأي سلوك إنساني وأنها أدلة اعتراف صارخة بارتكاب جريمة إضافية لوجودهم في بلد آخر لا يشكل خطرا عليهم أو يحارب بلادهم.
ولعل الكتاب الذي وضعته الصحافية جين ماير الاختصاصية في الاستقصاء ومكافحة الإرهاب في أسبوعية "ذي نيويوركر" والذي يسجل وقائع ملموسة وموثقة من تقارير دولية واتهامات بالاسماء ولم يتم نفيه شهادة أخرى. والكتاب في 392 صفحة بعنوان "الوجه المخفي" أو "المظلم"، ويشرح "كيف تحولت الحرب على الإرهاب إلى حرب على المثل العليا للولايات المتحدة".
وبحسب الكتاب فان اللجنة الدولية للصليب الأحمر أعدت تقريرا بعد لقاء موظفيها 14 معتقلا من المتهمين بالإرهاب وسلمته في 2007 إلى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية التي رفعته بدورها إلى الرئيس بوش ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس. ويسلط الكتاب الضوء على حالات متعددة وبالاسماء وبالوسائل الوحشية التي مورست ضدها. وتستند الصحافية بتوصيفاتها الى ما ذكره الصليب الأحمر عن تلك الأساليب "بأنها ومن دون شك أساليب تعذيب" وتضيف المؤلفة أن الصليب الأحمر "حذر من أن هذا الانتهاك يشكل جريمة حرب تضع كبار المسؤولين في الحكومة الأمريكية في موضع يمكن فيه محاكمتهم بحسب مصادر مطلعة على التقرير". ويشرح الكتاب أيضا كيف أن الإدارة الأمريكية اعتقلت سرا ومن دون توجيه اتهامات إليهم آلاف الأشخاص في معتقل غوانتانامو وسجن أبو غريب في العراق وسجون أخرى في افغانستان أو سواها من الدول ومن بينها دول اوروبية وكيف أن هؤلاء المعتقلين وبعضهم أبرياء قد تعرضوا للتعذيب.

وفي مراجعة سريعة للعديد من التقارير بهذا الشان من منظمة العفو الدولية أو الصليب الأحمر وحتى من منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية، وغيرها من المنظمات الحقوقية أو الإنسانية العامة، لاسيما الأمريكية منها، إضافة إلى تحقيقات اللجان العسكرية في الكونغرس الأمريكي ووسائل الإعلام الأمريكية أيضا، تكشف وبالأسماء تلك الصفحات السوداء في هذا السجل المظلم والمخفي من إدارة تولي الأدبار ويجب عدم غلقه معها، بل العمل من الآن على فتحه وبقوة ليكون عبرة للقادمين الجدد لهذه الإدارة ولغيرهم بالتأكيد.