الخميس، 4 سبتمبر 2008

قضية كركوك .. بداية أم نهاية!

الجمعة 29/8/2008
كشف الصراع الدائر حول مدينة كركوك النوايا المخفية والمخططة بين كل الأطراف التي تدعي أنها تدير عملية سياسية ديمقراطية في العراق، وتنفذها بأساليب متعددة مملوءة بفقدان الثقة، وهشاشة المعلن من التحالفات الحاملة لبيت "الشرعية الرسمية" الذي ترعاه الإدارة الأمريكية مباشرة. واظهر، من جهة أخرى، بداية لازمة سياسية قد ترسم ملامح نهاية التوافق القائم بين تلك الأطراف المتنافسة، إذا استمرت على هذا المنوال من العلاقات بدون تدخل أطراف خارجية ومشاريعها التي لا تخدم مصالح الشعب العراقي ومستقبله. والمعروف أن أهالي المدينة متنوعة الهوّيات، الإثنية والدينية: كردية وعربية وتركمانية وكلدانية، ومن كل الأديان والطوائف، ويطلق على المدينة إعلاميا عراق مصغر. وحالها كما هو الحال العام الذي طفح كيله بعد نيسان 2003. فلماذا تصبح مشكلة وصاعق قنبلة موقوتة؟. عاش هذا التنوع في مساحة من العيش المشترك وتبادل المصالح. فلماذا صعدت الرؤى الضيقة، وتغيرت الصورة الآن؟. وإذا تحولت نعمتها إلى نقمة عليها فلماذا يتسابق أبناؤها عليها؟. لاسيما وكل الأطراف تعرف أن فرض حلول تستند إلى مبدأ القوة مبتعدة عن حقائق التاريخ ومتذرعة بآثام الماضي وتراكماتها، لا يؤدي إلى تكوين المثال الأفضل في التطبيق العملي للتغيير المطلوب.
التصريحات والبيانات والهتافات تعطي مواقف متعددة ومتناقضة، وتدل في اغلبها على ضيق أفق مستند إلى قوة الاحتلال العاجزة أساسا عن إنجاز المطلوب من حقوق الأفراد والأقوام في البلاد وفي كركوك خصوصا، وإعلان كتلة واحدة من أهلها بالانضمام إلى إقليم من العراق متنازع على اسمه وكيانه واختياره وخياراته ورد الكتل الأخرى عليه، عقد الأزمة الوطنية المحتدمة، وأشار إلى رسائل متعددة لمصلحة إدارة الاحتلال واستمراره اكثر من غيرها، واثار تخوفا من تفاقم الصراع إلى الحدود التي يخشى منها، والتي ظهرت بوادر منها في الاحتجاجات المسلحة وعمليات التفجير الدموية المتصاعدة في المدينة أساسا. وقد تصبح الحرب الاثنية هي المجال الآخر بعد التغلب على الحرب الطائفية ولو إلى حين. وفي كل الأحوال قد لا تجري الرياح كما تشتهي السفن، ولكن الندوب تظل عالقة في الواقع والذاكرة والتاريخ. وتتحول الصداقات اليوم إلى عداوات غدا وتتفجر الأزمات القاتلة، والتي تتآكل فيها روح التضامن والتعايش المشترك.
لماذا كركوك الآن؟ وما هو الدور الأمريكي كقوة احتلال في تفجيرها؟ ولماذا تتباين تصريحات مندوبيه ووكلائه الرسميين وتتناقض بين تصريح وآخر؟، وما تمخضت عنه عمليات الشد والجذب في أروقة الدوائر الأمريكية في واشنطن وبغداد، التي شرّحت الموضوع وهي في لحظاتها الحرجة؟. وهل موقف الأمم المتحدة ومندوبها يخدم القضية ويحل الإشكاليات المتراكمة؟ ولماذا الاحتجاج عليه؟. هذه قضايا خطيرة على حاضر ومستقبل القضية الوطنية العراقية، وقد بدأت إشاراتها من وضع الألغام حولها في الدستور والمادة 140 منه، ومن ثم التاجيلات واللف والدوران والغموض في معالجتها وصولا إلى إقرار قانون انتخابات مجالس المحافظات ورفض الرئاسة له، وتحويل القضية إلى دوامة أو مارتون تصريحات وتعليقات إعلامية، لا نهاية لها قريبة. كما يعكس هذا الوضع، في الحقيقة، ادعاءات الوطنية والحريات والديمقراطية في عراق ما بعد نيسان 2003، وعلاقتها بقضية كركوك خصوصا، وموقعها من خطط الاحتلال التي رسمت للعراق في دائرة الصراع. ولعل ما يشغل الرأي العام حاليا هو النقاش القانوني والسياسي فيها والذي طبعا لا يثمر جديدا مع بقاء النوايا الخفية والمبيتة واستغلال الفرص السريع والتماهي مع المشاريع التقسيمية للعراق والمنطقة برمتها.
هل القيادات الكردية، التي تقود الإدارة في إقليمها المسمى باسمها، ارض الكرد، كردستان، صادقة في دعاواها ونواياها، أم أنها مستغلة الأوضاع المتشابكة في البلاد الآن لمآرب لها؟ ولماذا لا تجاهر بها وتكون عند مسئولياتها وليكون الشعب العراقي عارفا بها ومقيّما لأعمالها وحقوقها، وهل ضم كركوك إليها حل لازمة العراق أم إمعان في الأزمات وتوسيع للصراعات؟ وما علاقة كل ذلك بالديمقراطية وحقوق المواطنين والوطن والعلاقات الكردية العربية؟ أسئلة كثيرة، ربما تتوالد منها أسئلة، وكلها تصب في طبيعة القضية التي تازمت الأطراف العراقية حولها وكل طرف له أسبابه ووقائعه، وحتى حلوله لها، فلماذا لا يجري الحوار بها والاتفاق عليها دون التعكز على تناقضاتها وإخفاء ما وراء المكشوف وإعلان المستور؟.
واقع الحال في كركوك غيره قبل الاحتلال، وما كان غير مقبول مثله الآن، فالعودة إلى حقائق التاريخ ولجان التقصي والتحقيق والعدل والإنصاف فيها توصل إلى ما هو جامع للقضية ومنقذ لازمتها ومطور للأوضاع فيها وفي غيرها. ولعل ما ينقل بين النقاشات الموضوعية، لا البيانات الملغومة والخرائط المرسومة، أن سكانها في إحصاء عام 1957، المتفق عليه، والذي أبرمت اتفاقية آذار/ مارس بموجبه، يمكن أن يكون نموذجا للحل وقد أخذت به الأمم المتحدة كمقترح منها، في إدارته بصيغة الثلث لكل مكون رئيسي. ويستفهم هنا، أين الديمقراطية وحقوق المواطنة العراقية في هذه التعقيدات؟ أليس من حق أي مواطن العيش في المكان الذي يختاره والعمل الذي يتوفر له حسب رغبته واختصاصه وقدراته؟. أم أن وراء الأكمة ما وراءها، ولماذا التخفي بعد الآن؟.
الاستمرار في صب الزيت ذهابا إلى حافة الهاوية في التهديد بالانفصال، الحق المشروع قانونيا وتوافقيا، لا يخدم بناء الوطن ولا يدفع إلى التعايش والمواطنة السليمة، كما أن الاستجارة بقوى الإحتلال تبطل القضية، وتضيّع الأمل بعراق حر وموحد.