الجمعة 22/8/2008
أحداث كثيرة تعج بها وسائل الإعلام يوميا وتأخذ مداها وتنتهي أو تختفي لحين، لتعود بوجه آخر أو بشكل مغاير أحيانا، ولكن تظل مضامينها متقاربة إذا لم تكن متشابهة، وأغلبها أحداث لها مدلولاتها وتشغل الرأي العام وتشد الأعصاب في اغلب الأحيان وتسبب تداعيات، قد تنجم عنها أضرار بالغة، شخصية ووطنية وحتى دولية. من بين كل هذه الأحداث ثلاثة تتعلق كلها بالصفقات الأمريكية، خاصة في زمن إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن، والتي تمنح عبّرها بالمجان لمن يبصر ويريد أن يستفيد منها قبل أن تنتهي اللعبة معه ويتفرج على المآل. وهي قصص واقعية جدا ومثيرة للانتباه والوعي بمسيرتها ومصيرها، وربطها بما سبقها في تاريخ السياسة الأمريكية والعهود والاتفاقيات التي تدرس الآن نماذج واقعية لممارسات فعلية قامت بها الإدارات الأمريكية وختمتها كما أرادت مصالحها وخططها وقدمت بها أدوارا تسابق فيها متسابقون كثر ولم يرتدعوا من التاريخ ودروس التجارب المرة.
من بينها قصة رودوفان كراجيتش، زعيم صرب البوسنة، الذي شنت عليه حملات إعلامية كبيرة وحكمت عليه، كما قال، قبل محاكمته، وقد قام بدوره الذي كان عليه في حينه، ورضي بالصفقة الأمريكية معه، منسحبا من الواجهة تاركا للطائرات الأمريكية والقيادات المتعاونة معها أن تتحكم بشؤون البلاد والعباد في وسط أوروبا، وحين انتهت اللعبة ولابد أن تأتي بكبش يشاغل الواجهات الإعلامية ويضغط باتجاهات أخرى لأهداف تريدها الإدارة الأمريكية القي القبض عليه وسيق موقوفا إلى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، (من وضع الخريطة الجديدة لها ولمصلحة من هذا التقسيم والتجزيء ليوغسلافيا؟!)، حتى كشف أمام القضاة ووسائل الإعلام عن اتفاق الصفقة الأمريكية معه، اتفاق مع مسؤولين أمريكيين ينص على تنحيه عن منصبه مقابل عدم ملاحقته قضائيا، وثبت في السنوات الاثنتى عشرة التي تخفى فيها علنيا طبيعة الصفقة، التي تهرب منها المسؤول الأمريكي مباشرة وفي الإعلام أيضا، فهل ستطلب المحكمة شهادته ومحاسبته عن هذه الصفقة مثلا؟ أم أن العدالة الدولية تسمح له بذلك ولا تجيز للضحية "هنا" مثلها؟. ملاحظة هذه القضية بالذات ليست بحق أحد أو ضده، وإنما إلقاء ضوء على قضية صفقات ونهاية لعبة، ومتابعة فصولها التي ستأتي على المسرح متتالية وتنتهي بعد ذلك بكيل المديح لمن اشترك معه في التهم الموجهة إليه ويذهب هو ضحية للصفقة لا إلى ما قام به أو ارتكبه فعلا وحقا، دون أن يحاسب عليها من اشترك معه أو حتى اسهم في الإبادة وادعى خلافها، وستكشف الأيام ما كان خافيا. وكذلك ارتباطها بما لحقها دوليا من صفقات بان معدنها في ما يليها، مثلما حصل مع الرئيس الجورجي الآن، ميخائيل ساكاشفيلي، المنتخب ديمقراطيا بعهدة داعية الديمقراطية في العالم. ومازالت القضية تدور رحاها في أوروبا وأمريكا، وما حصل، وكيف تعاملت الإدارة الأمريكية معها، والوقائع ماثلة وردود الأفعال الإعلامية لا تغير من القضية شيئا كبيرا. حيث تنقل وسائل الإعلام أيضا ما يحدث على الأرض، وكيف واجهت القوات الروسية القوات الجورجية التي هاجمت عاصمة إقليم اوسيتيا الجنوبية، بمغامرة طفولية، خرجت عن ابادات وجرائم حرب من طرف الرئيس المنتخب ديمقراطيا وصمت الإدارة الأمريكية وألمانيا خصوصا عن هذه الجرائم، وتركها له محشورا ومنتظرا الدعم الموعود له قبل أن يأمر قواته بالانسحاب ووقف القتال. والعالم راقب هو الآخر الحالة، واستمع عبر الشاشات، بالصوت والصورة، لهدف واشنطن وأوروبا إلى موقع استراتيجي جديد لهما في محاصرة الدب الروسي. وخلاصة الموضوع هزيمة تاريخية لا يفلت منها الرئيس الديمقراطي الحليف لأمريكا، ورغم خطبه الرنانة والعلاقات العامة معه، فان الصفقة معه أوشكت على الانتهاء، واللعبة الجديدة تنتهي بالانضمام إلى حلف الأطلسي وتحويل بلاده إلى قاعدة أمريكية. تمتد من خلالها اذرع حلف الأطلسي، متوجا بالخذلان الذي واجهه ولم تنفعه كل الشعارات التي حاول تسويقها إعلاميا وستبقى صورته أمام الغضب الروسي في ذاكرته ومن سيشفق عليه لاحقا، أن وجد!.
أما القضية الثالثة فهي قصة الرئيس الباكستاني، برويز مشرف، الصديق والحليف الرئيسي للسياسة الأمريكية والغرب عموما. وقف في لحظة قراءة كتاب استقالته معبرا عن صورته كجنرال فقد شرف مهنته ومهمته، معزولا من أحزاب شعبه وحلفائه أيضا، حتى أن الإدارة الأمريكية، صارت تفكر بمنحه اللجوء السياسي إذا طلبه منها. وقضية مشرف تحتاج إلى اكثر من وقفة وتأمل، فهي قضية عمرها تسع سنوات، جاءت به عبر الدبابات بانقلاب ابيض إلى السلطة وإلغاء المؤسسات الديمقراطية والاعتراف به حاكما عسكريا وتسليمه مهام محاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي، كما سمته الإدارة الأمريكية، في بلاده وجيرانها، وغض النظر عن الحرية والديمقراطية في بلاده، وحتى عن تطويره الأسلحة النووية، وفي النهاية تركه أمام مصيره غير المأسوف عليه، رغم كل ما قام به وما حسب له في سنوات حكمه.
لائحة التهم له خيرته بين الانتحار ببزته العسكرية التي خلعها أو الموت البطيء بدونها، طريدا يبحث عن مكان آمن لنهايته. فاختار الثاني بعد أن أدرك نهاية اللعبة.
المفارقات كثيرة هنا، لاسيما في التلاعب والازدواجية في الألفاظ والشعارات، فالرئيس الأمريكي الحالي يطالب روسيا باحترام استقلال جورجيا وعدم التدخل بشؤونها، وصولا إلى إدانة تدخلها العسكري في بلد مستقل وعضو في الأمم المتحدة، على حد قوله. ( ردت عليه صحيفة البرافدا بوضوح) وكذلك ساكاشفيلي ومثلهما مشرف وقبلهم المندوب الأمريكي المتخلي عن توقيعه على اللعبة مع كارجيتش، فهل يتعظ ممن ما زالوا يمارسون اللعبة دون إرادات شعوبهم وخياراتها ؟.
أحداث كثيرة تعج بها وسائل الإعلام يوميا وتأخذ مداها وتنتهي أو تختفي لحين، لتعود بوجه آخر أو بشكل مغاير أحيانا، ولكن تظل مضامينها متقاربة إذا لم تكن متشابهة، وأغلبها أحداث لها مدلولاتها وتشغل الرأي العام وتشد الأعصاب في اغلب الأحيان وتسبب تداعيات، قد تنجم عنها أضرار بالغة، شخصية ووطنية وحتى دولية. من بين كل هذه الأحداث ثلاثة تتعلق كلها بالصفقات الأمريكية، خاصة في زمن إدارة الرئيس الأمريكي بوش الابن، والتي تمنح عبّرها بالمجان لمن يبصر ويريد أن يستفيد منها قبل أن تنتهي اللعبة معه ويتفرج على المآل. وهي قصص واقعية جدا ومثيرة للانتباه والوعي بمسيرتها ومصيرها، وربطها بما سبقها في تاريخ السياسة الأمريكية والعهود والاتفاقيات التي تدرس الآن نماذج واقعية لممارسات فعلية قامت بها الإدارات الأمريكية وختمتها كما أرادت مصالحها وخططها وقدمت بها أدوارا تسابق فيها متسابقون كثر ولم يرتدعوا من التاريخ ودروس التجارب المرة.
من بينها قصة رودوفان كراجيتش، زعيم صرب البوسنة، الذي شنت عليه حملات إعلامية كبيرة وحكمت عليه، كما قال، قبل محاكمته، وقد قام بدوره الذي كان عليه في حينه، ورضي بالصفقة الأمريكية معه، منسحبا من الواجهة تاركا للطائرات الأمريكية والقيادات المتعاونة معها أن تتحكم بشؤون البلاد والعباد في وسط أوروبا، وحين انتهت اللعبة ولابد أن تأتي بكبش يشاغل الواجهات الإعلامية ويضغط باتجاهات أخرى لأهداف تريدها الإدارة الأمريكية القي القبض عليه وسيق موقوفا إلى المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة، (من وضع الخريطة الجديدة لها ولمصلحة من هذا التقسيم والتجزيء ليوغسلافيا؟!)، حتى كشف أمام القضاة ووسائل الإعلام عن اتفاق الصفقة الأمريكية معه، اتفاق مع مسؤولين أمريكيين ينص على تنحيه عن منصبه مقابل عدم ملاحقته قضائيا، وثبت في السنوات الاثنتى عشرة التي تخفى فيها علنيا طبيعة الصفقة، التي تهرب منها المسؤول الأمريكي مباشرة وفي الإعلام أيضا، فهل ستطلب المحكمة شهادته ومحاسبته عن هذه الصفقة مثلا؟ أم أن العدالة الدولية تسمح له بذلك ولا تجيز للضحية "هنا" مثلها؟. ملاحظة هذه القضية بالذات ليست بحق أحد أو ضده، وإنما إلقاء ضوء على قضية صفقات ونهاية لعبة، ومتابعة فصولها التي ستأتي على المسرح متتالية وتنتهي بعد ذلك بكيل المديح لمن اشترك معه في التهم الموجهة إليه ويذهب هو ضحية للصفقة لا إلى ما قام به أو ارتكبه فعلا وحقا، دون أن يحاسب عليها من اشترك معه أو حتى اسهم في الإبادة وادعى خلافها، وستكشف الأيام ما كان خافيا. وكذلك ارتباطها بما لحقها دوليا من صفقات بان معدنها في ما يليها، مثلما حصل مع الرئيس الجورجي الآن، ميخائيل ساكاشفيلي، المنتخب ديمقراطيا بعهدة داعية الديمقراطية في العالم. ومازالت القضية تدور رحاها في أوروبا وأمريكا، وما حصل، وكيف تعاملت الإدارة الأمريكية معها، والوقائع ماثلة وردود الأفعال الإعلامية لا تغير من القضية شيئا كبيرا. حيث تنقل وسائل الإعلام أيضا ما يحدث على الأرض، وكيف واجهت القوات الروسية القوات الجورجية التي هاجمت عاصمة إقليم اوسيتيا الجنوبية، بمغامرة طفولية، خرجت عن ابادات وجرائم حرب من طرف الرئيس المنتخب ديمقراطيا وصمت الإدارة الأمريكية وألمانيا خصوصا عن هذه الجرائم، وتركها له محشورا ومنتظرا الدعم الموعود له قبل أن يأمر قواته بالانسحاب ووقف القتال. والعالم راقب هو الآخر الحالة، واستمع عبر الشاشات، بالصوت والصورة، لهدف واشنطن وأوروبا إلى موقع استراتيجي جديد لهما في محاصرة الدب الروسي. وخلاصة الموضوع هزيمة تاريخية لا يفلت منها الرئيس الديمقراطي الحليف لأمريكا، ورغم خطبه الرنانة والعلاقات العامة معه، فان الصفقة معه أوشكت على الانتهاء، واللعبة الجديدة تنتهي بالانضمام إلى حلف الأطلسي وتحويل بلاده إلى قاعدة أمريكية. تمتد من خلالها اذرع حلف الأطلسي، متوجا بالخذلان الذي واجهه ولم تنفعه كل الشعارات التي حاول تسويقها إعلاميا وستبقى صورته أمام الغضب الروسي في ذاكرته ومن سيشفق عليه لاحقا، أن وجد!.
أما القضية الثالثة فهي قصة الرئيس الباكستاني، برويز مشرف، الصديق والحليف الرئيسي للسياسة الأمريكية والغرب عموما. وقف في لحظة قراءة كتاب استقالته معبرا عن صورته كجنرال فقد شرف مهنته ومهمته، معزولا من أحزاب شعبه وحلفائه أيضا، حتى أن الإدارة الأمريكية، صارت تفكر بمنحه اللجوء السياسي إذا طلبه منها. وقضية مشرف تحتاج إلى اكثر من وقفة وتأمل، فهي قضية عمرها تسع سنوات، جاءت به عبر الدبابات بانقلاب ابيض إلى السلطة وإلغاء المؤسسات الديمقراطية والاعتراف به حاكما عسكريا وتسليمه مهام محاربة الإرهاب والتطرف الإسلامي، كما سمته الإدارة الأمريكية، في بلاده وجيرانها، وغض النظر عن الحرية والديمقراطية في بلاده، وحتى عن تطويره الأسلحة النووية، وفي النهاية تركه أمام مصيره غير المأسوف عليه، رغم كل ما قام به وما حسب له في سنوات حكمه.
لائحة التهم له خيرته بين الانتحار ببزته العسكرية التي خلعها أو الموت البطيء بدونها، طريدا يبحث عن مكان آمن لنهايته. فاختار الثاني بعد أن أدرك نهاية اللعبة.
المفارقات كثيرة هنا، لاسيما في التلاعب والازدواجية في الألفاظ والشعارات، فالرئيس الأمريكي الحالي يطالب روسيا باحترام استقلال جورجيا وعدم التدخل بشؤونها، وصولا إلى إدانة تدخلها العسكري في بلد مستقل وعضو في الأمم المتحدة، على حد قوله. ( ردت عليه صحيفة البرافدا بوضوح) وكذلك ساكاشفيلي ومثلهما مشرف وقبلهم المندوب الأمريكي المتخلي عن توقيعه على اللعبة مع كارجيتش، فهل يتعظ ممن ما زالوا يمارسون اللعبة دون إرادات شعوبهم وخياراتها ؟.