الجمعة 8/8/2008
انتهت الأزمة السياسية التي شغلت المشهد السياسي في تركيا قبل أيام بصدور قرار إيجابي من المحكمة الدستورية العليا حول دعوى حظر الحزب الحاكم ومعاقبة بعض القياديين بمنعهم من العمل السياسي. عكس القرار نضجا سياسيا في الأوساط التركية التي شبهته ببطاقة صفراء، كما هي في الألعاب الرياضية، لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وفي الوقت نفسه، حسب محللين سياسيين، بأنها وجهت إلى المعارضة السياسية بما فيها الجيش كقوة ضاربة ترفع شعار حماية العلمانية التركية التي تذرعت بها المعارضة والمدعي العام في شكواه ومطالبه. حيث لم تعد مثل هذه الأزمة تنتهي بنزول الدبابات إلى الشوارع وخروج القيادات العسكرية من الثكنات إلى سدة الحكم وإعلان حالة طوارئ وإلغاء البرلمان وتعليق الدستور تحت نفس الحجج والمبررات التي ناقشتها المحكمة العليا.
القرار والاستقرار الذي ساد الوضع الحالي في تركيا، وضع الحزب الحاكم أمام مسؤوليات جديدة عليه الانتباه لها، كما على الأحزاب الأخرى والجيش والمنظمات السياسية والمدنية في تركيا، واعاد إلى التفكير تاريخ تركيا والتموجات التي مرت بها أوضاعها منذ عهد أتاتورك والانقلابات العسكرية التي هزت المجتمع التركي وحاصرته بين جدران عسكرية وحدود تضيق عليه في محيط يتوسع ويتغير إلى آفاق أخرى وعوالم جديدة.
تركيا اليوم غيرها الأمس، وحزب العدالة والتنمية قدم لاسمه معناه، حيث نهضت تركيا في ظل حكمه وقيادته، رجب طيب اردوغان وعبد الله غول وغيرهما، وسعت بكل جهودها للحاق بمستويات متقاربة من جيرانها الأوروبيين، وأصبحت طرفا فاعلا بين جيرانها من كل الاتجاهات وأعترف بدورها الإقليمي الفاعل والنشيط على اكثر من صعيد. وفي كل الأحوال فالشعب التركي بمختلف فئاته وأطيافه هو الحكم والمعيار في مثل هذه الحالات وعلى مختلف الصعد، فهو الذي يتنعم بمستويات متنامية، ونتائج التصويت والانتخابات هي الشاهد على ذلك. وهذا ما أعطى للقرار والتغيرات الحاصلة مكانها الرئيس داخل تركيا وخارجها.
خاض الحزب صراعات متواصلة ونجح في الفوز في اغلبها، وتمكن من الوصول إلى أغلب "القلاع" العلمانية في الدولة التركية، من قيادة الحكومة إلى البرلمان إلى رئاسة الجمهورية إلى مؤسسات الأمن والشرطة، وظلت قيادات الجيش إلى جانب المعارضة السياسية في زوايا الرقابة والترصد بالحزب، لكنها متواصلة بعقلانية ونضج اختتمته المحكمة بقرارها المصيري، الذي واكب التطورات والمرحلة التي تعيشها تركيا اليوم. فلا تبرئة للحزب من وضعه الذي اعترف زعيمه اردوغان بأخطاء ارتكبت خلال مسيرة الحكم السابقة، ولا إدانة وثم الحظر الذي أثار توقعه قلقا واسعا، ليس عند الحزب الحاكم وحده، وإنما خارج تركيا، خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة.
تحقق للحزب الحاكم في هذا القرار كثير من الأسباب والمهمات التي يتطلب منه إنجازها والعمل على تحقيقها، خدمة لمصلحته والمصلحة العامة، وإغناء لتجربته ودوره في الحكم والدولة وفي النموذج السياسي الذي جاء به أو وضع في إطارات التحولات السياسية في تركيا وخارجها. حين فاز الحزب بالسلطة صدرت أحكام وقراءات كثيرة عنه، عن مرجعيته وعن برامجه وخلفياته ومعالجاته السياسية القادمة. وقد اثبت الحزب وقيادته انه استطاع تجاوز الكثير من الأمور التي حسبت ضمن العراقيل أمامه، وتمكن من تحقيق مهمات غير قليلة للمصالح القومية التركية والنموذج المطروح في حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية أو في حركة الإسلام السياسي القادرة على خوض المهمة والنجاح في نتائجها. وابرزها في فتح مساحات لها في الاتحاد الأوروبي، اقتصادية وسياسية، وخطوات كبيرة أمام الانضمام للاتحاد رسميا وتحديا لكل الاعتراضات والتدخلات الأوروبية اليمينية المتحكمة في هذه العملية وتوفير ظروف ملائمة لمثل هذه التحديات والتفاعل فيها. ولا يمكن إنكار دور تركيا الفاعل اليوم في قضايا كثيرة، من بينها العلاقات الدولية بين القارات والدول المجاورة لها، وبين التطورات التنموية الصناعية المتنافسة مع هذه المجالات. إضافة إلى التأثير والتأثر بحركات الإسلام السياسي في العالم الإسلامي، والتحالفات والتجمعات المتنوعة فيه، وصناعة الأنموذج الوسطي القادر على الجمع بين السلطة والأيديولوجية، بين التدين والعلمانية، بين الدولة التاريخية والدولة المعاصرة المنافسة لما سبقها في هذا المضمار.
كيف نستثمر مثل هذا ودروسه في التعلم والتعميم بهدف الإصلاح والتحديث والتقدم إلى الأمام؟. رغم كل التباينات في المظهر والجوهر من كل العمليات الجارية، سواء في تركيا أو في المنطقة التي تتمركز حولها الصراعات اليوم، فان الدرس الأول هو القدرة على المرونة والعمل السياسي والقانوني في إقرار العدالة واقعيا في الحكم والتحولات السياسية الداخلية والتعامل بها أيضا في العلاقات الدولية وتوزيع الأدوار ومعرفة حجم المتغيرات الدولية والإقليمية، وكذلك في الاعتماد على التنمية الواقعية واستثمار كل الإمكانات والطاقات في خدمة المصالح الوطنية والقومية والاستراتيجية للدولة والشعب التركي، والأبرز في الدروس هو إقناع المواطن بصحة الشعارات المرفوعة أمامه عمليا ولمسه لها في حياته اليومية مما يجعله يصوت وينضم إلى حركة التغيير التي تقودها قيادة الحزب الحاكم والمصالحة بين الماضي والحاضر وبناء أسس متينة للنهوض والتقدم العام.
كما يبدو للحزب الحاكم والحركة السياسية عموما في تركيا هذه وقفة ضرورية لإعادة نظر جدية في صورة الدولة ودستورها وأسس قيامها واستمرارها بعيدا عن التطرف في الاختيارات والجمود في الخيارات والذوبان في المؤثرات والمحبطات، وهي كثيرة في عالم اليوم والتحديات السياسية والإقتصادية والاجتماعية. ولعل هذه الدروس والحركة في بلد جار وصديق تعجل في الاستفادة منها وان تسهم في التحريك داخل عالمنا الإسلامي والعربي وفي النهوض من الكبوات المتلاحقة.
انتهت الأزمة السياسية التي شغلت المشهد السياسي في تركيا قبل أيام بصدور قرار إيجابي من المحكمة الدستورية العليا حول دعوى حظر الحزب الحاكم ومعاقبة بعض القياديين بمنعهم من العمل السياسي. عكس القرار نضجا سياسيا في الأوساط التركية التي شبهته ببطاقة صفراء، كما هي في الألعاب الرياضية، لحزب العدالة والتنمية الحاكم، وفي الوقت نفسه، حسب محللين سياسيين، بأنها وجهت إلى المعارضة السياسية بما فيها الجيش كقوة ضاربة ترفع شعار حماية العلمانية التركية التي تذرعت بها المعارضة والمدعي العام في شكواه ومطالبه. حيث لم تعد مثل هذه الأزمة تنتهي بنزول الدبابات إلى الشوارع وخروج القيادات العسكرية من الثكنات إلى سدة الحكم وإعلان حالة طوارئ وإلغاء البرلمان وتعليق الدستور تحت نفس الحجج والمبررات التي ناقشتها المحكمة العليا.
القرار والاستقرار الذي ساد الوضع الحالي في تركيا، وضع الحزب الحاكم أمام مسؤوليات جديدة عليه الانتباه لها، كما على الأحزاب الأخرى والجيش والمنظمات السياسية والمدنية في تركيا، واعاد إلى التفكير تاريخ تركيا والتموجات التي مرت بها أوضاعها منذ عهد أتاتورك والانقلابات العسكرية التي هزت المجتمع التركي وحاصرته بين جدران عسكرية وحدود تضيق عليه في محيط يتوسع ويتغير إلى آفاق أخرى وعوالم جديدة.
تركيا اليوم غيرها الأمس، وحزب العدالة والتنمية قدم لاسمه معناه، حيث نهضت تركيا في ظل حكمه وقيادته، رجب طيب اردوغان وعبد الله غول وغيرهما، وسعت بكل جهودها للحاق بمستويات متقاربة من جيرانها الأوروبيين، وأصبحت طرفا فاعلا بين جيرانها من كل الاتجاهات وأعترف بدورها الإقليمي الفاعل والنشيط على اكثر من صعيد. وفي كل الأحوال فالشعب التركي بمختلف فئاته وأطيافه هو الحكم والمعيار في مثل هذه الحالات وعلى مختلف الصعد، فهو الذي يتنعم بمستويات متنامية، ونتائج التصويت والانتخابات هي الشاهد على ذلك. وهذا ما أعطى للقرار والتغيرات الحاصلة مكانها الرئيس داخل تركيا وخارجها.
خاض الحزب صراعات متواصلة ونجح في الفوز في اغلبها، وتمكن من الوصول إلى أغلب "القلاع" العلمانية في الدولة التركية، من قيادة الحكومة إلى البرلمان إلى رئاسة الجمهورية إلى مؤسسات الأمن والشرطة، وظلت قيادات الجيش إلى جانب المعارضة السياسية في زوايا الرقابة والترصد بالحزب، لكنها متواصلة بعقلانية ونضج اختتمته المحكمة بقرارها المصيري، الذي واكب التطورات والمرحلة التي تعيشها تركيا اليوم. فلا تبرئة للحزب من وضعه الذي اعترف زعيمه اردوغان بأخطاء ارتكبت خلال مسيرة الحكم السابقة، ولا إدانة وثم الحظر الذي أثار توقعه قلقا واسعا، ليس عند الحزب الحاكم وحده، وإنما خارج تركيا، خصوصا في أوروبا والولايات المتحدة.
تحقق للحزب الحاكم في هذا القرار كثير من الأسباب والمهمات التي يتطلب منه إنجازها والعمل على تحقيقها، خدمة لمصلحته والمصلحة العامة، وإغناء لتجربته ودوره في الحكم والدولة وفي النموذج السياسي الذي جاء به أو وضع في إطارات التحولات السياسية في تركيا وخارجها. حين فاز الحزب بالسلطة صدرت أحكام وقراءات كثيرة عنه، عن مرجعيته وعن برامجه وخلفياته ومعالجاته السياسية القادمة. وقد اثبت الحزب وقيادته انه استطاع تجاوز الكثير من الأمور التي حسبت ضمن العراقيل أمامه، وتمكن من تحقيق مهمات غير قليلة للمصالح القومية التركية والنموذج المطروح في حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية أو في حركة الإسلام السياسي القادرة على خوض المهمة والنجاح في نتائجها. وابرزها في فتح مساحات لها في الاتحاد الأوروبي، اقتصادية وسياسية، وخطوات كبيرة أمام الانضمام للاتحاد رسميا وتحديا لكل الاعتراضات والتدخلات الأوروبية اليمينية المتحكمة في هذه العملية وتوفير ظروف ملائمة لمثل هذه التحديات والتفاعل فيها. ولا يمكن إنكار دور تركيا الفاعل اليوم في قضايا كثيرة، من بينها العلاقات الدولية بين القارات والدول المجاورة لها، وبين التطورات التنموية الصناعية المتنافسة مع هذه المجالات. إضافة إلى التأثير والتأثر بحركات الإسلام السياسي في العالم الإسلامي، والتحالفات والتجمعات المتنوعة فيه، وصناعة الأنموذج الوسطي القادر على الجمع بين السلطة والأيديولوجية، بين التدين والعلمانية، بين الدولة التاريخية والدولة المعاصرة المنافسة لما سبقها في هذا المضمار.
كيف نستثمر مثل هذا ودروسه في التعلم والتعميم بهدف الإصلاح والتحديث والتقدم إلى الأمام؟. رغم كل التباينات في المظهر والجوهر من كل العمليات الجارية، سواء في تركيا أو في المنطقة التي تتمركز حولها الصراعات اليوم، فان الدرس الأول هو القدرة على المرونة والعمل السياسي والقانوني في إقرار العدالة واقعيا في الحكم والتحولات السياسية الداخلية والتعامل بها أيضا في العلاقات الدولية وتوزيع الأدوار ومعرفة حجم المتغيرات الدولية والإقليمية، وكذلك في الاعتماد على التنمية الواقعية واستثمار كل الإمكانات والطاقات في خدمة المصالح الوطنية والقومية والاستراتيجية للدولة والشعب التركي، والأبرز في الدروس هو إقناع المواطن بصحة الشعارات المرفوعة أمامه عمليا ولمسه لها في حياته اليومية مما يجعله يصوت وينضم إلى حركة التغيير التي تقودها قيادة الحزب الحاكم والمصالحة بين الماضي والحاضر وبناء أسس متينة للنهوض والتقدم العام.
كما يبدو للحزب الحاكم والحركة السياسية عموما في تركيا هذه وقفة ضرورية لإعادة نظر جدية في صورة الدولة ودستورها وأسس قيامها واستمرارها بعيدا عن التطرف في الاختيارات والجمود في الخيارات والذوبان في المؤثرات والمحبطات، وهي كثيرة في عالم اليوم والتحديات السياسية والإقتصادية والاجتماعية. ولعل هذه الدروس والحركة في بلد جار وصديق تعجل في الاستفادة منها وان تسهم في التحريك داخل عالمنا الإسلامي والعربي وفي النهوض من الكبوات المتلاحقة.