الاثنين، 11 أغسطس 2008

قصة بهاء موسى وأزمة حكومة

الجمعة 1/8/2008
عادت من جديد قصة المواطن العراقي بهاء موسى، الذي قتل تعذيبا في سجن بريطاني في مدينته البصرة العراقية قبل سنوات. وقالت الحكومة البريطانية في شهر مايو/أيار الماضي أنها ستقوم بإجراء تحقيق علني في ظروف مقتله بعد تعرضه للخنق ووجود اكثر من 93 إصابة في أنحاء مختلفة من جسده، في حين ضلل مسؤولون حكوميون وعسكريون البرلمان وغشوا أعضاءه من أن الجيش في العراق لا يمارس أية وسائل تعذيب في تحقيقاته، بينما ثبت في المحكمة التي أجريت وتقرير لجنة مشتركة لحقوق الإنسان بين مجلس العموم واللوردات أن بهاء موسى تعرض لتعذيب أودى بحياته في سجن عسكري بريطاني، وأتهم سبعة جنود في القضية، أطلق سراح ستة وجرم واحد اعترف بممارسة وسائل التعذيب الوحشية، التي كانت تمارس في ايرلندا الشمالية في السبعينات ومنعت حسب ادعاءات وزراء من الحكومة وبعض القيادات العسكرية البريطانية التي استجوبت.
نشرت اللجنة المشتركة تقريرها قبل أيام أعربت فيه عن قلقها من التضليل والغش الذي قامت به تلك المصادر الرسمية، وردت على تناقض تأكيداتها بحظر التعذيب وممارسات بعض الجنود البريطانيين في العراق تعذيب المعتقلين أثناء التحقيق معهم. وطالبت اللجنة وزارة الدفاع بتوضيحات عاجلة عن "التناقض ما بين التأكيدات التي قدمتها إلى اللجنة عامي 2004 و2006 حول حظر أساليب التعذيب والأدلة التي ظهرت خلال محاكمة العريف دونالد باين وتقرير البريغادير روبرت ايتكن عن معاملة السجناء العراقيين والتي تؤكد وجود عمليات تعذيب للسجناء". وعلى إثرها أعلن وزير الدفاع البريطاني ديس براون أن وزارته ستقوم بالتحقيق في مقتل بهاء موسى وسيتم الرد على تساؤلات ومخاوف لجنة حقوق الإنسان.
جاءت هذه القصة من بين العديد من الإشكاليات والمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والانتخابية التي تعيشها الحكومة ورئيسها بالذات ووصولها إلى وسائل الإعلام البريطانية، إذ لم تعد أزمة الحكومة محصورة بين أركانها أو التكتلات السياسية التي تدير أمورها وشؤونها. حيث بات الحديث عن مستقبل براون مباحا، وانتقادات وتساؤلات عن أدائه ومسئوليته متداولة بين وزرائه ونواب حزبه والنقابات العمالية. نقلت صحيفة الديلي تلغراف مثلا عن وزير في حكومة براون بان حزب العمال لا فرصة لديه للاستمرار في الحكم إلا بعد إبعاد براون من قيادة الحزب. وعن وزير آخر قوله انه لا يوجد أمام الحزب خيار آخر سوى تغيير قيادة الحزب. أكدت ذلك صحيفة الاندبندنت (26/7/2008) فكتبت تحت عنوان "الوزراء ينقضّون على براون الجريح": أن تصدعات بدأت تظهر في الجبهة المؤيدة لبراون داخل حكومته اثر خسارة الحزب مقعده في إحدى الدوائر الانتخابية التي كانت تعتبر أحد معاقل الحزب في سكوتلاندا لأكثر من مائة عام. أوردت الصحيفة أن هناك اتجاها قويا داخل الحزب للاستعداد لإجراء انتخابات داخل الحزب لإيجاد خليفة لبراون، حتى أن أحد مسئولي الحزب صرح لها أن وزير العمل جيمس بورنيل الذي يعتبر نجما صاعدا في صفوف الحزب لن يرشح نفسه لقيادة الحزب في حال ترشح وزير الخارجية الحالي ديفيد مليباند لهذا المنصب. وتضيف الصحيفة أن نواب الحزب في مجلس العموم دعوا وزير العدل جاك سترو وزعيم المجموعة البرلمانية لحزب العمال جيف هون لإيصال الرسالة الآتية إلى براون: "اللعبة انتهت ولا يمكننا الفوز في الانتخابات المقبلة تحت قيادتك" وهي واضحة المضمون ولا تحتاج إلى تعليق وتطالب صراحة بالاستقالة.
وتتقاذف المجموعات السياسية والبرلمانية آراءها حول الأداء والاستمرارية في الحكم، والتصدعات تنتقل داخل كل مجموعة، وأبرزها المجموعة المؤيدة لرئيس الحكومة، وتتنافس مع مجموعة رئيس الحكومة السابق توني بلير، الذي كانت سياساته أحد أهم الأسباب فيما يحصل اليوم، خاصة سياساته الخارجية وتحالفاته التابعة للسياسة الأمريكية ورفض الشعب البريطاني لهذه التبعية المذلة، والفضائح اليومية التي تنقلها التقارير والأخبار عن ممارسات القوات العسكرية البريطانية التي أرسلها لتشارك في الغزو والعدوان الأمريكي على شعوب وبلدان ليست معادية للشعب البريطاني، فضلا عن الخسائر الكبيرة، البشرية والمادية. وبالتأكيد تتداخل القضايا والمشكلات اليوم في بريطانيا والعالم، من الكساد الذي يجتاح النظام الرأسمالي العالمي إلى الأزمات في الغذاء والوقود والعلاقات الدولية ودور السياسات الأمريكية وحلفائها فيها وتترك بصماتها على الأزمة المحتدمة.
استباقا أو كأنه محاولة ذات معنى نشر وزير الخارجية البريطانية ديفيد ميليباند مقالا في صحيفة الغارديان يوم 30/7/2008، حدد فيه الاستراتيجية التي يجب أن يتبعها حزب العمال للفوز في الانتخابات القادمة. واهتمت وسائل الإعلام بالمقال مؤكدة على انه أول طلقة ضد براون، وانه استمارة ترشيح بديل، وان إبرازه في الفترة الأخيرة دفعه إلى الإعلان عن انتقاداته والاعتراف بالأخطاء التي تحرك حلبة الصراع السياسي الداخلي. فصحيفة الاندبندنت أشارت إليه. ورأى محررها السياسي أن المقال يمكن أن يكون محاولة مبكرة لعرض وجهة النظر الشخصية لميليباند قبل مواجهة محتملة حول قيادة الحزب، على الرغم من عدم ذكر اسم براون مرة واحدة في المقال. أما صحيفة التايمز فقد جهرت بما هو خلف السطور والكواليس، وأعلنت أن وزير الخارجية يهيئ نفسه للقيادة. وإنه واجه براون اليوم بتحديده للكيفية التي يمكن أن تجعل حزب العمال يفوز بالانتخابات القادمة، ولام بصورة واضحة رئيس الحكومة، مشيرا إلى تأخر إصلاحات الخدمات الصحية والفشل في مجال الطاقة، وغيرها من مواطن الضعف في حزب العمال. واعتبرتها أيضا محاولة ترشيح للقيادة.. بل وكشفت إن ميليباند استخدم اللغة لمحاولة جذب الانتباه لحقيقة كونه شاباً حيث كتب: "إن تحديث حزب العمال يعني السعي لتحقيق الأهداف التقليدية بوسائل حديثة".