الجمعة 11/7/2008
قبل أسابيع أطلعت على بيان صادر من منظمة تضامن الشعوب الأفريقية - الأسيوية (مقرها القاهرة) يحيي اليوم العالمي لأفريقيا. يوم عالمي لهذه القارة يذكر بتاريخها الكفاحي وصور قادتها ومواقفهم النضالية ومسلسل الوعود الكثيرة التي تضمنتها بيانات وتوصيات القمم العالمية والإقليمية، قمم الدول الكبرى، قمم الاتحاد الأوروبي والدول الغنية الأخرى، وقمم الشراكة الأوروبية الأفريقية وغيرها والاجتماعات التي ناقشت في جداول أعمالها قضايا أفريقية، والتي تعطي تصورات بأنها ستحول أفريقيا إلى قارة نموذجية حافلة بما لا يخطر على البال من التقدم والتطور والتنمية والعلاقات الإنسانية الإيجابية. وتتالت بعد هذا اليوم مناسبات لأفريقيا حضور كبير فيها ومناقشات واسعة لقضاياها التي تشغل العالم وبنسبة 60 بالمائة من جدول أعمال مجلس الأمن فقط. ليس آخرها طبعا مؤتمر مجموعة الدول الثماني التي تضم بريطانيا وكندا وإيطاليا واليابان وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة في اليابان (7-9 تموز/ يوليو 2008) الذي أفتتح يومه الأول لها، حتى سمي بيوم القارة السمراء في الكثير من وسائل الإعلام. وسبقه مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي الذي اعتبرت منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية انعقاده في جمهورية مصر العربية بدءً من 3 حزيران/ يونيو 2008 بمثابة "فرصة لجلب أنظار القادة والرؤساء الأفارقة للوضع السائد في أفريقيا نتيجة للعولمة ولآثارها على حياة الشعوب الأفريقية اليومية، ومن أهم الموضوعات التي تحتاج لمعالجة فورية من القادة الأفارقة الصراعات الممتدة عبر مختلف المناطق في القارة، وكذلك العنف، والقتل، والفساد، والانتهاكات الجسيمة، والفقر، والمجاعة، والمرض، وانتهاكات حقوق الإنسان".
رغم كل ذلك تقول وقائع الحال اليوم أن الشعوب الأفريقية تنام على وعود سخية بالمليارات من المساعدات من الدول الكبرى وبيانات وتوصيات بالأمن والسلام والرفاه والاستقرار وتصحو على المجاعات والفقر المدقع والهجرة المستمرة ونسب الأمراض التي لا مثيل لها في العالم، واستمرار الأزمات والنزاعات العسكرية والحدودية والانتهاكات والارتكابات الجسيمة ضد حقوق الإنسان والحريات العامة، إضافة إلى وهم انتظار صحوة ضمير قيادات هذه الدول والقمم والاجتماعات لتساعدها فعلا وتعوضها عما اقترفته بحقها تاريخيا وحاضرا.
خاضت شعوب أفريقيا حروب التحرر الوطني من الاستعمار الغربي بكل أشكاله ونجح العديد منها بتضحيات جسام، كاشفة دور الاستعمار في نهب ثرواتها وتدمير بلدانها. وكانت ومازالت منجما كبيرا للثروات البشرية والطبيعية والصراعات بين الدول الاستعمارية التي تعيق إنجاز تطلعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حيث اصبح التفاوت بين دولها وسكانها فاضحا لطبيعة استغلالها واستعمارها وحرمان شعوبها من خيراتها، ولما تزل تتعرض للنهب والمخططات الاستعمارية الجديدة. الأمر الذي يثير الانتباه إلى حجم خسائرها وانتهاكات الدول الاستعمارية لحقها. فهي قارة غنية بكل الثروات وأغلب سكانها من المحرومين منها.
مع كل المهرجانات الكلامية والإعلانية عن الاهتمام الغربي بشؤون أفريقيا ظلت العهود وعودا جوفاء، وأستمرت الدول الكبرى، ولاسيما إدارات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، اكثر الدول الاستعمارية نهبا للخيرات الأفريقية، مقصرة في الوفاء بالمساعدات وتنمية أفريقيا وتعويضها عما نهبته واستولت عليه من ثرواتها. ولم تعد للحديث عنها إلا بعد أن رأت تغيرات جديدة تعتمل داخلها، من بينها تطور الصلات المتنوعة بين جمهورية الصين ودول أفريقية، فتنافست اكثر في الادعاء بالحوار معها ومساعدتها ومناقشة كل مشاكلها. ولكن ظلال الماضي الاستعماري لم تمح من الذاكرة والمطالبة بالتعويض سبيلا لفتح صفحات جديدة متواصلة، رغم الإنكار والتهرب حتى من الاعتذار. والعواقب منها واضحة في ابرز ما تدرسه القمم وخاصة الأخيرة في اليابان، فيما تسميه بالإرهاب والهجرة والجرائم والفقر والتخلف والاستبداد والفساد والحروب الداخلية والخارجية. وقد طرح وطالب ممثلو الدول الأفريقية مضيفيهم في القمة الغربية تلك بضرورة تنفيذ الوعود بمساعدة القارة فيما يتعلق بالحد من الفقر ومكافحة الأمراض وبناء البنية التحتية وعدم الاكتفاء بتكرارها.
أما الحقيقة والتجربة فان هذه الدول وحلفاءها لا يعنيها غير مصالحها الاستراتيجية ومشاريعها الأنانية تاركة العالم كله أو مسببة له ما يعرقل نموه وتقدمه، لاسيما الشعوب الأفريقية وشعوب البلدان النامية الأخرى. فكل ما يحصل من متغيرات دولية تقف وراءه بالدرجة الأولى هذه الدول الغنية الكبرى وتقوم بتصديره أو تمويله أو التلاعب فيه. فأية زيادة في الأسعار في أية مادة أساسية تترك آثارها مباشرة على حياة الناس الفقراء وشعوب البلدان النامية والمنهوبة الخيرات من قبل تلك البلدان بطرقها المعروفة. ومعروف أن 65 بالمائة من السلاح العالمي تصدره دول أعضاء في هذه المجموعة وتتناقض في دعاواها في وضع حد للنزاعات والحروب وحفظ السلام والأمن الدوليين، معلنة بذلك ازدواجيتها في تطبيق المعايير والقيم والاتفاقيات الدولية. وهي في الوقت ذاته تتحكم في العمليات الاقتصادية الدولية التي تنعكس هي الأخرى بشكل مباشر، ومن بينها على حياة ومستقبل اكثر من 33 مليون طفل أفريقي يعاني من سوء التغذية، (من بين 75 مليون طفل في العالم) واكثر من 20 مليون من المصابين بمرض الإيدز ( من بين اكثر من 30 مليون في العالم) وغيره، ورفضها تحسين ظروف البيئة والتغيرات المناخية وتخفيف معاناة شعوب الدول أعضاء تجمع الساحل والصحراء والقرن الأفريقي من ظواهر الجفاف وتصحر الأراضي وانعكاساتها الخطرة على التنمية الزراعية والمعيشية لملايين من سكانها.
لم تتمكن الدول الأفريقية حتى بعد تحررها من التخلص من ارث الاستعمار الذي صنع لها الكثير من المشكلات السياسية والنزاعات المسلحة وتعقيدات حلها وصعوبات توفير مناخات طبيعية للتنمية واستتباب الأمن والاستقرار في العلاقات الداخلية والدولية. فهل يفيد اليوم العالمي والقمم الدولية في إنهاء هموم القارة وإنقاذ العالم من تبعاتها الثقيلة؟.
قبل أسابيع أطلعت على بيان صادر من منظمة تضامن الشعوب الأفريقية - الأسيوية (مقرها القاهرة) يحيي اليوم العالمي لأفريقيا. يوم عالمي لهذه القارة يذكر بتاريخها الكفاحي وصور قادتها ومواقفهم النضالية ومسلسل الوعود الكثيرة التي تضمنتها بيانات وتوصيات القمم العالمية والإقليمية، قمم الدول الكبرى، قمم الاتحاد الأوروبي والدول الغنية الأخرى، وقمم الشراكة الأوروبية الأفريقية وغيرها والاجتماعات التي ناقشت في جداول أعمالها قضايا أفريقية، والتي تعطي تصورات بأنها ستحول أفريقيا إلى قارة نموذجية حافلة بما لا يخطر على البال من التقدم والتطور والتنمية والعلاقات الإنسانية الإيجابية. وتتالت بعد هذا اليوم مناسبات لأفريقيا حضور كبير فيها ومناقشات واسعة لقضاياها التي تشغل العالم وبنسبة 60 بالمائة من جدول أعمال مجلس الأمن فقط. ليس آخرها طبعا مؤتمر مجموعة الدول الثماني التي تضم بريطانيا وكندا وإيطاليا واليابان وفرنسا وألمانيا وروسيا والولايات المتحدة في اليابان (7-9 تموز/ يوليو 2008) الذي أفتتح يومه الأول لها، حتى سمي بيوم القارة السمراء في الكثير من وسائل الإعلام. وسبقه مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي الذي اعتبرت منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية انعقاده في جمهورية مصر العربية بدءً من 3 حزيران/ يونيو 2008 بمثابة "فرصة لجلب أنظار القادة والرؤساء الأفارقة للوضع السائد في أفريقيا نتيجة للعولمة ولآثارها على حياة الشعوب الأفريقية اليومية، ومن أهم الموضوعات التي تحتاج لمعالجة فورية من القادة الأفارقة الصراعات الممتدة عبر مختلف المناطق في القارة، وكذلك العنف، والقتل، والفساد، والانتهاكات الجسيمة، والفقر، والمجاعة، والمرض، وانتهاكات حقوق الإنسان".
رغم كل ذلك تقول وقائع الحال اليوم أن الشعوب الأفريقية تنام على وعود سخية بالمليارات من المساعدات من الدول الكبرى وبيانات وتوصيات بالأمن والسلام والرفاه والاستقرار وتصحو على المجاعات والفقر المدقع والهجرة المستمرة ونسب الأمراض التي لا مثيل لها في العالم، واستمرار الأزمات والنزاعات العسكرية والحدودية والانتهاكات والارتكابات الجسيمة ضد حقوق الإنسان والحريات العامة، إضافة إلى وهم انتظار صحوة ضمير قيادات هذه الدول والقمم والاجتماعات لتساعدها فعلا وتعوضها عما اقترفته بحقها تاريخيا وحاضرا.
خاضت شعوب أفريقيا حروب التحرر الوطني من الاستعمار الغربي بكل أشكاله ونجح العديد منها بتضحيات جسام، كاشفة دور الاستعمار في نهب ثرواتها وتدمير بلدانها. وكانت ومازالت منجما كبيرا للثروات البشرية والطبيعية والصراعات بين الدول الاستعمارية التي تعيق إنجاز تطلعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. حيث اصبح التفاوت بين دولها وسكانها فاضحا لطبيعة استغلالها واستعمارها وحرمان شعوبها من خيراتها، ولما تزل تتعرض للنهب والمخططات الاستعمارية الجديدة. الأمر الذي يثير الانتباه إلى حجم خسائرها وانتهاكات الدول الاستعمارية لحقها. فهي قارة غنية بكل الثروات وأغلب سكانها من المحرومين منها.
مع كل المهرجانات الكلامية والإعلانية عن الاهتمام الغربي بشؤون أفريقيا ظلت العهود وعودا جوفاء، وأستمرت الدول الكبرى، ولاسيما إدارات الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، اكثر الدول الاستعمارية نهبا للخيرات الأفريقية، مقصرة في الوفاء بالمساعدات وتنمية أفريقيا وتعويضها عما نهبته واستولت عليه من ثرواتها. ولم تعد للحديث عنها إلا بعد أن رأت تغيرات جديدة تعتمل داخلها، من بينها تطور الصلات المتنوعة بين جمهورية الصين ودول أفريقية، فتنافست اكثر في الادعاء بالحوار معها ومساعدتها ومناقشة كل مشاكلها. ولكن ظلال الماضي الاستعماري لم تمح من الذاكرة والمطالبة بالتعويض سبيلا لفتح صفحات جديدة متواصلة، رغم الإنكار والتهرب حتى من الاعتذار. والعواقب منها واضحة في ابرز ما تدرسه القمم وخاصة الأخيرة في اليابان، فيما تسميه بالإرهاب والهجرة والجرائم والفقر والتخلف والاستبداد والفساد والحروب الداخلية والخارجية. وقد طرح وطالب ممثلو الدول الأفريقية مضيفيهم في القمة الغربية تلك بضرورة تنفيذ الوعود بمساعدة القارة فيما يتعلق بالحد من الفقر ومكافحة الأمراض وبناء البنية التحتية وعدم الاكتفاء بتكرارها.
أما الحقيقة والتجربة فان هذه الدول وحلفاءها لا يعنيها غير مصالحها الاستراتيجية ومشاريعها الأنانية تاركة العالم كله أو مسببة له ما يعرقل نموه وتقدمه، لاسيما الشعوب الأفريقية وشعوب البلدان النامية الأخرى. فكل ما يحصل من متغيرات دولية تقف وراءه بالدرجة الأولى هذه الدول الغنية الكبرى وتقوم بتصديره أو تمويله أو التلاعب فيه. فأية زيادة في الأسعار في أية مادة أساسية تترك آثارها مباشرة على حياة الناس الفقراء وشعوب البلدان النامية والمنهوبة الخيرات من قبل تلك البلدان بطرقها المعروفة. ومعروف أن 65 بالمائة من السلاح العالمي تصدره دول أعضاء في هذه المجموعة وتتناقض في دعاواها في وضع حد للنزاعات والحروب وحفظ السلام والأمن الدوليين، معلنة بذلك ازدواجيتها في تطبيق المعايير والقيم والاتفاقيات الدولية. وهي في الوقت ذاته تتحكم في العمليات الاقتصادية الدولية التي تنعكس هي الأخرى بشكل مباشر، ومن بينها على حياة ومستقبل اكثر من 33 مليون طفل أفريقي يعاني من سوء التغذية، (من بين 75 مليون طفل في العالم) واكثر من 20 مليون من المصابين بمرض الإيدز ( من بين اكثر من 30 مليون في العالم) وغيره، ورفضها تحسين ظروف البيئة والتغيرات المناخية وتخفيف معاناة شعوب الدول أعضاء تجمع الساحل والصحراء والقرن الأفريقي من ظواهر الجفاف وتصحر الأراضي وانعكاساتها الخطرة على التنمية الزراعية والمعيشية لملايين من سكانها.
لم تتمكن الدول الأفريقية حتى بعد تحررها من التخلص من ارث الاستعمار الذي صنع لها الكثير من المشكلات السياسية والنزاعات المسلحة وتعقيدات حلها وصعوبات توفير مناخات طبيعية للتنمية واستتباب الأمن والاستقرار في العلاقات الداخلية والدولية. فهل يفيد اليوم العالمي والقمم الدولية في إنهاء هموم القارة وإنقاذ العالم من تبعاتها الثقيلة؟.