الجمعة 4/7/2008
عام ثان دخله غوردن براون رئيسا للحكومة البريطانية بعد تكليفه خلفا لرئيسه السابق في الحزب والحكومة، توني بلير. كانت توقعات كبيرة تعد بأنه سيدخل التاريخ من بابه العريض من خلال تغيير نهج سلفه أو إصلاحه، ومنقذا بلاده من ذلك الإرث الذي انتقده وهو وزير المالية فيه، والذي اسهم من جانبه في توفير ما يمكنه من خدمات داخلية في تحسين صورته الاقتصادية والنمو والرفاه الاجتماعي فيه. وكان المنتظر انه سيجدد هذا النهج الذي عوّل حزبه عليه فيه، خارجيا أيضا، وانتخبه مصرا على رحيل سلفه وتجديد عهد الحزب والحكم، ولكن وقائع الحال لم تكشف ذلك بل زادت الطين بلة، ويبدو أن بلير تمكن من الهرب منه مكرما بمهمات ووظائف أخرى، وفرت له رصيدا ماليا كبيرا وعوضته خسارته المعنوية في قيادة الحكم والحزب في بريطانيا، وكلفته بإكمال المهمة المطلوبة. لماذا لم يحقق براون في عام كامل ما كان مأمولا منه؟ وما هي الأسباب التي اعترضت طريقه وجعلته نسخة أخرى؟.
كشف سجل عام كامل له انه تعثر في الكثير من المهمات والخطط التي كان عليه القيام بها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وقد تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها خلال فترة حكمه وبات اغلب المقربين منه يغمزون من قناته القيادية ويشكون في قدراته الإستمرار حتى نهاية مرحلته، بل وطالب بعضهم بتنحيته وإعلان فشله، وترشيح أسماء من حكومته أو حزبه بديلا عنه، حتى وصل الأمر إلى التفكير بقيادة مؤقتة للحزب من قبل وزير مخضرم عاش معه متنقلا في عدد من المناصب الوزارية. كل هذه الأسباب تجمع على انه لم يتمكن من تغيير الوجهة كما كان يطرح وانه استمرار لنهج بلير باسم براون.
استطلاعات الرأي منذ فترة قريبة أخذت تشير بوضوح إلى تراجعات واضحة في مكانته وحزبه وتقدما غير قليل للمعارضة، وخصوصا حزب المحافظين، الذي لم يكن متوقعا أن يحقق ما هو عليه الآن سياسيا. وكانت تركة بلير الكارثية في اغلب المجالات هي السبب الرئيس، وعدم التمكن من التخلص منها هو الجواب على ما يجري في الساحة السياسية. لاسيما في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركتها الحروب الإمبراطورية في العراق وأفغانستان وغيرها من المناطق المشتعلة على المعمورة. إضافة إلى التدهور على الصعد الاقتصادية والاجتماعية الداخلية وانعكاسات الأزمة الرأسمالية العالمية عليها، وغيرها من العوامل المقررة في الحكم على طبيعة السلطة والإدارة السياسية في الدولة الرأسمالية المعاصرة، وعلى الأحزاب العمالية التي تعيش على تاريخها العمالي وبرامجها السابقة دون أن تجدد فيهما بما يطورها عمليا ويعكس اتجاهاتها.
وفي الوقت الذي كان عليه أن ينفذ وعوده في تصحيح المسار الذي قاد بلير إلى نهايته السياسية، خصوصا في الموقف من الحرب واحتلال العراق وسحب قواته منه وإعادة النظر في خريطة التحالفات الدولية وتعزيز مكانة بريطانيا أوروبيا ودوليا، كرر نهج بلير التابع للسياسات الإمبراطورية ونكث وعوده وفسح المجال للتنافس مع فرنسا في خط التبعية والتسابق معها وعدم الاستفادة من تجربة عقد من حكم بلير وانزلاقاته السياسية. انعكس ذلك واضحا في الانتخابات البلدية وخسارة الزعيم العمالي كين ليفنغستون عمدة لندن وفوز اليميني المحافظ بوريس جونسون بدلا عنه بأعداد أصوات لافتة للانتباه وفارق عكس حجم الخيبة لدى المصوتين البريطانيين من حكم حزب العمال وقيادته السياسية، وتبدل آرائهم المؤيدة لبراون وتحولها إلى ضده وقد تكون مؤشرا إلى تحولات متوالية ضد حزب العمال ودوره السياسي.
رغم كثرة الصفعات وتتاليها على براون يبدو انه لم يستعد كافيا لإعادة النظر في أسبابها، خصوصا في العلاقات الأمريكية والمساهمة فيها دوليا، وتبني مواقفها العدوانية من الشعوب، الأمر الذي يترك أثره على السياسات الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية، وقد انعكس ذلك في التشدد في إصدار قوانين حول ما تدعيه الإدارة الأمريكية وتسميه بالإرهاب، والمشتبه بهم، والاستمرار في حجزهم في معسكرات اعتقال غوانتانامو والطائرة والعائمة والمتجولة في أركان المعمورة عبر الأجواء والمياه البريطانية والأوروبية وغيرها، وتصاعد حجم الضغوط الاقتصادية على الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل وأحداث العنصرية والكراهية والتمييز العنصري داخليا أو تداعياتها الخارجية على المواطن البريطاني والرأي العام عموما، ووقوعه في التناقضات الصارخة بين ما يعلنه وما يمارسه، وبين ما تدعيه حكومته والإدارة الأمريكية من شعارات براقة عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وما تقومان به عمليا وتقترحانه قانونيا وتؤديانه فعليا، ممثلا واضحا لازدواجية المعايير والقيم المعاصرة وظروفها الجديدة.
ظلت قضايا الحرب والاحتلال في أفغانستان والعراق وفلسطين كما هي دون تغيير بارز في وعود براون، وقد تكون تبعيته فيها للمخططات الأمريكية مقتلا له ولحزبه عند الرأي العام البريطاني الذي وقف بقوة ضد استمرارها والعدوان على الشعوب فيها، وأعلن أن ما ارتكب فيها جرائم حرب، مؤيدا من تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان. ولم تكتف حكومة براون في هذه القضايا وحدها وإنما تريد التورط بعد كل تجربتها في إعلان حرب ضد دول أخرى تلبية لضغوط وتحريض صهيوني، كانت السبب الأساس في العدوان والحروب السابقة.
حصاد السياسة الخارجية، وما تتحمله من تبعات تعقيدات الأزمات والصراعات الدولية، يضاف إلى ما يعيشه البريطانيون داخل جزيرتهم ينعكس على مواقفهم من حكومة براون وحزب العمال الذي لم يف بوعوده الانتخابية ولم يستفد من دروس التاريخ، وبعد عام من الحكم ينتظر الشعب البريطاني تقييما موضوعيا وبرامج عملية واقعية تعطي لبريطانيا دورا أوسع وأقرب إلى طموحاته وتطلعاته الإنسانية.
عام ثان دخله غوردن براون رئيسا للحكومة البريطانية بعد تكليفه خلفا لرئيسه السابق في الحزب والحكومة، توني بلير. كانت توقعات كبيرة تعد بأنه سيدخل التاريخ من بابه العريض من خلال تغيير نهج سلفه أو إصلاحه، ومنقذا بلاده من ذلك الإرث الذي انتقده وهو وزير المالية فيه، والذي اسهم من جانبه في توفير ما يمكنه من خدمات داخلية في تحسين صورته الاقتصادية والنمو والرفاه الاجتماعي فيه. وكان المنتظر انه سيجدد هذا النهج الذي عوّل حزبه عليه فيه، خارجيا أيضا، وانتخبه مصرا على رحيل سلفه وتجديد عهد الحزب والحكم، ولكن وقائع الحال لم تكشف ذلك بل زادت الطين بلة، ويبدو أن بلير تمكن من الهرب منه مكرما بمهمات ووظائف أخرى، وفرت له رصيدا ماليا كبيرا وعوضته خسارته المعنوية في قيادة الحكم والحزب في بريطانيا، وكلفته بإكمال المهمة المطلوبة. لماذا لم يحقق براون في عام كامل ما كان مأمولا منه؟ وما هي الأسباب التي اعترضت طريقه وجعلته نسخة أخرى؟.
كشف سجل عام كامل له انه تعثر في الكثير من المهمات والخطط التي كان عليه القيام بها، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وقد تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها خلال فترة حكمه وبات اغلب المقربين منه يغمزون من قناته القيادية ويشكون في قدراته الإستمرار حتى نهاية مرحلته، بل وطالب بعضهم بتنحيته وإعلان فشله، وترشيح أسماء من حكومته أو حزبه بديلا عنه، حتى وصل الأمر إلى التفكير بقيادة مؤقتة للحزب من قبل وزير مخضرم عاش معه متنقلا في عدد من المناصب الوزارية. كل هذه الأسباب تجمع على انه لم يتمكن من تغيير الوجهة كما كان يطرح وانه استمرار لنهج بلير باسم براون.
استطلاعات الرأي منذ فترة قريبة أخذت تشير بوضوح إلى تراجعات واضحة في مكانته وحزبه وتقدما غير قليل للمعارضة، وخصوصا حزب المحافظين، الذي لم يكن متوقعا أن يحقق ما هو عليه الآن سياسيا. وكانت تركة بلير الكارثية في اغلب المجالات هي السبب الرئيس، وعدم التمكن من التخلص منها هو الجواب على ما يجري في الساحة السياسية. لاسيما في العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركتها الحروب الإمبراطورية في العراق وأفغانستان وغيرها من المناطق المشتعلة على المعمورة. إضافة إلى التدهور على الصعد الاقتصادية والاجتماعية الداخلية وانعكاسات الأزمة الرأسمالية العالمية عليها، وغيرها من العوامل المقررة في الحكم على طبيعة السلطة والإدارة السياسية في الدولة الرأسمالية المعاصرة، وعلى الأحزاب العمالية التي تعيش على تاريخها العمالي وبرامجها السابقة دون أن تجدد فيهما بما يطورها عمليا ويعكس اتجاهاتها.
وفي الوقت الذي كان عليه أن ينفذ وعوده في تصحيح المسار الذي قاد بلير إلى نهايته السياسية، خصوصا في الموقف من الحرب واحتلال العراق وسحب قواته منه وإعادة النظر في خريطة التحالفات الدولية وتعزيز مكانة بريطانيا أوروبيا ودوليا، كرر نهج بلير التابع للسياسات الإمبراطورية ونكث وعوده وفسح المجال للتنافس مع فرنسا في خط التبعية والتسابق معها وعدم الاستفادة من تجربة عقد من حكم بلير وانزلاقاته السياسية. انعكس ذلك واضحا في الانتخابات البلدية وخسارة الزعيم العمالي كين ليفنغستون عمدة لندن وفوز اليميني المحافظ بوريس جونسون بدلا عنه بأعداد أصوات لافتة للانتباه وفارق عكس حجم الخيبة لدى المصوتين البريطانيين من حكم حزب العمال وقيادته السياسية، وتبدل آرائهم المؤيدة لبراون وتحولها إلى ضده وقد تكون مؤشرا إلى تحولات متوالية ضد حزب العمال ودوره السياسي.
رغم كثرة الصفعات وتتاليها على براون يبدو انه لم يستعد كافيا لإعادة النظر في أسبابها، خصوصا في العلاقات الأمريكية والمساهمة فيها دوليا، وتبني مواقفها العدوانية من الشعوب، الأمر الذي يترك أثره على السياسات الداخلية، الاقتصادية والاجتماعية، وقد انعكس ذلك في التشدد في إصدار قوانين حول ما تدعيه الإدارة الأمريكية وتسميه بالإرهاب، والمشتبه بهم، والاستمرار في حجزهم في معسكرات اعتقال غوانتانامو والطائرة والعائمة والمتجولة في أركان المعمورة عبر الأجواء والمياه البريطانية والأوروبية وغيرها، وتصاعد حجم الضغوط الاقتصادية على الفئات المتوسطة والمحدودة الدخل وأحداث العنصرية والكراهية والتمييز العنصري داخليا أو تداعياتها الخارجية على المواطن البريطاني والرأي العام عموما، ووقوعه في التناقضات الصارخة بين ما يعلنه وما يمارسه، وبين ما تدعيه حكومته والإدارة الأمريكية من شعارات براقة عن الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان وما تقومان به عمليا وتقترحانه قانونيا وتؤديانه فعليا، ممثلا واضحا لازدواجية المعايير والقيم المعاصرة وظروفها الجديدة.
ظلت قضايا الحرب والاحتلال في أفغانستان والعراق وفلسطين كما هي دون تغيير بارز في وعود براون، وقد تكون تبعيته فيها للمخططات الأمريكية مقتلا له ولحزبه عند الرأي العام البريطاني الذي وقف بقوة ضد استمرارها والعدوان على الشعوب فيها، وأعلن أن ما ارتكب فيها جرائم حرب، مؤيدا من تقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان. ولم تكتف حكومة براون في هذه القضايا وحدها وإنما تريد التورط بعد كل تجربتها في إعلان حرب ضد دول أخرى تلبية لضغوط وتحريض صهيوني، كانت السبب الأساس في العدوان والحروب السابقة.
حصاد السياسة الخارجية، وما تتحمله من تبعات تعقيدات الأزمات والصراعات الدولية، يضاف إلى ما يعيشه البريطانيون داخل جزيرتهم ينعكس على مواقفهم من حكومة براون وحزب العمال الذي لم يف بوعوده الانتخابية ولم يستفد من دروس التاريخ، وبعد عام من الحكم ينتظر الشعب البريطاني تقييما موضوعيا وبرامج عملية واقعية تعطي لبريطانيا دورا أوسع وأقرب إلى طموحاته وتطلعاته الإنسانية.