الأربعاء، 25 يونيو 2008

نكسة أم صدمة للوعي العربي والتاريخ

الجمعة 6/6/2008
في مثل هذه الأيام، خلال أيام ستة، قبل واحد واربعين عاما، احتلت القوات الصهيونية بدعم غربي صريح كامل فلسطين وأراضي عربية أخري، ودمرت مؤسسات عسكرية ومدنية عربية كانت محط آمال عربية، واستشهد الكثير من المقاتلين العرب وتشرد عدد آخر من الفلسطينيين. ماذا يمكن أن تسمي هذه الأحداث ولماذا حصل ما حصل وكيف يمكن النظر إليه؟
وأسئلة تتوالد والأجوبة تتعدد عنها ولكن لابد من الإشارة إلي أن الوضع العربي الرسمي كان مكشوفا وأن الأسلحة العربية ظلت مهملة وغائبة عن مهمتها الرئيسية، وكان العقل العربي متواكلا علي ما سمعه من محسنات البلاغة العربية، ونائما بهدوء علي مقوماتها المعنوية.
هذه إشارات توصيفية للواقع والحال وضعت الصراع العربي الصهيوني في مقدمة الاهتمام السياسي في العالم العربي وكشفت التضامن والعلاقات العربية العربية والأوروبية والأمريكية خصوصا.
وقد يكون ما تلاها من تحولات تعبيرا عما جاءت به أيام حزيران الأولي من صدمة لكل هذه القوي البشرية والمادية في العالم العربي والعالم، وفي الوقت نفسه، شكلت مرحلة فاصلة في التاريخ العربي خصوصا والتاريخ الإنساني عموما.
حيث تبين أنها حرب واسعة لم تكن بين الكيان الصهيوني والدول العربية وحسب، بل أنها بين معسكرين سادا في الفترة تلك أيضا، بين الرأسمالية والاشتراكية، بين واشنطن وموسكو، علي جميع الصعد، الجيو استراتيجية السياسية والاقتصادية والثقافية، وما زالت كذلك رغم كل التغيرات والتطورات والتسميات.
ولهذا كانت حدثا خطيرا وهزيمة كبيرة في حسابات تاريخية واستراتيجية وتداعياتها متوازية مع فجاءتها في الوعي والتاريخ. كانت فلسطين والعرب الضحية الأولي فيها ومن ثم حلفاؤهم في المعسكر الاشتراكي، الذين كانت الحرب تعنيهم أيضا أو مباشرة.
ووضحت بان الكيان قاعدة استراتيجية متقدمة للرأسمالية الغربية والعالمية زرع بتخطيط وتآمر للهيمنة علي مقدرات العالم العربي والإسلامي وما وهب من ثروات بشرية وطبيعية تشكل عصب العالم الحساس والموجع. ومن ابرز الأهداف ابتلاع فلسطين التاريخية وتفتيت العالم العربي والإسلامي، وتكريس التخلف والتجزئة والحروب الداخلية والانقسامات المختلفة.
وهو ما حدث ويستمر بكل مأساته وكارثيته، التي أوصلت الأمور إلي محاصرة الشعب الفلسطيني، ليس من الاحتلال فقط، وليس من الأعداء وحسب، والتهرب من المسؤوليات وصولا إلي تشويه الأسماء والمفاهيم والمدلولات، فالهزيمة أو النكسة كما اختارها النظام الرسمي تحولت ببراعة إعلانية وإعلامية صارخة إلي انتصارات أو مبررات لاستمرار الحكم والسلطة التابعة، والتنكر من أية قدرات يمكن أن تحقق نصرا حقيقيا.
بل وصل الأمر بالنظام الرسمي العربي إلي مهاجمة أية قدرة عربية شعبية للنصر أو تحقيق أي انتصار شعبي، وطني أو قومي. والمقاومة العربية والإسلامية تحولت إلي إرهاب ومغامرات وصراعات طائفية واثنية وليست جهدا عربيا شعبيا وحركة تحرر مشروعة ومطلوبة تاريخيا وردا علي ما حصل في تلك الأيام.
رغم كل ذلك، تظل من الأمور المهمة أن النكسة أو الهزيمة صدمت الوعي العربي بنتائجها، وأعادت الحس الشعبي والنخبوي، خصوصا لمن غرق متوهما بما سبقها إلي صخرة الواقع وإعادة النظر والقراءة والتفكير بروح نقدية وبجرأة.
وطورت في الوعي العربي الشعبي والرسمي، سواء علي الصعيد الثقافي والسياسي وحتي الاقتصادي والاجتماعي. كان أولها صعود مستوي المراجعات وإعلان الاعترافات وشجب الابتعاد عن الواقع والجماهير الشعبية والمشاركة الأساسية، من جهة، والإصرار علي التقدم والتجديد والنهوض التاريخي، من جهة أخري.
وكان الرئيس جمال عبد الناصر، خارجا عن المألوف في الدول العربية الأخري، أول المعترفين رسميا بالمسؤولية وتقديمه الاستقالة والعودة إلي الشعب والرد السريع عليه بالرفض وخروج الجماهير إلي الشوارع مطالبة بقيادته والعمل معا وصولا إلي قرارات قمة الخرطوم المشهورة في اللاءات الثلاث، لا صلح لا اعتراف لا تفاوض، وتحضير الاجواء إلي رفض الواقع والعمل علي تغييره، وهو ما حصل في أكتوبر1973.
إلا أن العدو الاستراتيجي، بكل أطرافه لم يتفرج ولم يسترخ لما حققه وإنما عمل كعادته مستمرا في العدوان بطرق أخري، من أبرزها إدخال القضية إلي ممرات الأمم المتحدة وضغوط السياسة الغربية، خاصة الأمريكية، المعروف بعدها، بخطوة خطوة وصناعة عمليات التسوية والتوقيع علي اتفاقيات تعقد مسارات القضية العربية والفلسطينية خصوصا.
علي الصعيد الفكري استعاد النقد الذاتي دوره في المراجعات العلنية والتحولات الفكرية في تبني مدارس ومناهج فكرية علمية تحلل الواقع وتستند علي قواه في التغيير والبناء للمستقبل. والقيام علنا بجلد الذات والسعي الحثيث إلي تجاوز الهزيمة أو النكسة والوقوف بعزم أمام الصدمة منها والاستعداد إلي المواجهة والمقاومة، ونشر أدب المقاومة وبث روح الأمل في الشعب والتهيئة والمشاركة في التحرير، والعمل علي بناء مقومات حركة شعبية مقاومة طويلة الأمد.
دفعت القوي المعادية أيضا ما استطاعت في التأثير علي الوعي العربي لاسيما في نشر فلسفات وأفكار فسرت توجهاتها بالاستسلام والتنكر لروح المجابهة الجماعية والعمل الكفاحي والمسلح منه، ومن ثم توفير مناخات هزيمة أخري بأساليب متنوعة، من بينها استخدام وسائل الإعلام ومنظمات سياسية وثقافية تروج لمفاهيم استعمارية والتغلغل في أوساط الشعب والعمل علي تفتيتها، من جهة، وصناعة حروب داخلية وأهلية وإقليمية، أي الاستمرار بالمنهج الجيو استراتيجي الاستعماري في الهيمنة والعدوان والغزو والاحتلال والتدمير الشامل علي جميع الصعد، وهو الغالب حاليا وبارتهانات رسمية، من جهة ثانية.
بعد هذه الفترة الزمنية لابد من كشف الحساب والوثائق والمسؤوليات، ومحاكمة الوقائع والاعتبار من الدروس لخدمة المصالح العربية، والحفاظ علي ثروات الوطن العربي، والتعلم من التجربة الملموسة وأساليب النهوض والتقدم الحضاري في كافة المجالات والمستويات، واستثمار الطاقات والثروات والعلاقات التشاركية العادلة، كيلا تتكرر الصدمة وتعم النكسة!.