الأربعاء، 25 يونيو 2008

بعد ستين عاما..!

الجمعة 30 /5/2008
ستون عاما مضت.. وتأتي غيرها وقد تمر.. ولم تأخذ قضية شعب ارتكب ضده كل ما تصفه القوانين المتفق عليها، بالجرائم الكبرى، التي تعقد محاكمات دولية لمرتكبيها، ما تستحقه قانونيا وأخلاقيا وسياسيا، وما وردت من قرارات للأمم المتحدة بمجلس أمنها أو جمعيتها العامة، لم تنفذ منها إلا ما يتطابق ومصالح المنتوج المتميز لها، والمقرر اسمه رسميا في القرارات والسجلات والزيارات الرسمية، وليس آخرها زيارة الرئيس الأمريكي الحالي، والذي منحه وبعد كل تلك السنوات وعدا جديدا بالاستمرار لستين عاما أخرى ليحتفل به لا ليحاكم عنه.
ولم يكتف هذا الرئيس الأمريكي، بتعهده وإنما ضمّن خطابه اتهامات وتهديدات وعقوبات مسبقة لكل من يخالفه هذا التصور الذي يضيف إلى حماقاته صفحة أخرى.
هل بعد كل تلك الكوارث التي اختصرت باسم النكبة، لشعب شرد وقتل واحتلت أرضه وصار ما صار عليها من تطهير عرقي وإبادة جماعية وروايات ترددها الألسن وتقول بها الأيام، وظلت التساؤلات عنها قائمة ومستمرة أيضا، رغم كل حقائقها معلقة في مؤتمرات وشعارات وخطب سياسية؟.
أما آن للفكر العربي والممارسات السياسية أن تراجع نفسها وتعيد النظر باطروحاتها وتعيد صياغتها للقضية بفكر جديد قانوني إنساني يحاكم المجرمين ويقر بحق الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض، والحياة فيها دون مساومات واتفاقات فردية وخضوع مخجل وارتهانات محزنة، وغيرها مما يحيّر العاقل ويكشف عن هوان عجيب؟!.
خلال تلك العقود شنت حروب ومعارك وحصارات أنتجت خسائر لا تعد ولا تحصى، مادية وبشرية، وآثارها وتداعياتها على الشعب الفلسطيني والوطن العربي والعالم أيضا ماثلة وشاهدة. تتوازى معها أسئلة كثيرة عن دور ووعود الإدارات الأمريكية والغربية عموما، وحتى مندوب ما سمي بخارطة الطريق وموقفه من القضية ومستقبلها. وكذلك ما يحدث على الأرض الآن وما تتعرض له القضية والشعب العربي من جرائها.
ما قاله الرئيس الأمريكي لم يكن كلاما عابرا في ظل الظروف التي تحيط بالقضية وواقعها ومحيطها، ولا ينفع معه الغضب فقط رغم انه بكل ما جاء به، حسب مسؤول صهيوني خطب بروتوكولية، ولكنه يستثمر واقعيا.
ويبقى المهم هو ما يعده الجانب الآخر، ما يقرره العرب وتصوراتهم من المستجدات الجديدة وإعادة النظر في قدراتهم الكامنة وطاقاتهم المضيعة. الصمت المريب أو التواطؤ الغريب صار مكشوفا ومعلوما ويتطلب الآن أن ينتهي وان يقف النظام الرسمي العربي أمام المرآة ويرى نفسه ومستقبل وطنه ويفرض على العالم إقرار الحق والقرارات الدولية التي اقرها بنفسه وطبقها في غير مكان، لا التفرج عليها أو طيها في ملفات النسيان.
ألا يحرج رئيس أمريكي سابق، كان أحد مهندسي المفاوضات والصلح مع الكيان سابقا، جيمي كارتر، أن يصف الكيان الآن بأنه عنصري ويمتلك أسلحة نووية علنا ويطالب برفع الحصار عن الشعب الفلسطيني ويعتبر الحصار على سكان قطاع غزة جريمة ضد الإنسانية، حيث كتب: "إن العالم يشهد الآن جريمة بشعة في حق الإنسانية على أرض غزة، حيث يعيش 1.5 مليون إنسان داخل سجن كبير، ولا سبيل أمامهم للخروج، سواء بحراً أو جواً أو براً. إنه عقاب جماعي وحشي لأهل المنطقة بالكامل". ولا يسمع مثله من ذوي القربى من أترابه والمتحمسين للقضية أو المتباكين عليها والمبذرين أموال أمتهم خداعا للدفاع عن عروبة القدس التي قال عنهم الشاعر المعروف، النواب، ما قاله في حينه واليوم أيضا؟.
ستون نكبة متتالية، لم يسكن الشعب الفلسطيني ولم يهدأ، ظل مناضلا ومواصلا أمسك بمفاتيح بيته الذي هدم وخارطة مدينته التي أزيحت منها، وطرقات الوصول إليها رغم كل المتغيرات على الأرض فيها، جيلا بعد جيل، يواصل الشعب بدمائه وصموده وكفاحه الوطني رفع اسم القضية ووضعها دائما أمام العالم، قضية شعب وارض، حرية واستقلال وعودة ودولة كاملة السيادة، من بين ركام المخيمات أو في بلدان الشتات المجاورة والبعيدة.
ماذا قدمت الإدارة الأمريكية للشعب الفلسطيني في نكبته المتواصلة؟، وقد عاد رئيسها من جولته الأخيرة دون أن يصدق قولا أو فعلا إلا في تعميق المأساة وتوسيع الكارثة. فروض جديدة أخرى في التفريق بين العرب، وقواعد جديدة في تمزيق الأوطان والقوى وصناعة أعداء جدد بدلا من النظر الواقعي لما يجري على الأرض ومعالجته بما يتفق مع القانون الدولي والشرعية الدولية وحقوق الشعوب وإرادتها في التحرر والاستقلال والسيادة الوطنية وبناء الأوطان بثرواتها البشرية والطبيعية وإقامة علاقات مشاركة عادلة ومتكافئة ومتوازنة لمصالح كل من تهمه الأمور فيها دون بخس أو نهب أو استغلال وهيمنة استعمارية.
بعد ستين عاما، مرت أو تأتي، ومهما صدرت أو تصدر من قرارات أو بيانات مثل ما صدر مؤخرا عن «مؤسّسة تجمّع حلفاء إسرائيل الدوليين» في واشنطن وبرعاية نواب من الكونغرس وأعضاء برلمانات أخرى. يدعو بيانها إلى تحقيق رؤية الرئيس الأمريكي في هلوسته الدينية وأمثالها عند هؤلاء الموقعين في تخليد الاحتلال والدفاع عن جرائمه، متناسين القانون الدولي والشرعية الدولية التي يكذبون كل يوم باسمها وفي تكرار مطالبها من غيرهم. (نشر في جريدة الأخباريوم 28/5/2008)،حيث لا يمكن الوثوق بها ولا يحق بعد هذه العقود المرة أن يتحدث أو يقبل عربي أو يصمت عن مثل هذه الأحكام والمطالب التي ينبغي محاكمتها وإدانتها ورفع الصوت ضدها في كل مكان.بعد ستين عاما لابد من نظرة موضوعية للأحداث ومراجعة ضرورية لها ولما سيأتي بعدها، بجرأة وعزيمة صلبة، دون تكرار واستخفاف واستنكار للماضي ودون قفزات بالهواء على الواقع والمستقبل.