الاثنين، 26 مايو 2008

حروب المليارات في العراق !

السبت17/5/2008
نُشرت مقالات وأبحاث وعُقدت ندوات في اغلب المؤسسات التشريعية والأكاديمية الأمريكية والأوروبية وغيرها عن الكلف المادية للحرب الإمبراطورية علي العراق وقبله أفغانستان وغيرها من الحرائق الصغيرة، الفتن الاستعمارية، التي تشعلها الإدارة الأمريكية ومن والاها من غربيين أو أهل البلاد المبتلاة بتلك النيران، وقدرت بأرقام فلكية وبالتأكيد لمصالح وغايات أمريكية أو غربية عموما.
ولم تتحرك تلك الجهات أو غيرها إلي التفكير بالبحث أو تسجيل تقديراتها عن حصيلة أو مجموع الخسائر المادية التي كابدها العراق أو أفغانستان أو أي بلد آخر تعرض للعدوان وجريمة الحرب والاحتلال.
فهل هذه الخسائر الفادحة بالتأكيد مقارنة بالأرقام الفلكية الأمريكية والبريطانية وغيرها، هي تحصيل حاصل، أم أنها ليست بوارد الذكر بعد اغتيال الدول وفرض الاحتلال وهيمنته الاستعمارية علي كل المقدرات والحسابات؟.
أم يعود ذلك إلي هيمنة الإمبراطورية وتأثير آلتها الإعلامية وإرهاب أساطيلها العسكرية أو قد يكون ضعف المؤسسات المحلية وارتهانات اغلبها ورهانات معظمها وارتباكات بعضها سببا في الصمت أو التغطية المفضوحة؟.
إذا قدرت كلفة حرب الولايات المتحدة علي العراق للسنوات الخمس الأولي بثلاثة تريليونات دولار، حسب دراسات الاقتصاديين الأمريكيين جوزيف ستيغلتز وليندا بيلمز في كتاب صدر لهما، ويتضاعف هذا الرقم لسنوات أخري، ومقارنة بحربي فيتنام وكوريا، فكم ستكون تقديرات أمثالهما من العراق أو أفغانستان عن الفترة نفسها من الثروات العراقية والأفغانية حصرا وللدراسات المقارنة؟.
مثل هذا السؤال والجواب عنه يحيل إلي أسباب الحروب والأهداف منها والخطط الاستراتيجية التي رسمتها الإدارة الأمريكية والمتنفذون فيها لارتكاب تلك الجرائم في الحرب والاحتلال وتدمير الدول والشعوب والأمن والاستقرار والسلام العالمي.
وقد بات اكثر من واضح اغلب تلك الأهداف ولكن الإشارة إلي بعض تلك الكلف والخسائر وما أنتجته من ظواهر معروفة في مثل تلك الحالات مثل الرشي والفساد العام والنهب والسرقات العامة والخاصة وآثارها علي المصالح الوطنية والقومية والاستراتيجيات التي ترسم من كل الأطراف وبكل الاتجاهات قضية مهمة تاريخيا وقانونيا وإنسانيا.
وهي مسألة مطلوبة اليوم أو ملحة لمعرفة الواقع والوقائع الدامغة التي تحركه، ومن التأكد من الأهداف التي قادت إليها الحروب والإدارات التي تتحكم بالسياسات الدولية.
كشف تقرير نشرته مؤسسة بلاتفورم بالاشتراك مع منتدي الدراسات السياسية وتغيرات النفط العالمية بالولايات المتحدة أن العراق صاحب ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، ولهذا تريد الإدارة الأمريكية ومن تعاون معها إصدار قانون نفط وغاز يمنح شركاتها فرص استغلال الثروة العراقية وحرمان الشعب العراقي منها.
حيث وضح التقرير: أن البحث في صيغ اتفاقيات تقاسم إنتاج نفط العراق من خلال عقود طويلة الأجل تعطي الشركات الأجنبية ما لا يقل عن 64 في المائة من الاحتياطي النفطي، ويتحمل العراق تكلفة ما بين 74 إلي 194 مليار دولار خلال سريان فترتها، مقارنة فيما لو ترك تطوير النفط علي ما كان عليه في يد القطاع العام، أي سيتحمل العراق ما بين ضعفين إلي سبعة أضعاف ميزانية الدولة العراقية مما سيضمن أرباحاً فاحشة للشركات النفطية الكبري المدعومة أمريكيا وبريطانيا، ويكرس السيطرة علي الثروة النفطية العراقية، وبالتالي خسارة العراق مئات المليارات من الدولارات.
أضاف معد التقرير غريغ موتيت: "إن صيغة العقود التي يجري الترويج لها من أكثر الخيارات تكلفة وغير ديمقراطية"، و"نفط العراق يجب أن يكون لمنفعة الشعب العراقي وليس لشركات النفط الأجنبية".
ودعا إلي حوار مفتوح في العراق حول طريقة تطوير مصادر النفط وليس التفاوض علي صفقة طويلة الأجل (30 عاماً) تجري في الخفاء "وراء الأبواب المغلقة"، علي حد وصف موتيت الذي أشار إلي أن: "المؤسسات العراقية جديدة وهشة، وقد بينت تجارب سابقة لدول أخري أن اليد العليا في مفاوضات اتفاقيات تقاسم الإنتاج وفي أوضاع متشابهة تحتفظ بها دائماً شركات النفط، وحذر من استغلال شركات النفط الكبري استمرار عدم الاستقرار في العراق الآن للتحايل والحصول علي شروط "متميزة للغاية" تربط العراق بهذه الشروط لعقود طويلة".
هذا إضافة إلي ما نشر عن أبواب أخري لتبذير المليارات العراقية وحرمان الشعب منها من خلال ما عرف بتهريب النفط ومشتقاته. حيث ورد في تقرير رسمي نشر في بغداد قبل عامين، وهنا للمقارنة الزمنية، ( كيف وماذا يحصل الآن؟) إن نتائج التحقيق المستقل لوزارة النفط العراقية رسمت صورة قاتمة للانتهاكات الواسعة النطاق التي تنتشر في كل ركن من أركان هذه الصناعة. حيث أدي منذ عام 2003 انتشار التهريب إلي تحويل العراق من أحد مصدري منتجات النفط الرئيسيين إلي مستورد لها.
وخلص التقرير إلي أن "هذه المشاكل أفضت إلي فقد مليارات الدولارات، سواء في صورة خسائر فعلية مباشرة أو في الفرص الضائعة". ودعا التقرير إلي "عمل جذري وعاجل" لوقف الانتهاكات ومعاقبة المتورطين فيها، بما في ذلك سن تشريع جديد يجعل تهريب النفط جريمة "تخريب اقتصادي عظمي".
الثروة النفطية في العراق، مليارات الشعب العراقي، موضوع مخططات الاحتلال والقوي المتخادمة معها من اجل حصص لها بين هذه الكلف المنهوبة من الثروة الوطنية، وبالتجربة التاريخية تشجع المخططات الاستعمارية البرجوازيات الكومبرادورية الجديدة والمافيات المتعاونة إلي شن حروب داخلية لتقاسم النفوذ والسيطرة علي المنافع الشحيحة التي توزعها قوات وشركات الاحتلال علي حساب دم الطبقات الفقيرة وعموم الشعب العراقي. وهذا ما قدمته وسائل الإعلام مؤخرا بشكل صارخ.حروب المليارات في العراق تدمر البلاد وتشتت العباد وترسخ الاحتلال والهيمنة الاستعمارية.