الاثنين، 26 مايو 2008

الممنوعون من أشعة الشمس.. المتعلقون بحبال الأمل

السبت3/5/2008
مَنْ يعرف العدد الحقيقي للممنوعين من أشعة الشمس قسرا وعلي مدار الساعة في العالم العربي خصوصا، وفي العالم الذي تهيمن عليه الإمبراطورية التي وصفت بالشر يوم أرادت أن تنقله إلي أعدائها؟
لا أحد يرد ولا أحد يعرف والعلم عند الغيب في احسن الأحوال. ولكن هذه الأعداد التي تنشر وتذاع من أين جاءت؟ وكيف يتم الصمت عليها؟ ولماذا لا يدقق فيها ويسأل عنها؟ وتوضع في سجلات معلومة ويخبر عن ضحاياها ويتم التعامل معها مباشرة وبالملموس وتطبق بحقها القوانين والشرائع والأعراف؟.
المنظمات الدولية الإنسانية تتحدث عن ما يقارب، وحوالي، وتأتي بأرقام تتجاوز الآلاف، فهل هذه هي الحقيقة؟ أين إذن؟ ولماذا تحجب الشمس عنوة وتغيّب منها هذه الآلاف من الحيوات الإنسانية دون ذنب إجرائي وتحقيق عملي وقضاء مستقل وقرارات محاكم وجزاء عادل، وتوضع تحت حواجز وسراديب ونقاط سوداء ومعسكرات مسيجة وجدران مسورة ومدن مقفولة؟.
مصادر حكومية أو وزارات ومؤسسات لحقوق الإنسان رسمية معينة من أصحابها تدعي أرقاما ومحاولات لمعالجات وعجز عن قدرات المحاسبة والمساءلة وتنفيذ ما تعلنه كذبا للرأي العام عن مهماتها وواجباتها وأسمائها الوظيفية المخادعة وهي تشارك عمليا بحرمان أعداد كبيرة في أكثر من بلد وزاوية من المعمورة، ولاسيما في وطننا الناطق باللغة العربية، أما الأعداد الأخري المطوقة بالأساطيل الجوية والبحرية والقواعد العسكرية الأرضية وقوانين المنع والحرمان والتجسس والتفتيش والحبس والاحتراز والاعتقال الأمني والمراقبة والنفي القسري والنقل التعسفي والتهجير والنزوح وغيرها من الوسائل التي تتفنن بها قوات الاحتلال الإمبراطورية فالحديث عنها طويل، والمساحات التي يتوقف عندها الإنسان شاسعة وممتدة بين مياه المحيطات والخلجان، ولها فرص أخري هذه الأعداد الكبيرة ممن أطلق عليهم أسري، لماذا الصمت عليهم؟ تمر السنوات والأشهر والأيام والساعات وهم ممنوعون من أشعة الشمس ولكنهم متعلقون بحبال الأمل التي دفعتهم إلي أن يكافحوا ويقاتلوا ويتحملوا ما يتحملون اليوم، وهم في أسرهم وسجنهم ومعسكرات اعتقالهم أقوي من سجانيهم وجلاديهم وشرطة حجزهم، لأنهم يعرفون قانون القوة ومعادلات السلطة الغاشمة، بينما لا يعرف سجانوهم أسباب نفيهم معهم ووقوفهم حواجز منع لأشعة الشمس كرها وتعسفا وقمعا حدد يوم للتذكير بالقضية التي حملت اسم الأسري وتفاعلت منظمات وصدرت بيانات ومرت الذكري وطويت الصفحات، وعميد الأسري لبناني (سمير القنطار، أعتقل في 2 أبريل 1978) تحت سجون الاحتلال الصهيوني، قضي ثلاثين عاما فقط هذا العام داخل تلك الأسوار، وعدد الأسري حسب اغلب البيانات اكثر من 11 ألف أسير ومعتقل فلسطيني منهم 48 نائبا و355 طفلا و98 أسيرة يقبعون في سجون الاحتلال، وبينهم عرب من بلدان عربية، لم تسأل عنهم حكوماتهم، ولا ترغب بتذكيرها بهم خشية أن تحاسب عليهم وتحاكم بدلاً عنهم وتراهن علي الصمت عقاباً مزدوجا، لهم منها ولها من "حلفائها الجدد".
وفي معسكر غوانتانامو (شعار الإمبراطورية الأمريكية برئاسة جورج بوش والمحافظين الجدد) مئات أخر لم تنشر كل أسمائهم بعد، رغم صدور قوائم منها، ولم تطالب حكوماتهم بهم أيضا، وكيف تتجشم عناء السؤال من عصابات العالم الجديد؟.
وتحت سياط الاحتلال البريطاني الأمريكي في العراق آلاف أخر من العراقيين والعرب وغيرهم من بلدان أخري، حملوا أرواحهم علي أكفهم وأعلنوا انتماءهم للأرض والعدالة الإنسانية والتحرر الوطني، رافضين الاحتلال والفساد والتبعية والإذلال والاضطهاد، مدافعين عن وطنهم وما رزقوا ووهبوا من خيرات لهم ولأجيالهم فيه دون أن يذلوا ويهانوا وهم الاعلون.
ما نشر وتناقلته وسائل الإعلام عما تعرض له الأسري، (من هم الأسري الحقيقيون؟) يرقي -حسب وصف منظمات دولية مدافعة عن حقوق الإنسان- إلي جرائم ضد الإنسانية، جرائم حرب وإنتهاكات للقانون الدولي الإنساني ولاتفاقيات جنيف وللعرف الإنساني، وأصدرت وثائق بشهادات من الضحايا عن معاملات لا إنسانية وتعذيب وحشي وممارسات تكشف جوهر الاحتلال والغزو والاستيطان وأدواته المتخلفة والمرتهنة والمرتبطة بسياساته وأهدافه ومشاريعه، وتفضح كل الشعارات البراقة والكلمات المعسولة التي دجل فيها المحتلون وأعوانهم ومن ولاهم وضحك عليهم فيها.
ولعل من نافل القول الإشارة إلي أن حكومات وقوات الاحتلال، سواء في فلسطين أو في العراق، لا تلتزم باحترام حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف التي تقضي بتجريم التعذيب والسجن والاعتقال العشوائي دون محاكمة عادلة، وتستهين وتتهرب من التوقيع علي المواثيق وقواعد القانون الدولي الإنساني. وإدارات الاحتلال هي الوحيدة في العالم التي شرعت التعذيب النفسي والجسدي والاعتقال وانتهكت وترتكب أبشع الجرائم.
في العراق صارت أسماء سجن أبو غريب وبوكا وغيرها من مئات السجون في المعسكرات الأمريكية والبريطانية وحتي البولونية والدانماركية وغيرها من علامات الغزو وسمات الاحتلال الجديدة، وفي فلسطين سجلت السجون والمعتقلات الإسرائيلية أعلي نسبة اعتقال في العالم طالت أكثر من ثلث الشعب الفلسطيني منذ عام 1967 وحتي الآن. فهل هذه الأعداد والأسماء مجردة ولا تأثيرات وتداعيات لها وكيف يمكن الصمت عليها إذن؟
حقوق الإنسان واحدة لا تتجزأ ولا تتقادم، ومن ارتكب جريمة بحق الإنسان أينما وجد وتجبر لابد أن ينال حقه في المحاكمة والمحاسبة عما ارتكب وجني بوعي وهدف وقصد، وابرز الجرائم حرمان الإنسان من الحرية والكرامة والسعي في مناكب الأرض للعيش الإنساني والتضامن البشري. وهذه الأعداد الكبيرة من الممنوعين من أشعة الشمس تظل صارخة أمام القانون والعدالة والإنسانية والضمير وكل ساعة تمر تكون ثقيلة ومرة وصعبة لأنها تبعدهم عن أماكنهم الطبيعية والتي ينبغي أن يكونوا فيها، وهنا السؤال القاسي والمسؤولية عنهم ومنهم للجميع؟.