السبت12/4/2008
حين سافر الوفد العراقي برئاسة رئيس الوزراء صالح جبر إلي مدينة بورتسموث البريطانية للتوقيع علي معاهدة سميت باسم المدينة - الميناء لم يعلم الشعب بمضمونها، وحين سمع الشعب العراقي ما كانت تنويه الحكومات المستعمرة والمحتلة ارتفع غضبه ونددت حركته الوطنية بشدة بما حصل، وسجلت صفحات كفاحية في التاريخ، أخذت عنوان وثبة كانون 1948.
قبل الإعلان عن المفاوضات والاتفاقيات اغلق صالح جبر بعض الصحف الحزبية المعارضة وأحزابها وقام بالتهديد والوعيد باستعمال القوة ضد كل من يعارضه أو يخالفه الرأي والموقف، مع غض النظر عن اشتداد الأزمة الغذائية والمعيشية وإنكار المصالح الوطنية. أي انه وفر مناخا وهيا أجواء قمعية لسير مفاوضاته أو لإخفائها تحت ستار قراراته. وقد بدأت المفاوضات في بغداد من 7 أيار مايو 1947، وانتهت بالتوقيع علي المعاهدة في 15 كانون الثاني يناير 1948.
وما أن تسربت إلي المواطنين والأحزاب السياسية بعض بنود المعاهدة الرئيسية أعلن الشعب العراقي وثبته المعروفة. حيث اعتبرت المعاهدة أشد وطأة من معاهدة 1930 وتبين أن من بين بنودها إلزام العراق بالوقوف إلي جانب حليفته بريطانيا في أي نزاع تدخل فيه، وان يسمح للقوات البريطانية باستخدام الأراضي العراقية، وبأن ينفق العراق من حسابه الخاص علي القواعد والمنشآت العسكرية المشتركة، وأن تكون طرق المواصلات في خدمة القوات البريطانية في حالات الحرب. لم تمر هذه المعاهدة ولا الأسلوب الذي تحققت به، فردت عليها الحركة الوطنية بالتظاهرات والمطالبة بإسقاط المعاهدة ومن وقع عليها، وواجهتها السلطات بإطلاق الرصاص والاعتقالات ومنع التجول والأحكام العرفية.
أصدرت الأحزاب الوطنية العلنية (الوطني الديمقراطي والاستقلال والأحرار) بيانا عبرت عن الموقف الوطني فيه، وتضمن المطالب التالية: 1- الإعلان الرسمي عن إلغاء معاهدة بورتسموث .
2- إجراء تحقيق عن مسؤولية إطلاق النار علي أبناء الشعب.
3- حل المجلس النيابي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
4- احترام الحريات الدستورية.
5- إفساح المجال للنشاط الحزبي.
6- حل مشكلة الغذاء، بشكل يوفر للشعب قوته.
وتحقق جراء الغضب الشعبي بعض تلك المطالب، أبرزها إقالة الحكومة وإسقاط المعاهدة. وتكاد تلك الأحداث تتكرر اليوم، بعد ستة عقود من الزمن، حيث أعلن عن مفاوضات سرية في المنطقة الخضراء (غرين زون) بين حكومة الاحتلال الجديد الأمريكية والحكومة العراقية للتوقيع علي معاهدات تتضمن، حسب بيان للخارجية العراقية، مطلع شهر مارس هذه المرة، التوقيع علي 3 اتفاقيّات طويلة الأمد، أولاها ستحدّد تفاصيل وجود القوات الأميركية في العراق، والثانية ستُخَصَّص للامتيازات المتوَقَّع إعطاؤها إلي الشركات والاستثمارات الأمريكية من ضمن آليّة "دمج الاقتصاد العراقي في منظومة السوق الحر"، ومن ضمنها تمرير قانون النفط والغاز. أمّا المعاهدة الثالثة، فستُخَصَّص للإجراءات الدبلوماسية المستقبلية بين البلدين.
وتتواصل المفاوضات "بغرض التوصّل إلي اتفاقية وترتيبات للتعاون والصداقة الطويلة الأمد، استناداً إلي ما اتُّفِق عليه بين رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأمريكي في إعلان النيات للتعاون والصداقة في تشرين الثاني 2007".
وأشار البيان إلي أنّ المحادثات تهدف إلي "تنظيم العلاقة بين الدولتين الصديقتين علي أسس سليمة بعد انتهاء فترة تطبيق قرار مجلس الأمن نهاية العام الجاري وخروج العراق من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". وهذه النصوص الرسمية الباردة تتحدث عن اتفاقيات خطيرة تمس حاضر ومستقبل الشعب العراقي ومصالحه الوطنية والاستراتيجية ولم تشعر هذه الجهات المصدرة لها، كما يبدو، بأي حرج منها أو ردود فعل وطنية إزاءها.
ما نشر أو سرب يوضح أن الأحداث تتكرر تاريخيا وان الكارثة فيها أن كل من يقوم بها لا يتعظ من دروس التاريخ ومأساة ما يقدم عليه، وقد يكون صالح جبر في حينها اقل اطلاعا واشد تناقضا في ارتباطه بالمستعمر الذي رفعه إلي ذلك المنصب وكلفه بالمهمات التي تبجح بها. أما ما يجري الآن فهو مهزلة صارخة تتكرر فصولها بشن عمليات عسكرية علي المدن وقصف البيوت والأسواق الشعبية لترويع الشعب ولتمرير الاتفاقيات والمعاهدات الجائرة، وباستمرار الحالات نفسها والمسميات والطوائف والقوي المساندة لها.
بالتأكيد لن تفرض هذه المعاهدات مثل سابقاتها ولا الحكومات التي تقاتل من اجلها ولبقائها قبل توقيعها، ومهما حاولت التملص من التزاماتها وتهربت من محتوياتها وادعت غيرها أو بمعناها فأنها لن تحقق ما تبتغيه وسيحكم الشعب عليها قبل التاريخ بما فعلت وما تحملت أيديها من ثقل الدم والخراب الذي تقوم به ضد شعبها. ولم تمض فترة طويلة حيث نشرت مضمونها صحيفة الغارديان البريطانية يوم 8-4-2008 مؤكدة ما جري التحذير منه وإنذار من يقول بخلافه ويكذب علي نفسه قبل غيره.
كشفت الصحيفة في صدر صفحتها الأولي في قراءة لها في مسودة الاتفاق الذي من المنتظر أن يحل محل التفويض الحالي الصادر من الأمم المتحدة لقوات الاحتلال في العراق. وأشارت إلي انه يسمح لهذه القوات ب "القيام بعمليات عسكرية في العراق واحتجاز الأفراد كلما اقتضت الحاجة لأسباب تتعلق بالأمن" بدون تحديد مدة زمنية، وبدون توضيح للأسباب والمهمات التي تقوم بها. ورغم الإعلان عن أن الاتفاق الجديد موقت، و"سري" و"حساس" ومؤرخ بالسابع من مارس آذار 2008، إلا انه لا يخفي ما استهدفته الإدارة الأمريكية ومشاريع المحافظين الجدد من احتلال العراق.
من بورتسموث إلي غرين زون أماكن وأزمان متعددة وجوهر واحد، الاستعمار هو الاستعمار، مهما اختلفت الأسماء والمسميات. والتاريخ شاهد عليها وعلي من يتفرج اليوم. حيث لا وقت للصمت بعده.
قبل الإعلان عن المفاوضات والاتفاقيات اغلق صالح جبر بعض الصحف الحزبية المعارضة وأحزابها وقام بالتهديد والوعيد باستعمال القوة ضد كل من يعارضه أو يخالفه الرأي والموقف، مع غض النظر عن اشتداد الأزمة الغذائية والمعيشية وإنكار المصالح الوطنية. أي انه وفر مناخا وهيا أجواء قمعية لسير مفاوضاته أو لإخفائها تحت ستار قراراته. وقد بدأت المفاوضات في بغداد من 7 أيار مايو 1947، وانتهت بالتوقيع علي المعاهدة في 15 كانون الثاني يناير 1948.
وما أن تسربت إلي المواطنين والأحزاب السياسية بعض بنود المعاهدة الرئيسية أعلن الشعب العراقي وثبته المعروفة. حيث اعتبرت المعاهدة أشد وطأة من معاهدة 1930 وتبين أن من بين بنودها إلزام العراق بالوقوف إلي جانب حليفته بريطانيا في أي نزاع تدخل فيه، وان يسمح للقوات البريطانية باستخدام الأراضي العراقية، وبأن ينفق العراق من حسابه الخاص علي القواعد والمنشآت العسكرية المشتركة، وأن تكون طرق المواصلات في خدمة القوات البريطانية في حالات الحرب. لم تمر هذه المعاهدة ولا الأسلوب الذي تحققت به، فردت عليها الحركة الوطنية بالتظاهرات والمطالبة بإسقاط المعاهدة ومن وقع عليها، وواجهتها السلطات بإطلاق الرصاص والاعتقالات ومنع التجول والأحكام العرفية.
أصدرت الأحزاب الوطنية العلنية (الوطني الديمقراطي والاستقلال والأحرار) بيانا عبرت عن الموقف الوطني فيه، وتضمن المطالب التالية: 1- الإعلان الرسمي عن إلغاء معاهدة بورتسموث .
2- إجراء تحقيق عن مسؤولية إطلاق النار علي أبناء الشعب.
3- حل المجلس النيابي، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
4- احترام الحريات الدستورية.
5- إفساح المجال للنشاط الحزبي.
6- حل مشكلة الغذاء، بشكل يوفر للشعب قوته.
وتحقق جراء الغضب الشعبي بعض تلك المطالب، أبرزها إقالة الحكومة وإسقاط المعاهدة. وتكاد تلك الأحداث تتكرر اليوم، بعد ستة عقود من الزمن، حيث أعلن عن مفاوضات سرية في المنطقة الخضراء (غرين زون) بين حكومة الاحتلال الجديد الأمريكية والحكومة العراقية للتوقيع علي معاهدات تتضمن، حسب بيان للخارجية العراقية، مطلع شهر مارس هذه المرة، التوقيع علي 3 اتفاقيّات طويلة الأمد، أولاها ستحدّد تفاصيل وجود القوات الأميركية في العراق، والثانية ستُخَصَّص للامتيازات المتوَقَّع إعطاؤها إلي الشركات والاستثمارات الأمريكية من ضمن آليّة "دمج الاقتصاد العراقي في منظومة السوق الحر"، ومن ضمنها تمرير قانون النفط والغاز. أمّا المعاهدة الثالثة، فستُخَصَّص للإجراءات الدبلوماسية المستقبلية بين البلدين.
وتتواصل المفاوضات "بغرض التوصّل إلي اتفاقية وترتيبات للتعاون والصداقة الطويلة الأمد، استناداً إلي ما اتُّفِق عليه بين رئيس مجلس الوزراء والرئيس الأمريكي في إعلان النيات للتعاون والصداقة في تشرين الثاني 2007".
وأشار البيان إلي أنّ المحادثات تهدف إلي "تنظيم العلاقة بين الدولتين الصديقتين علي أسس سليمة بعد انتهاء فترة تطبيق قرار مجلس الأمن نهاية العام الجاري وخروج العراق من أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة". وهذه النصوص الرسمية الباردة تتحدث عن اتفاقيات خطيرة تمس حاضر ومستقبل الشعب العراقي ومصالحه الوطنية والاستراتيجية ولم تشعر هذه الجهات المصدرة لها، كما يبدو، بأي حرج منها أو ردود فعل وطنية إزاءها.
ما نشر أو سرب يوضح أن الأحداث تتكرر تاريخيا وان الكارثة فيها أن كل من يقوم بها لا يتعظ من دروس التاريخ ومأساة ما يقدم عليه، وقد يكون صالح جبر في حينها اقل اطلاعا واشد تناقضا في ارتباطه بالمستعمر الذي رفعه إلي ذلك المنصب وكلفه بالمهمات التي تبجح بها. أما ما يجري الآن فهو مهزلة صارخة تتكرر فصولها بشن عمليات عسكرية علي المدن وقصف البيوت والأسواق الشعبية لترويع الشعب ولتمرير الاتفاقيات والمعاهدات الجائرة، وباستمرار الحالات نفسها والمسميات والطوائف والقوي المساندة لها.
بالتأكيد لن تفرض هذه المعاهدات مثل سابقاتها ولا الحكومات التي تقاتل من اجلها ولبقائها قبل توقيعها، ومهما حاولت التملص من التزاماتها وتهربت من محتوياتها وادعت غيرها أو بمعناها فأنها لن تحقق ما تبتغيه وسيحكم الشعب عليها قبل التاريخ بما فعلت وما تحملت أيديها من ثقل الدم والخراب الذي تقوم به ضد شعبها. ولم تمض فترة طويلة حيث نشرت مضمونها صحيفة الغارديان البريطانية يوم 8-4-2008 مؤكدة ما جري التحذير منه وإنذار من يقول بخلافه ويكذب علي نفسه قبل غيره.
كشفت الصحيفة في صدر صفحتها الأولي في قراءة لها في مسودة الاتفاق الذي من المنتظر أن يحل محل التفويض الحالي الصادر من الأمم المتحدة لقوات الاحتلال في العراق. وأشارت إلي انه يسمح لهذه القوات ب "القيام بعمليات عسكرية في العراق واحتجاز الأفراد كلما اقتضت الحاجة لأسباب تتعلق بالأمن" بدون تحديد مدة زمنية، وبدون توضيح للأسباب والمهمات التي تقوم بها. ورغم الإعلان عن أن الاتفاق الجديد موقت، و"سري" و"حساس" ومؤرخ بالسابع من مارس آذار 2008، إلا انه لا يخفي ما استهدفته الإدارة الأمريكية ومشاريع المحافظين الجدد من احتلال العراق.
من بورتسموث إلي غرين زون أماكن وأزمان متعددة وجوهر واحد، الاستعمار هو الاستعمار، مهما اختلفت الأسماء والمسميات. والتاريخ شاهد عليها وعلي من يتفرج اليوم. حيث لا وقت للصمت بعده.