الجمعة، 18 أبريل 2008

لندن - موسكو: حرب ثقافية باردة!

السبت23/2/2008
مرت عبر وسائل الإعلام أخبار كثيرة عن حرب "ثقافية" باردة أو اقرب إلي ذلك، ولم تصل بعد إلي ساخنة إعلاميا علي الأقل. إلا أنها تتفاعل وتتلون حسب المتغيرات السياسية وتشير إلي توترات مطردة في العلاقات الدبلوماسية بينهما.
فقد أثارت قضية غلق مكاتب لمجلس الثقافة البريطاني في روسيا، خارج العاصمة موسكو، مثل هذه الهواجس الصامتة حاليا ولكنها إشارات مبكرة لما تمر به العلاقات بين البلدين أو الصراع المكتوم والذي له بلاشك أسبابه وخلفياته وانعكاساته علي مستقبل العلاقات بين البلدين وعلي الساحة الدولية.
أعلن رسميا في موسكو انه تم إغلاق مكتبين للمركز الثقافي البريطاني في مدينتي يكاتيرينبرغ وسان بطرسبرغ أواخر العام الماضي، ومنع افتتاح مكاتب أخري، وسط احتجاج بريطاني رسمي ورد روسي رسمي أيضا بأن المكاتب خرقت عرفا دوليا متعلقاً بالشؤون القنصلية، وكانت تعمل بطريقة غير شرعية علي الأراضي الروسية. وقال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف: خلال الصيف الماضي، تعمد الجانب البريطاني الإساءة إلي العلاقة بيننا من خلال طرده دبلوماسيينا، وإيقاف التعاون مع وكالة الأمن الاتحادي في شؤون مكافحة الإرهاب، وعدم إدخال تسهيلات علي نظام منح التأشيرات .
وأضاف أن مثل هذه الأمور لا تحتمل في الدبلوماسية، وفي ما يُعَدّ رداً عليها أمرنا بإغلاق مكاتب المجلس الثقافي البريطاني في جميع المدن الروسية ما عدا موسكو. وكان موضوع طرد لندن لأربعة دبلوماسيين روس من السفارة الروسية في بريطانيا، سببا في أزمة دبلوماسية بين البلدين، جاءت علي خلفية اغتيال الجاسوس الروسي السابق ألكسندر ليتفينينكو في أحد فنادق لندن، ورفض موسكو تسليم المتهم باغتياله، زميله السابق في جهاز الاستخبارات السوفييتي السابق كي جي بي ، ألكسندر لوغوفوي للمحاكم البريطانية. وعلي إثرها تصاعدت التوترات بين العاصمتين بأشكال مختلفة، أبرزها الحرب الثقافية الباردة القائمة الآن. والتي طفت علي السطح ولا يعلم ما يدور خلفها وتحت الطاولة كما يقال.
ففي الوقت الذي أغلقت السلطات الروسية المكاتب أذاعت مصادر "المجلس الثقافي البريطاني" أن المكتب الرئيسي للمجلس في موسكو سيواصل عمله إذ أنه غير مشمول بقرار الإغلاق، في حين سيقدم المجلس خدماته لزبائنه في المدن الروسية التي أغلقت فيها المكاتب عبر "الإنترنت".
أي انه سيواصل مهماته ولكن بوسائل أخري، فهل هي الوسيلة المرغوبة والمطلوبة أم لأمر ما تريده السلطات البريطانية في استمرار التواصل والاتصال بمن يرغب أو تريد السلطات البريطانية تقديم خدمات له، وهل هي خدمات ثقافية فقط؟.
السفير البريطاني في موسكو، أنطوني برينتون صرح معقبا علي ما حصل لمكاتبه: من الواضح أن السلطات الروسية تريد إغلاق مكاتبنا (التابعة للمركز الثقافي) بطريقة غير شرعية . وكان رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون قد وصف، في خطاب أمام مجلس العموم، القرار الروسي بأنه أمر غير مقبول علي الإطلاق .
بين أقوال أو ردود فعل السلطات الروسية والبريطانية حول هذه القضية تدور رحي الحرب، أو تطحن العلاقات بين البلدين، والمعلومات المتناقلة ترفع الرماد عن الجمر المشتعل تحته. وواجه المجلس الثقافي البريطاني ضغوط السلطات الروسية عام 2004 حين اتهم بممارسة النشاط "التجاري" في أراضي روسيا وعدم تسديد الضرائب كحجة لاتخاذ إجراءات ضده. وكانت هذه الإجراءات إشارة إلي غضب روسي من منح بريطانيا اللجوء السياسي إلي رجل الأعمال الروسي بوريس بيريزوفسكي الذي تطالب موسكو بتسليمه لمحاكمته بتهم الفساد.
وبعد عامين تلتها قضية الجواسيس وإعلان جهاز الأمن الاتحادي الروسي العثور علي "حجر تجسسي" واتهام موظف في السفارة البريطانية بأنه أخفي فيه معلومات سرية لتسليمها إلي شخص، الأمر الذي أعاد مرة أخري موضوع ونشاط المجلس الثقافي البريطاني، وعلي إثره أعلن عن تشديد التشريع المتعلق بالمنظمات غير الحكومية وجري استئناف القضية ضد المجلس ونشرت وسائل الإعلام هذا النبأ واعتبرته ذريعة لتشديد الرقابة علي علاقات المنظمات غير الحكومية الروسية مع الأجانب وتمت المصادقة علي القانون وظل المجلس ومكاتبه أهدافا واضحة أمام أي توتر للعلاقات القائمة والصلات الثقافية بين لندن وموسكو. وقد طرح مراقبون أسئلة عديدة عن أي دور يقوم به المجلس الثقافي البريطاني في روسيا أو في غيرها، ولماذا يتسبب له ما حصل حتي الآن في روسيا، وهي قضية تثاربين فترة وأخري حسب دواع وأعذار مفهومة دبلوماسيا وأمنيا، من خلال ما تقوم به الحكومات من استغلال مثل هذه المكاتب والنشاطات الثقافية أحيانا في شؤون أخري أو لأهداف غير ثقافية البتة وقد تكون لمهمات ولحكومات أخري، تشكل خطرا أمنيا أو توظف لما هو ضد المصالح المتبادلة، كما هو معلوم في العلاقات السياسية والأمنية الدولية، رغم الاتفاقيات والمعاهدات في هذا الشأن.
كيف ستجري أو تؤثر هذه التطورات في العلاقات السياسية بين موسكو ولندن؟ وهل ستسهم في تصعيد الأزمات وتربط بغيرها من الأحداث المتبادلة؟، وهل انتهت فعلا مخططات الحرب الباردة وما هو دور لندن فيها وعلاقتها مع غيرها من حلفائها الغربيين في التدخل في الشؤون الروسية ومستقبل هذه العلاقات والتطورات السياسية والعسكرية والأمنية بين أوروبا والولايات المتحدة والاتحاد الروسي وتحالفاته الآسيوية ومن سيتحكم في التطورات القادمة دوليا؟. أسئلة كثيرة تدور حول هذه التطورات الثقافية العنوان بين العاصمتين والتي تحمل في طياتها الكثير من المواقف في توجهات السياسة الدولية وآفاق العمل المشترك أو الهيمنة الدولية والاستفراد بها وما يحصل داخلها أو بينها من علاقات وتحالفات مثيرة في العلاقات الدولية.