السبت16/2/2008
تفصح تصريحات وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس وجنرالات الاحتلال بالعراق وافغانستان تحت قيادة الرئيس بوش، عن خلافات بينهم ولكنها، كما يبدو، او حسب النظام العسكري الداخلي، مكتفية باشارات او موحية لما هو اعمق منها، وتتوزع بين الرؤيا الاستراتيجية ومخططات الإدارة الأمريكية والمصالح الأمريكية والغربية بشكل عام، والتباينات في أرقام الربح والخسارة، والأهداف المعلنة والسرية من كل الحملات العسكرية والإعلامية. يضاف إليها تذبذب مواقف الرئيس الأمريكي منها ومن افتضاح مشاريعه. لاسيما بعد أن باءت سياسات الإدارة الأمريكية الخارجية بتعثر وورط خطيرة لم تنفع معها خطابات حال الأمة ولا مؤسسات التضليل الإعلامي والأيديولوجي ولا أموال الدعم والإسناد خارج الولايات المتحدة وداخلها، وبعد أن اتضح بطلان مبرراتها التي أعلنتها الإدارة وسوقت بها حروبها وغزوها المستمرين، وهروب رؤوس كثيرة كانت حامية ومحرضة عليها، بدءا من ديوك المحافظين الجدد الذين كانوا يتزعمون دوائر القرار في البنتاغون ونائب الرئيس، من أمثال ريتشارد بيرل وبول وولفوفيتز وكارل روف وجون بولتون ووصولا إلي وزيرهم دونالد رامسفيلد وشريكه حينها كولن باول وغيرهم. كل هذا يشير إلي المآل الذي سارت إليه أيام الحرب والاحتلال والتي تستعيد ذكراها السادسة والخامسة علي التوالي في بلدين مستقلين راح شعبيهما ضحية الغطرسة والحقد والتفرد واستشراء روح الهيمنة الاستعمارية في عصر التحرر والديمقراطية وحقوق الإنسان، ويقول بصوت عال ضرورة التغيير والمواجهة ورفض مسار الغزو.
خلال أسابيع معدودة زار غيتس أفغانستان والعراق، اكثر من مرة، سرا وعلنا وبشكل مفاجيء كما يذاع لتسوية هذه الخلافات، أو الاختلافات الاستراتيجية بين ما يعلن وما يتكتم عليه داخل الأروقة السرية. وهذا ما يعني أنه وضع علي اللائحة المطلوبة ليلحق بمن سبقوه. وغيتس معروف بأنه أحد أركان لجنة بيكر هاملتون التي رأت أن الحل لإنقاذ ماء وجه أمريكا يكمن في سياسات جديدة تعتمد علي سحب قواتها وتوسيع دائرة الدبلوماسية في حل معضلات المنطقة وأمريكا فيها، وتعزيز المصالح الأمريكية لاسيما النفطية منها والأمنية بالتناسق معها، وهويواصل سياساته المتفق عليها في البنتاغون ومع مجلسي التشريع الأمريكي لا سيما بعد فوز الديمقراطيين ودعواتهم لتغيير في الوجهة والتخلص من ورطة بوش ومَن ورائها.
في زياراته تلك صرح بان قوات أمريكية ستبدأ انسحابها من العراق خلال الربيع الحالي استمرارا إلي الصيف لتصل إلي خمس فرق، أي بإعادة ما أرسل خلال العام الماضي من أعداد سميت بالهجمة السريعة وتصعيد الحرب علي القاعدة وإعادة إقرار الأمن في بغداد، وكذلك تقليص أعداد القوات إلي اقل من النصف من عددها الحالي، الذي لم يكشف بعد سره الحقيقي من العسكر أو المدنيين أو المرتزقة أو المتسترين بينهما. أي انه انسحاب تدريجي لأكثر من نصف القوات العسكرية الأمريكية من العراق، خلال فترة حكم بوش المتبقية، وتنفيذ ما اقتنع به وسعي اليه. وتجدر الإشارة إلي انسحابات كبيرة وواسعة قد تمت لمعظم القوات الأخري التي شاركت القوات الأمريكية جريمة الحرب والغزو والاحتلال.
خلالها سرب خبر تعيين ديفيد بترايوس القائد الميداني في العراق بمنصب جديد في قيادة حلف الأطلسي هذا العام، ومنها تسريبات أخري مقابلة أو متناقضة معها عن استمراره في منصبه والإشارة إلي انتظار رفعه تقريرا آخر في مارس أو أبريل إلي الكونغرس الأمريكي حول آخر التطورات ومصير الخطط السابقة التي ناقشها معهم ورسائل بوش له في تحميله التزامات المسئولية عن العدد والخطط التي يراد لها أن تواصل المشروع الأمريكي في العراق والمنطقة، خلال السنة الأخيرة لبوش وما بعدها. ويأتي بعدها حديث القواعد العسكرية والتنصل منها، أو التخطيط لها، بعد أن تم الحديث المسرب عنها قبل أعوام بتفاصيل عن أعدادها وحجومها ومواقعها ومن ثم تقسيمها إلي استراتيجية دائمة وعسكرية ومؤقتة أو محددة بمهماتها، إضافة إلي مجمع السفارة الامريكية في بغداد الذي وصف بأنه اكبر مبني لسفارة في العالم. وبعد تمرير قصة القواعد الدائمة تردد الحديث عن اتفاقيات عسكرية طويلة الأمد بين حكومتين مستقلتين ذات سيادة (!) استمرارا لمهمات العمل المشترك بينهما.
وموازاة لما ينشر علنا تدور في الدوائر الأمريكية سيناريوهات عن مهمات ابعد من القواعد والاتفاقات الأمنية والاقتصادية والشركات الأمريكية وغيرها حول رسم ملامح العصر والعالم اقتصاديا وأمنيا، ولتأمينها تمارس كل الأساليب التي تسهل الوصول إليها بما فيها افتعال أحداث أو إشعال حرائق في اكثر من منطقة، شرط دعمها الوجود العسكري الأمريكي وعدم تكبيده خسائر غير مقبولة عسكريا لديه، أو لدي الرأي العام الأمريكي الذي غلب عليه التوافق مع تلك السياسات العدوانية في حالة اقل التكاليف والأضرار الداخلية، كما الحال في الفترة الأخيرة في العراق، وهو ما سيبني عليه بترايوس تقريره الجديد القادم. كما أن الآلة الإعلامية التي نجحت في تمرير الكثير من أهدافها إعلاميا، خصوصا في تكريس مسميات التفتيت الديني والإثني وفي تعميم مصطلحات الإرهاب والقتل والدمار علي كل من يخالفها في كل ذلك، تحاول مغالبة الرياح بما تشتهي السفن. ولعل تصريحات غيتس في زيارته الأخيرة لبغداد بعد انتهاء أعمال مجلس الأمن والسلم الأوروبي ولقاءاته بأعضاء حلف الأطلسي في ميونيخ الألمانية تشير إلي انه تراجع عن أقواله وقناعاته، وبالتأكيد تحت ضغوط كبيرة وواسعة من الإدارة والقادة العسكريين واللوبيات الحامية أو المشجعة لهم، الأمر الذي يتيح القول أو التساؤل: هل أينع رأس غيتس؟ ومتي يتم قطفه؟ وما علاقة الملفات العسكرية الساخنة بالانتخابات التمهيدية؟.