الجمعة، 14 مارس 2008

أكثر من مليون.. عدد بلا أصداء!

9/2/2008 الجمعة
كم من الضحايا الأبرياء يجب أن يتقدموا كبش فداء لانقاذ العراق؟. أو لأحداث سبتمبر الأمريكية كما حلا لبعض الناطقين باسم البيت الأبيض الأمريكي التصريح به قبيل شن الحرب علي العراق؟. أو ماذا علي الشعب العراقي أن يدفع من تكلفة الغزو والاحتلال؟. والي متي يستمر التفرج علي ما يحصل يوميا للشعب العراقي منذ اكثر من أربعة عقود متواصلة؟ ومتي يشعر العراقي انه مواطن منتم للعالمين العربي والإسلامي؟. لا أجوبة علي الأسئلة ولا ردود أفعال تقابل التضحيات ولا مشاركات فعلية تكشف الحرص والقيام بما يتطلبه الواجب ويفرضه الاعتبار..
أثار مسح أجراه مركز استطلاعات الرأي اوبينيون ريسيرتش بيزنس ، الذي يتخذ من لندن مقرا له، أسئلة اكثر ووضع الأعداد أمام الجميع لاسيما وانه قد ذكر تفاصيل واقعية وأساليب بحث علمية تقل فيها نسبة الخطأ، فأفاد المسح أن خمس الأسر العراقية فقدت واحدا علي الأقل من أفرادها، منذ مارس 2003 وأغسطس 2007.
وبحسب إحصاءات المركز، التي نشرت علي موقعه الإلكتروني، فإن 72 في المائة من ال2414 شخصا الذين شاركوا في الاستطلاع في العراق لم يقتل أي فرد من عوائلهم مباشرة، بينما قال 14 في المائة انهم فقدوا فرداً و3 في المائة فقدوا قريبين. وقال ناطق باسم المركز: نقدر حاليا عدد القتلي بين مارس 2003 وأغسطس 2007 بحوالي مليون و33 ألفا . وأشارت الدراسة إلي أن اكبر عدد من القتلي سجل في بغداد، حيث فقدت 40 في المائة من الأسر أحد أفرادها... ودفع اغلب وسائل الإعلام إلي نشر الخبر الذي بثته وكالات الأنباء عن هذا المسح بعباراته فقط دون عناء تحميل المسؤولية وذكر الأسباب وإحالته إلي ما سمته ب (العنف) في العراق ونتيجة الصراع كما وضعته بعض الصحف الناطقة بالعربية والتي تحرر عبر إستشارة وقرارات أجهزة أجنبية وبأموال وأقلام تتحدث بالعربية في بيوتها.
هذه الأعداد الكبيرة والمرعبة تصحبها حملات تشكيك وتسويف وتمرير لأعداد اقل أو ابعد منها، وتبذل جهود كبيرة من اجل تقليلها أو حرفها أو تشويهها وغير ذلك، دون أسف عليها أو تأس لها أو حزن عليها، وكأنها بكل حالاتها أو أرقامها، مسائل حسابية عادية علي ألواح خشبية في مدارس مهجورة.. وليست ضحايا بريئة ومعاناة قاسية ومحنة إنسانية، لا ضمير يوخز لها ولا أخلاق تخجل منها ولا قانون يتوقف عندها ولا صاحب قرار يتحمل المسؤولية ويتحدث عنها بصراحة ويطالب بمراجعتها أو بوضعها أمام محكمة التاريخ والقانون والأخلاق.
حين سئل القائد العسكري الأمريكي الذي قاد الحرب علي العراق عن ضحاياه الأبرياء المدنيين أجاب بأنه غير مهتم باعدادهم ولم ينشغل بها، وحين تمكنت جامعة أمريكية بالتعاون مع مجموعة بحث ومجلة طبية بريطانية محترمة في الأوساط العلمية أن تنشر إحصاء قامت به خلال الأشهر الأولي بعد الاحتلال بأن العدد بلغ مائة ألف ضحية ردت عليها الأبواق المدفوعة الأجر بالاستنكار والتقليل من كل جهودها وحين بلغ الرقم اكثر من 655 ألفا ونشرته مرة أخري في مجلة لانسيت المذكورة وأعلنته للرأي العام بعد ثلاث سنوات من الاحتلال وبنفس المعدل استمر القتل والإبادة والعقاب الجماعي، أعادت تلك الأصوات ذرائعها الكاذبة في الرد عليها ومحاولة إبعاد النظر عن الحقائق الواردة فيها وبذل كل الجهود لإخفاء الأسباب الحقيقية وراء كل هذه التضحيات الجسيمة. وجاء أخيرا ما قام به مركز الاستطلاع وما أذاعه من رقم بارد.. اكثر من مليون ضحية فقط.
لا دهشة في الرقم فقط، بل في ما يصاحبه دائما من قبل الجهات الحكومية وآلة التضليل الإعلامي وتزييف الوعي التي ذهبت إلي إجراء إحصاءات أخري لتقول إن الأعداد بلغت 151 ألفا فقط وان هذه الأعداد هي القريبة من الواقع الذي تعيشه والجهات الأخري تقدر بمبالغة ولأسباب سياسية بينما قولهم هذا بريئا من الأسباب التي أشير إليها. وكأن هذه الأرقام الأقل من تلك التي تصدرها المنظمات الدولية هو إلزام مقبول ومشروط للتضحية والفداء. وفي كل الأحوال فإن هذه الأرقام الجديدة لا تغير من وقائع الكارثة المحدقة بالشعب العراقي ومن المأساة المستمرة. وهذه الأرقام تعيد إلي الأذهان أرقام الضحايا المتواصلة منذ عقود، منذ بدايات الحصارات علي العراق وتصعيد العنف الداخلي والمواجهات الدموية وتحكم الاستبداد المسكوت عنه من القوي التي تقود بنفسها الآن المجازر الجديدة. فالأعداد السابقة التي تقول بأكثر من مليوني ضحية خلال فترات الحصارات المتعددة والاقتتالات الداخلية والعسف الرسمي وغيرها... ويذكر هنا رد وزيرة الخارجية الأمريكية اولبرايت حينها عن ثمن الحصار الذي فرضته إدارتها علي العراق، ولابد من الإشارة أيضا إلي أنواع وأعداد الأسلحة المحرمة التي جربت علي الشعب العراقي منذ بداية التسعينات، واستمرار معاناة الشعب العراقي منذ تلك الفترة حين وضع العراق في رأس المخططات الاستعمارية الأمريكية وضمان السيطرة علي ثرواته ووضعه تحت الهيمنة المخطط لها في مشروع القرن الأمريكي الجديد. وترتبط هذه الأرقام بالاحصاءات الأخري التي ترافقها بالتهجير والنزوح والترمل والتيتم والبطالة والفساد وتبديد الثروات وتفتيت الفئات وتقسيم الشعب والبلاد وتحويل الأمر كله إلي أرقام بلا أصداء.. أعداد مليونية من عراق جريح محتل، تختلف عليها تقارير المنظمات الدولية والحكومية والمنظمات ووسائل الإعلام وغيرها في حسابات الموت المجاني وغياب القانون والأعراف والشرعية الخادعة