الجمعة، 14 مارس 2008

أكاذيب وحجج واهية


السبت2/2/2008
كشفت دراسة أمريكية نشرت مؤخرا كذب الرئيس الامريكي بوش واركان ادارته في تصريحاتهم لتبرير الغزو والاحتلال منذ شن الحرب علي العراق. فتحت عنوان حجج واهية ذكرت أن بوش وإدارته قاموا بحملة تضليل منظمة بعناية حول التهديد الذي يشكله صدام حسين في العراق . وأكدت الدراسة التي أعدتها منظمتان أمريكيتان هما (المركز من اجل النزاهة العامة) و(الصندوق من اجل صحافة مستقلة) أن الادارة الامريكية قدمت 935 تصريحا كاذبا علي الاقل حول امتلاك العراق اسلحة دمار شامل، وفي 532 مناسبة عن ارتباطه بتنظيم القاعدة .
وأعتمدت الدراسة ما بات مفضوحا ومعروفا للجميع وقدرتها بهذا العدد ولم ترصد ما هو اخطر فيها وما هو في ثنايا التقارير والقرارات السرية والداخلية التي لم تنشر بعد. وفي كل الأحوال هي دراسة توثيقية لمشهد كبير يشكل إدانة قانونية وأخلاقية لرئيس اكبر دولة وأركان إمبراطوريتها، من نائب الرئيس ديك تشيني وكوندوليزا رايس مستشارة الأمن القومي حينها ووزيرة الخارجية حاليا وكولن باول وزير الخارجية قبل استقالته ورامسفيلد وزير الحرب قبل إقالته ونائبه في حينها بول ولفوفيتز والناطقين باسم البيت الأبيض اري فليشر وسكوت ماكليلان وغيرهم ممن ابدعوا بيانات كاذبة.
إذا كانت هذه الأكاذيب والحجج الواهية التي رصدتها الدراسة وغيرها من ادارة تتحكم بالقرار الدولي وتدير آلة إعلامية كبيرة وبيدها مفاتيح كثيرة لم تأخذ موقعها الحقيقي قانونيا واخلاقيا في محاكمة هذه الادارة واعادة الاعتبار للقانون الدولي والشرعية الدولية، فهل تستطيع بفضحها لفت الانظار اليها من بين ما تسعي اليه وتطالب فيه؟!. وإذا كانت كل هذه الأكاذيب والحجج الواهية قد كشفت وفضحت وأصبحت معلنة فلماذا الصمت عليها وتمريرها وكأنها وقائع حال آخر لا يمس العالم والسلام والأمن الدوليين ولا تهتم منظمة الأمم المتحدة بها تطبيقا لقواعد ميثاقها الذي تصادقت عليه الدول الأعضاء الأكثر من 190 دولة؟!.
تضيف هذه الدراسة كماً آخر لما حملته وسائل الإعلام الامريكية والغربية عموما من تلك الاكاذيب والحجج الواهية التي تفنن في ترويجها وتوزيعها والاصرار عليها كحقائق ملموسة ووثائق محسوسة للتضليل والخداع اليومي والسياسي لشن الحرب وتبرير الاحتلال الان. وهي الطريقة ذاتها التي تروج الآن لتبرير جرائم الحرب والاحتلال في كل البلدان التي غزتها الإدارة الأمريكية وحلفاؤها أو دعمت حكوماتها بما يعلن من انتهاكات وارتكابات صارخة ترقي إلي جرائم حرب وإبادة بشرية وعقاب جماعي، وتداعياتها منتشرة علي الواقع اليومي والحالات الموجودة علي الأرض حاليا بسب تلك الأكاذيب وصنوف الحجج المخادعة.
في مقابل الاتهام بتملك الأسلحة ذات الدمار الشامل جري غض النظر عن استخدام اسلحة محرمة دوليا كاليورانيوم المنضب او الفسفور الابيض او القنابل العنقودية والحارقة وغيرها من الاسلحة التي تم تجريبها علي الشعب العراقي واصابت ضمنها بعض جنود القوات الغازية وكتب عنها أو اهتم بها إعلاميا أو برلمانيا وسميت في بلدانها بأسماء أمراض حرب العراق أو ما أشبه ذلك بينما لم تذكر الضحايا العراقية فيها، بل تم الخداع والتضليل فيها والتهرب من الإشارة إليها.
توثق هذه الدراسة وغيرها من وسائل النزاهة التي تهتم بمثل هذه الوقائع ما هو أدلة قانونية وإثباتات رسمية للتاريخ ولإعادة الاعتبار لاحترام القانون أو المطالبة بذلك، رغم أنها جاءت بعد فترة زمنية تم فيها عبر لجان تحقيق حكومية كشف الكثير من كذب التبريرات والحجج التي اعتمدتها الإدارة وحلفاؤها في شن الحرب والغزو وما ارتكبته القوات المحتلة، واعتراف هذه الإدارات بنتائج التحقيقات والصمت عليها وتمريرها دون تركيز عليها أو إثارة انتباه، وتظل لها أهمية معينة بما تنشره وتمتع به المؤسسات التي تقوم بمهماتها في وسائل الإعلام أو أمام الرأي العام الدولي والمحلي.
ما يحصل في العراق بعد هذه السنوات يؤلم أي إنسان حريص حقا علي القيم والمثل الإنسانية بعامة، دون أن يجرد من ابسطها كما تفعل الإدارة وأركانها وحلفاؤها في دور النعامة ازاءها. وتسمي ما ترتكبه يوميا بالإنجازات وتطرب لقلة عدد قتلاها ولا تكترث لاعداد القتلي والجرحي والأيتام والمشردين والمهاجرين العراقيين والأحوال والأهوال التي يعيشها المواطن العراقي صباح مساء. وتشويه الشعارات التي حملتها قوات الغزو لتبرير خداعها وأكاذيبها علي نفسها أو تحولها إلي ما لا يصدق عليها بأي شكل من الأشكال أو الأسماء. مما يجعل المشهد العراقي نموذجا صارخا للاحتلال الغاشم وأساليبه الاستعمارية في التخريب والتدمير والتفتيت والتمزيق والإفساد والفساد في كل المستويات. الأمر الذي فرض علي المحتل الإقرار في التورط والفشل بتحقيق مخططاته ومشاريعه العدوانية والبحث عن أساليب أخري تدخل في مضمار استمرار الحرب والاحتلال وتفريخ اكاذيب اخري وحجج جديدة.
اعتذارات صحف أمريكية وبريطانية كبيرة عن نشرها لأكاذيب ثبت بطلانها يعيد الذاكرة لكل الوقائع والحقائق، ويدفع بالضرورة الي ادانة ما تقوم به إدارات الحرب والاحتلال وتصعيد الرفض والممانعة له ولاستمراره أو لاعادة إنتاجه والوقوع في الغش مرة أخري من الجحر ذاته.
التصريحات - الاكاذيب وما صاحبها من آلاف المقالات الصحفية والخداع الإعلامي المبرمج لعبت دورا كبيرا في التضليل، ليس علي الراي العام وحسب وانما داخل المؤسسات التشريعية والتنفيذية واصحاب القرار السياسي والعسكري، وتبادل الاتهامات بعدها في ضعف المعلومات الاستخبارية وغيرها، ومازال بعضها شاخصا أمام العالم، مثل أكاذيب باول أمام مجلس الأمن الدولي أو تقرير توني بلير المستنسخ عن أطروحة طالب دراسات عليا قبل عشر سنوات من تبنيها واعتمادها ذريعة لشن الحرب. وأمثالها من التصريحات التي اعدتها ورصدتها الدراسة وعدتها في حساباتها لتكون نتائج قاسية اعلاميا علي الأقل.