السبت، 15 ديسمبر 2007

صوت الشعب

الجمعة 7/12/2007
ارتفع صوت الشعب في بلدين متباعدين، خلال الايام القريبة الماضية، ليقول كلمته في اقتراحات وتغيرات وتعديلات وتطورات دستورية وسياسية. وصوت الشعب، كلمة سرية وسحرية، تمنح نفسها لمن يختارها بصدق وإخلاص وتساعده على رؤية خطاه، وتدقق له مسيرته وتحسب له نقاط قوته وضعفه، وشهادة نجاحه وفشله، وعليه ان يعتمد عليها في خياراته واختياراته، حيث لا يمكنه تحديها دائما او التغلب عليها في كل الاحوال. وقد اختبرها فلاديمير بوتين وهوغو شافيز في وصولهما للحكم في بلديهما، روسيا وفنزويلا، وتحولت الى الضمانة لهما في تحديات الضغوط والتجاذبات الدولية عليهما والداخلية لاسبابها.
في روسيا الاتحادية جرت انتخابات تشريعية فاز بنتائجها حزب الرئيس بوتين بأغلبية واضحة، بينما في فنزويلا خسر الرئيس شافيز ما خطط له في استفتاء شعبي بنسبة ضئيلة. وفي كلا البلدين أنجزت العملية بحرية كاملة وبديمقراطية واقعية، ودارت حول ما تقدم به رئيس الدولة من خطط ومشاريع وسياسات حكم وإدارة على السواء، وما أعلن مقابلها من مواقف الرأي العام والاعلام والغرب خصوصا. وكانت نتائج الاستفتاء والانتخابات موضع تقديرهما، وفي ضوئها تستمر العملية السياسية وترسم معالم الطريق للحاضر والمستقبل، رغم تفاوت تداعياتها وانعكاساتها على توجهات وخطط كل من الرئيسين المنتخبين والحاكمين بارادة شعبيهما وخيارهما الفعلي. وأعطت النتائج لبوتين وشافيز، شخصيا وبشكل عام، دروسا كبيرة تبينت في تصريحاتهما بعدها وفي الاعتراف بها وقياس مدى التطور السياسي والاجتماعي في بلديهما. ويلفت الانتباه هنا التباينات الصارخة في مواقف وسائل الإعلام والغرب منهما، ففي الوقت الذي هللت لما حصل في فنزويلا عارضت وبتصريحات معادية لما تم في روسيا، وهي مواقف غير مفاجئة، بل متوقعة، تعكس تناقضات الغرب الرسمي وآلته الاعلامية في محاربة الارادات الشعبية والخيارات التي تحترم حقوقها وتعارض السياسات الغربية الرأسمالية والاستعمارية. وهي في كلا الحالتين ليست في صالح السياسات الغربية والأمريكية خصوصا، وضد محاولات فرض الهيمنة الإمبراطورية.
لقد اعترف شافيز بأنه تسرع في مقترحاته وإصلاحاته وانه استمع في الاستفتاء لصوت الشعب، وان أفكاره ستظل حية وسيأتي آوانها. بينما اعتبر البيت الأبيض الأمريكي أن رفض الفنزويليين التعديل الدستوري الذي اقترحه شافيز، هو “فأل حسن” للحرية في البلاد(!). ولكنه مع غيره شكك في الانتخابات الروسية، ودعا إلى التحقيق في اتهامات المعارضة الروسية بحدوث تجاوزات وعمليات تزوير. وكأنه في هذه الحالة يوزن ما حصل بمعايير سليمة لم يتناقض معها ويتعارض بممارساته معها في اكثر من بلد ومنطقة على الكرة الارضية، وكأن الاحتلال البغيض والسجون العار ليست رمزا له.
اعتراف الرئيس شافيز بالوقائع، وحقائق الأمور في بلاده وشعبه قوة له ولسياساته وإقرار فعلي بديمقراطيته وقناعته الاشتراكية وطموحاته المستقبلية، ورد قاطع على منتقديه. وكان البرلمان الفنزويلي، الذي يهيمن عليه حزبه قد ناقش قائمة تعديلات دستورية مقترحة لتعزيز ثورة شافيز الاشتراكية، وعرضها للاستفتاء بطلب المعارضة. ومن بينها تمديد فترة الرئاسة، وجعل الحد الأقصى لساعات العمل في اليوم ست ساعات، وخفض سن التصويت من 18 إلى 16 عاما، وزيادة سلطة الرئاسة على البنك المركزي. ولم يجر التركيز إلا على المقترح الأول وعده إعلان ديكتاتورية بينما أهمل غيره كالعادة المتبعة في التضليل الإعلامي.
أما في روسيا فقد حقق حزب الرئيس فلاديمير بوتين انتصاراً انتخابياً غير مسبوق بحصوله على ثلثي مقاعد البرلمان تقريباً، وهذه أول مرة يتمتع فيها حزب واحد بأغلبية برلمانية في روسيا ما بعد الاتحاد السوفييتي. وقد أشاد بوتين بفوز حزبه (روسيا الموحدة)، قائلاً "فيما يتعلق بروسيا الموحدة، انه ولا شك نجاح، انه نصر، إن شرعية البرلمان الروسي تعززت من دون أدنى شك". وقال إن هذه الانتخابات هي "أهم مؤشر إلى أن بلدنا بات أقوى، ليس اقتصادياً فحسب، وإنما أيضاً اجتماعياً وفي سياساته الداخلية".
تقرير فريق المراقبين المشترك لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا اعتبر الانتخابات "لم تكن نزيهة، وقد أخفقت في تلبية معايير منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ومجلس أوروبا في ما يتعلق بالانتخابات الديمقراطية". وأشاد بأنها "بصورة عامة، كانت حسنة التنظيم، والمراقبون لاحظوا تحسناً مهماً في التنظيم التقني". ولكنه توقف عند "الاندماج بين الدولة وحزب سياسي يشكل استغلالاً للسلطة وانتهاكاً واضحاً للمعايير الدولية". إلا انه لم يشر إلى عمليات تزوير أو انتهاكات محددة. أما ما هي المعايير التي يعتمد عليها ويتخذ موقفه منها، فهي موضع تساؤل واستنكار من أطراف في داخله، والنماذج الفاضحة لمثل الازدواجية فيها لا تعد ولا تحصى.
صورة ما حصل في روسيا وفنزويلا تغني كثيرا المشهد السياسي العالمي، وتكشف من جهة أخرى مدى مصداقية الغرب الرسمي عموما من شعاراته البراقة، وتجاوزه على الخيارات الشعبية، التي راهنت على فارق ضئيل في فنزويلا، رفضت بموجبه اصلاحات عامة تسرع في خطى بناء دولة جديدة متميزة في تطبيقاتها المعارضة للسياسات الرأسمالية والأمريكية خصوصا، واعتبرته الحكم والمؤشر بينما سعت إلى التشكيك والإتهامات لأغلبية ساحقة حسمت أمرها ووضعت قرارها في موضعه. والصورة في هذه الحالة تدعو إلى الاستمرار في السماع لصوت الشعب والإرادة الشعبية، السلاح الأمضى في الدفاع عن المكاسب والإنجازات الوطنية والحفاظ على التطورات والتحولات الثورية التي تخدم الشعب والبلد وتصون ثرواته وخياراته ومستقبل اجياله. ويكفي ان ما حصل منح خيارات الشعب وقياداته افضليات اخرى للتطور والبناء والتقدم في مختلف مجالاته. وهذا هو صوت الشعب.