الأحد، 9 ديسمبر 2007

ما لم يتفوه به الناطق باسم الجيش الأمريكي

الجمعة 30/11/2007
رغم كل التعتيم والتضليل الإعلامي يضطر الناطق باسم الجيش الامريكي المحتل للعراق او غيره من البلدان التصريح بجرائم حرب اقترفتها قواته عمدا او خطأ، دون اعتراف بها كجرائم حرب طبعا، ولا يخرج في تصريحاته عن النص المخول به وجوهره لا يبتعد عن اللف والدوران حول هوامش القضية دون تركيز عليها أو حساب لما يتطلبه الموقف وتستدعيه خطورتها على الأرض وحجم انتهاكاتها وخرقها لكل القوانين والأعراف والشرائع، أو تبريرها بعذر اقبح من الذنب، كما هو في الأغلب. متابعة ما يتفوه به هذا الناطق الرسمي تعطي كلمات معدودة عن مقتل مدنيين بنيران قوات أمريكية كانت في مهمة عسكرية لملاحقة وقتل مسلحين و"إرهابيين" و"القاعدة"، وتتكشف بعدها عن نساء وأطفال وشيوخ، لا قدرة لهم على حمل سلاح، تضاف لها المفارقات في تضارب الأنباء والأرقام بين هذا الناطق وغيره من المتحدثين وصولا إلى تشويه الموضوع برمته، والتهرب عن المسئولية فيه.
حسب القناة الأمريكية سي أن أن يوم 21/11/2007: (لقي 13 شخصا مصرعهم في العراق، 11 منهم في سامراء، وفقا للسلطات العراقية والجيش الأمريكي، وثلاثة أشخاص في انفجار عبوة ناسفة قرب حافلة، منهم سيدة في بعقوبة. كما جرح في الحادث ثمانية آخرون، فيما أشارت السلطات إلى أنّ جميع القتلى ينتمون لنفس العائلة. الجيش الأمريكي صرح إنّ 11 شخصا لقوا مصرعهم في سامراء، ومن ضمنهم مسلحون ومدنيون، عندما أطلقت مروحية أمريكية النار على أشخاص كانوا بصدد زرع عبوة ناسفة. وأوضح أنّ مروحية الأباتشي لاحظت أشخاصا في "عمر التجنيد" بصدد زرع العبوة في منطقة سامراء، مما دفع طاقمها إلى فتح النار عليهم).
عند قراءة هذا الخبر لابد من التنبه لصياغات الجمل فيه، فكلها مقصودة، وبهدف التعمية والتغطية على الجريمة وتضيع آثارها بين الجيش الامريكي والسلطات العراقية، ومقارنته مع غيره من امثاله تتجلى الفظائع.
نشرت اغلب وكالات الأنباء يوم 28/11/2007 ما يلي: (أعلنت مصادر أمنية وطبية أمس مقتل 27 عراقياً بينهم 6 نساء وطفل واحد وجرح 19 آخرين خلال اعتداءات متفرقة وغارات أميركية في العراق، حيث قتلت قوات عراقية وأميركية 11 مسلحاً واعتقلت قيادياً في تنظيم ''القاعدة'' و85 مشتبهاً بهم، وأطلقت دورية عسكرية أميركية نيران أسلحتها على حافلة كانت تقل عدداً من موظفي مصرف الرشيد في حي الشعب شمال- شرقي بغداد، مما أدى إلى مقتل 3 نساء ورجل واحد وإصابة امرأة ورجل بجروح. وقال متحدث باسم الجيش الأميركي إن سائق الحافلة كان يقودها في طريق مخصص للسيارات فقط ولم يستجب لرصاصة تحذيرية. كما أعلن الناطق أن قواته شنت أمس الأول عملية عسكرية ضد تنظيم ''القاعدة'' في بيجي، أطلقت النار فيها على سيارة مدنية بعد أن تجاهل سائقها رصاصات تحذيرية فقتلت شخصين وطفلاً كانوا داخلها. وقال الناطق باسم الجيش الأميركي ايد بوكلاتن ''نأسف لمقتل هؤلاء المدنيين، بينما تحاول قوات التحالف التخلص من الشبكات الإرهابية في البلاد'').
رغم اختلاف زمن الخبرين فان الخطاب فيهما مشترك، في الوصف والتحرير والإخبار والصياغة والتوجهات وحتى في اختلاف الأرقام. ومعه يعلن أيضا عن توتر العلاقات بين السلطات الأمريكية والعراقية حول الموضوع، وحادثة ساحة النسور مثال آخر سابق على ذلك، بعد ان راح ضحيتها مدنيون عراقيون على يد عناصر شركة بلاكووتر الأمريكية للتعهدات الأمنية، في 16 سبتمبر/ أيلول الماضي. وتتكرر الحالة نفسها في الهجوم العسكري على مدينة الصدر ببغداد، حيث صرح الجيش الأمريكي إن قواته البرية المشتركة تعرضت لإطلاق نار أثناء إخلاء عدد من المباني السكنية في المنطقة المستهدفة. وجاء في بيانه العسكري: "استدعي الدعم الجوي لقمع العدو، ولقي عندها قرابة ستة من المجرمين حتفهم". وتابع البيان: "هدف العملية هو عضو في مجموعة خاصة متخصصة في عمليات الاختطاف، والمصادر الاستخبارتية تشير إلى أنه قائد خلية معروف وسبق أن تحصل على تمويل من إيران لاختطاف شخصيات بارزة." كما حصل بالتوازي، وحسب الإعلام الأمريكي، في حملة أمنية نفذها الجيش الأمريكي، وبدعم جوي، نجم عنها مصرع 19 مسلحاً و15 مدنياً، من بينهم تسعة أطفال، في غارة استهدفت قيادات تنظيم القاعدة شمال غربي بغداد في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2007. وفي كل هذه الحالات يأتي الرد بإشارات متناقضة وغير معبرة عن تسميتها، لا يتجاوز "أمر مؤسف".
في أية متابعة للأعداد والتصريحات تتبين المرامي التي يتعمد قولها الناطق الرسمي والتي تكون في النهاية وثيقة ادانة اكثر من وسيلة تمرير للجريمة او تغطية عليها، وفق القانون الدولي الانساني. ما يتفوه به الناطق الرسمي في هذه الحدود وتناقضه مع الدعاية الأمريكية عن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية التي ما زالت الإدارة الأمريكية تسعى إلى ترويجها بطرقها الملتوية يفيد بعدم استيعاب دروس فيتنام، حيث راح ضحايا فيها اكثر من ثلاثة ملايين مدني وعسكري فيتنامي، وسقط فيها نحو 58 ألف أمريكي وصارت وصمة عار وإثما تاريخيا وهو ما يحصل اليوم بشكل آخر لتلك المجزرة.
منظمة مراقبة حقوق إنسان التي مقرها واشنطن طالبت بالحد من هذه التصرفات الوحشية. ومثلها الكثير من المنظمات والتجمعات الإنسانية. وصولا إلى الجنرال الأمريكي المتقاعد ريكاردو سانشيز، الذي تلطخت يداه بالدم العراقي، طالب مؤخرا بانهاء الكارثة وسحب القوات الامريكية من العراق، فهل ومتى يتفوه بذلك الناطق الامريكي؟.